التفسير القديم للكتاب المقدس – لوقا أصحاح 9
1:9 – 50 قمة بشارة يسوع في الجليل
1:9 -6 إرسال الاثني عشر
ودعا الأثني عشر، فأولاهـم قـدرة وسلطانا على جميع الشياطين، وعلى شفاء الأمراض. ثم أرسلهم ليبشروا بملكوت الله ويبرئوا المرضى. ” وقال لهم: «لا تحملوا للطريق شيئا، لا عصا ولا كيسا ولا خبز ًا ولا مالاً، ولا يكن لأحد منكم ثوبان. وأي بيت دخلتم، ففيه أقيموا ومنه ارحلوا. وأما الذين لا يقبلونكم فاخرجوا من مدينتهم، وانـفـضـوا الغبار عن أقدامكم نذيرا لهم». فمضوا وساروا في القرى، يبشرون ويشفون المرضى في كل مكان.
نظرة عامة:
في تـفـويـضـه الاثني عشر، يؤتي يسوع تلاميذه الامتياز للمشاركة في أسـلـوبـه النـبـوي فـي الـوعـظ وفي إجـراء معجزات الشفاء، وهذا إكرام خاص للاثني عشر وللشـبـعين (إفسـافـيـوس). إنه يمجد تلاميذه بإعطائهم سلطانا على الشياطين وعلى شفاء الأمراض (كيرلس الإسكندري). يـرسـلـهـم رب الحصاد إلـى الـوعـظ دون أن يدعهم يستريحون من متاعب الجسد (كيرلس الإسكندري). أقدامهم، بدون نعال، هي أقدام جميلة تعلن البشرى (أمبروسيوس). مهمة الاثني عشر (والسبعين) هـي إيـجـاد بـيـت يعتمدون فيه على من يستضيفهم (كيرلس الإسكندري). بهؤلاء الرجال غير المدربين والمجهزين للرسالة، تمكن يسوع من فتح العالم بالإنجيل (الذهبي الفم).
1:9- 2 أرسل الاثنا عشر للتبشير بملكوت الله ولشفاء المرضى
أولي الاثنا عشر والسبعون إكراما خاصا.
إفسافيوس: دعا ربنا ومخلصنا، بعد وقت قصير من بدء وعظه، اثني عشر. وخصهم بلقب الرسل تكريما لهم وإعلاء لشأنهم. وأقام في ما بعد سبعين آخرين، وأرسلهم اثنين اثنين يـتـقـدمـونـه إلى كل مدينة أو قرية كان يعزم أن يذهب إليها. (تاريخ الكنيسة 1)
مجد يسوع تلاميذه فأعطاهم قدرة على شفاء المرضى وطرد الشياطين.
كيرلس الإسكندري: إن النعمة الممنوحة للرسل القديسين جديرة بكل حمد. ولكن جود الوهاب الكريم يفوق كل ثناء وإعجاب فهو يـولـيـهـم، كما قلت، مجده، ويعطيهم سلطانا على الأرواح الشريرة. هكذا طأطأوا من استكبار إبليس وزهوه، وأبطلوا شروره. وبقوة الروح القدس وفـعـالـيـتـه أحرقوا شروره على نار، وأجبروه على الخروج ممن مسهم وهو يتأوه ويشهق….
مجد تلاميذه وأعطاهم سلطانا على طرد الأرواح الشريرة، وعلى شفاء الأمراض. هل مجدهم بلا سبب، وشهرهم بلا غاية؟ وهل يعقل مثل هذا الأمر؟ بدهي أن يتمكنوا من إجـراء المـعـجـزات، لأنهم أقـيـمـوا خـدامـا للبشارة المقدسة. بأعمالهم يقنعون النّاس بأنهم خدام لله ووسطاء لكل من هو تحت الشـمـاء، ويـدعـوتـهـم إلـى المـصـالـحـة والإخلاص والتمسك بالإيمان، ويرشدونهم إلـى طـريـق الخلاص وحـيـاة الـبـر (تـفسير القديس لوقا 47)
5-3:9 وصايا يسوع عند إرساله الاثني عشر
إرسالهم بلا زاد يحررهم من اهتمام الجسد.
كيرلس الإسكندري: علم يسوع تلاميذه أن لا يحملوا للطريق شيئا. أرادهم أن يـكـونـوا مـتـحـريـن مـن كـل اهـتـمـام دنيوي… لئلا ينهمكوا بالحصول على الطعام الضروري اللازم لهم. واضح أن الـذي يـعـلـمـهـم الامتناع عن مثل هذه الحاجات، يجنبهم محبة الغنى والنّهم في الربح. قال إن إكليلهم هو ألا يقتنوا شيئا. إنه يبعدهم حتى عن الضروريات، موصيا إياهم أن لا يحملوا للطريق شيئا، لا عصا ولا كيسا ولا خـبـرا ولا مـالاً ولا ثوبين. لاحظ، مما قلت، أنه يبعدهم عن الاهتمام الـثـانـه بـالجسد. يـوصـيـهـم أن لا يهتموا بالطعام، مرددا قول المزمور: «ألق على الرب همك وهو يعولك». وما قاله المسيح صحيح أيضا: «لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال». و «حيث يـكـون كـنرك يـكـون قلبك».(تفسير القديس لوقا 47)
لا أحـذيـة فـي أرجـل الـذيـن يـعـلـنـون البشري.
أمبروسيوس: هذه رؤية عظيمة. إذا أردت أن تـراهـا فـاخـلـع حـذاءك مـن رجليك. إخلع سلاسل الخطيئة. إخلع سلاسل العالم. وتخل عن أحذية الدنيا. لقد أرسل يسوع الرسل بلا أحذية، أو مال، أو ذهب أو فضة، لئلا تشغلهم الأمور الدنيوية. يمتدح الساعي إلى عمل الخير، لا لأحذيته، بل لسرعة قدميه وجمالهما. يقول الكتاب المقدس «مـا أجـمـل خـطـوات المبشـريـن بإنجيل السلام، الحاملين بشارة الخير». فاخلعوا أحذيتكم من أرجلكم لتكون جميلة في التبشير بالإنجيل. (الهرب من الـعـالـم 5. 25)
يعتمد الاثنا عشر على ضيافة الآخرين.
كيرلس الإسكندري: أوصاهم بأن يبقوا في بيت واحد ومنه ينطلقون. فمن قبـلـهـم لا يـحـرم الـعـطـيـة. وعلى الرسل القديسين أن يـتـجـاوزوا الـعـراقـيـل الـتـي تعيقهم عن التبشير برسالة الله. قد يحدث مثل هذا الأمر إذا انتقلوا من بيت إلى بيت بدعوة ممن لا يكون غرضهم تعلم دروس ضرورية، بل عرضا لموائد فاخرة. (تفسير القديس لوقا 47)
6:9 انطلاق الاثني عشر لإعلان البشارة وشفاء المرضى
ينتصر المسيح على العالم على يد رسل غير متعلمين وغير مميزين.
الـذهـبـي الـفـم: استطاع المسيح أن يحرر الجنس الـبـشـري مـن كـل أهـل الشـوء، مـن الرومان والفرس وكل البرابرة. نجح في تحقيق ذلك لا بقوة السلاح، ولا بدفع المال، ولا بالانتصار في الحروب، ولا بالمقاتلين المدربين، بـل انـطـلـق بـأحد عشر رجلاً وضعين، أميين، محرومين، ضعفاء، فقراء، عزلاً، حفاة، كسوتهم ثوب واحد. (برهان ضد الوثنيين 7.1)
7:9 -17 حيرة هيرروس وإطعام خمسة آلاف رجل
وسمع أمير الربع هيرودس بكل ما كان يجري، فتحير، لأن بعض الناس كانوا يقولون: «يوحنّا قام من بين الأموات»، وبعضهم: «إيليا ظهر»، وغيرهم: «نبي من الأنبياء الأولين قام». على أن هيرودس قال: «أما يوحنا فقد قطعت أنا رأسه. فمن هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذه الأمور؟» وكان يطلب أن يراه.
ولما رجع الرسل أخبروا يسوع بكل ما عملوه، فمضى واعتزل بهم عند مدينة يقال لها بيت صيدا، وعرف الجموع فتبعوه، فرحب بهم وتحدث إليهم عن ملكوت الله، وأبرأ المحتاجين منهم إلى الشفاء. وأخذ النهار يميل، فدنا إليه الاثنا عشر وقالوا له: «إصرف الجمع ليذهبوا إلى القرى والمزارع المجاورة، فيبيتوا فيها ويجدوا لهم فيها طعاما، لأننا هنا في مكان مقفر». فقال لهم: «أعطوهم أنتم ما يأكلون». فقالوا: «لا يزيد ما عندنا على خمسة أرغفة وسمكتين، إلا إذا مضينا نحن فاشترينا لجميع هذا الشعب طعاما». وكانوا نحو خمسة آلاف رجل. فقال لتلاميذه: «أقعدوهم جماعة جماعة، في كل واحدة منها نحو الخمسين». ففعلوا، فأقعدوهم كلهم. فأخذ الأرغفة الخمسة والسمكتين، ورفع عينيه نحو السماء، ثم باركها وكسرها وجعل يناولها تلاميذه ليقدموها للجمع. ” فأكلوا كلهم حتى شبعوا، ورفع ما فضل عنهم: اثنتا عشرة قفة من الكسر.
نظرة عامة:
يؤكد لوقا التعاليم عن ملكوت الله، فيبدأ الفصل بقوله إنه أرسل التلاميذ وأعطاهم سلطانا على الشياطين وقدرة على شفاء المرضى، ثـم يـقـدم المعجزة بقوله: «وتحدث إليهم عن ملكوت الله، وأبراً المحتاجين منهم إلى الشفاء» (بيدي). يأتي ملكوت الله مطابقا لتعليم المسيح ولشفائه المرضى، ولإطعامه الناس، كما جاء على لسان الأنبياء القدماء (أمبروسيوس).
إن لإطعام خمسة آلاف رجل سوابق في الـعـهـد الـقـديم، فيسوع يطعم الـنـاس فـي البرية، كما فعل موسى من قبل (كيرلس الإسـكـنـدري). هناك أوجـه مـجـاريـة لهذه المعجزة تربطها بالعهد القديم، فالأرغفة الخمسة ترمز إلى أسفار موسى الخمسة (أوغسطين). وقد ترمز إلى الحواس الخمس، وبالأرغفة السبعة إشارة إلى إطعام أربعة آلاف رجـل أمـا الخبز المقدس فـيـذكـرك بأرغفة القيامة الثمانية. (أمبروسيوس). الخبر كلمة الله ينمو روحيا، والماء يتحول إلـى خـمـر فـي عـرس قـانـا الجـلـيـل (أمبروسيوس). إن معجزة إكثار الخمسة الأرغفة والسمكتين للآلاف ستمهد الطريق لطعام المسيح الأقوى، وهو جسده ودمه (أمبروسيوس).
في إطعام خمسة آلاف رجل، يعطي الخالق لخلقه طعاما جوهريا في وفرة حياة أبدية (برودنتيوس). هذه الوفرة ستساعد الذين يملكون اليسير على استضافة الغرباء، لأن الرب سيؤمن ما يحتاجون إليه من مؤن (كيرلس الإسكندري). تجيء هذه الوفرة من مائدة الرب السماوية (برودنتيوس). فمائدة الشركة مع يسوع تذوق مسبق لطعام الآخرة الذي يعده يسوع، خبز الحياة، للمؤمنين، من أجل حياة العالم (كيرلس الإسكندري).
11-7:9 تـقـديـم مـعـجـزة إطـعـام الجموع
يسبق التعليم والشفاء معجزة إطعام الجموع.
بيدي: أوترى كيف يشجع ربنا جموعا تبعته عند اقتراب الفصح اليهودي. أتـم ذلـك بـكـلامـه الخلاصي، وبـشـقـانـه أمراضهم. كإنجيلي آخر كتب لهم، وحدثهم عن ملكوت الله، وشفى المحتاجين منهم إلى الشفاء. عندما اكتملت أعمال تعليمه وشـفـائـه نـشـطـهـم بـوفـرة من طعام قليل. مواعظ على الأناجيل ٢٫٢ في الصوم.(1) الذين يتناولون طعام المسيح يشفون أولاً. أمبروسيوس: قال لهم: «أعطوهم أنتم ما يأكلون».(۴) فقالوا: «لا يزيد ما عندنا على خمسة أرغفة». لماذا يذكر هيرودس أن يوحنا مات،(3) مع أن آلامه تذكر من بعد؟ ربما لأنه، بعد نسخ أحكام الشريعة، بدأ طعام الإنجيل يغذي قلوب الجياع. إنّـه بـغـذاء روحـي يـحــر الـذيـن شـفـوا من آلامهم… لا يذوق أحد طعام المسيح إلا بعد أن يبرأ… وإذا أعطي الأعرج أن يسير سيرا سويا، فقد أجيز له أن يأتي، أما إذا فقد المرء بصره فلن يحق له أن يدخل بيت الرب ما لم يستعد بصره. (عرض القديس لوقا 6.)
9:12- 15 تحضير
إطـعـام الجمـوع في البرية يذكرنا بمعجزة المن.
كيرلس الإسكندري: نرى بوضوح أن هذه المعجزات الجديدة تتساوق والمعـجـرات الـقـديمة. إنّـهـا أعـمـال الـقـوة الواحدة نفسها. أمطر الرب المن في البرية على آل إسرائيل، وأعطاهم خبرا من السماء. «أكل الإنسان خبز الملائكة»، وفق ما تترنم به المزامير. لكن، ها قد أعطى طعاما وافرا للمحتاجين إليه في البرية. أنزله من السّماء. إن تكثير الطعام وإشباع الجموع من لا شيء تقريبا، يـشـبـهـان المعجزة الأولى. (تفسير القديس لوقا 48)
تـرمـز الأرغفة الخمسة إلى أسفار موسى الخمسة.
أوغسطين: تشير الأرغفة الخمسة إلى كتب موسى الخمسة. لم تكن حنطة، بل أرغفة شعير، لانتمائها إلى العهد القديم. إنك تعرف أنه يتعسّر على المرء أن يحصل على لب الشعير بسهولة. يغلف هذا اللب بقشرة، وهي متماسكة متراصة، وبـالـجـهـد تـنـتـزع. هكذا هـو حـرف العهد القديم، المكسو بالجسد. أما إذا تمكن المرء من الوصول إلى لبه فإنه يأكل منه ويشبع. (مواعظ على الإنجيل كما دونه يوحنا 24)
شرح سر الأرغفة.
أمبروسيوس: قرأنا أن خمسة آلاف رجـل أطـعـمـوا بـالأرغفة الخمسة، وأربعة آلاف رجل بالأرغفة السبعة فلنفسر ما تنطوي عليه المعجزة من سر. إن الخمسة آلاف رجل، مثلهم مثل حواس الجسد الخمسة، أعطاهم المسيح طعاما ماديا. لكن الأربعة آلاف رجل) كـانـوا في الجسـد وفـي الـعـالـم المعروف بعناصره الأربعة. وقد فضلت سبع سلال عن الأربعة آلاف رجل. فخبز الشبت هذا لم يكن خبرا عاديا، إنما خبرا مقدسا. خبر الـراحـة. إذا أكلت الأرغـفـة الخـمـسـة أولاً بالحواس، تكون – وأقولها بجرأة – كأنك لن تأكل خبرا على الأرض في اليوم الثالث، بعد أن تـكـون قـد أكلت الأرغفة الخمسة والسبعة ستأكل الأرغفة الثمانية على الأرض، مثلما يأكلها الذين هم في السماء. إن الأرغـفـة الشـبـعـة هـي أرغـفـة الـراحـة والأرغـفـة الـثـمـانـيـة هـي أرغفة الـقـيـامـة. يصمد الذي يأكل الأرغفة السبعة إلى اليوم الثالث، وقد يدرك الإيمان الكامل وثبات القيامة الآتية. هناك أيضا صوت القديسين: «دعنا الآن نسر مسيرة ثلاثة أيام في البرية، ونقدم ذبيحة للرب إلهنا» ( عرض القديس لوقا ۷96. 79-80)
16:9 المعجزة
الخبر كلمة الله ينمو فينا سريا.
أمبروسيوس: إن الخبر الذي كسره يسوع هو كلمة الله الروحية، وإن كلامه فينا يزداد فيما يوزع. بكلامه أطعم الشعوب كلها خبرا وافرا. إنه أعطانا كلاما كأرغفة تتكاثر وهو يتساقط من أفواهنا. يتكاثر الخبر على نحو لا يدرك عندما يكسر ويوزع ويؤكل منه، فتعجز عن فهم كيفية إعطائنا إياه. تبدو عطايا المسيح صغيرة، إلا أنها عظيمة جدا. لا يمنحها شخص واحد، بل تمنحها جميع الشعوب، لأن الطعام ينمو في فم من يأكله. يبدو للعين أن هذا الغذاء يؤكل من أجل تغذية الجسد، إلا أنه في الواقع يؤكل للخلاص الأبدي. (عرض القديس لوقا 6. 86-88)
يطعمهم المسيح من جسده ودمه.
أمبروسيوس: إن ترتيب السر محفوظ ف ظ في كـل مـكـان فـالـشـفـاء الأول لـلـجـراح يـتـم بغفران الخطايا. ثم يتكاثر طعام المائدة الشـمـاويـة، رغم أن الجمـوع لـم تـكـن قـد تناولت طعاما مغذيا ومقويا، ولم تكن القلوب جـائـعـة بعد لإيمان يغذوه جسد المسيح ودمه. يقول «غديتكم باللبن الحليب لا بـالـطـعـام، لأنـكـم لـمـا تـقـدروا عليه» الأرغفة الخمسة هي كالحليب، لكن الطعام المغذي والمقـوي هو جسد المسيح، والشراب المحيي هو دم الرب. إنا لا نحتفل من فورنا بكل الأطعمة، ولا نشرب كل المشروبات. يقول: «اشربوا منه». هكذا، هناك شراب أول تشربه، ثم شراب ثان. هناك أيضا طعام أول تأكله، ثم طعام ثان وثالث. أولاً هناك الأرغفة الخمسة ثم هناك السبعة. الرغيف الثالث هو جسد المسيح الحقيقي. إذا علينا ألا نتخلى عن الرب. يسره أن يمنحنا طعاما على قدرة كل واحد منا، تحاشيا لاستقواء الطعام على الضعيف أو لافتقاره إلى ما يتطلبه القوي. (عرض القديس لوقا 6. 71-72)
17:9 الطعام
وفرة لحياة أبدية.
برودنتيوس: قال «رفع ما فضل عنهم: اثنتا عشرة قفة من الكسر». اتكأ آلاف في هذا العيد، وأطعموا ما أشبعهم من الأرغفة الخمسة والسمكتين التي كثرها.
خبرنا أنت، وطعامنا الحقيقي، وحلاوة أنت لا تنضب فمن تغذى في مأدبتك لن يعرف جوعا، فأنت لا تغذي طبيعتنا الجسدية، بل تعطينا حياة أبدية(أناشيد يومية 58:9-63 )
تشجع وفرة المعجزات على ضيافة الـغـرباء.
كيرلس الإسكندري: ماهي الـفـوائـد الـتـي حققتها المعجزة؟ إشباع الجموع الغفيرة التي بلغ عددهـا حـوالى خمسة آلاف رجل، ما عدا النساء والأطفال، وفق ما أضافه إنجيلي قديس إلى السّرد. لم تنته المعجزة هنا. رفع ما فضل عنهم: اثنتا عشرة قفة من الكسر، علام نستدل من ذلك كله؟ ثبت أن لتلك الضيافة مكافأة غنية من لدن الله، قدم التلاميذ الأرغفة الخمسة. وبعد أن شبع الجمهور الغفير، رفع ما فضل عنهم: اثنتا عشرة قفة من الكسر. فلا يمنعن الراغبين في استضافة الغرباء شيء مهما كان قليلا وعد موهنا للعزيمة. لا يقولن أحد «لا أملك الوسائل المناسبة. وكل ما أقدر على فعله هو زهيد غير كاف للكثيرين». تقبل الغريب، أيها الحبيب. تغلب على الـتـردد الـذي يـحـرمـك المـكـافـأة. فالمخلص يضاعف على غير توقع القليل الذي في حـيـازتـك. ولو أعـطـيـت قليلاً فسـتـسـتـلـم الـكـثير. فـمـن زرع الـبـركـات حصدها، كما يقول القديس بولس. (تفسير القديس لوقا 48)
مائدة سماوية وفيرة.
برودنتيوس: كسر الله الأرغفة الخمسة والسمكتين، وبهما أطعم خمسة آلاف رجل. يشبع الجائعون من الطعام حتى يتخموا. اثنتا عشرة قفة من الكسر فضلت. هكذا هي الوفرة الموزعة دائـمـا مـن المـائـدة السماوية. (مشـاهـد مـن التاريخ المقدس 57)
يسوع خبر الحياة للمؤمنين من أجل حياة العالم.
كيرلس الإسكندري: يقدم يسوع نفسه خبزا للحياة للمؤمنين به. ينزل من السماء، ويعطي الـعـالـم الحياة. (تفسير القديس لوقا 48)
18:9 – 22 شهادة بطرس وإنباء يسوع الأول بالامه وموته وقيامته
واتفق أنه كان يصلي في عزلة والتلاميذ معه فسألهم: «من أنا في قول الجمـوع ؟ فأجابوا: «يوحنا المعمدان». وبعضهم يقول: «إيليا». وبعضهم: «نبي من الأولين قام». فقال لهم: «ومن أنـا فـي قـولـكـم أنتم؟» فأجاب بطرس، «مسيح الله». فنهاهم بشدة عن أن يخبروا أحدا بذلك.
وقال: «يجب على ابن الإنسان أن يعاني آلاما شديدة، وأن يرذله الشيوخ ورؤساء الكهنة ومعلمو الشريعة، وأن يقتل وفي اليوم الثالث يقوم».
نظرة عامة:
إن بطرس هو التلميذ الأول، وهو التلميذ الأسبق في الشهادة أن يسوع هو المسيح، ابن الله. بعد أن سـأل الـرب تلاميذه عـن قـول الجمـوع فـيـه (كيرلس الإسكندري)، انجلي لبطرس النور بأنه هو المسيح وبأنه أعظم من كل الأنبياء لأنه هو «مسيح الله». شـهـد بـطـرس أن يسوع هو مخلص الجميع (كيرلس الإسكندري). إن الاعتراف بأن يسوع هو المسيح هو اعتراف إيمـانـي بـأنـه الله، المتـجـسـد والمصلوب والـقـائـم مـن بين الأموات (أمبروسيوس). أدت معجزة إطعام خمسة آلاف رجل إلى اعتراف بطرس بأن يسوع هو «مسیح الله» (كيرلس الإسكندري). سيحافظ التلاميذ على سرية آلام المسيح ودفنه وقيامته ما تحدثه أخبار الآلام من تشوش واضطراب (أمبروسيوس). بـعـد الـقـيـامـة سيعلنون آلام يسوع وقيامته وفق وصيته النهائية لهم (كيرلس الإسكندري).
20-18:9 اعتراف بطرس
يسأل تلاميذه عن رأي الجموع فيه.
كيرلس الإسـكـنـدري: أوتـرى بـراعـة سـؤال يسوع! لم يقل من فوره: «من أنا في قولكم أنتم؟» بل سألهم عن رأي الذين هم خارج شركتهم، ليرفضه، ويظهر بطلانه، ومن ثم يرجعـهـم إلـى الـرأي الـقـويم… لمـا قـال تلاميذه: «يوحنا المعمدان». وبعضهم يقول: «إيليا». وبعضهم: «نبي من الأولين قام». سألهم: «من أنا في قولكم أنتم؟» ما أغنى لفظة «أنتم»! فرزهم عن الآخرين، لأن آراءهم فيه تختلف عن آراء الآخرين. فهم لا يفكرون في ما لا يليق به، ولا يهتمون بما يربك عقولهم. ولا يتصورون أن يوحنا قام، أو أن واحـدا مـن الأنـبـيـاء ظهر من جديد. يقول أنثم دعـيثم للرسالة لتكونوا شهودا لمعجزاتي. «فمن أنا في قولكم أنتم؟» (تفسير القديس لوقا 49)
يعترف بطرس بأن يسوع هو المسيح مخلص الجميع.
كيرلس الإسكندري: كثيرون يسمون باسم «المسيح»، لأن الله مسحهم بطرائق متعددة. بعضهم مسحوا ملوكا، وبعضهم أنبياء… لكن مسيح الله الآب هـو واحـد أحـد… إن بـطـرس الـكـلـي الحكمة شهد بإيمانه به شهادة صحيحة لا خطأ فيها، قال: «مسیح الله». واضح أن بطرس يعزو اللاهوت إلى يسوع. فاعترف بـأنـه هـو وحـده مـسـيـح الله، وميزه عن الملقبين بأنبياء الله. فهو الله بطبيعته، شع من الله الآب، على نحو لا يوصف ككلمته الأوحد، وصار بشرا كما جاء في الكتاب المقدس. أعـلـن الـقـديـس بـطـرس جـهـارا بإيمانه به نيابة ع عن الرسل القديسين لكونه أكثر دقة منهم. (تفسير القديس لوقا 49)
الاعتراف بأن يسوع هو المسيح هو اعتراف بالإيمان به.
أمبروسيوس: رغم أن الرسل الآخـريـن كـانـوا يـعـرفـونـه، فقد أجـاب بـطـرس عـن جـمـيـعـهـم قائلاً: «أنت المسيح، ابن الله الحي»… هل نطرح أسئلة عن ولادة الله؟ يـقـر بـولس أنه لا يعرف شيئا، إلا يسوع المسيح مصلوبا، ويذهب بطرس إلى أنه علينا أن نعترف بالمسيح بأنه ابن الله. ولكننا نحن نقضى عمرنا في التدقيق بزمن ولادته وكيفيتها وعن عظمته بالمقارنة بالضعف الإنساني… عرف بولس أن كل شيء هو في ابن الله لأن الأب أعطاه كل شيء. (عرض القديس لوقا 93.6 )
إطعام خمسة آلاف رجل يثير اعتراف بطرس.
كيرلس الإسكندري: «واتفق أنه كان يصلي في عزلة والتّلاميذ معه فسألهم: «من أنا في قول الجمـوع؟» أول ما ينبغي علينا إنعام النظر فيه، هو ما دفع ربنا يسوع المسيح إلى طرح السؤال على الرسل القديسين. كان لكل ما يقوله ويفعله أرب ملائم. كان يجري كل شيء بحكمة وفي وقـتـه المناسب. فـمـاذا نـقـول، أو ما هو التفسير المناسب الذي نجده لأعمـالـه الحاضرة؟ أطعم جمهورا من خمسة آلاف رجل في البرية. كيف أطعمهم؟ بالأرغفة الخمسة وجـعـل الشـمـكـتـين الصغيرتين حصصا فتضاعفتا من لا شيء، ورفعت اثنتا عشرة قفة من الكسر. دهش الثلاميذ القديسون مع الجموع، عندما شاهدوا ما فعله، وقالوا إنه الله حقا وإنه ابن الله. (تفسير القديس لوقا 49)
22-21:9 الإنباء بآلامه وقيامته
سيطر الصمت على التلاميذ في عثرة آلامه.
أمبروسيوس: لم يشأ الرب يسوع المسيح أن يمجد في بادئ الأمر، خشية التذمر فنهى تلاميذه عن أن يقولوا لأحد شيئا، لأن على ابن الإنسان أن يعاني كثيرا، وأن يرذله الشيوخ ورؤساء الكهنة وعلماء الشريعة، وأن يقتل، وأن يـقـوم فـي الـيـوم الثالث.
ربـمـا أضـاف هـذا لأن الـرب عـرف أنـه سيتعسّر على التلاميذ أن يؤمنوا بآلامه وقـيـامـتـه. لذلك، أثر أن يـصـارحـهـم بـهـا فيؤمنوا عندما تحدث ولا تجرفهم الأخبار المتضاربة. رفض أن يـتـبـاهـى، وأثر أن يظهر وضيعا ليعاني الآلام. هل تتباهون، أنتم الذين تولدون ولادة وضيعة؟ أما يجب أن تسيروا سيرة المسيح؟ هذا هو الاعتراف به، هذا هو الاقتداء بـه فـي حـالـتـي سـوء الشمعة وحسنها، لتتمجدوا بالصليب كما تمجد هو. هكذا، سار بولس وتألق فقال: «أما أنا فمعاذ الله أن أفاخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح».(عرض القديس لوقا6. 99-102)
أوصاهم بأن لا يخبروا أحدا عن آلامه إلى ما بعد القيامة. كيرلس الإسكندري: بعد أن أعلن بطرس التلميذ إيمانه بيسوع، أوصاهم يسوع بأن لا يذيعوا ما أخبرهم به. قال: «يجب على ابن الإنسان أن يعاني آلامـا شـديـدة، وأن يرذله الشيوخ ورؤساء الكهنة ومعلمو الشريعة، وأن يقتل وفي اليوم الثالث يقوم». ألم تكن مهمة التلاميذ أن يعلنوا هذه الأمور في كل مكان؟ بالطبع كانت هذه مهمة الذين أقامهم رسلاً. لكن «لـكـل أمـر أوان» كما يقـول الـكـتـاب المقدس. لكن الأمور ما كانت مكتملة بعد ليذكروها فـي وعـظـهـم، من مثل أحداث الصلب، والآلام، والموت في الجسد، والدفن والـقـيـامـة، وهي علامات عظيمة مجيدة تشهد أن عمانوئيل هو الله حقا، وابن الله الآب بـالـطـبـيـعـة. لقد أبطل الموت، وأزال الفساد، وسلب الجحيم، وأباد تسلط العدو. محا خطيئة العالم، وفتح أبواب السماء لأهل الأرض، ووحد الأرض بالسماء. لقد أجمعت هذه الأمور كلها على تأكيد أنه الله حقا. لذا أمرهم بأن يلتزموا الصمت إلى أن يتم التدبير كله. (تفسير القديس لوقا 49)
23:۹ – 27 ما يُطلب من أتباع يسوع
وقال للناس أجمعين: «من أراد أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني. “لأن الذي يريد أن يخلص حياته يخسرها. ومن خسر حياته في سبيلي يخلصها. فماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله، وخسر نفسه أو أهلكها؟ لأن من استحى بي وبكلامي يستحي به ابن الإنسان، متى جاء في مجده ومجد الآب والملائكة الأطهار. وبحق أقول لكم: في الحاضرين ههنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ملكوت الله».
نظرة عامة:
بادئ ذي بدء تذكر عثرة الصليب بعلاقتها بتلاميذ يسوع. والصليب الذي علقوا عـلـيـه يـشـابـه آلام يسوع كلها (جيروم). حـمـل الصليب يعني الاستعداد للموت من أجل المسيح، رغم أن مقتضيات الحيـاة الحاضرة تشكل عقبات رئيسة لتحقيق ذلك (باسيليوس). هذا هو وضع من اعتمـد فـي مـوت المـسـيـح وقـيـامـتـه (باسيليوس). لا يخاف القديسون ما هو عسير وصعب، بل يختبرونه بفرح (كيرلس الإسكندري). اللذات والثروات تتلاشى، لكن البر يخلص الإنسان من الموت (كيرلس الإسـكـنـدري). من سعى إلى أن يخلص حـيـاتـه وهـو متعلق بحب العالم يفقدها أبديا، لأنه يدل بتصرفاته على أنه يستحي بـابـن الإنسان؛ ومـن فـقـد حـيـاتـه يخلصها أبديا، لأن ابن الإنسان لا يستحي به متى جاء في مجده، فالنّعم والجوائز تنتظر الذين لا يـسـتـحـون بـيـسـوع وبـكـلامـه (كيرلس الإسكندري). إن الذين يأكلون الخبز النازل من السماء، أي يسوع المسيح، لن يذوقوا الموت (أمبروسيوس).
23:9 إتباع يسوع يتطلب نكرانا للذات مثل حمل الصليب
الصليب هو آلام يسوع.
جيروم: في الحقيقة جاء المسيح وأصلح الجنس البشري المضطرب، خشية أن يصير الشر خالدا. صليبه هو عمود الجنس البشري، وعلـيـه بنى بيته. عندما أذكر الصليب لا أفكر في الخشب، بل في الآلام. هذا الصليب هو في بريطانيا، والهند، والمعمور كله. فلما كل هذا التشديد عليه في الإنجيل؟ لا يمكن أن تكونوا تلاميذي ما لم تحملوا صليبي، وتتبعوني كل يوم، ومـا لـم تـكـن نـفـوسـكـم مستعدة للصلب مثلما كانت نفسي مستعدة للصلب من أجلكم. (الموعظة 23)
عادات الحيـاة تعيق حمل صليب المسيح.
باسيليوس: علينا أن نزهد في أنفسنا ونحمل صليب المسيح ونتبعه الزهد فـي الـنـفـس هـو نسيان الماضي بأكمله، ونكران الإرادة. هذا النكران صعب جدا. ولا نبالغ إذا قلنا إن تحقيقه شبه مستحيل ما دمنا نعيش في اللامبالاة. فالعلاقات الاجتماعية في حياة كهذه عقبة تحول بيننا وبين حمل صليب المسيح واللحاق به. حمل الصليب هو التأهب للموت من أجل المسيح، وهو إماتة الأعضاء التي على هذه الأرض، وهـو الاستعداد لمواجهة كل ما يحيق بنا من أخطار من أجل اسم المسيح، وهو الانفصال عن هذه الدنيا. إن العثرات، كـمـا نـراهـا نـاتـجـة مـن عـادات حـيـاة المجتمع. (القوانين الطويلة)
حـمـل الـصـلـيـب هـو المـعـمـوديـة.
باسيليوس: علينا أن نتلقى التعليم قبل المعمودية، فنزيل أولا الجهل الذي يعيقنا عن إعداد أنفسنا لنكون أهلا له. الرب يسوع المسيح نفسه ثبت هذا القول بمثاله، وأكده عقديا بقوله: «كل واحد منكم لا يتخلى عن جـمـيـع أمـوالـه لا يـسـتـطـيـع أن يكون لي تلميذا»، وحدد ذلك: «من لا يحمل صليبه كل يوم ويتبعني فلا يستحقني». عندها نـأتـي إلـى المعـمـوديـة في الماء، الـتـي هـي مشابهة للصليب والموت والدفن، والقيامة من بين الأموات… وعندها يستحق المرء أن يعتمد باسم الروح، القدس وأن يولد ثانية من عل، فيغير موقعه، ونهجه، وصحبه، ليسير سيرة الروح فيستحق أن يعتمد باسم الابن وأن يلبس المسيح. (في المعمودية )
9: 24 من يخلص حـيـاتـه يفقدها. ومن يفقد حياته يخلصها
ما ثبتت صعوبته يفرح القديسين.
كيرلس الإسـكـنـدري: إذا كـان الـقـديـسـون سعداء في تحمل ما ثبتت صعوبته فأي خوف يشعرون به الآن؟! (تفسير القديس لوقا 50)
9: 25 على التلميذ أن يختار بين العالم والحياة الحقيقية
البر ينقذنا من الموت.
كيرلس الإسكندري: ماذا ينفع الإنسان لو ملك مالاً وفيرا وخسر نفسه؟ المال لا ينفع الشرير، وهيئة هذا العالم ستزول؛ والملذات تتبدد كالسحب، والمال يتطاير من يدي مالكه. لكن البر ينقذنا من الموت. (تفسير القديس لوقا 50)
26:9 من يستحي بيسوع يخسر حياته في المجيء الثاني
المكافأة والـنـعـم للذين لا يستحون بيسوع وبكلامه.
كيرلس الإسكندري: أوضح لنا ما سنناله من مكافأة لرغبتنا في العمل بقوله: «من استحى بي وبكلامي يستحي به ابن الإنسان، متى جاء في مجده ومـجـد الآب والملائكة الأطهار». كلامه مفيد لنا وضروري. يظهر بالدرجة الأولى أن الذين يستحون به وبكلامه سينالون ما يستحقونه من عقاب.
وبالدرجة الثانية، يرهبهم بقوله إنه سينزل من السماء، لا في وضاعته السابقة، بل في مجد أبيه؛ أي في مجد إلهي سام، يحف به الملائكة القديسون. فمن البؤس والدمار أن يدان المرء لجـبـنـه وتـهـاونـه عـنـد انـحـدار الـديـان من عل محتـفـة به رتب الملائكة. تبارك من ذاق الفرح بعمل أنجزه، وانتظر مكافأة على أعماله. أمثال هؤلاء يمدحهم المسيح بقوله: «تعالوا، يا من باركهم أبي، رثوا الملك المعـد لـكـم منذ إنشاء العالم». فلنكن أهلاً لهذه المكافآت بنعمة المسيح مخلصنا ومحبته للبشر. (تفسير القديس لوقا 50)
27:9 اتباع يسوع يؤدي إلى رؤية ملكوت الله
الذين يأكلون الخبز النازل من السماء لن يذوقوا الموت.
أمبروسيوس: هكذا، إن شئنا أن لا ترهب الموت، فعلينا أن نقف حيث يقف المسيح ليـقـول فـيـنـا: «في الحاضرين ههنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ملكوت الله».
لا يكفي أن نقف ما لم يكن وقوفنا حيث يكون المسيح، لأن الواقفين مع المسيح لا يذوقون الموت… يتذوق المرء موت الجسد بتكريس الذات لامتلاك حياة الروح.
لكن، ما هو طعم الموت؟ قد يكون الخبر مـوتـا كمـا قـد يـكـون حـيـاة! فهناك الذين يأكلون خبز الحزن. وهناك أيضا أهـل الحبشة الذين جعلوا حيـتـان البحر مأكلاً لهم. فلا نلتهمن سم البحر، لأن عندنا الخبـر الحـقـيـقـي، الخبـز الـذي نـزل مـن السماء. مـن يـحـفـظ ما كتب يأكل ذلك الخبر، وهـنـاك مـن لا يذوق الموت حتى يشاهد ملكوت الله. (عرض القديس لوقا 7. 1-3)
9: 28- 36 التجلي
وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام، مضى ببطرس ويوحنا ويعقوب وصعد الجبل ليصلي. وبينما هو يصلي، تغير منظر وجهه، وصارت ثيابه بيضا تتلألأ كالبرق. وإذا رجلان يكلمانه، وهما موسى وإيليا، قد ظهرا في المجد، وأخذا يتحدثان عن انصرافه الذي سيتم في أورشليم. وكان بطرس واللذان معه قد أثقلهم النعاس. ولكنهم استيقظوا فعاينوا مجده والرجلين القائمين معه، حتى إذا هما بمفارقته قال بطرس ليسوع: «يا معلم، حسن أن تكون ههنا. فلننصب ثلاث مظال، واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا!» ولم يكن يدري ما يقول. ” وبينما هو يتكلم، ظهر غمام ظللهم، فلما دخلوا في الغمام خاف التلاميذ. وانطلق صوت من الغمام يقول: «هذا هو ابني الذي اخترته، فله اسمعوا». وبينما الصوت ينطلق، بقي يسوع وحده، فالتزموا الصمت ولم يخبروا أحدا في تلك الأيام بشيء مما رأوه.
نظرة عامة:
إن «انصراف يسوع الذي سيتم في أورشليم» يشير إلى «انتقاله»، أي إلى موته، وقيامته، وصعوده. ليسوع الابن والخادم المختار اسمعوا جميعكم (كيرلس الإسكندري). اليوم الثامن الذي فيه يتم هذا الحدث ينبئ بالقيامة التي تتم أيضا في الـيـوم الـثـامـن (أمبروسيوس). بـطـرس، ويعقوب، ويوحنا الذين صعدوا معه إلى الجبـل هـم أبناء الكنيسة، لأنهم سيأتون ليجدوا انتصار الله في الصليب ويروا بنقاء إيمانهم مجد القيامة (أمبروسيوس).
يظهر موسى وإيليا على الجبل مع يسوع والتلاميذ كـركئين أساسيين، فقد كانا شـاهـديـن فـي جـبـل سـيـنـاء «في فجوة الصخر» (كيرلس الأورشليمي) إنهما يمثلان الشريعة والأنبياء. أما يسوع، كلمةً الله، فقد ظهر معهما لأنه هو رب الأنبياء (أفرام). وحده لوقا دون الكلام السماوي (بيدي): موسى وإيليا يتحدثان عن سرّ خروج يسوع إلى أورشليم.
عـلـى الـرغـم مـن أن النعاس أثقلهم، فقد استطاعوا أن يـعـايـنـوا مـجـد الله (أمبروسيوس). عظيم هو إخلاص بطرس ليسوع، ولموسى، ولإيليا، فقد اقترح أن ينصب ثلاث مظال، رغم جهله أن البشر عاجزون عن نصب مظلة لله (أمبروسيوس).
لقد جاء ملكوت الله عندما رأى التلاميذ مجد يسوع (كيرلس الإسكندري).
السحابة التي ظللتهم لم تمطر عليهم النّدى، بل أمطرت الإيمان فآمنوا بأن يسوع هو ابن الله (أمبروسيوس). يؤكد لـهـم صـوت الآب، قبل أن يتألم يسوع في أورشليم، أن الابن مساو للآب في الجوهر (بيدي). قد يؤخذ على التلاميذ صمتهم، لكنّهم لو أخبروا عن رؤيتهم لموسى وإيليا لظنهم الـنـاس حـمـقـى (أفـرام). لم يكن كل شيء معلنا، لكن ساعته كانت ستأتي، كما أنّ الـيـوم الجديد سيأتي عندما يبدأ التلاميذ بشارتهم.
29-28:9 وصف تجلي يسوع
ترتيب الملكوت: آلام ثم مجد.
كيرلس الإسكندري: «أقول لكم، في الحاضرين ههنا من لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ملكوت الله». «بملكوت الله» يعني رؤية المجد الذي سيظهر فيه عندما يعلن نفسه لأهل الأرض. فهو سيأتي إلى مجد الله الآب لا ضعة تشبه ضعتنا. فكيف جعل الذين تـلـقـوا الـوعـد رائين لأمور عجيبة؟ اخـتـار التلاميذ الثلاثة وصعد بهم إلى الجبل.
وتجلى بلمعان إلهي، فتلألأت ثيابه بأشعة فيها ومضات برق. وإذا رجلان يكلمانه، وهما موسى وإيليا أخذا يتكلمـان على رحيله الذي سيتم في أورشليم، وعلى سر الشـريـعـة فـي الجسد، وعلى آلامه على الصليب. لقد أنبا موسى في الشريعة كما أنبأ الأنبياء القديسون بسر المسيح. فشريعة موسی أنبأت بالسر وغلفته برموز وظلال. والأنبياء القديسون أشاروا بطرق متعددة إلى أنه سيظهر في الوقت المناسب شيبها بنا، وسيتألم على الخشبة من أجل حياتنا وخلاصنا. كان وقوف موسى وإيليا أمامه نوعا من تقديم وعرض. فالشريعة والأنبياء هم لحراسة ربنا يسوع المسيح. المسيح رب للشريعة وللأنبياء، وهذا ما أذاعوه وأجمعوا عليه. كلام الأنبياء لا يتضارب وتعاليم الشريعة. أتصور أن موسى المعظم كهنوتيا، وإيليا الأكـثـر ميزة بين الأنبياء، كانا يتحادثان عن هذه الأمور. (تفسير القديس لوقا 51 )
الـيـوم الـثـامـن يـنـبـي بـالـقـيـامـة.
أمبروسيوس: تعرف أن بطرس ويعقوب ويوحنا لم يذوقوا الموت، وكانوا جديرين بأن يـروا مـجـد الـقـيـامـة. يقول «وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام، مضى ببطرس ويوحنّا ويعقوب وصعد الجبل». لماذا يقول «وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام»؟” من يسمع كلام المسيح ويؤمن ير مجد المسيح في وقت القيامة. حدثت القيامة في اليوم الـثـامـن، وأكثر المزامير كتـبـت لـلـيـوم الثامن». يرينا أنه قال إن من خسر نفسه من أجل كلمة الله يخلصها، لأنه يجدد وعوده في القيامة. (عرض القديس لوقا 7. 6-7)
بطرس، ويعقوب، ويوحنا هم أبناء الكنيسة.
أمبروسيوس: إخـتـار المسيح الثلاميذ الثلاثة وصعد بهم الجبل ربما هذا أنه ما من أحد يقدر على أن يرى يعني مـجـد الـقـيـامـة إلا مـن صـان سر الثالوث سالما بإيمان نقي لا يتزعزع لبطرس سلم مفاتيح الملكوت، وإلى يوحنا عهد بأمه، واعتلى يعقوب قبل أي شخص عرش الأسقفية. (عرض القديس لوقا 5.7، 8-9)
9: 30-32 حدیث يسوع مع موسى وإيليا
موسى وايليا شاهدان من جبل سيناء.
كيرلس الأورشليمي: علينا أن نبين أن في استطاعة الله أن يصير بشرا. وإذا اليهود لم يؤمنوا، نجيبهم: إننا لا نبشر بشيء غريب عندما نقول إن الله صار بشرا. ألا تقولون إن إبراهيم أجار الرب؟ ما الشيء الغريب الذي نبشر به، ويعقوب يقول: «إني رأيت الرب وجها لوجه ونجت نفسي». الرب الذي أكل مع إبراهيم، أكل أيضا معنا، فما هو إذا الشيء الغريب الذي نبشر به؟ ولدينا شاهدان وقفا على جبل سيناء أمام الرب: كـان مـوسـى فـي فـجـوة الصخر، وإيليا كذلك كـان فـي فـجـوة الصخر. وكانا كلاهما حاضرين عند تجليه على جبل طابور. «وأخذا يتكلمان على رحيله الذي سيتم في أورشليم». (المواعظ 12. 16)
يظهر موسى وإيليا مع يسوع اعترافاً بأنه رب الأنبياء.
أفرام: ظهر موسى وإيليا بالقرب منه ليعرف مرافقوه الثلاثة أنه كان رب الأنبياء. تغير وجهه على الجبل قبل موته لئلا يشكوا في تغير وجهه بعد مـوتـه وغـيـر الـثـيـاب الـتـي كان يلبسها ليعرفوا أنه هو الذي سيقيم حياة الجسد الذي كان يلبسه. ومجد جسده لئلا يدانيه أحد. وأعاده إلى الحياة بعد موت ذاقه الجميع (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 15.8.14)
لوقا وحده يذكر خروج يسوع فيما يرى التلاميذ مجده.
بيدي: يوضح لوقا كيفية ظهورهما وما جرى بينهما وبينه من حديث. فيقول إن موسى وإيليا تراءيا في المجد، وأخذا يتكلمان على رحيله الذي سيتم في أورشليم. إن موسى وإيليا اللذين تكلما مع الرب على الجبل، وتحدثا عن موته وقيامته، يمثلان الشريعة والأنبياء وقد تحققت كلها في الرب…. كتب الإنجيلي بشكل ملائم أنهما تراءيا في المجد. قسمة النعمة التي سيتوجون بها تظهر سمو مجدهم. وكتب أيضا أنهما أخذا يتحدثان عـن رحـيـلـه الذي سيتم في أورشليم. لقد أصبحت آلام المخلـص مـوضـوعـا فـريـدا للثناء والمديح. فكلما تذكروا أنهم لا يمكنهم أن يخلصوا بدون نعمته، تأملوا هذه النعمة العظيمة بقلب مؤمن، وأدوا الشهادة الأمينة له. (مواعظ على الأناجيل 24.1 في الصوم.)
يری التلاميذ مجده حتى في النوم.
أمبروسيوس: رأى بـطـرس هذه النعمة، ورآها أيضا الأذان معه رغم أن النعاس قد أثقلهم. فبهاء اللاهوت غير المدرك يفوق إدراك جسدنا. وإذا كان حاد البصر ونافذه تجهره الشمس فكيف لا يمكن للأعضاء البشرية الفاسدة أن يجهرها مجد الله؟ ثوب الجسد يصبح أنقى وأطهر بعد غسله من الرذائل، لأنه مخلوق للـقـيـامـة… ولما سهروا الليل رأوا بهاءه، فما من أحد يرى مجد المسيح ما لم يكن متيقظا (عرض القديس لوقا 7. 17)
35-33:9 إجـابـة بطرس والصوت من السماء
رغبة بطرس في إقامة ثلاث مظال.
أمبروسيوس: قال: «حسن أن نكون ههنا». «أرغب في أن أترك هذه الحياة، وهذا هو الأفضل» العامل المجتهد لا يسره الثناء. وأعمال التقوى أروع من المشاعر. قد وعد بنصب ثلاث مظال لعبادة مشتركة. رغم أنه لم يكن يدري ما يقول فقد وعد بعدم جـمـع ثـمـار الـتـقـوى بـطـيش أحمق، لكن بـحـمـاسـة في غير أوانها. لقد جاء جهله نتيجة لوضعه البشري، لكن وعده جاء نتيجة لإخلاصه، الوضع الإنساني قابل للفساد. لذلك لم يكن الجسد الفاني مؤهلا لأن يكون مظلة لله. (عرض القديس لوقا 7. 18)
ظن بطرس أن الملكوت قد أتى.
كيرلس الإسكندري: كان التدبير ما يزال في بدئه، لذلك لم يتناس المسيح العالم ولم يتخل عن التألم من أجله. خلص كل ما تحت السماء بتحمله الموت في الجسد وبإلغاء الموت بـقـيـامـتـه مـن بين الأموات. لذلك لم يكن بطرس يدري ما يقول. (تفسير القديس لوقا 51)
تمطر السحابة التلاميذ بالإيمان بيسوع كابن الله.
أمبروسيوس: «بينما هو يتكلم، ظهر غمام ظلهم». هذه هي ظـلـة الـروح الإلهي الذي لم يكن مظلما بأهواء البشر، بل كاشفا للأسرار. ويعلن هذا في مكان آخر عندما يقول الملاك: «قدرة العلي ستظللك». ويظهر عند سماع صوت الله القائل: «هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا». إيليا لم يكن الابن، ولا موسى كـان الابـن فـالا بـن هـو الذي ترونه. إيليا وموسى انسحبا عندما وصف الابن كرب. كان الغمام مضيئا لا يبلله المطر ولا تضر به العاصفة، وكان كالندى ينزل على عقول البشر إيمانا يرسله صوت الرب القدير. (عرض القديس لوقا 7. 19-20)
قبل الآلام يثبت صوت الآب للتلاميذ أن يسوع مساو له في الجوهر.
بيدي: لم يمنعهم صوت الأب من الاستماع لموسى وإيليا (أي للشريعة والأنبياء)، بل أوصاهم بأن يـسـمـعـوا لابنه، لأنـه يـتـم الشريعة والأنبياء. فنور الحق الإنجيلي سيأتي على كل علامات العهد القديم المظلمة. ولما اقـتـريـت لـحـظـة الصـلـيب، كـان يـقـويـهـم بالتدبير الإلهي الصالح، لئلا يضعف إيمانهم عند صلبه، أعلن لهم كيف سيصعد ناسوته عند قيامته من القبر بنور سماوي. أثـبـت صـوت الآب السماوي لهم أن الابن مساو للآب في اللاهوت، لئلا يحزنوا عند موته. فتذكروا أنه بعد موته سيتمجد في لاهوته، مع العلم أن الله الآب كان يمجده من دون انقطاع.
بما أن التلاميذ كانوا جسديين ضعفاء فقد ارتـاغـوا وسـقـطـوا عـلـى وجـوهـهـم عـنـدمـا سمعوا صوت الله، بما أن الرب كان سيدا محسنا في كل شيء، فقد شدد عزيمتهم بكلمته وأمسك بأيديهم وأنهضهم. (مواعظ على الأناجيل 24.1 في الصوم)
36:9 صمت التلاميذ الثلاثة
صمت الثتاميذ لكي لا يظهروا حمقى.
أفـرام: وبينمـا هـم نـازلـون مـن الجـبـل أوصاهم يسوع قال: «لا تخبروا أحدا بما رأيتم». لماذا أوصاهم بهذا؟ لأنه عرف أن الآخـريـن لـن يـومـــوا بـمـا ينقلون من الأنباء، بل سينعتونهم بالحمق والبلاهة. سيقولون لهم «هل تعرفون من أين أتى إيليا؟» و«موسى قد دفن، ولم يهتد أحد إلى قبره بعد». سيكون هناك تجديف وعثرة بإذاعة ما حدث. قال لهم: «انتظروا حتى تتلقوا القوة»، لأنكم عندما تتكلمون لن يؤمنوا، وتقيمون الموتى فيرتكبون. (الإنجيل الرباعي لتاتیان 10.16).
43-37:9-أ شفاء الصبي المصاب بالصرع
وفي الغد نزلوا من الجبل، فاستقبله جمع كثير. وإذا رجل من الجمع قد صاح: «يا معلم، أسألك أن تنظر إلى ابني فإنه ولدي الأوحد، يحضره روح فيصرخ بغتة، ويخبطه حتى يزبد، ولا يفارقه إلا بعد أن يرضضه. وقد سألت تلاميذك أن يطردوه فلم يستطيعوا». ” فأجاب يسوع: «أيها الجيل غير المؤمن، الفاسد، حتام أبقى معكم وأحتملكم؟ عليَّ بابنك؟» وبينما هو يدنو منه صرعه الشيطان وخبطه، فانتهر يسوع الروح النجس، وأبرأ الصبي وسلّمه إلى أبيه. فدهشوا جميعا من عظمة الله.
نظرة عامة:
يـؤتـي يـسـوع المواهب للقادرين على تسلمها بإيمان (كيرلس الإسكندري). أدى عدم إيمان أبي الصبي إلى إخـفـاق الـرسـل (لا التلاميذ) في طرد الشـيـطـان (كيرلس الإسكندري). «الجيل» يشير إلـى نـوع الـبـشـر الـكـافـر، والفاسد، وخص به أبا الصبي الذي لم يؤمن بقدرة المسيح (كيرلس الإسكندري).
يؤتي يسوع المواهب للقادرين على تسلمها.
كيرلس الإسكندري: تثبت هذه الأمثولة أنه خلصنا من سلطة الأرواح النجسة علينا. فقد سمعنا في هذه التلاوة أن رجلا من الجمع ركض إليه وسأله أن ينظر إلى مرض ابنه العضال. قال إن روحا شريرا يخبطه فيرضضه بعنف. إن أسلوب اقتراب أبي الصبي من يسوع كانت تنقصه اللياقة، فقد صاح بأعلى صوته بجماعة الـرسـل الـقـديسين مـتـدمـرا مـن أنـهـم لـم يستطيعوا أن يطردوا الشيطان. كان يليق به أن يـجـل يـسـوع عندما طلب مساعدته وناشده الحصول على نعمته. يلبي يسوع طلبنا عندما نجله ونثق به ككائن لا تقف أمامه قوة. (تفسير القديس لوقا 52)
ما أجريت المعجزة لعدم إيمان الرجل.
كيرلس الإسكندري: كان أبو الصبي الذي فيه روح نجس وقحا صفيق الوجه. إنه لم يثن على حنو الطبيب الشافي وشفقته، لكنه تواقح على التلاميذ وطعن في صدق النعمة المعطاة لـهـم. قال: «سألت تلاميذك أن يطردوه فلم يستطيعوا». النعمة لم تقدم لك المعونة بسبب عدم إيمانك. هلا فهمت أنك أنت العائق لعدم شفاء الصبي من مرضه العضال. (تفسير القديس لوقا 52)
وجد أبو الصبي ضعفا في قدرة رسل المسيح.
كيرلس الإسكندري: كان الرجل جـاحـدا منحرفا عن الطريق المستقيم مخالفا القاعدة والقياس، شادا في سلوكه وتـصـرفـاتـه. المسيح لا يصحب الذيـن هـم على شاكلة الأب منغمسون في الشرور… قال الأب إن التلاميذ، الذين تسلموا بمشيئة المـسـيـح قـوة، لـم يـسـتـطـيـعـوا أن يطردوا الأرواح النجسة. كانت له مأخذ على النعمة نفسها، لا على الذين تسلموها… لقد رأى كل من له عينان تبصران نعمة المسيح العاملة في التلاميذ. (تفسير القديس لوقا 52)
43:9 -ب – 45 يسوع ينبئ مرة ثانية بموته
وبينما هم بأجمعهم معجبون بكل ما كان يصنع، قال لتلاميذه: «إجعلوا أنتم هذا الكلام في مسامعكم: إن ابن الإنسان سيسلم إلى أيدي الناس». فلم يفهموا هذا الكلام وكان مغلقا عليهم، فما أدركوا معناه وتهيبوا أن يسألوه عنه.
نظرة عامة:
التنبؤ الثاني بموته عقب التنبو الأول والتجلي (كيرلس الإسكندري) فأعد بذلك تلاميذه لصلبه وقيامته. إن ذبيحة المحرقة في البرية التي قدمت من أجل الخطايا ترمز إلى آلام يسوع (كيرلس الإسكندري). ارتبك التلاميذ ولم يفهموا ما يعني بكلامه عن آلامه.
سـر الآلام يـتـبـع الـتـجـلي.
كيرلس الإسكندري: يعلن سره للذين سيبشرون العالم كله ليعرفوه معرفة دقيقة. يقول «إجعلوا أنتم هذا الكلام في مسامعكم: إن ابن الإنسان سيسلم إلى أيدي النّاس». أظن أن ما حدا المسيح على هذا الكلام هو ما فيه جدوى ونفع لنا. أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى الجبل. فتجلى أمامهم، وصار وجهه لامعا كالشمس. أظهر لهم مجدا سيشرق علـى الـعـالـم فـي الـوقت المؤاتي. إنه سيأتي، لا في ذل يشبه ذلنا أو في ضعة البشر، بل في عظمة ومجد سام وفي سنى اللاهوت. ولما نزل من الجبل، أنقذ رجـلا مـن روح عـنـيـف ونـجـس كـان متسلطا عليه. كان مستعدا لأن يتحمل من أجلنـا الآلام الخلاصية، ويـقـاسي شرور اليهود. ولكونه متمما للأسرار كان عليه أن «يذوق الموت بنعمة الله لخير كل إنسان».
في لما حدث ذلك لم يعد هناك ما يضايق التلاميذ. ربما في طوية أفكارهم يقولون «كيف يمكن لـعـظـيـم كـهذا أقـام الأموات بقدرته الإلهية، وانتهر البحر والريح، وحطم إبليس بكلمة، أن يقبض عليه الآن كسجين ويقع في فخاخ القتلة؟ هل أخطأنا في اعتقادنا أنه هو الله؟ هل عدلنا عن الصواب رأينا فيه؟ إن الذين لا يعرفون لماذا احتمل ربنا يسوع المسيح الصلب والموت سيعثرون الآن. (تفسير القديس لوقا 53)
الذبيحة في البرية رمز لآلام المسيح.
كيرلس الإسكندري: قد يرى سر الآلام في حالات أخرى. يقدم وفق شريعة موسى زوجـان مـن المعـز مـتـشـابـهـان في الحجم والمظهر… تلقى عليهما فرعتان، فالتي تقع عليها القرعة هي للرب، والأخيرة ترسل إلى الأماكن المقفرة. إلام يشير هذا؟ إلـى الكلمة الذي، وهو إله، صار مشابها لنا واتخذ شكلنا نحن الخطأة… وقرب من أجل خطايانا. فالموت كان مكاننا المقفر، لأن الله نبذنا بسبب الخطيئة. وعندما تحمل مخلص الكل المسؤولية، أخذ على نفسه ما حل بنا، وبذل حياته حتى نبتعد عن الموت والدمار. (تفسير القديس لوقا 53)
46:9 – 50 من هو الأعظم؟
وجرى بينهم جدال في من هو الأعظم فيهم. فعلم يسوع ما يساور قلوبهم، فأخذ بيد طفل وأقامه بجانبه، ثم قال لهم: «من قبل هذا الطفل باسمي فقد قبلني أنا، ومن قبلني قبل الذي أرسلني. فالأصغر فيكم كلكم هو الأعظم».
فتكلم يوحنا قال: «يا معلم، رأينا رجلاً يطرد الشياطين باسمك فأردنا أن نمنعه، لأنه لا يتبعك معنا». فقال له يسوع: «لا تمنعوه، فمن لم يكن عليكم كان معكم».
نظرة عامة
لم يغفل يسوع كلمة الله المتجسد عما يخامرهم من حلم في العظمة. لكنه، كطبيب صالح للنفوس، يجتث أهواء المجد الباطل منهم بطفل أقامة إلى جانبه ليعطي لـهـم صـورة واضحة. في الطفل تتجسد البساطة والبراءة. من استنام إلى الضعة يكون للمسيح نظيرا وبه شبيها (كيرلس الإسكندري). إن منع يوحنا لرجل يطرد الشياطين باسم يسوع، دليل على الحسد الذي يتأكل أحشاء التلاميذ (كيرلس الإسكندري). على التلاميذ أن يتعلموا، كما تعلم موسى والشيوخ السبعون من قبل، أن قدرة الله على إبليس تفوق قدرتهم (كيرلس الإسكندري).
يجتث يسوع طبيب النـفـوس هـوى التكبر.
كيرلس الإسـكـنـدري: أصيب أحد الرسل القديسين بهوى الكبرياء والصلف. فدار الجدال بينه وبين الآخرين من الرسل على من هو الأعظم فيهم. ولما كانت سمته سـمـة المـتـكـبـر رمـى إلى التروس على الآخرين. لكن المسيح الساهر دائما انبری لإنقاذه قبل أن تستشري الفكرة في عقله كغرق مرارة، كما يقول الكتاب المقدس، ورأى الزارع الشـريـر أخـذا بـزرع الـروان، فأسرع إلى اقتلاع الشر من جذوره قبل أن ينمو ويتجذر ويستحوذ على قلبه. بأية طريقة يجتث الطبيب هوى الكبرياء؟ كيف يخلص التلميذ المحبوب من الوقوع فريسة للعدو، ومما يمقته الله والناس؟ يقول «أخذ بيد طفل وأقامه بجانبه». كان وقوف الـطـفـل إلى جـانـبـه درسا للرسل القديسين ولخلفائهم من بعدهم. الكبرياء ينهش قلوب الذين يحسبون أنفسهم أفضل من الآخرين. (تفسير القديس لوقا 54.)
الطفل هو نموذج البساطة والبراءة.
كيرلس الإسكندري: ماذا يمثل الطفل الذي أخذه بيديه؟ يمثل حياة فـيـهـا الوضاعة والطهارة. فلا أخـيـالات في عقل الطفل. قلبه صادق نقي. أفكاره بسيطة بريئة. لا يطمع في مركز، ولا يعرف للتفاوت في الرفعة معنى. (تفسير القديس لوقا 54)
أن يكون المرء أصغر الناس هو أن يكون مشابها للمسيح.
كيرلس الإسكندري: يدعوه المسيح الأصغر، لـقـنـاعـتـه بـالأمـور الصغيرة، ولـتـواضعـه ولـتـجـافـيـه عـن مـقـاعـد الكبر، فهو يرضي المسيح. لقد كتب كل من يرفع نفسه يوضع، ومن يضع نفسه يرفع». المسيح نفسه يقول في مكان آخر: «طوبى للفقراء بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات». زينة النفس المكرسة هي فكر بسيط متواضع، من يحب المسيح عـلـيـه أن يـنـأى عـن أهـواء العجب والكبرياء. ولتحسب رفاقنا أفضل منا. لنهتم بأن نزين أنفسنا بتواضع الفكر الذي يبهج الله، إذا كنا بسطاء الفكر، كما يليق بالقديسين، نكون مع المسيح الذي يكرم البساطة. (تفسير القديس لوقا 54)
علامات الحسد بين التلاميذ.
كيرلس الإسكندري: «يا معلم، رأينا رجلاً يطرد الشياطين باسمك فمنعناه». هل نخس الحسد التلاميذ القديسين؟ وهل حسدوا هم المقربين؟ هل تملكهم هوى يبغضه الله ويمقثه؟ «رأينا رجلا يطرد الشياطين باسمك فمنعناه». ». أخبرني، هل تمنع من يجعل الشيطان باسم المسيح يضطرب، ويـسـحـق الشياطين الأشرار؟ أليس مـن المنتظر منك أن تؤمن بأنه ليس هو الذي يجري المعجزات، بل النعمة التي فيه أجرت المعجزة بـقـدرة المسيح؟ كيف تمنع من بالمسيح يحرز الانتصار؟ يقولون “لأنه لا يتبعك معنا”. يا للغباوة! «ماذا لو كان من تشكو ممن لا يعد في مصف الرسل المكللين بنعمة المسيح مزينا بسلطانهم؟ هناك تنوع في عطايا المسيح، كما يعلمنا بولس المبارك بقوله «هذا ينال من الروح كلام الحكمة، وذاك ينال من الروح نفسه كلام المعرفة».( تفسير القديس لوقا 55 )
القدرة على قهر إبليس تمتد إلى أبعد من الرسل.
كيرلس الإسكندري: ما معنى «لأنه لا يتبعك معنا»، أو ما هو تفسير هذه المقـولـة؟ إسـمـع وأنـا سـأخـبـرك على قدر اسـتـطـاعـتـي. لقد أعطى المخلص الرسل القديسين سلطة على طرد الأرواح النجسة، وشفاء النّاس من كل مرض وداء. وكانت هذه المعجزات تتم بالنعمة المعطاة لهم منه. عادوا فرحين، وهم يقولون: «يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك». تصوروا أن السلطة المغطاة لهم لم تعط لأي شخص آخر دنـوا مـنـه، يستطيعونـه هـل هناك من أعطي له ما أعطوا هم من سلطان، رغم أنهم لم يقاموا رسلاً أو معلمين.
نجد ما يشابه ذلك في الكتب المقدسة القديمة. قال الله لموسى الكاهن: «إجمع لي سبعين رجلا من شيوخ إسرائيل…وآخذ من الروح الذي عليك وأحلـه عليهم». لما اجـتـمـع الذين اختيروا في الخيمة الأولى، باستثناء رجلين بـقـيـا في المحلة، نزل عليهم روح النبوة. فلم يتنبأ الذين تجمعوا في الخيمة المقدسة وحدهم، بل الذين كانوا المحلة أيضا. قال يشوع بن نون وهو خادم موسى منذ حداثته: «يا سيدي، يا موسی، اردعهما». فقال له موسى: «أفتغار لأجلي أنت؟ ليت جميع أمة الرب أنبياء يحل الرب روحه عليهم». ذلك الوقت جعل المسيـح مـوسـى الـكـاهـن يـتـكـلـم بـالـروح القدس. وهنا يقول للرسل القديسين «لا تمنعوا الذين يسحقون إبليس». لأنهم باسم المسيح يسـحـقـونـه… يقول «من لم يكن عـلـيـكـم كـان مـعـكـم». ويقول «كل الذين يرغبون في العمل من أجل مجده هم معنا
نحن الذين نحب المسيح ونتوج بنعمته هذا قانون للكنائس قائم حتى يومنا هذا إننا نكرم الذين يرفعون أيادي نقية طاهرة. إنهم بأسم المسيح ينتهرون الأرواح النجسة. ويشفون الجموع من أمراض وأوباء. نؤمن بأن المسيح هو الذي يعمل فيهم (تفسير القيس لوقا 55)
9: 51 – 19: 28صعود يسوع إلى أورشليم
9: 51 – 12: 21 الجزء الأول من صعود يسوع إلى أورشليم
9: 51 يسوع يمر بالسامرة
نظرة عامة:
عند نقطة التحول في إنجيللوقا، يبدأ يسوع مسيرته نحو موته في أورشليم. وعبارة تثبيت الوجه تشير إلى كل ما سيعمله من أجل خلاصنا. إلى آلامه وقيامته وصعوده (كيرلس الإسكندري).
تثبيت الوجه يشير إلى الامه وقيامته وَصعوده.
كيرلس الإسكندري: يقول “لما حانت أيام ارتفاعه ثبت وجهة ليتجه إلى أورشليم”. هذا يعني أنه بعد أن يتحمل الآمه الخلاصية من أجلنا تأتي أيام ارتفاعه إلى السماء وسكناه مع الله الآب. لذلك عزم على أن يتوجه إلى أورشليم. هذا في اعتقادي هو معنى “ثبت وجهه” (تفسير القديس لوقا 56)
52:9 – 24:10 رفض السامرية له، وإرساله للسبعين
52:9 – 56 قرية السامرية ترفض يسوع
فأرسل رسلاً يتقدمونه، فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين ليعدوا العدة لقدومه فلم يقبلوه لأنه كان متجها إلى أورشليم. فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا: «يا رب، أتريد أن تأمر النار فتنزل من السماء وتأكلهم؟» فالتفت يسوع وانتهرهما. فمضوا إلى قرية أخرى.
نظرة عامة:
أرسل يسوع رسلاً يتقدمونه، فرفضهم السامريون بدافع من عصبيتهم، فسأله يعقوب ويوحنا أن أنزل عليهم نارا أكلة تأديبا لهم، فانتهرهما يسوع متوخيا فائدتهما، لأنهمـا كـانـا ســواجـهـان مـع الرسل رفـض الـنـاس لـهـم بعد العنصرة. سيستفيد التلاميذ من التبشير بالإنجيل، وسيختبرون الرفض، وسيتقبلونه بطول أنـاة، ولـطـف، لا بروح انتقامية (كيرلس الإسكندري).
إرسال التلاميذ إلى السامرة تدريب مفيد لهم.
كيرلس الإسكندري: من الخطأ أن نرتئي أن مخلصنا كان جاهلا لما كان سيحدث، فهو بكل شيء عليم. كان يعلم علم اليقين أن السامريين لن يقبلوا رسله. فلماذا أمرهم أن يتقدموه؟ كانت عادته أن يفيد الرسل القديسين بكل طريقة ممكنة، وبسبب ذلك كان يختبرهم أحيانا… وقد اختبرهم في هذه المـنـاسـبـة فـقـد كـان متيقنا أن السامريين لن يرحبوا بالذين انطلقوا ليعدوا العدة لقدومه. مع ذلك سمح لهم بأن يذهبوا ليكون ذلك درسا يستفيد منه الرسل القديسون.
ما هي الغاية من هذه الحادثة؟ صعد إلى أورشليم، لأن وقت آلامه قد حان. سيحمل هـزء الـيـهـود بـه، وحكم الفريسيين وعلماء الشريعـة عـلـيـه، ومـا سـيـعـانـيـه من شرهم ووقـاحـتـهـم وعـنـفـهـم. لم يشأ أن ينزعج التلاميذ عندمـا يـرونـه يتألم. أرادهـم أن يـصـبـروا على المكـاره، وأن يتعلموا من كراهية السامريين لهم تحمل أمثالهم ممن يتبرمون من المرسلين. (تفسير القديس لوقا 56)
أفاد التلاميذ من وعظ الإنجيل علما واخـتـبـروا الرفض.
كيرلس الإسكندري: أفـادهـم ذلك علما بطريقة أخرى. فهم سيكونون معلمي المسكونة وسينتقلون إلى المدن والقرى معلنين بشارة الخلاص في كل مكان. وفي سعيهم لإتمام مهمتهم سيقعون حتما أيدي الأشرار الكافرين بالبشرى الإلهية والمعرضين عن سكنى يسوع فيهم. وبخهم المسيح لمنفعتهم عـنـدمـا اسـتـشـاطـوا غيظا من بغض السامريين لهم. وغايته أن يعلمهم الصبر كخدام البشري الإلهية. عليهم أن يكونوا طويلي الأناة، لطفاء، غير ممتلئين بروح الانتقام، وأن لا تـثـور فـي رأسـهـم نـزوة الغضب أو يهتاج هايجهم عندما يحاول معتد التهجم علـيـهـم. (تفسير القديس لوقا 56)
9:57 – 62 التفرغ للحياة الرسولية
وبينما هم سائرون، قال له رجل في الطريق: «أتبعك أينما تمضي». فقال له يسوع: «إن للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكارا، وأما ابن الإنسان فليس له ما يسند إليه رأسه». وقال لآخر: «إتبعني!» فقال: «يا رب إئذن لي أن أمضي أولاً فأدفن أبي ». فقال له: «دع الموتى يدفنون موتاهم. وأما أنت فاذهب وببشر ملكوت الله». وقال له آخر: «أتبعك يا رب، ولكن ائذن لي أولا أن أودع أهل بيتي». فقال له يسوع: «ما من أحد يضع يده على المحراث، ثم يلتفت إلى الوراء، يصلح لملكوت الله».
نظرة عامة:
كان الرجل الذي ادعى أنه سيتبع يسوع وقحا، صفيق الوجه. حاول إقحام نفسه في مصف الرسل متجاهلا أن الالتحاق بـيـسـوع يعنـي حـمـل صليبه (كيرلس الإسكندري).
ابن الإنسان ليس له ما يضع عليه رأسه. طرد إبليس في أوليات مهامه. (كيرلس الإسكندري). على التلاميذ أن يتعلموا أن للإلهي أفضلية على الإنساني، وأن واجباتهم الأرضية يجب أن لا تعيقهم عن التلمذة المسيحية (باسيليوس). فالمرء يدعى إلى أن يحب الله أكثر مـن مـحـبـتـه لأبيه أو أمه (كيرلس الإسـكـنـدري). لماذا يرغب أي مرء في أن يعود أدراجه إلى الشيطان أو إلى العالم بعد أن يكون قد هرب منهما؟ (كيبريانوس). أقحم الرجل نفسه في مصف الرسل. كيرلس الإسكندري: هذا هو معنى الفصل الإنجيلي الموضوع أمامنا. دنا رجل إلى المسيح مخلصنا وقال: «أتبعك حيث تمضي». رفض المسيح الرجل وقال له: «إن للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكارا، وأما ابن الإنسان فليس له ما يضع عليه رأسه». يسهل على المرء الذي مرت عليه مثل هذه المسائل أن يلاحظ أولا أن الرجل المزهو بنفسه جهل جهلا مطبقا كيف يدنو من يسوع. لم يكن يرغب في اتباع المسيح، كما اتبعه الكثيرون من اليهود، بل أثر أن يفحم نفسه في مصف الرسل. هذا هو الاتباع الذي ابتغاه من دعا نفسه. كتب القديس بولس أن مـا مـن أحد يتولى بنفسه هذا المقام إلا إذا دعاه الله كما دعا هارون.لم يدخل هارون الكهنوت من تلقاء نفسه، بل، إن الله دعاه. ما من رسول احتل من تلقاء نفسـه مـقـام رسول، بـل تـسلم المقام من المسيح. قال يسوع، «اتبعـانـي أجعلكما صيادي بشر». إن الرجل أعلاه، كما قلت، تولى بنفسه العطايا المكرمة دون أن يدعوه أحد، وطمع في الاستيلاء على مقام أعلى من مقامه. (تفسير القديس لوقا 57)
ينبغي طرد إبليس قبل أن يجد ابن الإنسان ما يضع عليه رأسه.
كيرلس الإسـكـنـدري: وبخه ليصلحه، فيرتقى بإرادته ويرغب في سلوك طريق الفضيلة. إن المـعـنـى الـبـسـيـط للـمـقـطـع الـذي في متناولنا هو أن للحيوانات وطيور السماء أوجرة وأوكارا، أما أنا فليـس عـندي ما أقدمه لما يبتغيه العامة. لا مكان لي لأقيم فيه وأستريح وأضع عليه رأسي… يبدو أنه عنی بـالـشـعـالب وطـيـور السماء الأشرار، المـاكـريـن، والـقـوات المدنـسـة، وقطيع الشياطين، كما يسـمـيـهـم الـكـتـاب المقدس الملهم من الله. يقول كاتب المزامير المبارك في بعض الناس إنهم «فريسة للثعالب». وفي نشيد الأنشاد كتب: «خذوا الثعالب، الثعالب الصغيرة، فهي تتلف الكروم». يقول المسيح عن هيرودس، الرجل الشيئ والماهر في اختلاق الشرور: «امضوا وقولوا لهذا الثعلب». وفـي مـكـان آخـر قـال عـن الزرع الذي سـقـط عـلـى حـافـة الـطـريـق «جاءت طيور السماء وأكلته». إنّا نؤكد أنه لم يقل هذا عن الطيور المرئية والمادية، بل عن الأرواح الشريرة والمدنسة التي تختطف الزرع السماوي من قلوب الناس فلا يثمر. ما دام للثعالب وطيور السماء أوجرة وأوكار فينا، فكيف يدخل المسيح فينا؟ وأين يقدر أن يستريح؟ (تفسير القديس لوقا 57)
التلمذة المسيحية لها أولوية على الواجبات الإنسانية.
باسيليوس: فلنتذكر أيضا كلام الرب الذي كلم به شخصيا كل واحد منا. قال الرجل: «إيذن لي أن أمضي أولا فـأدفـن أبـي». فـقـال لـه يسوع: «دع الموتى يدفنون موتاهم. وأما أنت فامض وبشر بملكوت الله». وقال له آخر: «إيذن لي أولا أن أودع أهـل بـيـتـي». فـوبـخـه يسوع توبيخا شديدا فقال له: «ما من أحد يضع يده على المحراث، ويلتفت إلى الوراء، يصلح لملكوت الله». مـن يـتـوق إلى أن يصبح تلميذا للرب عليه أن ينكر مشاغلة البشرية، مهما بدت له جديرة بالاهتمام والتقدير، إذا كانت تقلل من طاعتنا القلبية الكاملة التي ندين بها لله. (في المعمودية 1.1)
أحبب الله أكثر من أبيك أو أمك.
كيرلس الإسكندري: «دع الموتى يدفنون موتاهم. وأما أنت فامض وبشر بملكوت الله». كان هناك، بلا شك، أوصياء آخرون وأقارب لأبيه. أنا أعتبرهم أمواتا، لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح بعد، ولم يتمكنوا من تقبل الولادة الجديدة بـالـمـعـمـوديـة المقدسة لحياة غير . فاسدة. يقول لهم «دعهم يدفنون موتاهم، لأن في داخلهم فكرا ميتا، فلا يعدون بين الذين يمتلكون الحياة في المسيح». نتعلم من هذا أن مخافة الله تحتل مرتبة أعلى من مرتبة الآباء ومحبتهم، فشريعة موسى أوصت بأن تحب الله الرب بكل نفسك، وبكل قلبك أولا، وبأن تكرم أبويك ثانيا. (تفسير القديس لوقا 58)
لا تعد إلى الشيطان أو إلى العالم اللذين هربت منهما.
كيبريانوس: يحذرنا الرب في إنجيله من أن نعود إلى الشيطان وإلى العالم، اللذين رفضناهما وهربنا منهما. يقول: «ما من أحد يضع يده على المحراث، ويلتفت إلى الوراء، يصلح لملكوت الله». ويقول: «مـن كـان فـي الحـقـل فـلا يرجعن إلى الوراء. تذكروا امرأة لوط». ولئلا يمتنع أحدهم عن اتباع المسيح لرغبته في المال أو لافتتانه بجمال راعه وخلبه أضاف: «من لا ينكر كل ما له، لا يقدر أن يـكـون تلميذي (حث على الاستشهاد 6.13.5)