تفسير سفر إرميا ١٢ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير إرميا – الأصحاح الثاني عشر
الآيات 1-6
ابر أنت يا رب من أن اخاصمك لكن اكلمك من جهة احكامك لماذا تنجح طريق الأشرار اطمان كل الغادرين غدرا. غرستهم فاصلوا نموا و اثمروا ثمرا أنت قريب في فمهم وبعيد من كلاهم. وانت يا رب عرفتني رايتني و اختبرت قلبي من جهتك افرزهم كغنم للذبح وخصصهم ليوم القتل. حتى متى تنوح الأرض وييبس عشب كل الحقل من شر الساكنين فيها فنيت البهائم والطيور لانهم قالوا لا يرى اخرتنا. أن جريت مع المشاة فاتعبوك فكيف تباري الخيل و ان كنت منبطحا في ارض السلام فكيف تعمل في كبرياء الاردن. لأن اخوتك أنفسهم و بيت ابيك قد غادروك هم أيضًا هم أيضًا نادوا وراءك بصوت عال لا تاتمنهم إذا كلموك بالخير.
أنظر أية حرية أعطانا الله حتى نناقشه من جهة أحكامه. ولكن من الذي لهُ هذا الحق أن يتساءل حول أحكام الله (1) الله يقبل أن نسألهُ عن أحكامه على أن نظل واثقين فيه وفي عدالة أحكامه ونقف أمامه كمن يتعلم ويريد أن يفهم (2) الله يقبل أن نسألهُ إذا كانت هناك محبة داخل القلب ونقف أمامهُ نسألهُ أن يكشف لنا لا بروح المجادلة والإحتجاج. فأحكام الله في بعض الأحيان تبدو بعيدة عن أفهامنا. والقضية التي تحير النبي هنا هي نجاح الأشرار، وكان هذا هو نفس تساؤل أيوب وآساف (مزمور 73) . والأشرار هنا هم الشعب الذي زرعهُ الله وأعطاه أرضا تفيض لبنًا وعسلًا ثم إرتد عنهُ وإضطهد أنبياءه. ولكن فلنعلم أن نجاح الأشرار لحين ونهايتهم شريرة (مزمور 73) والله يطيل أناته عليهم لعل طول أناته تقودهم للتوبة. وفي صلب المسيح رد على تساؤلاتنا فهو صُلِبَ وهو القدوس ومن هذا نرى أن نجاح الأشرار الوقتى هو بسماح من الله وفي النهاية يتمجد الله وماذا كانت نهاية صالبو المسيح إلا الخراب. وفي آية (2) الله غرسهم وأعطاهم بركة كبيرة ولكن في المقابل سبحوه بشفاههم فالكلام سهل لكن القلب مبتعد عنه بعيدًا = أنت قريب في فمهم بعيد عن كُلاهم. وفي آية (3) يبدو أن الله كشف لهُ شرهم ونهايتهم. وأن الله ينظر لقلبه هو أنهُ مستقيم أمامهُ فتعزى بهذا وقال أنت يا رب عرفتنى أما هم فقد عرفتُ إجابة سؤالى في آية (1) بخصوصهم فهم مصيرهم الذبح. فالله سوف يجذبهم خارج المرعى السمين أي أرضهم التي تفيض لبنًا وعسلًا التي أكلوا وسمنوا فيها. فربما حين يذهبون للسبى يقدمون توبة. وفي آية (4) لن تقف الأحكام ضدهم بالسبى بل بخراب أرضهم. ولنلاحظ سبب انحرافهم!! الله لا يرى آخرتنا = فإحساس الإنسان أن الله لا يراه ويعرف شروره ويجازى عليها هو بداية كل الشرور. وربما كان المعنى النبي لا يرى آخرتنا = أي أن عمرهم طويل جدًا والنبى سيموت قبلهم وهذا سبب ثانٍ للشرور أن يتوقع الإنسان أن عمره طويل، ولكن!! “يا غبى في هذه الليلة تؤخذ نفسك” . وفي آية (5) يبدأ الله في إعداد النبي لتحمل آلام أكبر. فالله لم يسمح لأعدائه أن يضعوا أياديهم عليه في بداية طريقه ، فالله الذي خلقنا يعرف إمكانياتنا في التحمل، وهو “لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون” ولكنه يُعد خدامه بالتدريج لاحتمال الألم ، فالألميكمل الخدام (عب10:2) . فمتى نصير للمسيح تلاميذ ينبغي أن نحمل الصليب. حقًا ينبغي أن نُظْهِرْ لإبليس أننا لا نطلب راحة في هذا العالم بل أنظارنا موجهة للسماء والراحة السماوية، وبهذا نفقد إبليس بهذا أسلحته ضدنا، فأسلحة إبليس هي ملذات العالم.
وهنا بعد أن إشتكى النبي من الآلام التي واجهها ومؤامرة أهله لقتله ، يقول لهُ الله بل عليك أن تحتمل ماهو أقسى وأصعب. فلماذا تطلب الراحة “إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا مع”. والله يشرح له هذا ويقول لهُ الله إن جريت مع المشاة فأتعبوك = أي إن كنت تعبت من شر أهل عناثوث حتى إنك إشتكيت وخاصمتنى من جهة أحكامى، فماذا سوف تفعل أمام ملوك ورؤساء وكهنة ورؤساء كهنة أورشليم، وهؤلاء شبههم بالخيل = فكيف تبارى الخيل. أي عليك أن تُعِّدْ نفسك لألام أشد وأصعب. ومثال آخر فأنت الآن مازلت في أرض السلامبالمقارنة لما سيأتي عليك، فما سوف يأتي يشبه كبرياء الأردن = المقصود به مياه الأردن أيام فيضانه التي تجرف كل شيء أمامها ولا يعترض سبيلها شيء. ويشير هذا لأحكام ذوى السلطة على النبي من ملوك ورؤساء كهنة الذين لا يستطيع أحد أن يمنع أو يقف في وجه أحكامهم. والله يريه الآلام التي ستحل به حتى يتشدد ولا يتخاذل، ولاحظ أن الله لم يعده بمنع الآلام عنهُ. وهذا الكلام ينطبق علينا. فنحن يجب أن نتوقع في حياتنا مشاكل وعلينا أن نثق في أن الله يسندنا فلا نخور.
وفي آية (6) إِخْوَتَكَ أَنْفُسَهُمْ وَبَيْتَ أَبِيكَ قَدْ غَادَرُوكَ هُمْ أَيْضًا = غادروكأي غدروا بك. وهنا الله يحذر النبي من محاولات أقربائه لردِّه عن طريق الله ليكف عن نبواته. ولكن هذه المرة سيستعملون الأقوال الناعمة عوضًا عن التهديد والعنف ولا تأتمنهم إذا كلموك بالخير فهم يدبرون شرًا لك إن لم تكف عن نبواتك. فإحذر أن تصدق كلماتهم الناعمة ولا تمتنع عن إعلان نبواتك التي أعطيك لهم لإنذارهم.
ملحوظة خاصة بآية (4) نلاحظ أن النبي وغيره من رجال العهد القديم يطالبون بعقاب الأشرار فلماذا (1) في العهد القديم لم يكن هناك من يميز بين الخاطئ والخطية. (2) الخاطئ يفسد الجماعة. (3) كنبوة عن ما سوف يحدث لهؤلاء الخطاة ويعتبر في نفس الوقت نبوة عن هلاك الشرير الحقيقي ومن وراء كل هذه الشرور وهو إبليس. (4) كان أنبياء العهد القديم يرون أن الموت هو نهاية كل شيء وقليلًا منهم من تكلم عن حياة بعد الموت لذلك كان الأنبياء يشعرون أن البار يجب أن يكافأ على الأرض وأن الشرير يجب أن ينتقم منهُ على الأرض وإلا إختلَ عدل الله.
الآيات 7-13
قد تركت بيتي رفضت ميراثي دفعت حبيبة نفسي ليد اعدائها. صار لي ميراثي كاسد في الوعر نطق علي بصوته من أجل ذلك ابغضته. جارحة ضبع ميراثي لي الجوارح حواليه عليه هلم اجمعوا كل حيوان الحقل ايتوا بها للاكل. رعاة كثيرون افسدوا كرمي داسوا نصيبي جعلوا نصيبي المشتهى برية خربة. جعلوه خرابا ينوح علي وهو خرب خربت كل الأرض لأنه لا أحد يضع في قلبه. على جميع الروابي في البرية أتى الناهبون لأن سيفا للرب ياكل من اقصى الأرض إلى اقصى الأرض ليس سلام لاحد من البشر. زرعوا حنطة وحصدوا شوكا اعيوا ولم ينتفعوا بل خزوا من غلاتكم من حمو غضب الرب.
الله ترك بيته أي الهيكل في (7) لأنهم دنَسوه فأجبروه على مغادرته ولكن مما يؤثر في النفس جدًا أن الله ما زال يسميهم حبيبة نفسي ولكن ها هو يسلمها ليد أعدائها. كم نحزن الله الذي يحبنا بخطايانا حين نضطره أن يؤدبنا فيتألم لألامنا!! “فهو في كل ضيقهم تضايق” (إش63: 9). وهم فقدوا حمايته لذلك وقعوا في يد أعدائهم. وفي (8) يسميهم ثانية ميراثي. ولكنهم صاروا كوحوش تزأر حتى على الله نفسه. ولم يَعُدْ أحد يحبهم لوحشيتهم وصوت خطاياهم يصل للسماء كصوت أسد زائر. أو هذا صوتهم ضد أنبياء الله، وصوتهم ضد أنبياء الله كأنه على الله نفسه. وفي(9) صاروا جارحة ضَبُع = وهي طيور جارحة لها ألوان متعددة في ريشها وهذا إشارة لتعدد دياناتهم الوثنية لاختلاطهم بالشعوب المجاورة وهم بهذا يشعرون أنهم يزدادون جمالًا، ولكنهم أمام الله يزدادون عفونة أما حمامة الله فهي ذات لون واحد. ولنلاحظ أن الطيور الجارحة يثيرها الطيور متعددة الألوان فتهاجمها وتعمل أصواتًا غريبة ضدها. وهكذا بابل، الطير الجارح ستهاجمهم. شيء محزن أن رعية الله حمامته الوديعة تتحول لطيور جارحة. ولنذكر أن الطيور الجارحة محرمة ويحرم دخولها بيت الله. ولكن أورشليم تحولت كما لو كانت مسرحًا لصراع هذه الجوارح. ولأن يدهم كانت على كل إنسان ستكون يد كل إنسان عليهم (تك12:16). وأولاد الله لونهم مختلف ويثير عليهم الجوارح لكن الله سور لهم وفي (10) ما زال الله يسميهم كرمى من أجل محبته لآبائهم. ويسمى جيش بابل رعاة كثيرون. فالسيف في يدهم هو سيف الله. وصورة التخريب في (12،11) وفي (13) هم ظنوا أن بإمكانياتهم صنع شيء وحماية أنفسهم ولكن مازرعوه قمحًا حصدوه شوكًا. مثال معاهداتهم مع مصر تحولت لتصير ضدهم. وسيخزون من كل تدبيراتهم.
الآيات 14-17
هكذا قال الرب على جميع جيراني الأشرار الذين يلمسون الميراث الذي اورثته لشعبي إسرائيل هانذا اقتلعهم عن ارضهم واقتلع بيت يهوذا من وسطهم. ويكون بعد اقتلاعي اياهم أني ارجع فارحمهم واردهم كل واحد إلى ميراثه وكل واحد إلى ارضه. ويكون إذا تعلموا علما طرق شعبي أن يحلفوا باسمي حي هو الرب كما علموا شعبي أن يحلفوا ببعل أنهم يبنون في وسط شعبي. وأن لم يسمعوا فاني اقتلع تلك الامة اقتلاعا وابيدها يقول الرب.
آية (14) جيرانى الأشرار= هم المصريين والعمونيين… والله يسميهم جيرانى فأرض يهوذا هي أرضه، مازالت. ولأنه إله الجميع فهو يؤدب الجميع حتى يتوبوا = هأنذا أقتلعهم أي الأمم المجاورة وأقتلع بيت يهوذا. فشعب وجيش بابل سيقتلع الجميع. وفي (15) سيردهُمْ الله. وفي هذا نبوة عن عمل المسيح. فالأمم الوثنية لم تُقبل إلا في المسيح وهكذا يهوذا. والقلع يشير للموت مع المسيح وردهم للأرض يشير للقيامة. والموت والقيامة تحدث لكل منا في المعمودية حيث ندفن معهُ ونقوم معه. وبهذا أي بعمل الفداء أنهى الله كل نتائج خطية آدم، وقَبِلَ الجميع يهودًا وأممًا. والآن فالمسئولية شخصية فمن يقبل أن يسير حسب ما يرضى المسيح = تعلموا علمًا طرق شعبيأي لغة المحبة والإيمان بالمسيح أنهم يستمرون في الزيتونة وإن لم يسمعوا… أقتلع تلك الأمة = هذا هو نفس ما ردده بولس الرسول في (رو16:11-24) فإسرائيل هي الزيتونة الأصلية والأمم هم الزيتونة البرية.
تعليق على الإصحاح الثاني عشر
- اشتكى أرمياء من شر الشعب إذ عَرِف أنهم يتآمرون عليه ليقتلوه، لكن الله هنا يجيب بالآتي:-
أ. من تسميهم أشرار هم بيتي وحبيبتي وكرمي، هم فسدوا، ولكنني أؤدبهم ليرجعوا إليَّ.
ب. إن كنت أنت حزينًا على شرهم، فكم وكم حزني أنا عليهم، وإن كنت أنت ترثيهم، فأنا أرثيهم أيضًا. وإن كنت تئن لخيانتهم لك فهم خانوني أنا أيضًا.
ت. هم لا يرفضون أرمياء لشخصه، بل هم يرفضون الله نفسه (آية 8).
ث. أنا لن أتركك يا أرمياء في ضيقتك، بل سأقف بجانبك. لقد جعلتك نبيًا للشعوب، فعليك أن تتحمل بعض الآلام. والعجيب أن الله يدربه على أن يحتمل الألم، فهو يسمح بالضيقات أن تأتى بالتدريج (آية 5)
- آية (4) هنا نرى خراب الأرض بما عليها من طيور وحيوانات بسبب خطية الإنسان، فالإنسان إما أن يكون سبب بركة للخليقة غير العاقلة، أو يكون سبب لعنة لها، كما سبق الله ولعن الأرض بسبب خطية آدم = (تك17:3).
- في أية (1) أكلمك من جهة أحكامك = نلاحظ أن غيرة أرمياء أنه في ضيقاته لم يذهب ليشتكى همومه للناس، بل دخل إلى مخدعه ليكلم الله ويشتكى لهُ، وكان الله يجيبه ويعزيه، أما من يشتكى همومه للناس:-
أ. فهو يعثرهم.
ب. الناس ليس لديهم تعزية يعزونه بها.
ت. الشكوى تقود لمزيد من الإحساس بالمرارة، فاللسان يقود دفة الإنسان (يع4:3).
- في أية (5) كبرياء الأردن = الكلمة حرفيًا تعني عظمة وكبرياء، ولكنها تعني ضمنًا الأدغال الموحشة، والمملوءة وحوشًا على ضفة الأردن إشارة للملوك والقضاة والحكام ورؤساء الكهنة.
- في أية (16) نبوة بقبول الأمم = ويكون إذا تعلموا علمًا طُرق شعبي أن يحلفوا باسمي = دليل تركهم لأوثانهم. فالإيمان صار متاحًا لكل العالم، ومن لا يؤمن بالمسيح، أو المسيحي الذي يترك المسيح لأجل خطية ما = لم يسمعوا.. أقتلع تلك الأمة.
تفسير إرميا 11 | تفسير سفر إرميا | تفسير العهد القديم |
تفسير إرميا 13 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر إرميا | تفاسير العهد القديم |