تفسير المزمور 80 للقمص تادرس يعقوب ملطي

 

هذا المزمور هو استمرار للمزمور السابق وفيه المرنم يشكو لراعي إسرائيل من سوء حالة القطيع والمشقات التي يتحملها ويطلب العطف والشفقة على الرعية. والكرمة هنا هي شعب إسرائيل (اش1:5-7) أو هي الكنيسة أو هي النفس البشرية التي كانت مثل كرمة في فردوس الله وحينما أخطأت قطعها الله بفأس عدالته وطرحها خارج الفردوس فيبست وصارت كرمة كاذبة. وإسرائيل كانت كرمة غرسها الله في أرض الميعاد ثم أخطأت وصارت تعطي عنبًا مرًا. والمرنم يستغيث إلى سيد الكرم لكي ينزل هو ويصير كرمة حقيقية، ويطعم نفسه في الكرمة التي فسدت بأنياب خنزير بري أو وحش بري (إبليس) لتنبت أغصانًا تجدد الكرمة.

 

آية (1): “يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ، اصْغَ، يَا قَائِدَ يُوسُفَ كَالضَّأْنِ، يَا جَالِسًا عَلَى الْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ.”

المسيح هو راعي إسرائيل وهو الذي يقود يوسف كالضأن أي كراعٍ يقود خرافه وهذا الراعي الذي أتى متجسدًا هو هو نفسه الله يهوه الجالس على الكروبيم وأشرق بتجسده.

 

آية (2): “قُدَّامَ أَفْرَايِمَ وَبِنْيَامِينَ وَمَنَسَّى أَيْقِظْ جَبَرُوتَكَ، وَهَلُمَّ لِخَلاَصِنَا.”

لماذا ذكر أفرايم وبنيامين ومنسى بالذات؟ لقد سقطت مملكة إسرائيل أي العشرة أسباط أولًا بيد أشور وأقوى أسباطها أفرايم ومنسى. وبنيامين هو الآخر ذهب للسبي مع سبي بابل. وكان هؤلاء الثلاثة أسباط يتقدمون المسيرة قبل تابوت العهد. والآن هم في السبي. فالنبي يطلب عودتهم لسابق مجدهم. ونلاحظ أن إفرايم= الثمر المتكاثر. وبنيامين ابن اليمين ومنسى= ينسي. وهنا نرى صفات من يعود لله فيعود له الله، فهو ينسي الزمنيات ويكون ابن اليمين وله ثمر متكاثر.

 

آية (3): “يَا اَللهُ أَرْجِعْنَا، وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ.”

أرجعنا= ردنا إلى ما كنا فيه من حرية وراحة. أنر بوجهك= إشارة لتجسد المسيح. المسيح هو وجه الله ففيه رأينا صورة الآب = “مَنْ رآني فقد رأى الآب” (يو14: 9). وحينما تجسد المسيح أشرق علينا بنوره فهو النور الحقيقي وهو شمس البر. وهو تجسد ليرجعنا إلى حضن الآب.

 

آية (4): “يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، إِلَى مَتَى تُدَخِّنُ عَلَى صَلاَةِ شَعْبِكَ؟”

إلى متى تدخن على صلاة شعبك= إلى متى تظل غاضبًا على صلاة شعبك ولا تقبلها.

 

آية (5): “قَدْ أَطْعَمْتَهُمْ خُبْزَ الدُّمُوعِ، وَسَقَيْتَهُمُ الدُّمُوعَ بِالْكَيْلِ.”

خبزهم يأكلونه بالبكاء. وكأسهم تمتلئ بالدموع. فرحنا يا رب هو بظهورك وسطنا.

 

آية (6): “جَعَلْتَنَا نِزَاعًا عِنْدَ جِيرَانِنَا، وَأَعْدَاؤُنَا يَسْتَهْزِئُونَ بَيْنَ أَنْفُسِهِمْ.”

بسبب غضبك صار جيراننا يتنازعون علينا، من يأكل منا نصيب أكبر من الآخر.

 

الآيات (8-11): “كَرْمَةً مِنْ مِصْرَ نَقَلْتَ. طَرَدْتَ أُمَمًا وَغَرَسْتَهَا. هَيَّأْتَ قُدَّامَهَا فَأَصَّلَتْ أُصُولَهَا فَمَلأَتِ الأَرْضَ. غَطَّى الْجِبَالَ ظِلُّهَا، وَأَغْصَانُهَا أَرْزَ اللهِ. مَدَّتْ قُضْبَانَهَا إِلَى الْبَحْرِ، وَإِلَى النَّهْرِ فُرُوعَهَا.”

إسرائيل هي الكرمة التي نقلها الرب من مصر وغرسها في مكانها وأعطت ثمرها. غطى الجبال ظلها= أي سلطانها ساد على الأمم القوية التي حولها. أغصانها= ملوكها وأنبيائها قضبانها= القضبان أي الأغصان تشير للملوك أو الأنبياء. لكن القضبان تشير لسلطانهم من البحر إلى النهر.

أصلت أصولها = الله طرد الكنعانيين من أمامهم وزرعهم وثبتهم في الأرض مكان الكنعانيين. ومهما حاول الأمم التي حولهم طردهم من الأرض إلا أن الله كان قد ثبتهم في أرضهم التي أعطاها لهم. وَأَغْصَانُهَا أَرْزَ الله = حينما يوضع اسم الله وراء شيء فهذا للإشارة لضخامة هذا الشيء (جبل الله يعني جبل ضخم وجيش الله يعني جيش ضخم) والإشارة هنا لامتداد مملكة داود وإتساعها.

 

الآيات (12، 13): “فَلِمَاذَا هَدَمْتَ جُدْرَانَهَا فَيَقْطِفَهَا كُلُّ عَابِرِي الطَّرِيقِ؟ يُفْسِدُهَا الْخِنْزِيرُ مِنَ الْوَعْرِ، وَيَرْعَاهَا وَحْشُ الْبَرِّيَّةِ.”

الجدران هم الشعب. أفسدها الخنزير= إشارة للشيطان النجس فالخنزير حيوان نجس. والشيطان علم الشعب النجاسة. وبسبب الخطية صار الإنسان مأكلًا لإبليس= يقطفها كل عابري الطريق. وكرمز لذلك كانت الأمم الوثنية المحيطة بالشعب تذلهم إن أخطأوا وكل مؤمن يغرسه الله ككرمة، تمتد من البحر (العالم) للنهر (عمل الروح القدس) ولكن إن عاد وسقط يصير مأكلًا لكل عابري الطرق أي ألعوبة في يد الشياطين.

 

آية (14): “يَا إِلهَ الْجُنُودِ، ارْجِعَنَّ. اطَّلِعْ مِنَ السَّمَاءِ وَانْظُرْ وَتَعَهَّدْ هذِهِ الْكَرْمَةَ،”

هي صلاة المرنم ليرعى الله كل كرمة (كل نفس) حتى لا تصير ألعوبة في يد الشيطان.

 

آية (15): “وَالْغَرْسَ الَّذِي غَرَسَتْهُ يَمِينُكَ، وَالابْنَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ.”

الغرس الذي غرسته يمينك. ومن هو يمين الله سوى المسيح الابن الذي اخترته لنفسك.

 

آية (16): “هِيَ مَحْرُوقَةٌ بِنَارٍ، مَقْطُوعَةٌ. مِنِ انْتِهَارِ وَجْهِكَ يَبِيدُونَ.”

الكرمة الآن محروقة بنار كما أحرق نبوخذ نصر الهيكل. ولكن الله سينتهر أعدائه.

 

آية (17): “لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَى رَجُلِ يَمِينِكَ، وَعَلَى ابْنِ آدَمَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ،”

لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَى رَجُلِ يَمِينِكَ = لتكن معونتك لنا بواسطة ابنك الذي هو يمينك.

والمسيح سماه المرنم هنا رجل يمينك فهو:-

[1] هو قوة الله وذراع الله الذي تجسد وأعطاه الآب كل قوة وكل سلطان ثم رفعه وجلس عن يمينه.

[2] الله أعطاه هذه القوة ليمجد اسم الله وينتصر بقوة على أعدائه “أنا مجدتك على الأرض” (يو4:17، 5) وعمل المسيح كان نشر ملكوت الله بقوة على الأرض.

[3] يد الله الآب كانت عليه أي كانت تحفظه ليتم عمله أولًا ثم يصلب ويقوم، فلا يقتلونه قبل الميعاد، لذلك في مرات كثيرة إذ أرادوا قتله كان يمر من وسطهم دون أن يشعروا (يو59:8). ثم كانت يد الله عليه ليقوم من الأموات بقوة (رو4:1).

[4] قوة وثبات الكنيسة والمؤمنين راجع لنعمة المسيح أو النعمة التي تحصل عليها الكنيسة في المسيح.

 

الآيات (18-19):- “فَلاَ نَرْتَدَّ عَنْكَ. أَحْيِنَا فَنَدْعُوَ بِاسْمِكَ. يَا رَبُّ إِلهَ الْجُنُودِ، أَرْجِعْنَا. أَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ.

زر الذهاب إلى الأعلى