تفسير سفر الأمثال ٣٠ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الثلاثون
كَلاَمُ أَجُورَ ابْنِ مُتَّقِيَةِ

يرى بعض الدارسين أن أجور بن متقية هو إنسان حكيم متواضع، جمع هذه الأمثال بإرشاد الروح القدس، وقد جاءت الترجمتان الكلدانية والسريانية تحتفظان بهذين اللفظين “أجور”، و”متقية” بوصفهما علمين، غير أن البعض الآخر يرى في اللفظين كناية عن سليمان بن داود. فكلمة أجور معناها “الجامعة”، وكلمة “متقية” معناها “التقي”.

أجور في تواضعه وشعوره بأنه تنقصه الحكمة، يغرف من حكمة الله، ويتأهل أن يقدم مشورة صادقة وحكمة ومعرفة.

يميل أجور إلى الاعتدال، فلا يشتهي الغنى الفادح، ويخشى الفقر المدقع [ع7-9].

يحزن أجور على جيلٍ منحرف يبتعد عن الشركة مع الله [ع11-14].

  1. أجور المتواضع1-14.
  2. ابنتا العلوقة15-17.
  3. أشياء لا تُستوعب 18-20.
  4. أربعة أمور لا تُحتمل21-23.
  5. أربعة حيوانات حكيمة24-28.
  6. أربعة أمور وقورة29-33.

أجور المتواضع

كَلاَمُ أَجُورَ ابْنِ مُتَّقِيَةِ مَسَّا.

وَحْيُ هَذَا الرَجُلِ إِلَى إِيثِيئِيلَ.

إِلَى إِيثِيئِيلَ وَأُكَّالَ [ع 1].

لا نعرف عن أجور إلا ما ورد في هذا الأصحاح، فلا نعرف عشيرته ولا السبط الذي ينتسب إليه. أما إيثيئيل وهو اسم معناه “الله معي” وأكال اسم معناه “القادر”، فربما كانا صديقين له، أو شخصين يتلقيان العلم على يديه.

إن أخذنا بالتفسير الرمزي، فإن الكاتب هو سليمان “الجامعة”، وهو ابن داود التقي. وأنه يكتب نبوة إلى كل من يريد الاتحاد مع السيد المسيح بكونه عمانوئيل أو الله معنا أو إيثيئيل، القدير أي أكال. أما تكرار كلمة إيثيئيل فلإبراز أهمية النبوة الخاصة بمجيء المسيح لنتمتع بالمعيَّة مع الله. ولعل تكرارها يشير إلى مجيئه للشعب اليهودي كما للأمم.

هذا وتكرار الاسم فيذكره مرتين، فلأن رقم 2 يشير إلى الحب في الكتاب المقدس، فقد دفعت الأرملة فلسين، أي قدمت قلبها كله، ودفع السامري الصالح دينارين لصاحب الفندق للاهتمام بالجريح، أي قدم محبته، وفي سرّ الزواج يصير الاثنان واحدًا بالحب المقدس. هكذا نتعرف على الحب الإلهي الفائق باتحادنا بالمخلص القدير عمانوئيل.

إِنِّي أَبْلَدُ مِن كُلِّ إِنْسَانٍ،

وَلَيْسَ لِي فَهْمُ إِنْسَانٍ [ع 2].

سليمان الحكيم الذي يطلب الحكيمة قرينة له (حك8) يشعر بالحاجة إلى العطش الدائم إليها، فيحسب نفسه إنسانًا بليدًا، بلا فهم حتى يتمتع بكمال الاتحاد مع الحكمة.

V      الجهل يصحبه على الدوام الاندفاع، ويقود الناس إلى أن يصبغ على خيالاته الشريرة أهمية عظمى. هكذا فإن ضحايا هذا المرض يظنون في أنفسهم شيئًا عظيمًا، ويحسبون أنهم أصحاب معرفة لا يقدر أحد أن يبلغ إليها. يبدو أنهم ينسون ما يقوله سليمان: “لا تكن حكيمًا في عيني نفسك” (أم 3: 7)، أي حسب حكمك المنفرد…[974].

القديس كيرلس السكندري

وَلَمْ أَتَعَلَّمِ الحِكْمَة،َ

وَلَمْ أَعْرِفْ مَعْرِفَةَ القُدُّوسِ [ع 3].

في تواضع حقيقي يشعر سليمان الحكيم وهو واقف أمام الله القدوس، أنه لم يتعلم بعد الحكمة، ولا عرف بعد القدوس. ويبقى هكذا حتى يلتقي بحكمة الله وجهًا لوجه، ويتمتع برؤية القدوس في المجد الأبدي.

كلما تمتع الإنسان بالحكمة ازداد شوقه إليها، وحسب نفسه كمن هو على شاطئ الحكمة، يطلب الدخول إلى أعماقها. من شدة شوقه إليها يظن أنه بليد ناقص الحكمة وبعيد جدًا عنها.

V      هكذا كان سليمان أحكم الجميع (1 مل 3: 12)، سواء في أيام زمانه أو قبلها، وقد وهبه الله اتساع القلب، وفيضًا من التأمل، أكثر من الرمل، فإنه بقدر ما كان يدخل إلى أعماق الحكمة العظيمة يشعر بالأكثر بعلوها العظيم. وقد أعلن كيف أن الحكمة بعيدة جدًا عنه (جا 7: 23)[975].

القديس غريغوريوس النزينزي

V      إنها ليست حكمة بشرية مجردة يدعيها سليمان لنفسه، هذا الذي يقول: “يعلمني الله الحكمة”، وأيضًا “كل كلماتي هي من الله” ناسبًا لله كل ما ينطق به[976].

 القديس غريغوريوس النيسي

مَن صَعِدَ إِلَى السَمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟

مَن جَمَعَ الرِيحَ في حُفْنَتَيْهِ؟

مَن صَرَّ المِيَاهَ في ثَوْبٍ؟

مَن ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ الأَرْضِ؟

مَا اسْمُهُ وَمَا اسْمُ ابْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟ [ع 4].

سؤال عجيب يقدمه سليمان الحكيم خلال الظلال، فقد رأى بعين النبوة الكلمة الإلهي، حكمة الله الذي في السماء يطأطئ السماوات وينزل لكي يخلص الإنسان ويهبه ذاته. هذا الذي في حديثه مع نيقوديموس قال: “ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء” (يو 3: 13). وقيل عنه: “وأما أنه صعد، فما هو إلا أنه نزل أيضًا أولاً إلى أقسام الأرض السفلى؛ الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات، لكي يملأ الكل” (أف 4: 9-10).

لقد تمم ذلك السماوي خلاصنا على الصليب ونزل إلى الجحيم ليحمل الذين ماتوا على الرجاء، ويدخل بهم كسبايا إلى الفردوس.

“من جمع الريح في حفنيته؟” هنا يؤكد سلطانه وقدرته على الخلاص، فهو القدير الذي يجمع الريح كما في حفنتيه، ويصُر الماء كما في ثوبه، ويثبت جميع الأرض. أينما وجد الإنسان، سواء في الجو مع الريح، أو وسط المياه، أو في أقصى الأرض، فإن الله قادر أن يضمه إليه ويرعاه ويتمم خلاصه. وكما يقول السيد المسيح نفسه: “هكذا أحب الله العالم لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3: 16).

أما قوله: “ما اسمه؟ وما اسم ابنه إن عرفت“؟ فتأتي الإجابة عند تجسد حكمة الله، الذي جاء لكي يخبرنا عن سرّ الآب الفائق. يقول: “الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر” (يو 1: 18)، كما يقول: “ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له (مت 11: 27).

V      هل تؤمن أن الله يعول خليقته وقادر أن يفعل كل شيء؟ اسمح للأعمال المناسبة أن تتبع إيمانك، وعندئذ يسمع لك. لا تفكر في القبض على الرياح بقبضة يديك، أي بالإيمان بدون الأعمال[977].

القديس مار إفرآم السرياني

كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ نَقِيَّةٌ.

تُرْسٌ هُوَ لِلمُحْتَمِينَ بِهِ [ع 5].

يؤكد الحكيم أن كل كلمة من الكتاب نقية وكاملة لأن الكتاب المقدس موحى به من الله (2 تي 3: 16). من يقبله ويثق فيه يتمتع بالحماية الإلهية، فيجد في كلماته ترسًا لحمايته وملجأ وحصنًا.

V      أكل الخبز ثقل وكسل؛ أما كلمة الحياة فتربي أجنحة للنفس لتطير بها[978].

القديس مار يعقوب السروجي

V      من يثق في قوة الإنجيل يثق في الله الذي يجعله ممكنًا. من لم يتسلم قوة من الله لا يقدر أن يفتخر بالرب، إذا يطلب مجد ذاته[979].

أمبروسياستر

لاَ تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِه،ِ

لِئَلاَّ يُوَبِّخَكَ فَتُكَذَّبَ [ع 6].

كلمات الله كاملة، لا تحتاج إلى زيادة، تُشبع النفس وترويها، وتدخل بها إلى الأمجاد الإلهية. إنما ما نحتاجه هو التمتع عطية الفهم السليم له.

V      ليس شيء صالح يصدر عن آخر غير الله، خاصة فهم الكتب المقدّسة[980].

V      الله يرشد الذين يسمعونه خلال الكتاب المقدّس كلّه وخلال الذين يعملون، وذلك بواسطة تعمقّه[981].

V      بالرغم من أن كل الشريعة روحيّة، إلا أن المعنى الروحي لا يعرفه الكل، بل الذين وُهبوا نعمة الروح القدس في كلمة الحق والمعرفة[982].

V      إن كنت محتاجًا إلى عون الله على الدوام… فإنّنا نحتاج دائمًا إلى الروح القدس لكي نفهم الكتب المقدّسة. الآن هو وقت أن يعينني ويظهر لي معاني كلماته[983].

العلامة أوريجينوس

V      بقبول الإنجيل يصير الإنسان كاملاً بعد ما كان سالكًا حسب الناموس[984].

القديس إكليمنضس السكندري

اِثْنَتَيْنِ سَأَلْتُ مِنْكَ فَلاَ تَمْنَعْهُمَا عَنِّي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ [ع 7].

أَبْعِدْ عَنِّي البَاطِلَ والكَذِبَ.

لاَ تُعْطِنِي فَقْرًا وَلاَ غِنىً.

اَطْعِمْنِي خُبْزَ فَرِيضَتِي [ع 8].

لِئَلاَّ أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ:

“مَنْ هُوَ الرَبُّ؟” أَوْ لِئَلاَّ اََفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ،

وَاََتَّخِذَ اسْمَ إِلَهِي بَاطِلاً [ع 9].

ما يشتهيه الحكيم كل أيام حياته حتى لحظة انتقاله أن يتمتع بالله نفسه، فهو لا يطلب الغنى لئلا ينشغل قلبه به عن واهب الغنى، ولا يطلب الفقر لئلا بسبب احتياجه يخطئ بطريق أو آخر. بمعنى آخر ما يشغل الحكيم شركته مع القدوس، وليس الغنى ولا الفقر.

يخشى المؤمن أن يصير مثل يشورون الذي قيل عنه: “فسمن يشورون ورفس. سمنت وغلظت واكتسيت شحمًا، فرفض الإله الذي عمله وغبي عن صخرة خلاصه” (تث 32: 15). إنما يود أن يقول عن الرسول بولس: “قد تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه… قد تدربت أن أشبع وأن أجوع، وأن أستفضل وأن أنقص” (في 4: 11-12).

الله وحده يعلم ما يناسب كل إنسان، وما يسنده في خلاصه، فالبعض يتزكون بالأموال التي يهبهم الله إياها فيمارسون أعمال الحب والعطاء، والبعض يتزكون بالاحتياج وقبوله بشكر وفرح في الرب.

لا يطلب أجور الغنى ولا الفقر، ليس لأنهما شريران، وإنما لكي لا يسيء استخدامهما، فإن الشر في تصرف الإنسان ونيته الشريرة وليس في الغنى، ولا في الفقر.

V      إن كان الغنى والفقر من عند الرب، فكيف يمكن للفقر أو الغنى أن يكون شريرًا؟[985]

القديس يوحنا ذهبي الفم

V      ليحذر الفقير كما الغني، إذ توجد تجارب لرجل الفقر كما لرجل الثروة. وكما يقول الحكيم: “لا تعطني فقرًا ولا غنى“. إنه يخبرك كيف يمكنك الحصول على هذه. ويكفي للإنسان أن يكون لديه من الكفاية، لأن الغني يميل إلى أن يثقل ذهنه بالاهتمامات والارتباك، تمامًا كما يملأ معدته بالأطعمة الدسمة. لهذا فإن الحكيم يطلب أن يكون له ما هو ضروري ومناسب… لتتجنب تجارب العالم، حتى لا ييأس الفقير، ولا يتشامخ الغني[986].

القديس أمبروسيوس

V      يقول سليمان: لا تعطني فقرًا ولا غنى، اعطني فقط ما هو ضروري وما فيه الكفاية، لئلا إذا شبعت أكفر. وأقول: من يراني؟ أو بكوني فقيرًا أسرق وأنكر اسم إلهي، هكذا الغنى يمثل التخمة، والفقر يمثل الحرمان الكامل من ضروريات الحياة، والاكتفاء هو حالة تحرر من العوز وبدون فيض زائد. الاكتفاء يختلف حسب الحالة الجسدية والاحتياجات الحاضرة… فكل حالة تحتاج إلى رعاية خاصة لإيجاد مائدة صالحة دون تعدٍ لحدود الاحتياجات الحقيقية[987].

 القديس باسيليوس الكبير

V      بالتأكيد أنتم ترون أن هذا الاكتفاء لا يُشتهي لأجل ذاته، إنما ليحقق صحة الجسم والملابس اللائقة حسب كرامة الإنسان، والذي يسمح للشخص أن يعيش مع الآخرين محترمًا ومُكرمًا.

 القديس أغسطينوس

لاَ تَشْكُ عَبْدًا إِلَى سَيِّدِهِ،

لِئَلاَّ يَلْعَنَكَ فَتَأْثَمَ [ع 10].

يليق بالمؤمن أن يراعي ظروف من يتعامل معهم، فإن أخطأ إليه عبد لا يشكوه لدى سيده لئلا يقسو عليه بعنف، فتئن نفسه في داخله، ويبلغ أنينه إلى أذني الله.

جِيلٌ يَلْعَنُ أَبَاهُ وَلاَ يُبَارِكُ أُمَّهُ [ع 11].

يُقصد بكلمة “جيل” هنا كما في العبارات الثلاث التالية لتعني حقبة زمنية معينة، كما قال السيد المسيح عن اليهود: “جيل شرير وفاسق” (مت 12: 39).

هنا يحذرنا الحكيم من إهانة الوالدين وعدم طلب بركتهم.

كثيرًا ما يتحدث سفر الأمثال عن الأسرة. فحينما يسلك الأبناء في الحكمة يجلبون فرحًا لوالديهم (أم 10: 1؛ 15: 20؛ 17: 21، 25؛ 19: 26؛ 23: 24-25). إنها كارثة عظيمة أن يفقد الأبناء احترامهم لوالديهم (أم 23: 22؛ 30: 7)، ويهينونهم (أم 20: 20)، ويبذرون أموالهم مع أصدقاء السوء (أم 28: 7؛ 29: 3)، ويسرقون والديهم (أم 28: 24). التهذيب المبكر للأبناء يدربهم على احترام الوالدين وتقدير الحب الوالدي (أم 13: 24؛ 19: 18؛ 22: 15)[988].

جِيلٌ طَاهِرٌ فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ،

وَهُوَ لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ قَذَرِهِ [ع 12].

يكمل حديثه عن الجيل الفاسد الذي يهين الوالدين ولا يكرمهم بأنه جيل متشامخ لا ينظر إلى أخطائه ليتطهر منها، بل بروح العجرفة يظن أنه طاهر وأفضل من الجيل السابق له، أي جيل والديه.

V      في أي عمل صالح تقوم به لحساب إخوتك الأصاغر تذكر أن سيدك هو الذي عمله معهم أولاً. استمع وارتعب، لا تسرّ قط بتواضعك…

ربما تثير هذه العبارة فيك الضحك، وكأن التواضع يدعوك أن تنتفخ. لا تندهش إذا ما جعلك التواضع تنتفخ، لأنه إذا ما حدث هذا فهو يدل علي أن تواضعك غير أصيل. كيف وبأي شكل يحدث ذلك؟ عندما يمارسه الإنسان لكسب رضا الناس لا الله. عندما نمارسه لكي نمدح ونحسب عظماء في أعين الناس. لأن هذا من الشيطان.

الذين ينتفخون لأنهم غير متكبرين يرضون أنفسهم بتواضعهم وتقديرهم العالي لأنفسهم…

هل قمت بعمل نابع عن التواضع؟ لا تفتخر به لئلا تضيع كل فضل فيه. فإنه هكذا كان الفريسي. كان يفتخر بنفسه لأنه يعطي عشوره للفقراء، بهذا فقد كرامة العمل. لكن لم يكن الأمر هكذا مع جابي الضرائب، ولا مع بولس القائل: “لست أعرف شيئًا في ذاتي، لكنني لست مبررًا”. كان يضع نفسه بكل وسيلة ويتواضع حتى عندما يكون قد أدرك القمة…

عندما يطرأ بذهنك أنك معجب بنفسك لأنك متواضع تذكر سيدك. تذكر إلي أية درجة وضع نفسه، حينئذ لن تُعجب بنفسك ولن تمدحها قط.

القديس يوحنا الذهبي الفم

جِيلٌ مَا أَرْفَعَ عَيْنَيْهِ وَحَوَاجِبُهُ مُرْتَفِعَةٌ [ع 13].

سرّ عدم إدراكه لخطاياه أنه جيل متعجرف يرفع عينيه وحواجبه، أي يتكلمون بوقاحة في استخفاف بالوالدين والمشيرين، بل وحتى بالأصدقاء المحيطين بهم.

جِيلٌ أَسْنَانُهُ سُيُوفٌ وَأَضْرَاسُهُ سَكَاكِينُ،

لأَكْلِ المَسَاكِينِ عَنِ الأَرْضِ،

والفُقَرَاءِ مِنْ بَيْنِ النَاسِ [ع 14].

أما ثمرة الفساد والكبرياء والاستخفاف بالغير فهو فقدان النعمة الإلهية، وتحول القلب إلى العنف الشديد، فيصيرون كوحوش مفترسة، أسنانهم سيوف قاتلة، وأضراسهم سكاكين حادة. يمارسون عنفهم ضد المساكين والفقراء العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.

  1. ابنتا العلوقة

لِلْعَلُوقَةِ ابْنَتَانِ: “هَاتِ هَاتِ!” ثَلاَثَةٌ لاَ تَشْبَعُ.

أَرْبَعَةٌ لاَ تَقُولُ: “كَفَا” [ع15].

العلوقة aluwqaah تعني مصاصة الدماء. وهي دودة شرهة تأكل ولا تشبع. بنتاها هما رمز لسماتها إنها لا تكف عن أن تمص الدماء دون توقف. ولعل البنتان يشيران إلى محبة المال وشهوة الجسد.

يرى Calmet إنها تشير إلى الجشع، وأن ابنتيها هما محبة المال والطمع.

يرى البعض أنها اسم سيدة كانت معروفة له شخصيًا كما للعامة، وكان لها ابنتان سيئتا السمعة من أجل طمعهما وفساد أخلاقهما[989].

يرى بعض الربيين أن العلوقة تشير إلى القضاء والقدر الذي يحل بالإنسان، أو حتمية الموت، هذا القضاء والقدر له ابنتان هما جنة عدن وجهنم، أو الفردوس والهاوية. الأولى تستقبل الصدِّيقين والثانية الأشرار.

يرى Bochart أيضًا أن العلوقة تشير إلى القضاء والقدر، وأن ابنتيها هما القبر والهاوية، الأولى تستقبل الجسد عند موت الإنسان، والثانية تستقبل النفس.

يرى التلمود أن العلوقة تشير إلى الهاوية وأن ابنتيها هما السلطة الزمنية والهرطقة.

كثير من آباء الكنيسة يرون أن العلوقة يُفهم منها سلطان الشيطان.

يقدم لنا أربعة أشياء لا تشبع، كرموز للقلب الشرير، الذي يحرم نفسه عن الله مصدر شبعه، مهما طلب وأخذ يبقى في حالة فراغ، لا يشعر بالاكتفاء. يطلب الشرير المال والملذات الجسدية كابنتين له يحتضنهما، ولكن بلا شبع.

V      تصير نفس الإنسان إلى الباطل إن انشغل بأمور العالم وركز على احتياجات الجسد. ففي كل يوم نستيقظ لنأكل ونشرب، ومع هذا لا يشبع أحد حتى لا يجوع أو لا يعطش. إننا بعد برهة وجيزة نسعى يومًيا وراء الربح ويصيبنا الشره بلا حدود، “لا تشبع العين من النظر ولا الأذن من السمع”! من يحب الفضة لا يشبع بالفضة… ليس من حدود للكد، ولا منفعة من الكثرة… كل الموجودات قائمة أصلاً وليس من جديد تحت الشمس، لكن الكل باطل[990].

القديس أمبروسيوس

V      من يستطيع أن يخفي عن نفسه ما يعنيه هذا اللغز؟ “للعلوقة ثلاث بنات، عزيزات محبوبات، لكنها لا تشبع، وبالرابعة لا تشبع عندما تقولون أنتم: كفا: القبر، ومحبة المرأة، وأرض لا تشبع ماءً، والنار لا تقول كفا”. العلوقة هي الشيطان، وبنات الشيطان أعزاء محبوبات، وهن لا يشبعن بدماء القتلى: القبر وحب المرأة والأرض الجافة والحرق بالحرارة”. إنه لا يتحدث عن زانٍٍ أو زانية، وإنما عن محبة امرأة تُنهم بصفة عامة أنها نهمة. انزعها خارجًا، فإنها تتفجر في لهيب نار، بفيض، فإنها لا تشبع، إنها تجعل ذهن الرجل واهنًا، وتستحوز على كل الفكر لكي ما يغذي الشهوة[991].

القديس جيروم

V      “للعلوقة ثلاث بنات عزيزات محبوبات”. بناتها يقدمن إلى الخطية، بنات الزنا والقتل وعبادة الأوثان هؤلاء الثلاثة لا يشبعن إياها، إذ هي لا تشبع. بتحطيم الإنسان بهذه الأعمال، لا تتغير الخطية بل تنمو باستمرار. أما الرابعة فلن تقتنع لتقول كفا، أي أنها شهوة جامحة… كما أن الجسد واحد وله أعضاء كثيرة، هكذا الخطية، فهي واحدة، وتحوى في داخلها شهوات متعددة بواسطتها تلقي شباكها للبشر[992].

 القديس هيبولتيس

الهَاوِيَةُ والرَّحِمُ العَقِيمُ،

وأَرْضٌ لاَ تَشْبَعُ مَاءً،

والنَارُ لاَ تَقُولُ: “كَفَا” [ع 16].

الأشياء الأربعة فهي:

ا. الهاوية التي تفتح فاهها لتبتلع الأموات، ولن تتوقف عن ذلك. لن تشعر بأنها قد امتلأت من نفوس الأموات فتكتفي بمن دخل منها. هكذا الإنسان الجشع يتلقف قلبه محبة المال، وكلما نال ازداد عطشه إلى المزيد. يشبِّهه القديس أغسطينوس بمن يعاني من مرض الاستسقاء، كلما شرب ماءً شعر بالأكثر أنه في حاجة إلى مزيد دون أن يرتوي. أو بمن يشرب ماءً مالحًا لا يمكن يطفئ ظمأ العطشان.

ب. الرحم العقيم: لعله يقصد بهذا المرأة التي تهوى الشر مع كل أحدٍ فلا تطلب أطفالاً، إنما تطلب لذة جسدية، هذه لن تشعر بالكفاية. إنما ممارسة الخطية تثيرها بالأكثر.

كثير من الأشخاص يظن أنه في حاجة إلى ممارسة العلاقة الجسدية الخاطئة لنوال الشبع منها، لكن الحقيقية إنها لا تُشبِع احتياجات الإنسان بل تجعله أكثر تعطشًا إليها، بالرغم من شعوره بالضيق بعد الممارسة الخاطئة.

ج. الأرض الرملية التي تتشرب الماء بسرعة، فلا تصلح للزراعة، وإنما تبقى جافة بالرغم من الأمطار التي سقطت عليها. هكذا محبة المال والملذات الجسدية لا تقدم ثمارًا نافعة.

د. النار التي لا تقول كفا: كلما أُلقيَ وقود في النار يزداد لهيبها لتطلب أن تحرق أكثر فأكثر، ولا يمكن للنار أن تشعر كما بنوع من الاكتفاء مادام الوقود يُلقى فيها.

العَيْنُ المُسْتَهْزِئَةُ بِأَبِيهَا،

والمُحْتَقِرَةُ إِطَاعَةَ أُمِّهَا تُقَوِّرُهَا غِرْبَانُ الوَادِي،

وَتَأْكُلُهَا فِرَاخُ النَسْرِ [ع 17].

معروف عن الغربان والنسور أنها تهاجم فرائسها سواء كانت جثة ميتة أو طائرًا حيًا بنقر العينين.

فمن يستخف بوالديه يفقد بصيرته الداخلية، ويعثر في الظلام، لا يقدر أن يرى نور الحق الإلهي، ولا أن يتمتع برؤية الأمجاد السماوية.

V      “العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة كبر سن أمها”، أي ذاك الذي يجدف على الله (أبيه)… فإن الغربان القادمة من الكهوف تقوِّر عين السعادة[993].

القديس هيبوليتس

  1. أشياء لا تُستوعب

ثَلاَثَةٌ عَجِيبَةٌ فَوْقِي وَأَرْبَعَةٌ لاَ أَعْرِفُهَا: [ع 18]

طَرِيقَ نَسْرٍ فِي السَمَاوَاتِ،

وَطَرِيقَ حَيَّةٍ عَلَى صَخْر،ٍ

وَطَرِيقَ سَفِينَةٍ فِي قَلْبِ البَحْر،ِ

وَطَرِيقَ رَجُلٍ بِفَتَاةٍ [ع 19].

يحدثنا عن خطورة الزنا، أنه إذ يسقط فيه الإنسان مرة ومرات يشعر أنه احتياج جسدي طبيعي، ليس فيه خطية. وكما يقول الكتاب: “يشربون الإثم كالماء”. هذا ما يبرر به البعض هذه الخطية بأنها ضرورة طبيعية مثل الأكل والشرب والنوم، لا يمكن للإنسان السوي ألا يمارسها.

يظن مرتكب الخطية أنه لم يره أحد، ولا يعطي عنه حسابًا. يختم الجامعة سفره بالقول: “لأن الله يحضر كل عملٍ إلى الدينونة على كل خفي عن كان خيرًا أو شرًا” (جا 12: 14).

يشبِّه الحكيم موقف الزاني الذي لا يبالي بما يرتكبه بثلاثة أمثلة: الطريق الذي يسلكه نسر في الهواء، لا يستطيع أحد أن يحدده بدقة، وطريق حية تسير على صخر، وأيضًا أثار السفينة في البحر بعد عبورها؛ هكذا يحاول الشرير مرتكب الخطية أن يخفي كل أثرٍ لها، حتى لا يستدل أحد عليها.

V      إن تأسس البيت على صخرة لن يصيبه ضرر. إذ لا يوجد “طريق حية على صخر” (أم 20: 9)… يسقط البيت إن لم يكن المسيح هو أساسه. أما الإنسان الحكيم بحق فيبني بيته على صخر. هذا هو الطريق الذي بني به الرب كنيسته على الصخر بسياجٍ وقوةٍ. هذا هو السبب أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (مت 16: 18). كل الاضطهادات التي تحل على ذلك البيت تصير كلا شيء. البيت مبني على الصخر[994].

العلامة أوريجينوس

V      كما أن الحية لا تقدر أن تترك علامة على الصخرة، هكذا لم يستطع الشيطان أن يجد خطية في جسد المسح. إذ يقول الرب: “لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء” (يو 14: 30).

وكما أن السفينة المبحرة في بحرٍ لا تترك وراءها أثرًا خلفها، هكذا الكنيسة التي تعيش في العالم كما في بحر تنزع الرجاء الذي على الأرض، إذ تحفظ حياتها في السماء، وإذ تمسك بطريقها هنا إلى وقت قصير لا يمكن لأحد أن يقتفي آثارها…

“ثلاثة عجيبة فوق إدراكي، والرابعة لا اعرفها: أثار نسرٍ طائرٍ” أي صعود المسيح، وطرق الحية على صخرٍةٍ، أي لا يجد الشيطان أثرًا للخطية في جسد المسيح، وطرق سفينة تعبر البحر، أي طرق الكنيسة التي هي في هذه الحياة كما في بحرٍ، والتي يوجهها رجاؤها في المسيح بالصليب، وطرق إنسان في شبابه، أي طرق ذاك الذي وُلد بالروح القدس والعذراء[995].

 القديس هيبولتيس

V      لا تقدر أبواب الهاوية أن تغلب الصخرة التي يبني المسيح عليها الكنيسة، ولا على الكنيسة، وذلك كما أن طريق الحية على صخرة، بحسب ما هو مكتوب في الأمثال لا يُمكن أن يُوجد. الآن إن انتصرت أبواب الهاوية على أحدٍٍ، مثل هذا لا يمكن أن يكون صخرة يبني عليها المسيح الكنيسة[996].

 العلامة أوريجينوس

كَذَلِكَ طَرِيقُ المَرْأَةِ الزَانِيَةِ.

أَكَلَتْ وَمَسَحَتْ فَمَهَا وَقَالَتْ:

“مَا عَمِلْتُ إِثْمًا!” [ع 20].

V      هذا هو سلوك الكنيسة التي تؤمن بالمسيح، فبعد أن ارتكبت الزنا مع الأوثان جحدت الشيطان، وتطهرت من خطاياها، وتقبلت المغفرة، عندئذ تؤكد أنها لن ترتكب شرًا[997].

 القديس هيبولتيس

V      “كذلك طريق الزانية، إذ تغتسل تقول: لا تعمل إثمًا“. واضح أنه قيل هذا عن هذه التي اغتسلت في الينبوع، ولا تذكر رذائل خطاياها، إنما تأخذ على عاتقها فضيلة الكرازة، وتزيل عنها وصماتها بالمياه الحية، فإنها لا تعود تتطلع على خطيتها، بل تندفع في غيرة ملتهبة. فبطريقة ما تقول إنها لا تفعل شيئًا شريرًا الآن بل صارت رسولاً للحق، بالنسيان تجحد شرها وتكرز بالعفة خلال تكريسها. هذه هي قوة المسيح الرب، فإنه حتى الخاطي الذي يغتسل في مياهه يصير متجددًا للبتولية، وينسى ما فعله من قبل. وبميلاده الجديد يعلن براءة الطفولة، ولا يعرف خطايا الشباب، ومع أنه كان قبلاً زانيًا بسبب فساد الخطية، ويصير الآن بتولاً بسبب إيمانه بالمسيح[998].

 الأب مكسيموس أسقف تورينو

V      من هو مستحق أن يُحرق الآن بهذه النار في قلبه، لكي لا يُحرق بها في اليوم الأخير؟ أصف لكم مَن هو الإنسان الذي له هذه النار في داخل قلبه: تخيل معي أن رجلين ارتكب كل منهما خطية من نفس النوع، وهي مثلاً أبشع أنواع الزنا. وأن واحدًا منهما لم يشعر بعد ارتكابه بخطيته بأي نوع من الندم ولا الحزن ولا التأثر، لكنه كما قيل في سفر الأمثال عن الزانية: “أكلت ومسحت فمها، وقالت ما عملت إثمًا” (أم 30: 20). اُنظر أيضًا إلى الخاطئ الثاني؛ فإنه بعد ارتكابه لخطيته لم يحتملها وكان ضميره هو الذي يعاقبه ويبكته، وكان معذبًا في قلبه، لا يستطيع أن يأكل ولا أن يشرب، صائمًا لا عن اختيار بل بسبب آلام التوبة وعذابها. تخيل معي هذا الإنسان الذي “انحنى إلى الغاية وذهب اليوم كله حزينًا، وامتلأ قلبه احتراقًا، وليست في جسده صحة” (مز 38: 6-7)، ولا تَكُفّ خطيته عن تبكيته وتأنيبه. قارن بين هذا الإنسان والإنسان الأول الذي لا يبالي بخطيته ولا يشعر بها: أيهما تُفضل؟ من منهما في رأيك يمكن أن يكون له رجاء في الرب؟ الإنسان الذي ندم على خطيته هو بالطبع الذي يكون له رجاء، فإنه كلما احترق بنار العقاب أصبح مستحقًا للرحمة. تكفيه فترة للعقاب مثل التي قررها بولس الرسول للرجل الذي ارتكب الزنا ثم ندم وحزن على خطيته، لأن العقاب كان مفيدًا له، فقد قام بولس الرسول بتوقيع العقاب عليه، وإذ رأى أن حزنه كان عظيمًا وكافيًا، قال: “لئلا يُبتلع مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك أطلب أن تُمكّنوا له المحبة” (2 كو 2: 7-8).

ليفحص كل واحدٍ منا ضميره، ولينظر ما هي الخطايا التي ارتكبها، حتى إذا عرف أنه ينبغي أن يُعاقب، يطلب حينئذ من الله أن تأتي إليه النار التي أتت إلى إرميا، وأيضًا في تلمذيْ عمواس، لكي لا يُسلّم في اليوم الأخير إلى النار الأبدية، لأنه إذا أخطأ هنا على الأرض ولم يبالِ بخطيته ولم تعمل فيه النار الإلهية، يكون مصيره في النهاية النار الأبدية[999].

العلامة أوريجينوس

  1. أربعة أمور لا تُحتمل

تَحْتَ ثَلاَثَةٍ تَضْطَرِبُ الأَرْضُ،

وَأَرْبَعَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ احْتِمَالَهَا: [ع 21].

تَحْتَ عَبْدٍ إِذَا مَلَكَ وَأَحْمَقَ إِذَا شَبِعَ خُبْزًا.

تَحْتَ شَنِيعَةٍ إِذَا تَزَوَّجَتْ،

وَأَمَةٍ إِذَا وَرَثَتْ سَيِّدَتَهَا [ع 22].

V      تحت ثلاثة تضطرب (تتحرك) الأرض، أي بواسطة الآب والابن والروح القدس. “والرابع لا تستطيع احتماله”، أي بالمجيء الأخير للمخلص…

اضطراب الأرض يعني تغيير الأمور التي على الأرض. الخطية التي بطبيعتها عبدة ملكت على جسد الشعب المائت. حقًا، مرة ملكت في أيام الطوفان، وأخرى في أيام أهل سدوم حيث لم تكتفٍ بالأرض التي خضعت لها، وإنما أثارت عنفًا على الغرباء. والمرة الثالثة في حالة مصر المكروهة، فمع أنها حصلت على يوسف الذي قام بتوزيع الطعام على الكل، حتى لا يهلكوا من المجاعة، لكنها لم تقابل فضله حسنًا، بل اضطهدت أبناء إسرائيل. الأمة التي ورثت سيدتها هي كنيسة الأمم، فمع أنها كانت عبدة وغريبة عن المواعيد، طردت مجمع اليهود الحرّ والسيد، وصارت زوجة المسيح وعروسه.

تحركت كل الأرض بالآب والابن والروح القدس، والرابعة لا تستطيع احتمالها. فقد جاء أولاً بمستلمي الشريعة، وثانيًا بالأنبياء، وثالثًا بالإنجيل حيث أعلن عن نفسه علنًا، وفي الرابعة سيأتي بكونه ديان الأحياء والأموات، حيث لا تستطيع كل الخليقة أن تحتمل مجده[1000].

 القديس هيبولتيس

بعد أن قدم أربعة أمثلة لأمور يصعب الاستدلال إليها، يقدم أربعة أخرى لأمور بغيضة يصعب احتمالها، ليكشف أن الإنسان الترابي وإن كان يحب الخطية ويجد فيها لذة وانجذاب، لكنه لا يحتمل نتائجها. هذه الأمثلة هي:

ا. العبد إذا ملك: ربما يقصد العبد الذي يخون سيده الملك ويغتاله ليحتل كرسي المملكة. لقد سبق فشبهه بالعاصفة الكاسحة والمطر الجارف (أم 28: 3). كثيرًا ما تعرض الملوك في القديم إلى انقلابات واغتيالات، أحيانًا من أحد عبيدهم، كما حاول أتروبيوس ذلك في أيام القديس يوحنا الذهبي الفم.

كثيرًا ما يرد في التاريخ عن أناس في مراكز وضيعة متى تسلموا الحكم صاروا أكثر عنفًا من غيرهم. يسيئون بالأكثر إلى الفقراء والمساكين، متجاهلين ما كانوا عليه.

ب. الأحمق إذا شبع خبزًا: أي الإنسان الفقير والأحمق متى نال الكثير من الخيرات، ينسى فقره، ظانًا أن غناه المفاجئ يكسبه كرامة وسلطانًا على الغير.

ج. الشنيعة إذا تزوجت، يُقصد بها من كانت مملوءة حقدًا ورغبة في الانتقام، مكروهة من كل من هم حولها. فإنها إذا تزوجت عوض أن تفرح وتُسر برجلها ليعيشا معًا في سلام، تدخل معه في نزاعات وخصام وتفقده سلامه.

د. أَمَة إذا ورثت سيدتها: جاءت في الترجمة السبعينية: “أَمَة إذا احتلت مركز سيدتها. ربما يقصد بها أَمَة تستميل عواطف سيدها. فإنها تستخدم كل وسيلة لمقاومة سيدتها وأولادها حتى يقوم السيد بتطليق امرأته والزواج بالجارية وعدم الاهتمام بأولاده. هكذا يحل الخراب على الأسرة.

  1. أربعة حيوانات حكيمة

أَرْبَعَةٌ هِيَ الأَصْغَرُ فِي الأَرْضِ

وَلَكِنَّهَا حَكِيمَةٌ جِدًّا: [ع 24].

يقدم أربعة أمثلة ثالثة تتسم بالحكمة بالرغم من صغر حجمها واستتفاه الإنسان لها، وهي:

V      أربعة هي الأصغر على الأرض، وهي أحكم من الحكيم: النمل ليس فيه قوة، لكنه يُعد طعامه في الصيف. وبنفس الطريقة الأمم يعدون لأنفسهم الحياة الأبدية بالإيمان بالمسيح بالأعمال الصالحة. الوباروهو طائفة ضعيفة، يصنع بيوته في الصخور. ويمكن أن يُقال أن الأمم يُبنون على المسيح، الصخرة الروحية، الذي يصير حجر الزاوية. العنكبوت، الذي يغذي نفسه بيديه، ويمكن أن يُمسك بسهولة، يسكن في حصون الأغنياء، بمعنى أن اللص بيديه الممتدين على الصليب، استراح على صليب المسيح، وسكن في الفردوس، حصن الملوك: الآب والابن والروح القدس. الجراد ليس له ملك، ومع هذا يتحرك في صفوف منظمة كما بقائد واحد. الأمم ليس لهم ملك، إذ ملكت الخطية عليهم، والآن إذ يؤمنون بالله ينشغلون بمعركة سماوية[1001].

 القديس هيبوليتس

النَمْلُ طَائِفَةٌ غَيْرُ قَوِيَّةٍ،

وَلَكِنَّهُ يُعِدُّ طَعَامَهُ فِي الصَيْفِ [ع 25].

ا. النملة: مع صغرها تتسم بالاجتهاد والاهتمام بالمستقبل مع دقة النظام والعمل الجماعي. يقوم النمل بتخزين الطعام في فترة الصيف ليجد طعامًا في فصل الشتاء. هكذا يليق بالإنسان أن يجتهد في عمله اليومي كما في حياته الروحية، فما يعمله اليوم يسنده في الغد.

الله يوفر للنملة غذاءها، لكن من جانبها تلتزم أن تعمل باجتهاد.

هكذا يليق بالكنيسة أن تعمل معًا تحت قيادة الرأس غير المنظور، بروح الحب والوحدة، بلا انقسامات أو خصام (1 كو 3: 3؛ 1: 10).

V      كن متعقلاً وزوّد نفسك بما هو في المستقبل في السماء. كن عاقلاً، واقتد بالنملة كما يقول الكتاب: “خزِّن في الصيف، لئلا تجوع في الشتاء”. الشتاء هو اليوم الأخير، يوم الضيقة، الشتاء هو يوم المعاصي والمرارة. اِجمع ما يمكن أن يُوجد لك في المستقبل. فإن لم تفعل ذلك ستهلك، بكونك غير متعقلٍ ولا حكيم[1002].

 القديس أغسطينوس

الوِبَارُ طَائِفَةٌ ضَعِيفَةٌ،

وَلَكِنَّهَا تَضَعُ بُيُوتَهَا فِي الصَخْرِ [ع 26].

ب. الوبار: يعتبر حسب الناموس من الحيوانات غير الطاهرة لأنه يجتر، لكنه غير مشقوق الظلف (لا 11: 5). وهو حيوان صغير يشبه الأرنب وفي حجمه، ولأن رجليه المستديرتين ليِّنتان لا يستطيع أن يحفر له جحرًا، فيلجأ إلى الصخر يحتمي فيه (مز 104: 18). يشير إلى الإنسان الخاطئ، فإنه لا يستطيع أن يقيم لنفسه ملجأ يختفي فيه، إنما يلزمه أن يختفي في المسيح الصخرة الحقيقية (1 كو 10: 4)، فيجد راحة وشبعًا وسلامًا.

V      يشير (سليمان) هنا إلى أولئك الذين بلا قوة، ومع هذا يخزنون كنوزًا للحياة الأبدية بأعمالهم الصالحة… والصخرة في الحقيقة هي ملجأ الوبار الذي يعيش فيها. يقول: أنتم أيضًا مع كونكم ضعفاء تجرون نحو صخرة الإيمان الحقيقي، وبها تستعيدون الحياة.

الإنسان الذي يتمتع بالأعمال يدخل الملكوت. لهذا يقول: لا تيأسوا من ملكوت السماوات بسبب ضعف إيمانكم، بل آمنوا في الوعود، أسرعوا إلى الأعمال التي أوصيتم بها. المسيح هو الأسد، وبالحقيقة كل الكائنات العاقلة تحسب قطيعًا بالنسبة له. (إرميا) يقول: “أنا ولد” بسبب الخفة الطبيعية للحركة، قيل عن الأسد أنه يسير دون عائق[1003].

 القديس ديديموس الضرير

V      يجدر بالذهن أن يلتصق بهذه العبارة على الدوام، فيتقوى باستخدامها الدائم والتأمل المستمر فيها، وبهذا يطرد عنه كل الأفكار الأخرى الغنية مستهينًا بها… مكتفيًا بفقر هذه العبارة الوحيدة. وهكذا يبلغ بأقصى سرعة إلى التطويب الوارد في الإنجيل، محتلاً مكان الصدارة بين التطويبات، إذ يقول: “طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات” (مت 5: 3).

وإذ يصير الإنسان مسكينًا للغاية بفقرٍ كهذا يتحقق فيه قول النبي: “الفقير والبائس ليسبحا اسمك” (مز 74: 21). حقًا أيّ فقر أشد من أن يعرف إنسان عن نفسه إنه بلا قوة ليدافع بها عن نفسه، طالبًا العون اليومي من جود غيره. وهكذا يعلم أن كل لحظة من لحظات حياته تعتمد على العناية الإلهية… فيصرخ إلى الرب يوميًا: “أما أنا فمسكين وبائس، الرب يهتمُّ بي” (مز 40: 17).

هكذا يصعد بواسطة الاستنارة الروحية إلى معرفة الله من جوانب متعددة، ويتقوّت بأسرار عالية مقدسة كقول النبي: “الجبال العالية للوعول، الصخور ملجأ للوبار (للقنفذ)” (مز 104: 18).

هذا ينطبق تمامًا على المعنى الذي نقدمه، لأن من يسلك في بساطة وبراءة لا يؤذي أحدًا، مكتفيًا بالجهاد لحماية نفسه من أذية أعدائه. ويكون مثل قنفذ روحي يتدرع دائمًا متحصنًا في صخرة الإنجيل، أي محتميًا بتذكر آلام الرب… ولقد جاء في سفر الأمثال عن هذا القنفذ الروحي “الوبار (القنفذ) طائفة ضعيفة، ولكنها تضع بيوتها في الصخر” (أم 30: 26)… [1004]

الأب إسحق

الجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ،

وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقًا فِرَقًا [ع 27].

ج. الجراد: مع صخر حجمه وكثرة عدده يخرج من بلد إلى بلد، بل ومن دولة إلى دولة بلا قائد منظور، لا تزاحم الجرادة أخرى، وكأن الكل جنود في جيش منظم. يُدعى الجراد جيش الله الذي يستخدمه الله للتأديب (يؤ 2: 25).

V      مع أن الجراد ليس له ملك كما يقول الكتاب، يسير كجيشٍ حسن النظام في خطٍ واحدٍ، أما البشر فمع أنهم خلقوا عقلاء بواسطة الله، فعاجزون عن أن يحكموا أنفسهم بتدبير حسن أو أن يقبلوا خطة الله بصبرٍ كملك[1005].

 العلامة أوريجينوس

العَنْكَبُوتُ تُمْسِكُ بِيَدَيْهَا،

وَهِيَ فِي قُصُورِ المُلُوكِ [ع28].

د. العنكبوت: ربما يعجب البعض من أن الحكيم يتحدث عن العنكبوت في قصور الملوك، لكن في كثير من البلدان حتى المتقدمة يترك الأغنياء العنكبوت في أعلى صالات قصورهم بكونه علامة للحظ السعيد.

على أي الأحوال فإن العنكبوت له كيس كالإسفنج تحت كل قدمٍٍ من أقدامه يحوي مادة لزجة، بإفرازها يستطيع أن يمسك بأقدامه الفريسة (غالبًا الذباب وبعض الحشرات). ما قد يعجز الإنسان أحيانًا من طرده كالحشرات الصغيرة يُمكن للعنكبوت اقتناصه. هكذا يليق بالمؤمن أن يقيم مسكنه كالعنكبوت في السماء (القصر الملكي) ويثق بالإيمان في المسيح الذي يحميه من الحشرات.

  1. أربعة أمور وقورة

ثَلاَثَةٌ هِيَ حَسَنَةُ التَخَطِّي

وَأَرْبَعَةٌ مَشْيُهَا مُسْتَحْسَنٌ: [ع 29].

للمرة الرابعة يقدم الحكيم أربع أمور أو كائنات تتسم بالقوة.

V      ثلاثة هي حسنة التخطي والرابع كامل في مشيه، وهم الملائكة في السماء، والقديسون على الأرض، ونفوس الأبرار تحت الأرض. أما الرابع فهو الله، الكلمة المتجسد، فقد عبر في كرامة خلال رحم البتول، مجددًا خلقة آدم، عبر في أبواب السماء وصار باكورة القيامة وصعودًا للجميع[1006].

 القديس هيبولتيس

اَلأَسَدُ جَبَّارُ الوُحُوشِ،

وَلاَ يَرْجِعُ مِنْ قُدَّامِ أَحَدٍ [ع 30].

ا. الأسد: يتصف بالجرأة والشجاعة، فهو لا يتراجع إلى خلفه. المؤمن الحقيقي يصير بالمسيح يسوع الأسد الخارج من سبط يهوذا أسدًا (رؤ 5:5) في الحق، ليس بذاته وإنما بمسيحه. فيقول: “حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي” (2 كو 12: 10). كما يقول: “أستطيع كل شيء في المسيح يسوع الذي يقويني” (في 4: 13). إنه كما سبق في المجموعة السابقة كالوبر الضعيف الساكن في الصخر فلن يؤذيه أحد، وكالعنكبوت الذي يقيم بيته في أسقف قصور الملوك العالية.

ضَامِرُ الشَاكِلَةِ وَالتَيْسُ،

والمَلِكُ الذِي لاَ يُقَاوَم [ع 31].

ب. ضامر الشاكلة: جاءت الكلمة في العبرية “متمنطق الحقوين”. اسم كناية عن حيوان غير معروف، ظن البعض أنه كلب الصيد السلوقي، الذي يسعى وراء فريسته بسرعة فائقة حتى يأتي بها، وظن البعض حيوانات أخري.

على أي الأحوال يليق بالمؤمن أن يكون متمنطق الحقوين، لن يكف عن العمل بكل قوة حتى يحقق هدفه. فيقول مع الرسول بولس: “أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت، ولكني أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع” (في 3: 13-14). هكذا لن يتوقف عن تمنطق حقوية علامة العمل الدائم مع الطهارة والعفة حتى يدخل الأمجاد السماوية. وكما يقول الرسول: “لنطرح كل ثقلٍ والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب، مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله” (عب 12: 1-2).

تمنطق الحقوين أيضًا كانت من سمة العبيد، لكي لا تعوقهم ثيابهم عن الخدمة، فإن كان كلمة المتجسد صار عبدًا وتمنطق ليغسل أقدام البشرية، يليق بنا أن نستعبد أنفسنا إن أمكن للجميع لكي نربح الأكثرين.

ج. التيس، من سماته أن يتقدم القطيع ويقوده، ويميل إلى تسلق الصخور، ويرفض البقاء في الوديان المنخفضة. هكذا خلق الله الإنسان ليعيش دومًا بروح القيادة الواثقة في نعمة الله وباعتزاز بعمل الله في تواضع.

أولاد الله لا يستريحون للوديان المنخفضة أن يرفعون أعينهم إلى الجبال العالية من حيث يأتي العون من عند الرب صانع السماوات والأرض (مز 121: 1-2). يقول المرتل: “الجبال العالية للوعول” (مز 104: 18). يعيش المؤمن في السماويات!

يُقدم التيس ذبيحة كفارة (لا 16)، فهو يرمز للسيد المسيح السماوي الذي قدم نفسه ذبيحة كفارة عن العالم. المؤمن يجد حياته في الاتحاد مع المخلص.

د. الملك الذي لا يُقاوم: فالمؤمن إذ تصير له شركة مع ملك الملوك يُحسب ملكًا صاحب سلطان، لا يقدر إبليس بكل قواته أن يحطمه.

إِنْ حَمِقْتَ بِالتَرَفُّعِ وَإِنْ تَآمَرْتَ

فَضَعْ يَدَكَ عَلَى فَمِكَ [ع 32].

لأَنَّ عَصْرَ اللَّبَنِ يُخْرِجُ جُبْنًا،

وَعَصْرَ الأَنْفِ يُخْرِجُ دَمًا،

وَعَصْرَ الغَضَبِ يُخْرِجُ خِصَامًا [ع 33].

يختم أجور حديثه بالتحذير من الغضب، فبعد أن قدم أمثلة لأبطالٍ عظماء أقوياء في المجموعة الرابعة السابقة يحذرنا من إساءة استخدام القوة، وتحويلها إلى التدمير بالسقوط في الغضب.

إن كانت دعوتنا مكرمة في المسيح يسوع، يليق بنا ألا نرفع أنفسنا في تشامخٍ فتُحسب حمقى، ونَحذر من كل كلمة تخرج من أفواهنا تحمل عجرفة وتشامخ، إذ يلزمنا أن نضع أيادينا على أفواهنا، فلا تنطق إلا بما يليق بنا كأبناء لله حاملين وداعة المسيح ولنا روح التواضع.

كما أن عصر اللبن يخرج جبنًا، والضغط على الأنف يسبب نزيف دمٍ، فإن عصر الغضب لا يخرج إلا خصامًا ومنازعات.

V      عصر اللبن يخرج زبدة”. اُعصر بإيمان العهدين اللذين للمسيح، فتجد الوصايا كأنها لبن. ما أن تنتعش بها حتى تتحول إلى خبزٍ كامل مخلصٍ.

القديس يوحنا الذهبي الفم

V      إجابة من الشيخ ذاته إليهما أيضًا عندما أرادا أن يُضيِّقا على الإخوة بالنظام كله في وقتٍ واحد، أقول لكما يا ابني ويا أخي: قد كتبتُ لكم سابقًا عن طول الأناة، والآن أقول: “اِحلب لبنًا وسيكون زبدة، ولكن إذا ضغطتَ بيدك على الضرع يخرج دمًا” (أم 30: 33 حسب السبعينية). والقديس بولس يقول: “صرتُ لليهود كيهودي لأربح اليهود… الخ” (1 كو 9: 20)، وبعد ذلك يقول: “صرتُ للكلِّ كل شيءٍ لأخلِّص البعض بكل الوسائل” (1 كو 9: 22 حسب النصّ)، لأنه إذا أراد إنسانٌ أن يحني شجرةً أو كرمةً يحنيها بالتدريج فلا تنكسر، لكنه إذا دفعها فجأةً بعنفٍ تنكسر في الحال… اِفهم ما أقوله لك!

القديس برصنوفيوس وتلميذه يوحنا

 


 

من وحي أمثال 30

لتفض عليَّ بحكمتك

V      هب لي أن أدرك غباوتي،

فألجأ إليك يا كلي الحكمة،

تفيض عليَّ بحكمتك،

فتفرح نفسي بالعلم الإلهي والمعرفة الصادقة.

أنت معلم الحكمة،

أنت مشبع النفس،

أنت مقدس القلب!

V      لماذا أبحث عنك خارج نفسي،

كأنك بعيد عن المحبوب لديك.

أنت في داخلي، أقرب إليَّ من نفسي!

لتعلن ذاتك في أعماقي،

فيصير قلبي هيكلاً مقدسًا لك،

وتصير نفسي في أمان، إذ تحتمي فيك.

V      بحكمتك لا أشتهي الغنى، لئلا يشغلني عنك.

ولا أطلب الفقر، لئلا تمتد يدي إلى الخطأ.

لتكن أنت غناي وشبعي!

V      هب لي قلبًا يترفق بالجميع.

ومع الحنو يتمتع بالحكمة والطهارة في تواضعٍ.

V      لا تسمح لنفسي أن تكون شرهة كالهاوية التي لا تشبع من استقبال الأموات.

ولا كرحمٍٍ عقيمٍ لا يطلب إلا اللذة التي بلا نفع.

ولا كأرض رملية لن ترويها أية مياه مهما كثرت.

ولا كنارٍ يزداد لهيبًا بالأكثر بإضافة وقودٍ دون كفاية.

V      هب لي أن أعرف خطاياي، وأعترف بها.

لا أخفي ضعفاتي،

فلا أصير أشبه بطريق نسرٍ في الهواء لا أثر له.

ولا كطريق سفينة في قلب البحر.

V      هب لي الحكمة مع الحنو.

فلا أكون كعبدٍ عنيف يتمتع بسلطانٍ.

ولا كأحمقٍ إذ شبع،

ولا كامرأة حقودة إذا تزوجت.

ولا كجارية تغوى سيدها وتذل سيدتها.

V      لأتعلم حكمة حتى من أصغر الحشرات كالنملة المجتهدة،

وكالوبار الساكن الصخور،

وكحملات الجراد المُنظم كجيش عظيم،

وكالعنكبوت الذي يسكن قصور الملوك.

بك أحارب العدو إبليس لأجل خلاص نفسي وخلاصي إخوتي.

فأكون شجاعًا كالأسد،

وسريع الحركة ككلب الصيد،

وأحمل روح القيادة كالتيس وسط القطيع.

ورعاية الملك المحب لشعبه.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى