تفسير سفر صفنيا ١ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الأول
ظن الغالبية أن الله لن يسمح بالسبي ليهوذا كما حدث مع إسرائيل، لأن يهوذا تضم أورشليم مدينة الله، وبها الهيكل، مسكن الله. فخلطوا بين عبادة الله والعبادة الوثنية، وحتى عندما قام يوشيا بالإصلاح اكتفى الغالبية بالإصلاح الظاهري الشكلي، دون إصلاح القلب الروحي. لهذا جاءت نبوة صفنيا تؤكد مجيء يوم الرب الذي فيه يؤدب يهوذا، وتسقط أورشليم تحت السبي، ويتم خرابها.
1. مقدمة 1:
كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى صَفَنْيَا بْنِ كُوشِي بْنِ جَدَلْيَا بْنِ أَمَرْيَا بْنِ حَزَقِيَّا،
فِي أَيَّامِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا. [1]
جاءت مقدمة السفر تؤكد أن ما يسجله صفنيا النبي ليس من كلماته، بل هي كلمة الرب، أُعلنت له من السماء.
يقدم لنا شجرة العائلة إلى أربعة أجيال سابقة تنتهي بحزقيا الملك، المذكور في ملوك الثاني (18: 1).
لقد بدأ يوشيا حركة الإصلاح في السنة الثانية عشر من حكمه، فإن كان صفنيا النبي بدأ نبوته مع بداية حكم يوشيا، فبالتأكيد كان له دوره الرئيسي في حركة الإصلاح.
لا نعجب من إصرار النبي على ذكر آمون عابد الأوثان، الذي جاء من نسله يوشيا الذي بذل كل ما في وسعه للإصلاح الديني والروحي. فمن جهة أراد تأكيد خطورة الشر. فمع كل الجهد الذي بذله يوشيا إلاَّ أن الشعب كانوا كما في حالة مرض مُستعصى، حيث تفحَّل الفساد بينهم بسبب آمون. ومن جانب آخر أراد أن يفتح باب الرجاء أمامنا، فإن كان الأب فاسدًا كمن لا يُرجى منه خير، إلاَّ أن الابن الشاب الصغير تحدى فساد أبيه وانطلق للعمل بروح القوة. وكما يعلن الرب نفسه على لسان حزقيال عن مسئولية كل إنسانٍ عن تصرفاته، لا عن استحقاقات والده: “ها كل النفوس هي ليّ، نفس الأب كنفس الابن، كلاهما ليّ، النفس التي تخطئ هي تموت” (حز 18: 4). “وإن ولد ابنًا رأى جميع خطايا أبيه التي فعلها فرآها ولم يفعل مثلها… فإنه لا يموت بإثم أبيه. حياة يحيا” (حز 18: 14، 17).
* النفس التي لا تسكن في الله هيمصدر شرورها، فتخطئ، والنفس التيتخطئ هي نفسها تموت(2).
القديس أمبروسيوس
2. خراب يهوذا 2-6:
نَزْعًا أَنْزَعُ الْكُلَّ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. [2]
خلق الله الأرض لكي يتمتع بها الإنسان كسفيرٍ له ووكيلٍ للسماء، فتكون الأرض أيقونة السماء، أما وقد فسد الإنسان فالله ينزع هذه الأرض من الوجود. فالخطية أفسدت الإنسان كما أفسدت الأرض التي يعيش عليها. هذا وقد نزل كلمة الله السماوي إلى أرضنا، لكي يُقيم من قلوبنا سماءً ثانيةً، تتأهل بنعمته لسكناه. فمن يُصِّر أن يبقى أرضًا وترابًا لا يستحق البقاء، بل يسمع الصوت الإلهي: “نزعًا أنزع الكل عن وجه الأرض” [1]. أما إذا صرنا سماءً فنحيا مع الرسول بولس في السماويات، لا نُنزع، بل نتمتع بالأحضان الإلهية أبديًا.
هكذا مادام الإنسان يصر أن يبقى ترابيًا (أرضيًا) فإنه يشرب كأس مرارة الخطية الذهبي، فيسكر، ويفقد توازنه، بل وكل حياته. لذا لاق بنا أن نطلب من الله أن ينزع كل ما هو أرضي من قلوبنا.
* “بابل كأس ذهب بيد الرب تُسكر كل الأرض” (إر 28: 7)… إن أردت أن تعرف كيف أن كل الأرض أصبحت سكرى بفعل كأس بابل، أنظر إلى الخطاة الذين يملأون الأرض كلها. لكنك قد تقول ليّ إن الأبرار لم يسكروا من كأس الخطاة، فكيف يقول الكتاب أن كل الأرض تسكر من كأس بابل؟ لا تظن أن الكتاب لا يقول الصدق حينما يقول ذلك، لأن الأبرار في الواقع ليسوا أرضًا (ترابًا)، وبالتالي فإن كل الأرض فقط، أي الخطاة وحدهم، هم الذين يسكرون. أما الأبرار، فبالرغم من وجودهم على الأرض إلاَّ أن سكناهم في السماوات (في 3: 20). بالتالي لا يليق أن يُقال للإنسان البار: “أنت تراب (أرض) وإلى التراب تعود”، بل سيقول له الرب،طالما أن ذلك الإنسان يلبس صورة السماوي (1 كو 15: 49): “أنت سماء وإلى السماء تعود”. لذلك فإن كأس بابل لن يُسكر إلاَّ الذين مازالوا أرضًا(3).
العلامة أوريجينوس
أَنْزِعُ الإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ.
أَنْزِعُ طُيُورَ السَّمَاءِ وَسَمَكَ الْبَحْرِ،
وَالْمَعَاثِرَ مَعَ الأَشْرَارِ،
وَأَقْطَعُ الإِنْسَانَ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، يَقُولُ الرَّبُّ. [3]
ينزع الإنسان والحيوان، إما بالسبي أو الأوبئة التي تقضي عليهما؛ ويفسد الهواء حتى تموت طيور السماء، وأيضًا تفسد المياه فيموت سمك البحر.
يصور الرب الخراب الكامل الذي يحل بالبشرية الجاحدة لخالقها، فإنه ينزع الإنسان والحيوان، فإن كان الإنسان يُشير إلى النفس البشرية العاقلة، والحيوان إلى الجسد الحيواني، فإن الخطية تدمر حياة الإنسان ككلٍ، تفقده طبيعته العاقلة، كما تُحطم جسده إذ يظن أن سعادته في الملذات الجسدية.
ينزع طيور السماء وسمك البحر، فإن ظن الإنسان أنه قادر أن يطير كما إلى السماء، أو ينزل كما إلى أعماق البحر مع السمك، فإنه لن يقدر أن يختفي من عين الله، ولا أن يهرب من التأديب الإلهي، وكما يقول المرتل: “أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فأنت هناك…” (مز 139: 7-8)، يليق به أن يهرب لا من الله بل إلى الله نفسه.
* أين يهرب عبد الخطية؟ فإنه يحمل (سيدته، أي الخطية) أينما هرب.
لا يهرب الضمير الشرير من ذاته، لا يوجد موضع يذهب إليه.
نعم لا يقدر أن ينسحب من نفسه، لأن الخطية التي يرتكبها هي في داخله. يرتكب الخطية لكي يحصل على شيء من اللذة الجسدية. لكن تعبر اللذة وتبقىالخطية. ما يبتهج به يعبر، وتبقى الشوكة خلفها. يا لها من عبودية شريرة…!
لنهرب جميعًا إلى المسيح، ونحتج ضد الخطية إلى الله بكونه مخلصنا(4).
* إنه يبحث عن موضعٍ إليه يهرب من غضب الله. أي موضع يحمي الهارب من الله…؟ أي موضعٍ لا يوجد فيه الله؟ من يقدر أن يخدع الله؟ من الذي لا يراه الله.
* لنهرب في رجاء وشوق بأجنحة الحب المزدوج (محبة الله ومحبة القريب)، فلا نجد راحة إلاَّ في أعماق بحر (المحبة)… لنهرب إلى الله في رجاءٍ، وفي رجاءٍ مملوء إيمانًا نتأمل في نهاية البحر(5).
القديس أغسطينوس
وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى يَهُوذَا، وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ،
وَأَقْطَعُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ بَقِيَّةَ الْبَعْلِ،
اسْمَ الْكَمَارِيمِ،
مَعَ الْكَهَنَةِ. [4]
إذ ظن البعض أن الله لن يسمح بخراب يهوذا لوجود مدينة الله أورشليم والهيكل، يعلن الله القدوس أن ما يشغله لا أورشليم ولا الهيكل كمبنى، إنما القداسة، التي يُريدها لكل البشر، فإن فقد البشر الحياة المقدسة، فإنه مستعد أن يزيل الأرض كلها بكل ما عليها، هذه التي خلقها من أجل الإنسان.
إن كان الله يمد يده ليؤدب يهوذا بوجهٍ عامٍ، فإنه يؤدب بالأكثر أورشليم التي تكرست كمدينة الله التي تضم الهيكل المقدس، لأنها قد سمحت بالمزج بين عبادة الله والعبادة الوثنية. لقد أعلن إنه سيقطع اسم البعل وعبادته من الأرض، والكماريم (كهنة الأوثان 2 ملوك 23: 5) الذين كانوا يضلون الشعب. يقطعهم مع أصنامهم، وأيضًا يقطع الساجدين للكواكب، والذين كانوا يحلفون باسم ملكوم.
“البعل” الإله الفينيقي الحارس. وقد سقط إسرائيل في هذه العبادة الوثنية منذ عصر القضاة (قض 2: 13). وقد أقام الملك منسى تمثالًا للبعل في الهيكل نفسه (2 مل 21: 3، 5، 7).
كماريم(6): الأصل العبري مشتق من كلمة التي معناها “أسود”، إذ كان الكهنة يرتدون ثيابًا سوداء، كما كانوا يضعون علامة سوداء على جباههم. يرى البعض أن كهنة ملوخ كانوا يدعون بالرجال السود، ذلك بسبب الدخان المستمر الذي كان يتصاعد من المذبح الذي يحرقون عليه الذبائح البشرية، حيث يُقدم البعض أطفالهم ذبائح. فكانت وجوه الكهنة سوداء. كما أن كلمة كماريم تعني “غيرة” لتعصبهم وغيرتهم على نشر الوثنية.
وَالسَّاجِدِينَ عَلَى السُّطُوحِ لِجُنْدِ السَّمَاءِ،
وَالسَّاجِدِينَ الْحَالِفِينَ بِالرَّبِّ،
وَالْحَالِفِينَ بِمَلْكُومَ. [5]
يرفض الله الخلط بين ما لله وما لإبليس، والشركة بين النور والظلمة. فإنه إذ يُسلم جزء من القلب لإبليس يقتحمه ليملك عليه تمامًا، وإذا تُرك جزء من القلب لله يرفضه تمامًا ويفارقه. إبليس بخداعه يتسلل ليملك تمامًا، والله بحبه لن يقحم نفسه ما لم يُسلم له القلب تمامًا ليُقيم فيه ملكوته.
اعتاد البعض أن يمزج بين عبادة الله الحيَّ وعبادة الأوثان، وأن يضيف في قَسَمِه بالله الحيَّ اسم أو أسماء آلهة وثنية.
كانت عبادة الشمس أو القمر أو أحد الكواكب أمرًا شائعًا وهي من أقدم العبادات الوثنية.
وَالْمُرْتَدِّينَ مِنْ وَرَاءِ الرَّبِّ،
وَالَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُوا الرَّبَّ وَلاَ سَأَلُوا عَنْهُ. [6]
هنا يقسم الشعب إلى فريقين، فريق استجاب لدعوة يوشيا الملك بالتوبة، لكن إلى حين، ثم ارتدوا من وراء الرب ليمارسوا الرجاسات الوثنية. هؤلاء وضعوا أيديهم على المحراث ونظروا إلى الوراء. أما الفريق الثاني، فلم يستجب لدعوة الملك ولم يشغلهم الرب في شيءٍ.
يُركز السفر على ثلاثة أخطاء رئيسية، وهي:
- عبادة الأوثان [4-5].
- التعريج بين الفريقين، تارة يقسمون بالله الحيَّ، وأخرى بملوك [5].
- إعطاء القفا لله [6].
3. يوم الرب قريب 7-13:
اُسْكُتْ قُدَّامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ،
لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ.
لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَعَدَّ ذَبِيحَةً.
قَدَّسَ مَدْعُوِّيهِ. [7]
إذ كان كثيرون يسخرون بكلمات الأنبياء التي تهدد بخراب أورشليم، قائلين بأنه قد عبرت أجيال وأجيال ولم يحدث شيء من هذا، وأن الأنبياء إنما يهددون بما لن يتم مطلقًا، لذا يقول صفنيا النبي: “يوم الرب قريب” [7].
يُعتبر الزمن الحاضر هي أيام البشريفعلون ما يحلو لهم، أما اليوم الأخير حيث يعلن الله ملكوته الأبدي، فيضم إليه مؤمنيه الحقيقيين فهو يوم الرب، ويُحاسب كل إنسانٍ حسب أعماله. كما يعتبر يوم العبادة الأسبوعي هو يوم الرب، حيث يكرس المؤمن هذا اليوم للعبادة ليكون سرّ بركة للأسبوع كله. ويُحسب أيضًا يوم التأديب الذي يتحقق في هذا الزمن في الزمان المناسب لكل أحدٍ هو يوم الرب، وهو قريب.
سمح للبابليين أن يقتلوا ويذبحوا من اليهود عندما ينتصرون على يهوذا، وحُسب هؤلاء القتلى كما لو كانوا ذبيحة يقدمها الكهنة للرب. هنا يصور النبي قتلهم في مرارة، أنهم يُقتلون بلا رحمة ودون إثارة ضمير، بل يحسبهم قاتلوهم ذبيحة مقدمة للرب! يتهللون ويفرحون أثناء قتلهم بتقديم الذبائح البشرية كما في يوم عيدٍ.
جاءت كلمة الرب تصف ذلك اليوم: “فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة للانتقام من مبغضيه، فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم، لأن للسيد رب الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات” (إر 46: 10). أيضًا قيل: “وأنت يا ابن آدم فهكذا قال السيد الرب: “قل لطائر كل جناحٍ، ولكل وحوش البر، اجتمعوا وتعالوا احتشدوا من كل جهة إلى ذبيحتي التي أنا ذابحها لكم، ذبيحة على جبال إسرائيل لتأكلوا لحمًا وتشربوا دمًا، تأكلون لحم الجبابرة وتشربون دم رؤساء الأرض” (حز 39: 17-18).
وَيَكُونُ فِي يَوْمِ ذَبِيحَةِ الرَّب،ِ
أَنِّي أُعَاقِبُ الرُّؤَسَاءَ وَبَنِي الْمَلِكِ
وَجَمِيعَ اللاَّبِسِينَ لِبَاسًا غَرِيبًا. [8]
إذ يؤدب الرب شعبه يبدأ بالرؤساء وأبناء الملك والأشراف والقيادات مثلهم كسائر الطبقات المخطئة بلا تحيز.
إذ سمح الله لنبوخذنصر بذبح عظماء يهوذا الأشرار، مقدمًا إياهم كذبيحة بدأ بالرؤساء أو الأمراء، إذ كان يجب أن يكونوا قدوة للشعب، فصاروا عثرة لهم. وقد تحققت هذه النبوة حيث قُتل أبناء صدقيا (إر 39: 6).
“جميع اللابسين لباسًا غريبًا”، يقصد بهم الأمراء ورجال الحاشية الذين كانوا يرتدون ثيابًا مستوردة من الخارج ثمينة جدًا، كنوعٍ من الترف والعظمة؛ ولعل هذه الثياب كانت خاصة بالوثنيين يتباهون بها أثناء العبادة الوثنية. باستخدام هذه الثياب حُسبوا كمن شاركوا في العبادة الوثنية. ويرى البعض أن الثياب الغريبة هي التي منعتها الشريعة كأن يرتدي الرجال ثياب النساء، والعكس أيضًا (تث 22: 5).
وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُعَاقِبُ كُلَّ الَّذِينَ يَقْفِزُونَ مِنْ فَوْقِ الْعَتَبَةِ،
الَّذِينَ يَمْلأُونَ بَيْتَ سَيِّدِهِمْ ظُلْمًا وَغِشًّا. [9]
“الذين يقفزون من فوق العتبة”؛ تعبير غالبًا ما يقصد به اعتداء الإنسان على حقوق قريبه، كمن يقفز فوق العتبة ليغتصب شيئًا من بيت قريبه بالعنف كما بالخداع.
يرى البعض أنه يقصد هنا الذين يداهنون الحاشية الملكية، حيث كانوا يغتصبون ما للغير لحساب سادتهم، فيكونون أشبه بكلاب الصيد التي تقفز فوق العتبة لتغتصب مال الآخرين لحساب رجال القصر. ويرى آخرون أنه يُشير إلى الفلسطينيين الذي اغتصبوا تابوت الله وجاءوا به إلى أشدود، ودخلوا به بيت داجون ووضعوه بالقرب من الإله داجون، وإذ سقط الأخير على وجهه على الأرض أمام تابوت العهد ورأسه ويداه مقطوعة على العتبة كان الكهنة وجميع الداخلين يثبون لكي لا يطأوا العتبة بأقدامهم، وصار ذلك عادة بالنسبة لكل الداخلين إلى هيكل داجون (1 صم 5: 1-5). ويرى القديس جيروم أنه يُشير هنا إلى الصاعدين على درجات الهيكل في تشامخ وكبرياء.
وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ،
صَوْتُ صُرَاخٍ مِنْ بَابِ السَّمَكِ،
وَوَلْوَلَةٌ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي،
وَكَسْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الآكَامِ. [10]
باب السمك: أُشير إلى هذا الباب في نحميا (3: 3)، وهو مقابل يافا Joppa، وربما هو الباب الذي جاءت منه أخبار اقتحام الجيش الكلداني بعنف من منطقة الآكام. دُعي باب السمك لقربه من سوق السمك، ولأن صيادي السمك القادمين من بحيرة طبرية ونهر الأردن كانوا يعبرون من هذا الباب.
إذ صار الصراخ من باب السمك كان رد الفعل في القسم الثاني أو الجزء الأسفل من المدينة حيث ولولوا لسماعهم الصرخات القادمة.
إذ صارت الصرخات تدوي حول أسوار أورشليم قادمة من الجبال المحيطة، تدوي من بابٍ إلى بابٍ حتما حلّ الإحباط بكل السكان في أكثر المناطق أمانًا.
وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ مَكْتِيشَ،
لأَنَّ كُلَّ شَعْبِ كَنْعَانَ بَادَ.
انْقَطَعَ كُلُّ الْحَامِلِينَ الْفِضَّةَ. [11]
وُجد الشر في مكتيش، في مكانٍ سفليٍ بالمدينة عميقٍ أشبه بالهاون. يقطنها التجار ورجال الأعمال وهم مطمئنون، لكن الخراب حلّ بهم، ولم يعد من حامل فضة أو مال يدخل للتجارة! صار شعبها مطحونًا كما يُطحن القمح أو الدواء في الهاون. في سفر حزقيال يشبهها بالقدر التي يُوضع فيها كل قطعة طيبة: الفخذ والكتف مع خيار العظام، ويغليها حتى تُسلق أيضًا عظامها في وسطها (حز 24: 3-5).
يرى البعض أنه يُشير هنا لا إلى موقعٍ معينٍ في أورشليم، بل إلى المدينة كلها، حيث يُضرب الشعب ويُسحقون حتى الموت مثل الحنطة في الهاون.
مكتيش Maktesh أو مورتر Mortar أي هاون، وهو اسم ينطبق على وادي سلوام Siloam بشكله المجوَّف. هذا الوادي هو بين صهيون وجبل الزيتون MountOlivet في أقصى الجانب الشرقي من جبل المريا Moria حيث يقطن التجار.ربما كانت بجوار باب السمك.
وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنِّي أُفَتِّشُ أُورُشَلِيمَ بِالسُّرُجِ،
وَأُعَاقِبُ الرِّجَالَ الْجَامِدِينَ عَلَى دُرْدِيِّهِمِ،
الْقَائِلِينَ فِي قُلُوبِهِمْ:
إِنَّ الرَّبَّ لاَ يُحْسِنُ وَلاَ يُسِيءُ. [12]
إذ يرى البعض الأبرار في ضيق بينما يتمتع الأشرار بنجاحٍ وازدهارٍ، كثيرًا ما يتساءلون قائلين: أين العدالة الإلهية؟ أين المكافأة التي ينالها الأبرار؟ وأين العقوبة التي تحلٌ بالأشرار؟ أين هي رعاية الله واهتمامه بالبشرية؟
هنا يصوَّر الله وهو يؤدب أورشليم على شرورها أنه ممسك بسرجٍ، يفتش حتى في الأماكن الخفية المظلمة، لكي لا يهرب شرير من التأديب الإلهي. هنا يفتش الرب أورشليم بسرجٍ لا ليبحث عن الدرهم المفقود (لو 15: 8-10)، فقد قدم فرصًا كثيرة للخطاة كي يرجعوا إليه، لهذا يستخدم السرج ليفرز الأشرار المُصرين على الاستهانة بإنذارات الله، لكي يؤدبهم.
يُعاقب الله ليس فقط الذين يسكرون بخمر محبة الترف والعالم، وإنما حتى الذين يشربون ما يتبقى من رواسب في زجاجات الخمر (التفل). هؤلاء في سكرهم يسقطون في الإلحاد العملي، حيث لا ينكرون وجود الله، إنما ينكرون عنايته بالعالم أو اهتمامه بالبشر، وكأنه لا يشغله الإنسان في شيءٍ.
في هذا الأصحاح يظهر الرب كمن هو في وسط يهوذا لكي يدينها أو يؤدبها، أما في الأصحاح الأخير فيعلن عن سكناه وسط البشرية لكي تتهلل به كما يبتهج هو بها، لأنها موضع سروره. هنا يعلن تأديبه ليهوذا المتعبدة للأوثان، الأمر الذي لا يطيقه الله بالنسبة لشعبه.
* جاء الرب يسوع إلى أورشليم في الهيكل. وإذ نظر حوله على كل شيء،ٍ إذ كان الوقت متأخرًا ذهب إلى بيت عنيا مع الاثني عشر (مر 11: 11). دخل الرب أورشليم في الهيكل. وإذ دخل ماذا فعل؟ تطلع إلى كل شيءٍ. كان في هيكل اليهود يطلب مكانًا لراحة رأسه فلم يجد…
تطلع إلى اليهود؛ وكان يود أن يكون في وسطهم، لكنه لم يجدهم…
كان يقيِّم كل ما هو حوله كمن يبحث بسرجٍ، لذلك يقول صفنيا النبي: “أفتش أورشليم بالسرج” (صف 1: 12).
بنفس الطريقة تطلع الرب أيضًا حوله في كل شيءٍ بضوء سراجٍ. كان يبحث في الهيكل فلم يجد ما طلبه. إلى أن جاء المساء وكان لا يزال يفحص كل شيءٍ… مادام يوجد نور، فقد بقي في الهيكل. أما وقد حلّ المساء، عندما حلَّت ظلال الجهالة، فأظلم هيكل اليهود، ذهب إلى بيت عنيا مع الاثني عشر.
لقد بحث المخلص، وبحث الرسل، وإذ لم يجدوا شيئًا في الهيكل تركوه(7).
القديس جيروم
* هذا السؤال غالبًا ما يتردد في أذهان من ليس لهم إيمان عظيم ومعرفة، ظانين أن مكافأة القديسين التي لا توهب في هذا العالم بل في الحياة العتيدة، تُمنح لهم في هذه الفترة القصيرة من الحياة الزائلة. أما نحن فقد وضعنا رجاءنا في المسيح، لا في هذه الحياة، لئلا نصير كقول الرسول أشقى جميع الناس (1 كو 15: 19).
فالله لا يمنع التجارب عن المستقيمين، ولا يكافئ في هذا العالم الصالحين بأمورٍ نافعةٍ، والأشرار بأمورٍ شريرةٍ.
فإن قلنا بغير هذا نسقط في العقاب مع من ذكرهم صفنيا النبي: “القائلين في قلوبهم إن الرب لا يحسن ولا يسيءُ” (صف 1: 12). أو على الأقل نصير بين المجدفين على الله القائلين: “كل مَن يفعل الشرَّ فهو صالح في عيني الرب، وهو يُسَرُّ بهم. أو أين إله العدل؟” (مل 2: 17)، ونسقط في التجديف الذي وصفه (النبي) هكذا: “عبادة الله باطلة، وما المنفعة من أننا حفظنا شعائرهُ وأننا سلكنا بالحزن قدام رب الجنود. والآن نحن مطوِّبون المستكبرين، وأيضًا فاعلو الشرّ يُبنَون بل جرَّبوا الله ونجوا” (مل 3: 14، 15)(8).
الأب ثيؤدور
فَتَكُونُ ثَرْوَتُهُمْ غَنِيمَةً وَبُيُوتُهُمْ خَرَابًا،
وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَلاَ يَسْكُنُونَهَا،
وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَلاَ يَشْرَبُونَ خَمْرَهَا. [13]
إن كان الله في طول أناته لا يسرع بفرض عقوبةٍ على الأشرار، منتظرًا توبتهم خلال ترفقه بهم، لكن حتمًا إن لم يرجعوا فسيشربون من الكأس التي ملأوها.
يجردهم العدو من كل شيء، من ثروتهم، ومن بيوتهم التي من عمل أيديهم، كما من كرومهم التي غرسوها، إذ يستولى الغزاة على كل شيء. بهذا تتحقق النبوة الواردة في (تث 28: 30، 39) عن الذي لا يسمع لصوت الرب: “تخطب امرأة ورجل آخر يضجع معها، تبني بيتًا ولا تسكن فيه، تغرس كرمًا ولا تستغله… كرومًا تغرس وتشتغل وخمرًا لا تشرب ولا تجني، لأن الدود يأكلها”.
يستخدم القديس جيروم هذه العبارة مع عبارات أخرى من الكتاب المقدَّس ليوضِّح أنه ليس من شيء في هذا العالم يستطيع أن يشبع أعماق الإنسان. يقول: [يجب ألاَّ نطلب شهوة الممتلكات والمال؛ جاء في سليمان، في سفر الجامعة: “من يحب الفضة لا يشبع من الفضة” (جا 5: 10). وفي الأمثال: “مُحتكر الحنطة يلعنه الشعب، والبركة على رأس البائع” (أم 11: 26). أيضًا في إشعياء: “ويل للذين يَصِلون بيتًا ببيتٍ، ويقرنون حقلًا بحقلٍ، حتى لم يبقَ موضع؛ فصرتم تسكنون وحدكم في وسط الأرض” (إش 5: 8). وأيضًا في صفنيا: “ويبنون بيوتًا ولا يسكنونها، ويغرسون كرومًا ولا يشربون خمرها؛ لأن قريب يوم الرب” (صف 1: 13-14). وفي الإنجيل بحسب لوقا: “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟” (لو 9: 25)(9)].
* بخصوص ذاك اليوم يقول عاموس النبي: “ويل للذين يشتهون يوم الرب. لماذا لكم يوم الرب؟ هو ظلام لا نور” (عا 5: 18). ويقول صفنيا النبي ذات الأمر: “صوت يوم الرب مروع ومرّ” (صف 1: 14-15). هذا هو السبب الذي لأجله يُقدم لنا الشخص النادم يطلب بغيرة في صلاته لكي لا يُدان على أعماله في ذاك اليوم للدينونة. أي شيء أكثر نفعًا وفيه بُعد نظر للشخص أكثر من أن يصلي لمحبة الله الأبويَّة وهو بعد في هذا العالم، حيث توجد فرصة للتوبة، هذا الذي لا يستطيع أن يكون له رجاء في استحقاقاته بسبب خطاياه التي ارتكبها؟(10).
كاسيودورس
* يوجد نور يمكن إدراكه بالحواس، قيل عنه في موسى أنه جاء إلى الوجود في اليوم الرابع، ولكنه ليس بالنور الحقيقي، لأنه ينير الأشياء التي على الأرض. من الجانب الآخر، المخلص هو نور العالم الروحي، إذ يشرق على العاقلين والمفكرين، حتى ترى عقولهم رؤى لائقة. إني أقصد أنه نور النفوس العاقلة التي في العالم المحسوس، الذي يعلمنا عنه المخلص أنه هو الخالق، والموجِّه له… إنه شمس يوم الرب العظيم(11).
العلامة أوريجينوس
4. يوم الرب العظيم 14-18:
قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمِ.
قَرِيبٌ وَسَرِيعٌ جِدًّا.
صَوْتُ يَوْمِ الرّبِّ.
يَصْرُخُ حِينَئِذٍ الْجَبَّارُ مُرًّا. [14]
يقدم النبي هنا تحذيرًا ليهوذا وأورشليم عن قرب الدمار الذي سيحل بواسطة البابليين. إنه ليس يوم البابليين، بل “قرب يوم الرب العظيم”، لأن هذا الدمار إنما بسماحٍ من الرب لتأديبهم.
يؤكد النبي أن يوم التأديب قد صار قريبًا وسريعًا جدًا، ليس من وقت للتراخي أو التأجيل. هنا وهو يتنبأ عن يوم سبي يهوذا كيوم الرب العظيم، يتنبأ أيضًا عن يوم الدينونة العظيم، حيث تقف كل البشرية أمام الرب.
إنها صرخات مختصرة جدًا ومتكررة، لأن الخطر غاية في الخطورة، والوقت مقصر جدًا، ليس من مجالٍ للحوار. إنه يشبه إنسانًا يرى أسرته داخل البيت والنار بدأت تشتعل فيه، فصار يصرخ لعل الكل يسرعون إلى الخروج من أقرب باب لهم أو يقفزون من أقرب نافذة. وكما قيل بعاموس النبي: “إن الرب يزمجر من صهيون، ويعطي صوته من أورشليم، فتنوح مراعي الرعاة وييبس رأس الكرمل” (عا 1: 2).
بدأ هذا اليوم بموت الملك الصالح يوشيا الذي قتله فرعون نخو في موقعة مجدو Megiddo، واستمر اليوم حتى تم خراب أورشليم على يد نبوخذنصر البابلي.
ذهب العالم وفضته لا يستطيعان أن ينقذانا في اليوم الرب العظيم، أما ثروة المؤمن فهي الوصية الإلهية، من يحفظها تحفظه من الغضب الإلهي. الوصية كنز، نقتنيه بعمل النعمة الإلهية، فنحمل برّ المسيح.
ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ سَخَطٍ،
يَوْمُ ضِيقٍ وَشِدَّةٍ.
يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ.
يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ.
يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ. [15]
يوم الرب العظيم هو يوم عرسٍ مفرحٍ للمؤمنين الذين تهيأوا للعرس خلال غنى نعمة الله الفائقة، ويوم سخطٍ وضيقٍ وخرابٍ ودمارٍ وظلامٍ وقتامٍ لمن لم يستعدوا له بالإيمان الحيَّ العامل بالمحبة.
لم تعد اللغات البشرية قادرة على التعبير عن مدى الخراب الذي يحل بيهوذا، فيقدم النبي مترادفات كثيرة لعلها تستطيع أن تصور مدى خطورة ذلك اليوم، فتدعوه يوم سخطٍ، كما يوم ضيقٍ وشدةٍ، وخرابٍ ودمارٍ، وظلامٍ وقتامٍ، وبوقٍ وقصفٍ إلخ.
صورة خطيرة حيث تهب زوابع الغضب الإلهي، فيحل الضيق مع الخراب الشامل، ويصير الكل كمن هم في ظلامٍ ليس من لديه بصيرة ليرى طريقًا للخلاص، ولا من يقدر أن يُقدم مشورة نافعة. إنه يوم سحابٍ كثيفٍ وضبابٍ لا يقدر إنسان أن يقاومه، ويواجهه.
يَوْمُ بُوقٍ وَهُتَافٍ علَى الْمُدُنِ الْمُحَصَّنَةِ،
وَعَلَى الشُّرُفِ الرَّفِيعَةِ. [16]
أية قلعة أو حصن أو أسوار يمكن أن تقف في مواجهة سخط الله. يسمع الذين يظنون أنهم مختفون في مدن حصينة وشُرف رفيعة أصوات أبواق الحرب وهتافات الجيوش المعادية، فينهار كل كيانهم وتنحل قوتهم!
وَأُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْي،
لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ،
فَيُسْفَحُ دَمُهُمْ كَالتُّرَابِ،
وَلَحْمُهُمْ كَالْجِلَّةِ. [17]
يكون الأشرار في يوم الرب العظيم أشبهبالعميان، إذ يعجزون عن التمتع ببهاء مجد الله، يرون الله كديانٍ جبارٍ، لا كعريسٍ سماويٍ يهب شعبه شركة المجد معه.
الذين يسلكون في الشر، ويقاومون الحق، ولا يسمعون لصوت الرب ووصيته يشبهون عميانًا يتخبطون من هنا وهناك، دائمًا في شكٍ وفي خطرٍ! يبحثون عن مهربٍ، لكن بسبب عمى بصيرتهم لا يرون مهربًا ينقذهم.
كل ما يلمسونهم ويتأكدون منه أن السيف يضرب فيهم ودماءهم تتفجر، وأجسادهم تسقط تحت أقدام العدو، ليس من يضمد جرحًا، ولا من يرفع جثة من التراب!
لاَ فِضَّتُهُمْ وَلاَ ذَهَبُهُمْ يَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهُمْ في يَوْمِ غَضَبِ الرَّبِّ،
بَلْ بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُؤْكَلُ الأَرْضُ كُلُّهَا،
لأَنَّهُ يَصْنَعُ فَنَاءً بَاغِتًا لِكُلِّ سُكَّانِ الأَرْضِ. [18]
إذ يشعلون نار الغيرة الإلهية بسبب عصيانهم ورجاساتهم ومقاومتهم لله، يحل الدمار على الجميع، وتصيب الضربة الأرض كلها، فلا يوجد فيها موضع خفي يهرب إليه أحد. هنا لا تستطيع كل الثروة التي اقتنوها ظلمًا أن تحميهم من الدمار. وكما يقول الحكيم: “لا ينفع الغنى في يوم السخط، أما البرّ فينجي من الموت” (أم 11: 4).
* إني قلق ومضطرب إذ أتكلم عن كثرة الحليّ؛ وإني ملتزم أن أدهش كيف أن هؤلاء الذين يحتملون مثل هذا الثقل لا يضطربون من الموت. يا له من تعب فيه غباوة! يا له من خبلٍ سخيفٍ ينفضح…! الرجل الغني، إذ يملأ مخازنه يقول لنفسه: “لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنينٍ كثيرةٍ، استريحي وكلي واشربي وافرحي”. وإذا بالرب في الأناجيل يدعوه بوضوح: “يا غبي” (لو 12: 20)، “هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟” إذ رأى الرسَّام أبيليس Apellesأحد تلاميذه يرسم صورة لشخص مثقَّل بلون ذهبي ليقدمها لهيلانة، قال له: “يا صبي، إذ أنت عاجز عن أن ترسمها جميلة، صورتها غنية”.عن هؤلاء يقول صفنيا النبي: “لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم في يوم غضب الرب” (صف 1: 18). فإن هؤلاء النسوة الذين يتدربن تحت يدي المسيح يليق بهن ألاَّ يتزيَّن بالذهب بل بالكلمة، الذي خلاله وحده يظهر الذهب في النور(12).
القدِّيس إكليمنضس السكندري
* لنُظهر كمال الطاعة التي يُوحى بها إلينا بتوقع مجيئه. ليتنا لا نسرع كما يسرع العبيد، فندافع عن أنفسنا أمام الرب بطريقة مشينة ومخزية. بالحري ليتنا نثابر ونجاهد ونسهر بكل قلوبنا، ونثبت حتى النهاية. لنحفظ وصايا الرب حتى متى حلّ يوم الغضب والانتقام لا نُعاقب مع الخطاة والأشرار، بل نُكرم مع الأبرار وخائفي الرب(13).
الشهيد كبريانوس
من وحي صفنيا 1
ليحل يومك العظيم!
* كثيرًا ما تتساءل نفسي:
متى يحل يومك العظيم؟
حقًا، يظن الشرير أن كل الأيام يومه فيتجبر،
ويئن الصديق مترقبًا يوم مجيئك العظيم.
متى تأتي فتسند كل نفسٍ وسط أنينها؟
* وعدت أنك قادم سريعًا لتؤدب.
لتؤدبني برحمتك، قبل مجيئك على السحاب.
فإنني لا أستطيع أن أهرب منك وإنما أهرب إليك.
أنت ملجأي، احتمي فيك، فلا يحلّ بيّ الغضب!
إن صعدت إلى السماء فأنت هناك،
وإن هبطت إلى الهاوية أجدك أمامي.
إني أهرب إليك يا أيها السماوي.
فلتنزع عني كل ما هو أرضي بروحك الناري.
فأصير لك سماءً ثانية، لن يقترب إليها الدمار!
* ليحل يومك العظيم الآن،
فأنا أعلم أنك تحطم فيَّ كل ما هو شر،
وتستر عليّ ببرّك وقداستك!
* أترقب مجيء يومك الأخير العظيم!
أراك العريس البهي، لا الديان المخيف!
أرى عينيك حمامتين، أما الأشرار فيرونهما نارًا متقدة.
يوم مجيئك يوم نور وبهاء،
لا يوم ظلام وقتام.
مجيئك هو شهوة قلبي الدائمة،
وليس يوم ضيقٍ وشدةٍ وخرابٍ ودمارٍ.
لتأتِ على السحاب،
وتحملني معك، فأدخل بك إلى حضن الآب!
مقدمة | تفسير سفر صفنيا القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير سفر صفنيا 2 |
تفسير العهد القديم |