تفسير سفر زكريا ٦ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس

ختم النبي القسم الخاص بالرؤى بهاتين الرؤيتين، وهما الرؤيا الثامنة والرؤيا التاسعة. والرؤيا الثامنة تكشف عن دينونة الشر، والرؤيا التاسعة تشير لتتويج يهوشع رمزاً لملك المسيح على شعبه بصليبه.

 

الآيات (1-8): “فعدت ورفعت عينيّ ونظرت وإذا بأربع مركبات خارجات من بين جبلين والجبلان جبلا نحاس. في المركبة الأولى خيل حمر وفي المركبة الثانية خيل دهم. وفي المركبة الثالثة خيل شهب وفي المركبة الرابعة خيل منمّرة شقر. فأجبت وقلت للملاك الذي كلمني ما هذه يا سيدي. فأجاب الملاك وقال لي هذه هي أرواح السماء الأربع خارجة من الوقوف لدى سيد الأرض كلها. التي فيها الخيل الدهم تخرج إلى ارض الشمال والشّهب خارجة وراءها والمنمّرة تخرج نحو أرض الجنوب. أما الشقر فخرجت والتمست أن تذهب لتتمشى في الأرض فقال اذهبي وتمشّي في الأرض.فتمشت في الأرض. فصرخ عليّ وكلمني قائلاً. هوذا الخارجون إلى أرض الشمال قد سكّنوا روحي في أرض الشمال.”

رؤيا المركبات والخيل. هذه الرؤيا تشير لأن الله كملك على كل الأمم يهيمن على العالم بواسطة خدمة الملائكة. فكل شئوننا الزمانية خاضعة للتدبير الإلهي. ويبدو أن هذه الرؤيا إمتداد لرؤيا الإصحاح الأول. ولكن رؤيا الإصحاح الأول تشير لخطة الله الخلاصية بتجسد الكلمة القادم على فرس أحمر. أما هذه فتشير لخطة الله التأديبية ضد الشر وضد الأمم والشعوب الشريرة ومساندة الله للمؤمنين في حروب إبليس ضدهم، والله يستخدم الملائكة لتحقيق هذا. والملائكة هنا تسمى أرواح السماء. وكيفية العمل مشروحة هنا بطريقة بسيطة، فالله يستخدم الأمم والممالك لتنفيذ مشيئته، فالملائكة تساعد ملوك هذه الممالك لينتصروا على الممالك الأخرى (دا 20:10) وذلك لتنفيذ خطة الله الأزلية. أرواح السماء الأربع= أي الملائكة المكلفين بالعمل في كل أنحاء الأرض فرقم (4) يشير لكل الأرض. خارجة من الوقوف لدى سيد الأرض كلها= أي هم خدام لتنفيذ أوامره. والله قوى ملك بابل ليستخدمه في تأديب شعبه في أورشليم، وبعد أن انتهى دور ملك بابل أتي الله بكورش والملائكة ساعدته ودعمته حتى أسقط بابل، والملائكة شجعت كورش حتى أطلق شعب الله. وإذ بأربع مركبات= تشير لأربع ممالك (راجع دا 2:7) وتشير الخيل الحمر في (2) لبابل ولأنها كانت قد سقطت فهي لم تذكر بعد ذلك. واللون الأحمر كان لأن شعب الله ذاق ألاماً شديدة على يد البابليين وهم دمروا أورشليم والهيكل وبابل بالذات تشير لإبليس، وهذا كان دموياً قتالاً للناس منذ البدء (يو44:8) والخيل الدهم أي السوداء يشيروا للفرس وهؤلاء تحركوا نحو الشمال أي إلى بابل. والخيل الشهب (البيضاء) تشير لليونان وهذه خرجت ورائها لتحطيمها ثم المركبة ذات الخيل المنمرة الشقر فتشير للرومان التي خرجت واكتسحت العالم كله. وإمتدت للجنوب أي مصر. وتوالي ظهور المركبات يشير لقيام دولة في أعقاب سقوط دولة أخرى. ولأن رقم 4 هو رقم العمومية، فالمعنى يكون أن قيام وسقوط الدول عبر الزمان هو لتنفيذ خطة الله الأزلية (دا 20:10) فالممالك في يد الله. والملائكة تحرك رؤساء هذه الممالك لينفذوا أعمال مشيئته الإلهية “فقلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله” (أم 1:21). وكثيراً ما قيل عن الملائكة مركبات الله (مز17:68 + حز إصحاح 1) أما تصرفات العناية الإلهية نحو الأمم والكنائس فتمثلها ألوان الخيل المختلفة. والمركبات خرجت من وسط جبلا النحاس= وهذا يشير إلى أن مشورات الله التي وراء الحوادث هي ثابتة وراسخة مثل جبل من نحاس، هي مشورة أزلية لابد وسوف تتم ولا يمكن لأحد أن يعطلها كما أنه لا يمكن لأحد تحطيم جبال من نحاس. والنحاس يشير للدينونة (راجع تفسير خيمة الاجتماع). والله سيدين هذه الممالك لوحشيتها. وقد يرمز الجبلان للعهد القديم والجديد اللذان يحملان لنا مقاصد الله التي لا تتغير. وكلمة الله تحمل الدينونة للخاطئ (يو48:12 + رؤ16:2) والله يتمم أوامره كملك منتصر يركب مركبة إلهية مظهراً للعالم مجده فهو خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6). وحزقيال رأى الرب على مركبة كاروبيمية أي من الملائكة وفي (7) الشقر تمشت في الأرض كلها= الشقر مترجمة منقطة، ومن آية (3) منمرة أي بها بقع سوداء كالنمر، وهذه البقع تشير للخطية. فهذه الخيل المنقطة تشير لغزو الجيش الروماني للعالم المعروف كله في الفترة ما قبل المسيح= تمشت في الأرض كلها. وكون بقع النمر السوداء تشير للخطية أنظر (ار23:13). وهذا فيه إشارة للإضطهاد العنيف الذي أثارته الدولة الرومانية ضد كنيسة المسيح. الخيل الدهم تخرج إلى أرض الشمال (6). هوذا الخارجون إلى أرض الشمال (8) أرض الشمال تعني بابل (هكذا يسميها الكتاب فهي شمال أورشليم، وكانوا يهاجمون أورشليم أتين من الشمال (راجع أر 20:13). والخيل الدهم هم الفرس الذين هاجموا بابل، وبابل هذه رمز للشيطان (رؤ1:17-6 + 2:18،3،4) وهذه أي بابل حطمت أورشليم وهيكلها وأخذت أبنائها للسبي، فصارت بابل رمزاً لإبليس فهو حطم الإنسان واستعبده. قد سكنوا روحي في أرض الشمال= فالله استراح حين تمت دينونة بابل على يد الفرس في أرض بابل، أرض الشمال، وإرتاح لله حقيقة حين تمت دينونة إبليس وتحرير أولاده من يده.

لكن لنلاحظ قول الكتاب الخيل الدهم تخرج إلى أرض الشمال والشهب خارجة وراءها الدهم أي السوداء، إشارة لسواد الخطية (أر23:13). فاللون الأسود هذا يشير للإنسان قبل المسيح، إذ كان في خطيته أسوداً، وهو حاول أن يجاهد ضد الشيطان بقدر إمكانياته، إلى أن أتى المسيح وبيض ثيابنا بدمه (رؤ14:7) وكان هذا وعد الله منذ زمان (أش18:1). وكانت هذه شهوة قلب الإنسان (مز7:51). والآن بعد أن بررنا المسيح وصرنا خيلاً بيض هو يقودنا (رؤ2:6) أصبح من السهل علينا أن نهزم إبليس، فهذا هو وعد المسيح (لو19:10) أن ندوس الحيات والعقارب، هذا ما سكن روح الله حقيقة.

 

الآيات (9-15): “وكان إليكم كلام الرب قائلاً. خذ من أهل السبي من حلداي ومن طوبيا ومن يدعيا الذين جاءوا من بابل وتعال أنت في ذلك اليوم وأدخل إلى بيت يوشيا بن صفنيا. ثم خذ فضة وذهبا واعمل تيجاناً وضعهاً على رأس يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم. وكلمه قائلاً.هكذا قال رب الجنود قائلا.هوذا الرجل الغصن أسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب. فهو يبني هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه ويكون كاهناً على كرسيه وتكون مشورة السلام بينهما كليهما. وتكون التيجان لحالم ولطوبيا وليدعيا ولحين بن صفنيا تذكاراً في هيكل الرب. والبعيدون يأتون ويبنون في هيكل الرب فتعلمون أن رب الجنود أرسلني إليكم.ويكون إذا سمعتم سمعا صوت الرب إلهكم.”

نجد هنا أن وفداً أتى من بابل، من أهل السبي الذين مازالوا في السبي، لكنهم حينما سمعوا بأخبار البناء أرسلوا هدايا وكلم الرب النبي أن يقبل منهم هديتهم ويتوج يهوشع، ويتوجهم هم أيضاً، هنا نرى أن يهوشع يرمز للمسيح الذي كلل على الصليب، وكللت الكنيسة معه وهذا يشير إليه تتويج هؤلاء العائدين من السبي. فمن ترك بابل أرض الخطية، وترك العبودية لإبليس، وذهب لأورشليم (الكنيسة) تائباً، فهذا يكلل. وعلاقة هذه الرؤيا بالسابقة واضحة. ففي الرؤيا السابقة رأينا نهاية بابل وسيادة أبناء الله على إبليس. وهنا نرى كيف حدث هذا، فنحن نسمع هنا عن تجسد المسيح وتقديم نفسه ذبيحة، لكي بدمه نَطهُر ونصير خيلاً بيض، وفي الرؤيا السابقة نسمع أن الرومان، الخيل المنمرة إنطلقت نحو الجنوب، إلى مصر، ولكن كان ذلك مروراً باليهودية وأورشليم، والمعنى أن زمن مجيء المسيح ليتجسد ويقوم بفدائه على الصليب، سيكون في أيام سيادة الدولة الرومانية على اليهود فأورشليم جنوب روما. وطبعاً ستكون لروما وقت مجيء المسيح سيادة على كل العالم، حيث أن الخيل المنمرة تمشت في الأرض (7:6). والعائدين من أرض السبي كانوا حلداي= ويسمى حالم (آية 14). وطوبيا ويدعيا. والله أمر النبي أن يجمع هؤلاء العائدين في بيت رجل اسمه يوشيا بن صفنيا. وهذا يرمز للمسيح، يوشيا= الذي يخلص. وصفنيا= يهوه الذي يخفى أو الذي يستر فالمسيح خلصنا بأن سترنا بدمه (هذا معنى الكفارة). وبيت يوشيا هو رمز للكنيسة التي يجتمع فيها ويدخلها العائدون من سبي الخطية. والنبي سيأخذ عطاياهم ويدخل لبيت يوشيا. وماذا سيأخذ؟ ذهباً وفضة= هذه تشير لطاقات الإنسان التي كان يستعملها في الشر وقت أن كان في السبي. لكن عند العودة تقدست هذه الطاقات في بيت الله، أي الكنيسة هيكل الرب. وكل التيجان وضعت على رأس يهوشع= والمعنى أن المسيح هو رأس الكنيسة (1كو27:12 + كو18:1) والرأس له التيجان، وهو الذي حارب وغلب، فهي حق له، بل حقيقة الآن حينما نغلب، فالمسيح هو الذي يغلب (رؤ2:6) والمسيح ملك علينا بصليبه وأصبح هو سيد على كل طاقاتنا ومواهبنا، وحينما تكون لنا أعمال صالحة، فهذا يمجد الله (مت16:5). ولاحظ أن زربابل كوالي مختفي من هذا المشهد، وأن الذي يكلل هو يهوشع، وذلك رمز لأن المسيح بصفته رئيس كهنة، وقد قدم نفسه ذبيحة على الصليب، قد تكلل وصار ملكاً علينا. وما يمجد المسيح في أعين العالم أن أتباعه يكون لهم الذهب والفضة أي لهم الحياة السماوية (الذهب)، وقد تقدسوا بكلمة الله (الفضة) وبهذا يظهر للعالم أن المسيح صار ملكاً علينا. يهوشع= يهوه يخلص، يهوصادق= يهوه برنا. فمعنى اسم رئيس الكهنة أن يهوه مسيحنا بصليبه سيبررنا وحتى لا يفهم يهوشع أن هذا التكريم هو لشخصه، بل هو مجرد رمز للمسيح كان على النبي أن يشرح له هذا.. هوذا الرجل الغصن اسمه.. (12) الغصن= كانت أسرة داود كشجرة قطعت ولم يبق فيها غير جذعها البالي، ومن هذا الأصل الوضيع إذا بالمسيح ينبت كغصن منها مرة أخرى (أش1:11،2 + 2:4 + أر5:23) ومن مكانه ينبت= الشجرة الأصلية هي عائلة داود الذي نشأ في بيت لحم، فالمسيح سينشأ ويولد في بيت لحم مكان داود، وسيحمل صفته كملك. وتشير أيضاً هذه الآية ضمناً إلى طلوع الكنيسة من المسيح أصل الشجرة. يبني هيكل الرب. يبني هيكل الرب= المسيح أتى ليؤسس الكنيسة لتكون هيكله (يو21:2)، وتكرارها مرتين، فلأنه كون جسده من اليهود والأمم ووحدهما فهو الذي جعل الإثنين واحداً. وتشير الآية لأن ما يبنى الآن بيد زربابل ما هو إلا رمز لهيكل جسد المسيح الذي سيبنيه المسيح (1بط5:2). وفي (13) يحمل الجلال= كان الصليب مجده، فحمله، فالرياسة كانت على كتفه (أش6:9) يجلس ويتسلط= فله سلطان مطلق وأعداؤه سيكونون عند موطئ قدميه. (راجع مز1:110 + في10:2) ويكون كاهناً على كرسيه= الكرسي هو كرسي الملك ولأول مرة منذ أيام ملكي صادق نسمع أن يجتمع الملك والكهنوت لأحد. وملكي صادق صار رمزاً للمسيح الذي جمع الملك والكهنوت. فهو كرئيس كهنة قدم ذبيحة نفسه وبهذا ملك على قلوبنا وجلس وتسلط ووضع أعداؤه عند موطئ قدميه. وتكون مشورة السلام بينهما كليهما= أي بين الوظيفتين اللتين جمعهما في نفسه، أي الكهنوت والملك. إذ بفضل هاتين الوظيفتين تحصل مشورة السلام، فهو ككاهن قدم ذبيحة نفسه صالحنا مع الله مصالحة أبدية وحين نملكه على قلوبنا، وإذ هو ملك السلام، يملأ قلوبنا سلاماً. وفي (14) هنا نرى تكليل من ملك المسيح على قلبه وأتى بالتوبة إلى الكنيسة تاركاً أرض الخطية. حين بن صفنيا= هو نفسه يوشيا بين صفنيا. فالمسيح يكلل، وأتباع المسيح يكللون. والكتاب استخدم هنا اسم حين لأن العادة اليهودية أن يكون للشخص أكثر من اسم. ولكن إسم حين= شفقة/ حنان/ عطف/لطف. فالمسيح من حنانه يسترنا ويغطينا ويكللنا معه. تذكاراً في هيكل الرب= هذه تمت بالفعل، فبعد أن صنع النبي تيجاناً للعائدين من السبي، وضعها في الهيكل كتذكار بوعد الله بمجيء المسيح ليعطي السلام. ويعني وضع التيجان في هيكل الرب أنه لا أكاليل لنا بالإنفصال عن الكنيسة هيكل الرب. وفي (15) البعيدون يأتون ويبنون= هذا يعبر عن إيمان الأمم البعيدين، بل أنهم سوف يساعدون في البناء، وسيأتون بتقدمات كما أتى حلداي وطوبيا ويدعيا بتقدمات. ويكون إذا سمعتم سمعاً صوت الرب إلهكم= هذه موجهة لنا وبهذا تشير لشهوة قلب الله أن يعطي أكاليل لأولاده ويمتعهم ببركات كثيرة، ويعطيهم فضائل لها أكاليل، يفرحهم في الأرض ويملأهم سلاماً، ويمتعهم بمجد أبدي. وهذه موجهة أيضاً لليهود لأن الله يعلم أنهم لن يطيعوا ولن يؤمنوا بالمسيح لذلك يقول = إذا سمعتم.. فهو جاء إلى خاصته ليسمعوا ولكن خاصته لم تقبله.

فاصل

فاصل

تفسير زكريا 5 تفسير سفر زكريا
القمص أنطونيوس فكري
تفسير زكريا 7
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى