تفسير رسالة رومية اصحاح 9 للقمص متى المسكين

الأصحاح التاسع
إسرائيل تصطدم ببر الله

ينقسم الأصحاح إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول: 1:9ـ5 : أي من الناس لا يحزن على هذا الشعب ، فـكـم بـالحـري
القديس بولس ؟

القسم الثاني: 6:9-13 : نـامـوس اخـتـيـار الله يـقـوم على سـبـق معرفة الله لصلاح حياة الـذيـن يـخـتـارهـم ورداءة سـيـرة الـذيـن يـرفـضـهـم. فهل يمكن مساءلة الله عن تصرفه ؟؟

القسم الثالث : 9: 14-29 : سلطان الله المطلق على مـصـائـر الـنـاس يـقـوم على أساس طول أناة الله :

أولا: في احتمال الجهال والأشرار لـيـظـهـر فـيـهـم قوة احتماله وصبره .

ثانياً: في إعداد المختارين للمجد حسب غنى مجده . ثالثاً: فهل يلام الله على طول أناته حتى ولو بلغت إلى آلاف السنين ؟

مقدمة للأصحاحات ۹-۱۱

عند الآية الأخيرة من الأصحاح الثامن يكون القديس بولس قد انتهى من الجزء الأول من الرسالة إلى رومية (1-8)، وابـتـداء من الأصحاح التاسع حتى الحادي عشر يدخل في مجال جديد .

فإذا أخذنا هذا التقسيم على أساس حركة الإنسان ومدى خضوعه لحركة الله والخلاص العام، نجد أن هناك فاصلاً واضحاً بين القسمين .

ولـكـن إذا أخذنا هذين القسمين من مجال حركة الله ـ كمصدرا والخلاص العام ـ التي يهيمن بها على التاريخ الإنساني ككل، نجد أنهما ليسا قسمين بل استمراراً لحكم بر الله في عمق التاريخ الإنساني بدون فاصل .

لذلك نود أن نلفت انتباه القارىء أن لا يغرق في التأثر بعواطف بولس الرسول من نحو بني شعبه لئلا يفقد الرؤية المستمرة لحكم الله على التاريخ واستعلان بره على المدى . فبينما ق. بولس يـتـكـلـم عـن شعب إسـرائـيل وظروفه، هو يتكلم في ذات الوقت عن الله وأسلوبه وبر الله وعمله وخلاص الإنسان وامـتـداده. والمطلوب أن نرتفع دائماً من الظرف الحركي التاريخي الطاريء إلى القاعدة العامة التي تحكمه، ومن حالة واحدة صعبة مؤسفة ( هي رفض إسرائيل لبر الله ) إلى النظام الثابت الذي يسود عليها و برا الله الغالب لعقوق الإنسان، والذي بالنهاية هو مبهج ومفرح .

فلا يغيب عن بال القارىء كيف بدأ بولس الرسول بطرح قضيته الأولى بتقديم إنجيله : «فهكذا ما هو لي مستعد لتبشيركم أنتم الذين في رومية أيضاً لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن، لليهودي أولاً ثم لليوناني، لأن فيه معلن بر الله …» (رو1: 15-17)

وهنا، ومن بداية الأصحاح التاسع، يستعرض كيف ولماذا رفض اليهود رسالة الإنجيل، بالرغم من الجهد الكبير الذي بذله بولس الرسول مع اليهود . فبعد أن حلق وطار في الأصحاح الثامن مع المسيحيين في سماء بر الله وعطاياه ومواهبه ، وبلغ

الغاية العظمى في النصرة على كل أتعاب وعثرات العالم بقوة محبة المسيح التي ملكت عليه حياته والتي ملك زمامها وتمسك بها إلى أقصى حدود التمسك، يقف فجأة فيتذكر إخوته اليهود كيف حـرمـوا أنفسهم من هذه النصرة وهذا المجد الذي بيسوع المسيح . ولكن بولس الرسول يحكي هذا لأهل روما ولنا ، لا على سبيل الحكي، ولكن ليبين من خلال قصة عثرتهم ورفضهم حقائق إلهية هامة للغايـة تـدخـل في صـمـيـم منهج الخلاص العام وتستعرض تدبير الله الذي يحكم به الزمن والتاريخ ليبلغ بالإنسان إلى الجعالة العليا .

فـكـل الـشـراح الـذيـن تـاهـوا في مجال هذه الأصحاحات (9-11)، والذين رفضوها، والذين انـتـقـدوهـا، والذين أعثروا فيها ، فاعتبروا أن بولس الرسول بدأ يتكلم في هذا الموضوع ، وتورط في الـكـلام، ثـم تـورط ولم يستطع أن يخرج رجليه من الورطة ، نقول لهؤلاء ولهؤلاء أن بولس الرسول كان يكتب بروح الله ، وروح  الله يرى النهاية قبل البداية ويبني ما يقول على ما هو واقع أمامه ومحـلـول . و بـولـس الـرسـول بـالـروح يرى نهاية ما سيقول قبل أن يبدأ القول. فانظر معي يا قارئي العزيز، فسأضع لك الـبـداية مربوطة بالنهاية ، والنهاية مربوطة بالبداية كما رآها بولس الرسول بالروح القدس

القسم الأول : 1:9ـ5

[« وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها قائلاً:
إنك لو علمت أنت أيضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك.
ولكن الآن قد أخفي عن عينيك . » ( لو19: 41و42
)]

3-1:9 «أقول الصدق في المسيح. لا أكذب، وضميري شاهد لي بالروح القدس : إن لي حـزنـا عـظـيـمـا ووجعاً في قلبي لا ينقطع . فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد».

واضح أمام الـقـارىء شـدة الـقـطـع والفصل بين حديث بولس الرسول في الأصحاح الثامن ، والـبـدايـة المختلفة تماماً التي ابتدأ بها الأصحاح التاسع. ولكن، وبالرغم من هذه البداية الحزينة التي قد تعكس في ذهن القارىء ـ كما حدث لكثيرين من اللاهوتيين ـ أن ق. بولس خرج عن موضوع بر الله على مدى التاريخ المسلسل الذي اتبعه وقدم عينة عكسية لقوم رفضوا بر الله ، إلا أن ق. بولس يعالج هنا أخطر مشكلة بشرية وقفت ضد بر الله ولا زالت واقفة حتى اليوم، وذلك من وجهة نظر معاملة الله، الذي عرفناه في الأصحاح الثاني هكذا : «أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطـول أنـاتـه غير عـالـم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة …» (رو2: 4). وهكذا فبعد أن يعرض ق. بولس رؤيته لتعامل الله مع اليهود على طول المدى ، ينتهي في نهاية الأصحاح الحادي عشر بهذه الحقيقة التي يعود فيها ويلتحم مرة أخرى مع الأصحاح الثامن : «يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه …» .

ق. بولس هنا يقول الصدق، والمسيح قائم فيه يسمع ويوافق، ولا يكذب والضمير فيه يشهد والروح القدس .

ق. بولس يـقـدم الشهادة المثلثة : هو والمسيح والروح القدس، أي يرفع العرض إلى المستوى الإلهي لـيـشـرح مـدى صدق الحزن المقيم والوجع الأليم الذي لا يفارق قلبه من جهة عدم إيمان مـواطـنـيـه ورفضهم لبر الله ، هؤلاء الذين كلما سعى وراءهم للخلاص تعقبوه للمهانة وتآمروا عليه ليقتلوه بكراهية وحقد لا يهدأ ولا يكف .

«كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد » :
واضح هنا أن بولس الرسول يصفي حسابه مع الذين اتهموه أنه « هذا هو الرجل الذي يعلم الجميع في كل مكان ضدا للشعب والناموس وهذا الموضع » (أع21: 28). وقد يظهر للكثيرين أن ق. بولس هنا لا يزال متمسكا بيهوديته وبأقربائه وأنسبائه حسب الجسد. والحقيقة أعظم من ذلك بكثير، فالذي جعله ينظر هذه النظرة نحو اليهود بني جنسه أمران عظيمان جدا :

الأول: الحال الذي وصل إليه ق. بولس بالإيمان بالمسيح الذي رفعه بالروح حتى جعله يغشى السماء الثالثة ويرى الأمجاد المذهلة المعدة للذين يؤمنون بالمسيح، والنعمة التي صهرت قلبه بحب المسيح فلم يعد في الوجود قوة في السماء أو الأرض بقادرة أن تفك أو تعترض هذه الصلة الأبدية . ومن هذا الحال والمنطلق الذي بلغه في نهاية الأصحاح الثامن ينزل فجأة لينظر إلى إسرائيل أهله فيتحسّر أشد التحسّر لمقدار ما خسروه. 

إذاً، فليس من مشاعر الجسد أو القربي أو الوطنية ينظر إلى اليهود ، بل من مستوى المسيح نفسه الذي يعيش فيه، المسيح الذي قدم ذاته فدية لإسرائيل بالموت على الصليب . من هذه النظرة وهذا المـسـتـوى ، يـنـظـر ق. بولس الذي لم يعد ـ في خلقته الجديدة ولبسه للمسيح ـ يمت بأية صلة لا لوطنه ولا لأقربائه ولا لجنسه جملة وتفصيلاً . 

الثاني: تـقـديـر ق. بولس تقديراً صحيحاً ودقيقاً لموضع إسرائيل في تاريخ الخلاص، ومقدار إنعامات الله التي أنعم بها على هذا الشعب ، والدور الهائل الذي قدمته الأجيال اليهودية في حفظ أقوال الله وأعـمـالـه وتقديم أعظم نماذج بشرية ظهرت على الأرض في الأمانة الله والتقوى والقداسة والطاعة والغيرة. هذه كلها ينظر إليها ق. بولس بحسرة وألم وحزن لا ينقطع ، كيف فقد الشعب هذا الميراث الهائل برفضهم للمسيح والخلاص ؟؟

ق. بولس صـاحـب غـيـرة دينية عنيفة ، فبهذه الغيرة العنيفة اضطهد سابقاً المسيح والمسيحيين وتعقبهم ليقتلهم . والآن، و بهذه الغيرة نفسها بعد أن أشرق عليها حق المسيح ونوره السماوي، ارتد نحو اليهود بني جنسه يطلبهم للمسيح حتى ولو كلفه ذلك حرمانه من المسيح . موقف بولس الرسول وقفة موسى النبي سابقاً حينما أخطأ شعب إسرائيل وعبدوا العجل وأراد الله أن يفنيهم ويعمل لنفسه شعباً جديداً صلب موسى ، فوقف موسى يتشفع بنفس تعابير بولس الرسول : « والآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت . » (خر32:32) 

فموسى أراد أن يضحي بحياته ـ بالقول ـ لكي يرجع الله و يرضى عن شعبه ، إن أمكن . أما ق. بولس فيضحي ـ بالقول ـ بحياته الجديدة الأعلى من الحياة الفانية، إن أمكن، ولكن لا الله رضي في الأولى لموسى ولا يرضى الله في الـثـانـيـة لبولس. فمبدأ الله الأساسي أن الإنسان لا يفدي أخاه :

+ « الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفارة عنه . » (مز7:49)،
+ بل «ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه ؟ » (مت 26:16)،

كذلك فإن الخاطيء يتحتم أن يدفع ثمن خطيته
+ « فقال الرب لموسى من أخطأ إلي أمحوه من كتابي . » (خر33:32)

« محروماً من المسيح لأجل …» :

هذه الرغبة لا تأتي بالمعنى اللاهوتي القطع والرفض للمسيح من قبل ق. بولس ـ وإلا يكون تجـديـفاً، ولكن بولس الرسول قالها في المعنى اليهودي الدارج في ذلك الزمان ولا يزال يستخدم إلى الآن [ يا ليتني أموت بدلاً عنك]. فكلمة «لأجل إخوتي …» جعلت الحرمان من المسيح وكأنه إحلال: بدل أن يكونوا هم محرومين من المسيح وأنا أتمتع به، كنت أود لو أكون أنا محروماً منه وهم يـتـمـتـعـون بـه !! هـذا لـم يقله ق. بولس وكأنها طلبة يقدمها إلى المسيح أو تمن يتمناه عن عقيدة وإيمان، وإلا يكون تجديفاً. ولكنه يقول هذا كتبرئة ذمة من إدعاء اليهود عليه أنه يكرههم ويسعى لهدم أمتهم وتحطيم ناموسهم وتدنيس هيكلهم. فهذا مجرد عرض تمن لا يرقى إلى تنفيذ، ودون أن يـكـون وراءه رغـبـة جـادة أو إرادة للتنفيذ أو حتى نية في الضمير. لأن ق. بولس واضح أنه سبق وقطع أن لا شيء في الوجود يفصله عن محبة المسيح ، فتنازله ليس عن المسيح بل من أجل المسيح !!

4:9 «الذين هم إسرائيليون، ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد » .

هنا يبتدىء بولس الرسول يفصح عن السبب الذي جعله يحزن ويتوجع حزناً ووجعاً لا ينقطع ، فهو يصف اليهود هنا بأنهم إسرائيليون استعداداً لتعداد قيمة إسرائيل كشعب الله وأمة ملوك وكهنة الله ، وهو شعب صاحب التوراة وتاريخ تسلسل عمل الله للخلاص، وكيف خصهم الله دون جميع الشعوب بوجوده في وسطهم ؛ وقيام الآباء وأعمالهم والأنبياء ومعطياتهم . ولهم :

«التبني» : 

«إسـرائـيـل ابني البكر» (خر4: 22). هكذا عبر الله عن إنتماء إسرائيل له، «أنتم أولاد للرب إلهكـم» (تث1:14)، «لأني صرت لإسرائيل أبا وأفرايم هو بكري » (إر31: 9)، « لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني.» (هو11: 1)

وقد توثق هذا النسب المعطى لهم بالعهد على جبل حوريب والناموس الذي ربط الشعب بالله .

«المجد»:

الشعب الوحيد في الدنيا الذي رأى مجد الله عيانا بعمود السحاب بالنهار علامة حضرته، وعمود النور الذي يضيء الليل (عد9: 15)، ومصباح الله في الهيكل، وحضرته المضيئة فوق غطاء التابوت بين الكاروبيمين (لا16: 2)، ثم نزول الله أمامهم في الضباب على الخيمة، وحلوله وسطهم عياناً بالضباب :

+ « وملأ بهاء الرب المسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع لأن السحابة حلت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن » (خر40 : 34و35)،
+ «لأن مجد الرب ملأ بيت الرب » ( 1مل11:8 ، 2أخ5: 13 و7: 2)،
+ «فجاء مجد الرب إلى البيت من طريق الباب المتجه نحو الشرق … وإذا بمجد الرب قد ملأ البيت . » (حز43 : 4 و5 )، + «هـكـذا ألـصـقـتُ بنفسي كل بيت إسرائيل وكل بيت يهوذا، يقول الرب ، ليكونا لي شعباً واسماً وفخراً ومجداً» (إر13: 11)، « وأكون مجداً في وسطها . » ( زك2: 5)

«العهود » :

التي صنعها أولاً مع إبراهيم من أجل النسل الروحي الذي ستتبارك به جميع أمم الأرض ، والذي استُعلن بالمسيح، والتي من أجل ميراث الأرض، ونسل الجسد. وهي العهود التي تجددت على يـد مـوسى ، والـتـي لخصها ق. بولس مرة أخرى في معنى ميراث الأرض للراحة الأرضية التي رمزها السبت والراحة الأخرى التي بقيت لشعب بمفهوم الخلاص والدهر الآتي : « : «لأنه لو كان يـشـوع قـد أراحهم ( في توزيع أرض كنعان) لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر. إذا بقيت راحة لشعب الله» (عب4: 8و9). والرب تكلم عن هذه الراحة الأخرى بقوله : « ولمن أقسم لن يدخلوا راحته إلا للـذيـن لـم يـطـيـعوا … فلتحف (نحن الآن) أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته ( العليا ) يرى أحد منكم أنه قد خاب منه . » ( عب18:3، 4: 1)

« والاشتراع » : 

بمعنى الإعطاء أو الاشتغال بالناموس، والناموس الذي أعطاه الله للشعب على يد موسى هو بمثابة عقد بين ملك وشعبه، فيه يتنازل الله ويعلن عما يرضيه وما لا يرضيه، ويكشف عن إرادته وكل ما يكتُه نحو شعبه؛ فهو كشف لأعماق الله أكثر منه تهذيباً لشعب ، أو هو تهذيب لشعب بمعرفته أعمال الله وأفكاره ومشيئته . هذا لم يحدث قط في أي زمان ومكان إلا مع شعب إسرائيل ؛ الأمر الذي رفعه المسيح مرة أخرى من مستوى تعريف للشعب عن إرادة الله على مستوى التهذيب الجسدي والخلقي إلى مـسـتـوى تعريف التلاميذ عن كل ما عند الله بالروح : «لا أعود أسميكم عـبـيـداً ( كشعب إسرائيل) لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده (عمله الخاص)، ولكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي» (يو15: 15). وهكذا انتقل الناموس من ناموس العبيد إلى ناموس الأحباء، ومن مجرد أوامر ووصايا إلى معرفة كل ما عند الآب الذي أوضحه ق . بولس بعد ذلك بقوله: «لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله . » (1کو2: 10و12)

هذا هو الانتقال الجوهري من الاشتغال بناموس موسى الذي سماه بولس هنا «الاشتراع» أو التشريع إلى الاشتغال بـروح الله ، الذي هو التقديس بالروح أو التخصص الكلي بالروح وليس بالجسد .

«العبادة »:

وهي مبادىء وأصول الخدمة من صلاة وسجود وتسبيح وتهليل بكل ما تحمله من أنظمة خاصة وهي واحتفالات رسمية وتقديسات أو قداسات ، وأنظمة الذبائح وعملها من جهة الخطية. وهكذا بدأت الخطية تنحصر في الأفعال والتكفير عنها بالذبائح، في مقابل تقديس الله أو هيبة الله القدوس لتزداد الخطية خطأ

 «ثم إن كانت خدمة الموت (الناموس) المنقوشة بأحرف في حجارة قد حصلت في مجد ، حتى لـم يـقـدر بـنـو إسرائيل أن ينظروا إلى وجه موسى لسبب مجد وجهه الزائل، فكيف لا تكون بالأولى خدمة الروح في مجد . » (2کو7:3 و8)

«المواعيد » : 

وهـي المـواعـيد عن أخبار سارة قادمة. وهي في المعنى قريبة من « العهود» السالفة، ولكن هنا تتركز في شخص يحمل عطية الله وأخباره السارة . وهي المواعيد التي قيلت في أرض كنعان كوطن أرضي رمزاً لملكوت الله كوطن سماوي ، وعن المسيا الآتي حامل الملكوت والبركات العظمى التي ظل يحلم بها إسرائيل كل أيام حياته . وقد تكررت المواعيد من جيل إلى جيل، وفي كل مرة يزداد الإفصاح عنها إلى أن تمت حسب الأنبياء بالحرف .

 هذه المخصصات الهائلة التي خص بها الله شعب إسرائيل، كلما أمعن فيها ق. بولس ـ لأنها كانت هي دراساته وأبحاثه وتأملاته كل أيام فريسيته ـ أخذه الحزن والغم على شعب خصه الله لنفسه هكذا، وأخيراً يخيب من كل تحقيق هذه المواعيد والعهود في شخص المسيح .

وإذا انتبه القارىء الآن، يدرك أن حزن ق. بولس ليس من أجل أهله وأقربائه بالجسد بل عليهم. وإن تفكيره العميق منصب بالأكثر جدا على لماذا حدث هذا ، وكيف يفهم هذا إزاء صلاح الله و بره ؟ هذه كانت مشكلة ق. بولس المعقدة جداً التي أخذ يفك خيوطها المتشابكة ليخرج الله منها باراً كما هو.

9: 5 « ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلها مباركاً إلى الأبد آمین» .

«الآباء»:

« الآباء» كلمة يتركز فيها الثلاثة العظام إبراهيم وإسحق ويعقوب ، الذين لمحبة الله الشديدة لهـم قـرن اسمه بهم: «إله إبراهيم وإسحق ويعقوب » . ولا ننسى أن المسيح احتسبهم أحياء الآن في السماء (لو38:20). كذلك اعتبر المسيح أن إبراهيم في السماء يستقبل أولاده الذين عاشوا عيشته وأكملوا إيمانه بحياتهم : «فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم . » ( لو22:16) 

ولـكـن كلمة « الآباء» تمتد لتشمل أيضاً رؤوس الأسباط الاثني عشر، فهم مكرمون فعلاً لدى الله كالرسل الاثني عشر. ومن بعدهم موسى و يشوع وصموئيل وداود، رجال أتقياء عظماء أرضوا الله بأعمالهم الصالحة، وأحبهم الله وتعاهدهم برحمته وخصهم بأجمل وأعز العبارات الكريمة كأفضل إن في السماء أو على الأرض . ومن هذا النسل وعلى هذا الخط المقدس والطاهر جاء خليقة عنده ، المسيح بالجسد !!!

 « وأقول إن يسوع المسيح قد صار خادم الختان من أجل صدق الله حتى يثبت مواعيد الآباء . » (رو15: 4)

« ومنهم المسيح حسب الجسد»: 

ولـكـن إن كـان مـن خـطـهـم جـاء، وامتداداً منهم ظهر، إلا أنه ليس مثلهم، ولا لأنه منهم يشابههم في شيء إلا الجسد !

هذا وهـنـا يـتـضـح لنـا بالاستعلان وبالرؤيا الصافية والعين الكاشفة اللماحة لماذا خص الله هذا الشعب بكلمة «التبني»، وعلى أي أساس أقام الآباء منهم على قاعدة حبه وإعزازه بل واختياره ونـسـبـهـم إلى نفسه !! أليس هو بسبب المسيح الذي سيجيء منهم ؟ هكذا أعد الله وأكرم النسل (بالجمع) الذي سيأتي منه النسل (بالمفرد) المكرم جداً. هكذا ولهذا بارك الله إبراهيم بسبب الابن الـفـائـق في المجد الآتي من نسله ! وهكذا ظلت البركة ـ بركة الله الإبراهيمية ـ قائمة وممتدة من نسل إلى نسل ومن جيل إلى جيل، وسهم البركة المنير يعبر ظلمات الأجيال والأعمال ، ومن خلال الأسماء تلو الأسماء والجيد والرديء، حتى استقر على المسيح النور الحقيقي الذي هو هو وليس آخر الذي أضاء برجع الزمن إلى كل الدهور السالفة والآباء والأنبياء !

ثـم بـنـظـرة أعـمـق وأكـثـر امتداداً وشمولاً ، لماذا كل ما قيل عن عظمة التبني والمجد والعهود والاشـتـراع والـعـبـادة والمواعيد؟ أليست كلها هي الثوب الخارجي الذي انشق فخرج منه الخلاص الحقيقي بالمسيا؟ أليست كرامتها وبهاؤها ومجدها الأخاذ للعيون والأسماع وخصوصيتها لشعب مختار ومحبـوب ، هذه كلها ما كانت إلا أنوار الفجر المهزوزة الخافتة لضياء الشمس الآتي التي انبثقت من خلف حجب الظلام لتعلن عن « الله ظهر في الجسد » (1 تي16:3)، والحب الإلهي المذبوح على الصليب ، ودم ابن الله الذي ابتلع كل خطايا البشرية وأنينها ، وحوله إلى هتاف مجد في الأعالي وسلام على الأرض وسرور لبني الإنسان .

ثم كيف لا يحزن ق. بولس حزن الدهر على شعب له الخلاص هذا بكل طوله وعمقه ، ليرتد إلى ظلمات الظلمة أكثر من النور؟

«الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين»:

هنا في الحقيقة مفتاح سر شرح هذه الآية العظيمة والكريمة التي نطقها ق. بولس عن وعي في تسلسل أمجاد وعظائم انتهت إلى قمة المجد وأعظم العظائم ؛ هذا المفتاح هو «على الكل ». فبولس الـرسـول لا يزال هنا في هذه الآية يعبر على رؤوس الأجيال والآباء والأنبياء والقديسين إلى أن بلغ فجأة إلى يوم المسيح لحظة انتهاء زمن الظلام وأحزان الإنسان، وتحسّست يده فجأة رأس المسيح وهي تطال السماء بينما هي مرتكزة على الأرض؛ فصارت كل الأمجاد قبلها وإذا هي شبه مجد ، والحب والإعزاز والتخصص الله بالنسبة لشعب إسرائيل وإذا هي مجرد ظلال، والعبادة على ناموس موسى بـكـل مـذخـراتـها وجمالها وإذا هي مجرد أشكال وأشباه حقائق، ففي المسيح تركزت المواعيد ولـيـس مـن بـعـدهـا امـتـداد، والعهود توقفت وأشارت لمن هو وحده صاحب العهد، رآه بولس إلها ولـيـس بـشـراً، رآه بحسب الجسد نسلاً موعوداً به ولكنه بالروح إله في جسد، إله «على الكل » ، فالكل من قبله منحني الرأس يعطي السجود والبركة والمجد لمن له وحده السجود والبركة والمجد !

فاللاهوت هنا للمسيح لم يأت في فكر بولس كصفة لشخص ، بل رؤيا من واقع قائم ممتد في الدهر السالف وفي الدهر الآتي، لاهوت «على الكل»، لاهوت بمقتضى ما له من تفوق على العالمين، وسيادة على الزمن والخلود «إلى الأبد » على الأجيال السالفة والأجيال القادمة وكل من يسمع فليقل آمين !!

«الكائن على الكل » :

فـلـيـنـتـبـه القارىء، هنا السيادة «على الكل» تجمع الإنسان والخليقة والزمن !! فهو الذي يحكم الدهور بمقتضى بر الله !! فبولس الرسول إلى الآن لم تفارق عينه بر الله الذي في المسيح والذي يحكم به الخليقة منذ خلقت ومنذ سقطت ليعيدها لمجد بره. انظر أيها القارىء، كيف يرى ق . بولس المسيح قائماً على الكل كمن يسوس ويقضي ، يحكم ويدبر للخلاص الذي أتى والآتي !! فقوله : «الكائن على الكل» ليس عن سياسة دكتاتورية لحكم الفرد، بل نابع من قوة موت الفداء الذي صممه في الأزل وأكمله في كمال الزمن، فمن قوة فدية نفسه احتوى بر الله ، ومن بر الله انطلق على الـكـل يحكم، ويحكم على الزمن والأبدية معاً. فهو قائم على الكل بجدارة اتضاعه وطـاعـتـه وحـبـه وخـيـريته ، يحكم بسلطان دمه المسفوك وباستحقاق طاعته التي أكمل بها تعذيب الصليب !!

صحيح أن المسيح من نسل الآباء حسب الجسد، فهو منهم، ولكنه من واقعه الإلهي قائم عليهم وعلى الكل إلها!! تباركه كل نسمة على مدى الدهور وإلى الأبد. واضح هنا بلا لبس ولا إبهام أن ق. بولس بعد أن ذكر «المسيح منهم حسب الجسد»، عاد فأعطى ما هو له حسب اللاهوت ، فهو قائم عليهم بلاهوته ، فهنا «حسب الجسد» حتمت إظهار ما فيه بحسب لاهوته، ولكن وحتى وهو قائم على الـكـل إلهاً مباركاً فهو محسوب مجدأ لإسرائيل، تكميلاً لتعداد الأمجاد التي خص بها الله إسرائيل !! «نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل. » ( لو2: 32)

ولـيـنـتـبـه القارىء، فكلمة «الكل» لم يقلها ق. بولس جزافاً بل قصد بها ضمن ما قصد ، إسرائيل الذي رفض !! رفضوه، ولكن ما استطاعوا أن يثنوه عن حبه ودمه الذي سكب . فإن كانوا قد ألـقـوه عنهم، فقد انـسـكـب على غيرهم، ولكنه ظل قائماً وسيظل إلى أن يكلوا في عنادهم وينكسروا من كبريائهم ويعودوا منحنين فيقبلهم !! 

وللأهـوتـيين الذين يحاولون عزل الأصحاحات الثلاثة (9-11) عن جسم الرسالة الأول والأساسي الذي يضم الأصحاحات (1-8)، نقول إن عين بولس الرسول لم ترتج قط عن الهدف الأوحد الذي يضم الأول على الآخر، وهو بر الله المستعلن في المسيح والمجد المتحصل من ذلك سواء في الأمم أو حتى إسـرائـيل وهي رافضة ومرفوضة . فمجد الله يخترق الحواجز البشرية ويرفع صوت الإنسان ككل بالتمجيد مهما آلت إليه أحواله .

فنحن نـقـرأ لبولس الرسول في مستهل هذه الأصحاحات الثلاثة القاعدة التي يتمسك فيها بتمجيد الله قبل أن يحكي عن عقوق شعب إسرائيل هكذا : « ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين» (5:9). ثم، وبنفس التمجيد، ينتهي من الأصحاحات الثلاثة وإسرائيل في أقصى رفضها للمسيح ، فيقول في الأصحاح (36:11): «لأن منه وبه وله كل الأشياء، له المجد إلى الأبد آمين». هكذا ترتبط الرسالة ككل واحد، برؤية واحدة شاخصة إلى المسيح، تجمع أصحاحات الرسالة تحت إلهام واحد وفكر واحد .

القسم الثاني والثالث معاً 
(9: 6 -29)

هذه الآيات الأربع والعشرون متداخلة، ولكي نشرحها يلزمنا أولا أن نضمها معاً في البداية ونشرحها، كبحث صغير يحمل معيار الحرية عند الله في الاختيار ومعيار الحرية عند الإنسان بالمقابل في الاختيار، كما يحـمـل أمانة الله المطلقة على مواعيده، وأن رفض الذين وعد لهم بها لا يبطل مواعيده بل يثبتها باعتبار أنها مواعيد غير ملزمة الله بل ملزمة لنا فقط، لأنها قائمة على عنصر صلاح الله الذي يجتذب محبي الصلاح فقط . فالذي يسقط عن مواعيد الله يثبت في الحال أنه سقط دون الصلاح أي لخلوه من عنصر الصلاح . والذي يقبل إليها بفرح يثبت أنه مثل نثنائيل : « هوذا إسـرائـيلي حقاً لا غش فيه » (يو1: 47)، لأنه أقبل إلى المسيح بشغف كثير، والمسيح هو إسرائيل الحقيقي .

السؤال الكبير: حينما رفض الله إسرائيل، هل يكون هذا معناه أن الوعد قد سقط ؟

العناصر:
+ الله وعد إبراهيم بقسم أن يباركه ويبارك نسله .
+ ثم أعاد الله الوعد ليعقوب إسرائيل .
+ ولكن عثر شعب إسرائيل، ورفضه الله !
+ فهل سقط وعد الله لإبراهيم وليعقوب إسرائيل ؟

القديس بولس يرد ، في حوار غاية في العمق ولكن غاية في الحبك الإلهي :
لا، لم تسقط كلمة الله بالوعد ، لأن الذي عثر وسقط ليس كل شعب إسرائيل !
«لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون » (رو9 :6)
إذاً، فمن هو إسرائيل الحقيقي ؟
الإسرائيلي الحقيقي هو الذي بقي أميناً على ميراثه الإيماني من إبراهيم وإسرائيل، فآمن بالمسيح الذي هو منتهى الوعد والبركة لإبراهيم ولإسرائيل. فابن إبراهيم الحقيقي هو ابن البركة، الذي قبل البركة لما استعلنت له في المسيح. وابن إسرائيل الحقيقي هو الذي تعرف على المسيح الذي هو إسرائيل الحقيقي !!!

 «لأن الـيـهـودي في الظـاهـر لـيـس هو يهودياً ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً، بل اليهودي في الخفاء (بالروح) هو اليهودي وختان القلب بالروح (الإيمان) لا بالكتاب هو الختان . » (رو2: 28و29)

« وأمـا نـحـن ( الـيـهـود الذين آمنوا بالمسيح ) أيها الإخوة فنظير إسحق أولاد الموعد ، ولكن كما كان حينئذ الذي ولد حسب الجسد (من هاجر) يضطهد الذي – حسب الروح ، هكذا الآن أيضاً (اليهود الذين لم يؤمنوا بالمسيح يضطهدون اليهود الذين آمنوا بالمسيح ) . » (غل4: 28و29)

ومن هم الذين رفضوا المسيح ؟
هم الإسرائيليون أولاد إبراهيم، ولكنهم المحسوبون أنهم نسل جسد وليسوا أصحاب ميراث الـوعـد ببركة إبراهيم . « ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعاً أولاد … أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الله بل أولاد الموعد يحسبون نسلاً ! …» (رو9: 7و8)

أي أن الـوعـد لإسـرائـيـل لـيس للذين حسب الجسد بل للذين حسب الروح والإيمان يعيشون : « وأباً للـخـتـان للـذيـن ليسوا من الختان فقط بل أيضاً يسلكون في خطوات إيمان أبينا إبراهيم . » (رو4: 12)

ولـكـن مـا هـو مـوقـف الله إزاء واحد من أولاد إبراهيم وهو إسرائيلي وعجز عن أن يسري عليه الوعد ؟ أليس هذا يحسب تراجعاً من الله عن وعده ؟

لا، لا يحسب من جهة الله تراجعاً . لأن الله ليس مجبراً أن يتمم وعده لكل إنسان؛ بل هناك قـانـون يتحكم في اختيار الناس، سره لدى الله وحده، لأنه يفوق جدأ إدراك الإنسان لشدة تفرعاته الممتدة داخل الإنسان، إذ يدخل في ذلك أصل الإنسان الداخل في الوعد، ثم حياته ، ثم سلوكه إزاء الله والناس، ثم أمانته الشخصية الله والآخرين، ثم حفظه لطاعة الله، ثم تواضعه ، وكذلك مئات من الأسباب والعلل التي ستظهر في هباته فيما بعد . ولكن الذي يبدو لنا بالنهاية هو أن الله يظهر لنا وكأنه حر في اختياره المسبق، حتى لا يجهد الإنسان نفسه في فحص أمور الله التي لا يمكن أن تفحص !!

« وليس ذلك فقط، بل رفقة أيضاً وهي حبلى من واحد وهو إسحق أبونا، لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خـيـراً أو شراً ـ لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ـ ليس من الأعمال بل من الذي يدعو ـ قيل لها إن الكبير (عيسو) يستعبد للصغير (يعقوب )، كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو» ! (رو9: 10-13)

واضح هنا جداً أن ناموس الاختيار قائم فقط على حرية الله في الاختيار.

فهل عند الله ظلم؟ أبدأ، أبدأ، بل لأن قانون الاختيار أصعب جداً من أن نفحصه ، غير أنه يستحيل أن يكون في قوانين الله ظلم أو شبه ظلم ، إنما لها قياسات تسمو على قياساتنا . فهو أحب يعقوب لأسـبـاب عـنـده، وأبغض عيسو لأسباب عنده ! لو كشفت لنا لقلنا آمين !! ولكن الله لا يريد أن يكشفها لنا، حتى نقبل أحكامه بلا فحص، ولا نضعها تحت قياسات عقلنا القاصر، بل نقبلها بالشكر والرضى !

«لأنه يقول لموسى إني أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف . » (رو9: 15)

ويـقـول ق. بولس : «كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة » (أف1: 4). والقديس بولس هنا يتكلم عن مختاري الله .

فهل يمكن هنا أن يقول إنسان كيف هذا ولماذا ؟ أو هذا محاباة للبعض وظلم للبعض الآخر ؟ يمتنع تماماً لأن كيفية الاختيار هي بين يدي كل إنسان، وهي: أن يؤمن بالمسيح ، فإن كل من آمـن بـالمسيح صار مختاراً من المختارين. فهل في هذا ظلم ؟ كذلك ، فإن لم يؤمن الإنسان بالمسيح فهو ليس من المختارين، فهل في هذا ظلم ؟

إذا الله يخـتـار ونحن نختار، الله يختار ويرفض ونحن نختار ، فهل في هذا ظلم ؟ ولكن إن كان اختيار الله يكون للصالح والطالح فهذا هو الظلم !! لأنه يكون اختياراً بالإجبار، وهذا لا يـتـأتـى ولا يجوز. فالله حر في اخـتـيـاره على أساس صلاحه، ونحن أحرار في اختيارنا على أساس صلاحنا فقط. وهذا هو العدل كل العدل. وكأن الله يختار الإنسان الذي يختار الله ، والله يشاء الإنسان الذي يشاء الله ، والله يحب الذي يحب الله . هذا بحسب قانون الأعمال والمجازاة. ولكن من أين يأتي الإنسان باختياره للصلاح والله ؟ أو من أين يأتي الإنسان بالمشيئة المباركة التي يشاء بها الله ؟ أو من أين يأتي الإنسان بالحب المقدس الذي يحب به الله ؟
أليس هذا كله يستمده الإنسان من الله أصلاً؟

إذا فالله فوق قانون الأعمال والمجازاة !!!
لهذا قال ق. بولس : «ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم . » (رو9: 16) لأن كل أعمال الإنسان الصالحة واجتهاداته هي من رحمة الله .

إذا حق الله أن يـقـول لموسى : « إني أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف» ، لا كأنه لا يبالي بـجـهـاد الإنسان وأعـمـالـه وأتعابه و بذله، ولكن لأنه هو الذي يمنح للإنسان فرص الجهاد والأعمال والأتعاب والبذل. لذلك لا يمكن أن تقف أعمال الإنسان وجهاده لتحد من حرية الله في الاخـتـيـار والرحمة والرأفة، وبالتالي يمتنع على الإنسان أن يسائل الله من جهة موازنة الرحمة بالأعمال أو الأعمال بالرحمة، لأن كل أعمال الإنسان منبثقة من رحمة الله. وأعمال الإنسان لا تستدر رحمة الله بل العكس .

من هذا ينشأ حتما أن أعمالنا ومشيئتنا وسعينا واجتهادنا إنما تكشف فقط عن مدى انطباق ناموس الاختيار علينا .

 من هنا وضع الله أحكامه ووصاياه التي هي حسب صلاحه لتكون محكا لتعيين المختارين فقط .

إذا، فبالنهاية أنت لا تعرف من أنت ولا تعرف ما هو فكر الرب، ولذلك ليس من حقك أبدأ أن تسائل الله عن أحكامه. ولكن عليك فقط أن تطيع أحكامه. فإن أطعت ـ ومن كل القلب ـ أثبت أنك مختار ومن المدعوين ! وأنك بحسب مشيئة الله تحيا وتخلص .

ولـكـن، وحتى فـوق مشيئة الإنسان وأعماله وإخفاقاته تقف مشيئة الله ومراحمه لتعفو عن من تعفو وترحم من ترحم، لأن حتى عقوق الإنسان لا يمكن أن يمنع صلاح الله ورحمته وأمانته .

وبناء عليه : فإن سمعت أن الله رفض إسرائيل، فلا تظن أن عقوق إسرائيل قادر أن يفرغ الله من صبره ومراحمه وأمانته .

« فماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء ؟ أفلعل عدم أمانتهم يبطل أمانة الله ؟ حاشا ، بل ليكن الله صادقا وكـل إنـسـان كاذبا. كما هو مكتوب : لكي تتبرر في كلامك (وعدك ) وتغلب متى حوکمت . » (رو3: 3و4)

لذلك، وبالرغم من كل هذا الذي عملته إسرائيل، وكيف نكصت في عهدها، فإن الله لن ينكص في عهده لها فيظل أمينا حتى إلى النهاية. لذلك يقول ق. بولس: «إن البقية ستخلص » (رو۲۷:۹). لأن الله الآن حـيـنـمـا يـقضي لم يعد يقضي بالعدل ـ بعد أن ذبح المسيح ومات ورفع سيف العدالة عن رقبة الإنسان، فعوض السيف قلده الله فلادة النعمة وألبسه تاج الخلاص ـ بل الله يقضي الآن بالبر ـ أي يحكم بالرحمة ، فبدل أن يعاقب يبارك !! «لأنه متمم أمر وقاض بالبر …» (رو9: 28)

والآن نقدم الشرح على أساس أن كل مجموعة آيات تحمل معياراً لاهوتيا معيناً .

كفاءة الله وعد القسم الثاني: (6:9-13) في الآيات الأولى من الأصحاح (١:٩-٥) نرى أن الله أغدق على إسرائيل بسعة ، وهذا بحد ذاته مما يزيد من حدة جرمها في إخفاقها عن بلوغ الوعد. فهل أن التاريخ الذي يحمل عقوق إسرائيل يثبت عدم الذي أعطاه في البدء لإبراهيم ؟

ق. بولس يجـيـب هـنـا بالنفي القاطع (6:9-13) مدافعاً عن وعد الله على أساس أن ليس كل إسرائيلي هو إسرائيلي بالحق. وإنما الإسرائيلي الحقيقي هو الذي استطاع أن يتعرف على المسيح الذي هو حقاً إسرائيل الحقيقي .

6:9 «ولكن ليس هكذا حتى إن كلمة الله قد سقطت لأن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون » .

بمعنی أن شعب إسرائيل بنوع خاص يختلف عن باقي الشعوب اختلافاً جوهرياً. فمصر مثلاً ، تعطي الحق لكل مواطن فيها أن . ، يسمى مصرياً، ولكن إسرائيل هي شعب الله المختار المحسوب بالنسبة الله «ابـنـي الـبـكـر» (خر4: 22)، إذا فليست الولادة الجسدية تكفي أن تعطي المواطن الإسرائيلي الحق أن يـدعـى إسـرائـيـلـيـا، أي واحداً من الأبكار المحسوبين الله، لأن هناك مطلباً أساسياً ترتبط به الأمة الإسرائيلية كلها وهو أن إسرائيل قامت منذ إبراهيم على أساس وعد الله أن منها يخرج النسل (بالمفرد) الذي تتبارك فيه كل أمم الأرض. أي أن كل إسرائيلي يلزم أن يكون مربوطاً بالوعد ليكون ابن الوعد، وبالتالي بالله «کابن» صاحب الوعد، بمعنى أن يكون مربوطاً بالإيمان بـالـوعـد لأنه صاحب الوعد . أما إذا كان الإسرائيلي مربوطاً بالميلاد الجسدي فقط فهو لا يحسب إسرائيليا بالحق !

7:9« ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعاً أولاد . بل بإسحق يدعى لك نسل » .

إن كان الوعد الذي أعطاه الله لإبراهيم هو لنسله ، فهنا يوجد نسل لإبراهيم من إسماعيل، فهل يدعى هؤلاء نسلاً لإبراهيم على أساس الوعد ؟ الجواب بالنفي طبعاً ، إنما نسل إبراهيم هم فقط أولاد الوعد، لأن بإسحق يدعى لك نسل. لو فحصنا السبب نجد أن المسألة في الأصل لم تـكـن مجرد إعطـاء إبـراهـيـم خـلـفة أولاد يفرح بهم بعد شيخوخة وعقم . ولكن الله أعجب بإيمان إبـراهـيـم فـأراد أن يـكـون مـن هذا الإيمان نسل يحافظ على إيمان إبراهيم بالله كوديعة غالية إلى أن ينتهي النسل (بالجمع ) إلى نسل (بالمفرد ) يكون هو الموعود الذي يحمل رجاء كل الشعوب والذي تتبارك فيه كل أمم الأرض ! «أي المسيح» . إذاً، بإسحق فقط الذي به نال إبراهيم الوعد يحتسب نسل وأولاد إبراهيم ، لأن من إسحق سيأتي المسيح .

+ «فإنـه لـيـس بـالـنـامـوس كـان الـوعـد لإبراهيم أو ” لنسله “، أن يكون وارثاً للعالم بل ببر الإيمان . » (رو13:4)

ثـم يـعـود ق. بولس ويشرح أن كلمة «النسل » Sperma هنا بالجمع بل بالمفرد مشيراً إلى المسيح :

+ « وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله، لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد، وفي نسلك الذي هو المسيح . » (غل16:3)
+ «فلماذا الناموس ؟ قد زيد ـ بسبب التعديات ـ إلى أن يأتي النسل (بالمفرد) الذي قد وعد له مرتباً بملائكة في يد وسيط . » (غل3: 19)
+ «فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة . » (غل3: 29) 

وعلى القارىء أن ينتبه إلى الخط الفكري عند ق. بولس الذي يقوم على أساس ارتباط النسل بالوعد وبالتالي بالإيمان بالوعد والموعود ، فبدون الارتباط بالوعد ليس نسل !! فكل ابن لإبراهيم غير مـرتـبـط بـالـوعـد ليس من النسل، أي ليس إسرائيلياً . فالإسرائيلي هو فقط المرتبط بالوعد وبالتالي بالإيمان بالوعد والموعود أي المسيح . وبالنهاية يصير أن في المسيح يتم الوعد !!

فكل من هو في المسيح فهو ابن الوعد وابن إبراهيم وابن الله . لذلك نسمع من المسيح عندما رأى نثنائيل أنه ابتدره بالقول : « هوذا إسرائيلي حقاً لا غش فيه » (يو1: 47)، على أي أساس ؟ وضح الأساس بعد ذلك حينما اعترف نثنائيل بالإلهام واصفاً المسيح بأنه الموعود به: «أنت ابن الله (المسيا) أنت ملك إسرائيل (المسيا)» (يو1: 49). بهذا يظهر بوضوح أن نثنائيل أثبت أنه ابن إبراهيم وإسرائيلي حقاً .

8:9 «أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الله بل أولاد الموعد يحسبون نسلاً».

هذه أدركها يوحنا المعمدان : «لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً، لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم» (لو٨:3). كيف ؟

لو رجعنا إلى الظروف التي فيها أعطى الله نسلاً لإبراهيم ندرك هذا المعنى، إذ نسمع أنه لما آمـن إبـراهـيـم بالله أنـه سـيـنـال نسلاً، «حسب إيمانه له برا». إذا فالمسألة قائمة أصلاً «احتساب» الله استحقاق إبراهيم للبر والبركة والنسل من لا شيء؛ أي أنه حتى من الحجر ممكن أن يـقـيـم لـه نسلاً. وكذلك فإنه بنفس الحرية المطلقة عند الله عاد ولم «يحتسب » لهم خطاياهم (رو٨:٤، مز۲:۳۲)

إزاء هذا، وبلغة المعمدان، هل يتمسك الإسرائيلي بأنه ابن لإبراهيم على اعتبار أنه يستحق الـوعـد لأنـه مـولـود له من الجسد ؟ فأي فضل في هذا، فالله قادر أن يقيم من الحجارة ـ وليس من سارة ـ أولاداً لإبـراهـيـم ؟ إذا فعبرة الإسرائيلي حقاً هي في الوعد وليس في الجسد. وأعظم دليل على ذلك أن ابن إبراهيم بالجسد ـ إسماعيل ـ لم ينل الموعد.

كذلك ـ وهذا يهمنا للغاية أن نبرزه ـ قول ق. بولس أن «ليس أولاد الجسد هم “أولاد الله” …..» إذا أولاد الموعد هم أولاد الله . . 

9:9 «لأن كلمة الموعد هي هذه. أنا آتي نحو هذا الوقت ويكون لسارة أبن».

وصحيح واضح هنا أن هذا الابن (إسحق) ليس ابن جسد ممات ، سواء لإبراهيم ابن المائة سنة أو سارة بنت التسعين، ولكن هو ابن الوعد، ابن الله . أن إسحق هو ابن الوعد، ولكن يعترض معترض على بولس ويقول له إن هذا حدث لأن إسحق اختاره الله لأنه يحمل دم أبيه ودم أمه الحرة، فلهذا اختير، أما إسماعيل فإنه يحمل دم أبيه فقط لأن أمه هاجر عبدة مشتراة، لذلك لم يحسب ابناً للموعد. وهنا لكي يدحض بولس هذه الحجة يعطي مثلاً آخر فيه يحمل الولدان نفس دم الأب والأم ومن نسل إبراهيم، ولكن اختار الله الواحد ورفض الآخر .

13-10:9 «وليس ذلك فقط بل رفقة أيضاً وهي حبلى من ” واحد” وهو إسحق أبونا ، لأنه وهما لـم يـولـدا بـعد ولا فعلا خيراً أو شرا، لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو، قيل لها إن الكبير يستعبد للصغير، كما هو مكتوب أحببتُ يعقوب وأبغضت عيسو».

في المـثـل الـسـابـق قـدم بولس « الابن المختار» ، وكان يمتاز عن أخيه بعامل دم الأب والأم ، حيث أخـوه لم يكن له إلا دم الأب فقط لأن أمه عبدة، لذلك عاد هنا وأعطى مثل الاختيار مع وجود التساوي المطلق، فكل منهما من أب وأم واحدة ـ لذلك أصر بولس على قوله : ” وهي حبلى مـن واحـد ! ـ وهـنـا يظهر الاختيار أنه لا يرجع قط إلى شيء ظاهر في المختار نفسه ، لأن يعقوب مثل عيسو في كل شيء، بل عيسو يمتاز أنه الأكبر والبكر المرشح للميراث وتقديسه الله . ولكن الله أظهر هنا أن اختياره حر من كل شيء، فهو بمحض اختيار الله المطلق. فلا بر أبويه ولا خطيتهما تدخلا كعلة للاختيار عند الله .

هنا تفوق غرض الله، ومشيئته الحرة تأخذ قوتها الصلبة في الاختيار. وهذا هو المعيار الذي سيتخذه ق. بولس في تعليمه في الأصحاحات الثلاثة القادمة عن غرض الله الحر في الاختيار الذي لا يمكن أن يسقط .

فإذا نحن نظرنا إلى هذا الاختيار من منظار بشري نراه في ا ، أنه غير قائم على مشيئة الإنسان ولا على أعماله ولا على سعيه مهما كان اجتهاده، بل يقوم – دعوة الله السابقة الحرة بكل تحديد .

وقفة قصيرة
قصد الاختيار الوحيد !!!

والقديس بولس يستخلص من هذا أن ليس من الأعمال يعطي الله بره بل على أساس الوعد !

كذلك، فإن الإيمان مربوط بالدعوة، فالله يدعو والإنسان يؤمن . فالإيمان هو استجابة للدعوة . والـدعـوة من جهتها مربوطة بالأعمال. فالمدعو يعمل بحسب الدعوة وتخصصها. وهنا تأتي الأعمال مربوطة بالدعوة والإيمان حتماً. فالله يدعو والإنسان يؤمن، ويعمل بحسب الدعوة، ولكن يمكن فصل هذه الثلاثة : الدعوة أولا ، ثم الإيمان، ثم الأعمال .

ثم ينقل ق. بولس نقلته العظمي بعد ذلك عندما يرى أنه قد انتهى زمن الاختيار في إبراهيم ثم إسحق ثم يعقوب ثم الانتماء لشعب الله المختار. لقد استقر الاختيار استقراره النهائي والأبدي في المسيح ـ النسل (بالمفرد ) الموعود ـ الذي كان الكل فيما سبق يختارون على أساس مجيئه والـوصـول إليه. وهوذا جاء ووصلت إليه البشرية، فلا اختيار بعد إلا في المسيح وبالتالي الإيمان ثم الأعمال، وذلك على أساس روح الموعد القدوس الذي استقر في أحشائنا :

ففي المسيح نحن مختارون، وفي المسيح ينعقد إيماننا، وفي المسيح والروح القدس تتقرر كل أعمالنا ! . من هنا لم تعد نظرية بولس عن الاختيار تصلح للمناقشة : هل أنا مختار أم لا ، هل أنا معين في مقاصد الله أم لا، هل أنا مدعو أم لا، كل هذا انتهى في المسيح .

فأنا مختار ومعين ومدعو وأعمل في المسيح يسوع، وكل إنسان هكذا أيضاً. وهذه هي إحدى صفات بر الله التي انفتحت على البشرية في المسيح يسوع، لكل من يؤمن.

القسم الثالث
(29-14:9)

قضية جديدة :

فإن كان الله يخـتـار بـحـريـة مشيئته ، يعطي واحداً ولا يعطي الآخر، ويعطي واحداً أكثر من الآخر، أي أنه لن يكون هناك مساواة بين الناس، أفليس هذا ظلماً ؟

هو ظلم من وجهة نظرنا حينما نقيس أعمال الله بقياساتنا بمسطرة أو ببرجل دوار. ولكن بر الله لا يمكن أن يحيـط بـه قـيـاس بشري ولا عقل إنسان ولا حتى يبلغ في تصوره مبتداه . فهو نابع من إرادة حرة مطلقة لا تقع تحت ضغط أو اضطرار أو قياس أو قاعدة ما ، هذه طبيعة الله، ولو استطعنا أن نقيس بـر الله فـلـن يـكـون هـو بـر الله ولا هو الله . فالله هو الذي لا يقاس ولا يحد، سواء في شخصه أو عمله أو إرادته أو حبه أو بره :
«أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف» (رو9: 15)، وهو حر في إعطاء رحمته أو عمل رأفته : لماذا ؟

لأن ليس أحد قط بمستحق لرحمته أو رأفته، لذلك هو يرحم من يشاء ولا أحد بمستطيع أن يـقـول له لماذا !! فليس للإنسان حقوق عند الله بل واجبات وحسب ـ نعملها فننال ثمنها مجازاة !! ولـكـنـه يـعطي دائماً أبدأ أكثر مما نستحق ويتراءف أكثر مما نحتمل ! فرحمته عطية ورأفته هبة مجانية ، وعطاياه وهباته مثله بلا حدود ولا ندامة. والإنسان الذي يعترض مشيئة الله ويثور على حرية الله في إرادته، يستخدمه الله ليظهر فيه قوته بأن يقشي قلبه في الرفض أكثر وفي العناد أطول مـثـل فـرعـون ـ أو حتى إسرائيل ـ حتى يصنع به آياته لتدرك الأرض كلها والعالم إلى الأبد، ما هي إرادة الله : «لأنـه يـقـول الـكـتـاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي يـنـادى بـاسمي في كل الأرض» (رو17:9). ولـكـن لـيـس بـالـضـرورة أن يظهر الله فيه قوته بالضربات بل ربما بعظم المراحم والرأفات !! أنظر بولس شاول نفسه !! فقد قسى الله قلبه على أولاده الذين كان يطاردهم ويضطهدهم حتى الموت ، ثم دعاه ليحمل نير صليبه ، وهكذا نقله من النقيض إلى النقيض، ليظهر قوته ومجده فيه . إذا حق هو أن يقال عن الله : «يرحم من يشاء ويقسي من يشاء » (رو9: 18). في هذا يظهر نعمته، وفي ذلك يظهر قوته !

يعود ق. بولس يطبق هذا على إسرائيل، فإسرائيل قاومت الاختيار وثارت على حرية إرادة الله واعـتـرضـت على مشيئته ورفضت بره، فتركها واستخدمها لتشهد في محنتها وعلى وجه كل الأرض بمقدار قـوة غـضبه عليها وطول أناته في احتمال عقوقها وعظم صبره في التأني عليها إلى أن ترجع وتتوب !!! فمن ذا في العالم كله الآن وعلى مدى ألفي سنة لا يعلم أن الله رفض إسرائيل ؟ ولكن وبالتالي، من واقع صـبـر الله عليها هكذا، من لا يثق أن الله بذلك أن يفتقدها لتعود إليه أفضل مما كانت؟

وعلى نفس القياس تماماً، قاوم العالم الوثني أيضاً الله وثار وعمل القبائح باسم الآلهة ، والله صابر عليه أكثر مما صبر ويصبر على إسرائيل، وأخيراً جره الله بحبال نعمته فأسلم نفسه لقيادة الله ودخـل الحظيرة. وبقدر ما أساء إلى الله في الماضي بقدر ما أبدع في العبادة والتمجيد والتسبيح لاسمه الـعـظـيـم القدوس على وجه الأرض كلها . هكذا بطول أناته صبر على الأمم، «لكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد، التي أيضاً دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً . » (رو9: 23 و24).

فإذا جمعنا الذين تقسى الله عليهم لكي يظهر فيهم قوته، مع الذين أغدق عليهم ليبين فيهم غنى مجده، ثم الذين أطال أناته عليهم حتى يعودوا وهم حتمأ عائدون بوعد : « وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل: وإن كان عدد بني إسرائيل كرمل البحر فالبقية ستخلص » (رو9: 27)، فمن ذا الذي لا يهتف مع بولس أخيراً: «يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه . » ! (رو33:11)

9: 14 «فماذا نقول، ألعل عند الله ظلماً؟ حاشا».

لقد سبق أن شرحناها . إذ هو خداع بصر أن نلقي على الله أحكامنا، لأن ما يعمله الله يعمله بحكمة تفوق الفحص ولا يستقصيها قاض . ثم كيف يكون الله ظالماً في شيء والإنسان مهما علا وتـبـرر فهو لا يـسـتـحـق من الله شيئا بل هو نفسه لا شيء؟ فإن أعطاه الله يعطيه من بره وخيريته ونعمته ، ومجاناً يعطي! وإن لم يعط ، فمن له عند الله دين ؟ أو من سبق فأعطى الله شيئاً ليطالبه به!؟ فإن أخذنا فلا حق لنا فيما نأخذ، وإن لم نأخذ فنحن لا نستحق شيئا منه لنأخذ، فكيف و بأي حق أو منطق نقول إن الله ظالم؟ 

15:9 «لأنه يقول لموسى إني أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف».

شرح هذه الآية كالسابقة وقد أظهرنا ما خفي فيها ، ولكن فوق أن مراحم الله ورأفاته ليست حقوقاً نطلبها أو نطالب بها، بل الله يعطيها بغير استحقاق لنا عنده، فهو لا يحسب ظالماً إذا لم يعي. إذاً، فيمتنع أن يقول أحد إن الله ظالم ، نقول إن فوق ذلك أن سبق علم الله بأمور حياتنا وتـصـرفـاتـنـا الـتـي سـتـكـون ـ وهي أمامه كائنة منذ الأزل ـ ومقدار طاعتنا لمشيئة الله أو تذمرنا عليها، هي مجرد إحدى القياسات التي يقيس الله عليها اختياره لنا .

وإن كنت تريد أن تستوثق من هذا، فانظر: ألم يقل الله : «أحببت يعقوب وأبغضت عيسو» ، ذلك وهما في الـبـطـن وقـبـل أن يولدا ؟ فما عليك إلا أن تفحص في سيرة هذا وذاك بعد أن ولدا وصـارا رجلين وحملا مسئولية السير أمام الله، ماذا كانت سيرة يعقوب وماذا كانت سيرة عيسو؟ إن أردت أن تعرف عنهما شيئاً، فاعرف أن من يعقوب قام شعب إسرائيل ومن عيسو قامت أدوم . أما عن شعب إسرائيل فيكفي أن قال عنه الله : «ابني البكر» (خر4: 22). أما عن أدوم فاسمع ما قيل عنه :
+ « هوذا (سيفي) على أدوم ينزل وعلى شعب حرمته للدينونة . » (إش5:34)
+ «عن أدوم هـكـذا قال رب الجـنـود … قد جلبت عليه بلية عيسو حين عاقبته … ولكنني جردت عيسو وكشفت مستتراته فلا يستطيع أن يختبىء، هلك نسله …» (إر49 : 7و10)
+ « هكذا قال السيد الرب، من أجل أن أدوم قد عمل بالانتقام على بيت يهوذا وأساء إساءة وانتقم منه : لذلك هكذا قال السيد الرب وأمد يدي على أدوم وأقطع منها الإنسان والحيوان وأصيرها خراباً …» (حز25: 12و13) 

إذا هل صدق الله في قوله حسب اختياره المسبق : أحببت يعقوب وأبغضت عيسو؟

فالله يعمل حسب اختياره لسابق علمه ، أو بعلمه الحاضر دائماً، و يغطي الماضي والمستقبل معا، والإنسان إنما يثبت صدق اختيار الله له بعمله وسلوكه !!

إذن فالله يـرحـم ـ في الحقيقة ـ من يستحق الرحمة بحسب سبق علمه . وكذلك يتراءف على من يتراءف ، لأنه يسبق ويرى استحقاق من عليه يتراءف . فحاشا أن يكون عند الرحيم ظلم !!

16:9 «فإذا ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم».

إن كان الإنسان لا يستحق شيئاً عند الله ، لأنه لم يسبق فأعطى الله شيئا، فإلى ماذا تنتهي مشيئته وكل سعيه وجهاده ؟ هل بمستطيع أن يجتذب لنفسه بأعماله رحمة من لدن الله ؟ والله هو الذي يهبنا الأعمال الصالحة لنسلك فيها ؟

إذا فالله وحـده و بـاخـتـيـار مـشـيئته يرحم، ويرحم من يشاء هو، و كما يشاء الإنسان ؟ فمشيئة الإنسان إن كانت صالحة فهي من رحمته .

ولـكـي تـدرك أيها القارىء العزيز أن ليس عند الله ظلم البتة بل رحمة فوق رحمة ، اعلم أنه إذا احتجز رحمته عن بني الإنسان لحظة، ما عاش جسد. وفي الحقيقة إنه يرحم من يشاء ومن يسعى ، وأيضاً يرحم من لم يشأ وما سعى !! لأنه لو قبض رحمته عن الإنسان ما عاش لحظة .

فإن كانت حياتنا هي من رحمة الله وإرادته ، فأين تظهر إرادتنا ، وأين يظهر سعينا إلا من تحت إرادة الله ورحمته التي لا نـسـتـزيـدهـا مـن عـنـد الله بعمل أو مشيئة ، بل لكي نسبح بها ونمجد، و بالتسبيح والتمجيد تتزكي الرحمة وتزداد .

17:9 «لأنـه يـقـول الكتاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي ينادى باسمي في كل الأرض» .

انتبه هنا أيها القاريء العزيز، فالقول هنا ينطبق على إسرائيل نفسها، بل على شاول بولس أيضاً!! فلولا أن الله قسى قلب فرعون ما صرخ شعب إسرائيل، ولولا أن صرخ شعب إسرائيل ما سمع الله !!

وهكذا تمت خطة الخروج البهيج ـ من تحت قوة فرعون وبدافع منها ـ كأجمل وأبدع وأعظم قصة لشعب يسير خلف الله يصحبه خروف الفصح المملوء أسراراً. والخروج من تحت شخرة فرعون صار ” النموذج “ أو الطبعة  التي استعلن أصلها بخروج الإنسان ككل من تحت سخرة الشيطان بقيادة المسيح فصحنا الجديد الذي ذبح لأجلنا .

فانظر كيف أنه لولا أن الله قسى قلب فرعون ما حصلنا على هذه الطبعة المتقنة لخلاصنا العتيد من تحت سخرة الشيطان والعالم .

وهكذا إن قسَّى الله ملكا فلكي يظهر فيه عظم رحمته، ولينادي بعمل الله الخلاصي عبر الأزمان والدهور، إن بلسان اليهود الذين تفرقوا في كل أنحاء العالم أو بالمسيحية التي لا تزال تنادي .

والآن، لولا أن الله قسى قلب إسرائيل وأغلظ رقبتهم وسد آذانهم وأعمى عيونهم ، حتى إنهم في عـمـاهـم صـلبوا المسيح رجاءهم ـ رب المجد ـ ما كان هذا الخروج وهذا الفداء وهذا الفصح الأبـدي والانعتاق من سخرة الخطية وعبودية الشيطان، هذا الخلاص الحقيقي الذي ملأ كل وجه الأرض : «بزلتهم صار الخلاص للأمم . » (رو11:11)

بل وشـاول المدعو بولس على نفس القياس، لما قشى الله قلبه ، عاد هذا القلب الجافي وخرج منه حلاوة (قض 14: 14) وينابيع الروح التي فاضت وملأت الدنيا : « أنا الذي كنت قبلاً مجدفاً ومضطهداً ومفترياً ولكنني رحمت …» (1 تي13:1)

18:9 «فإذا هو يرحم من يشاء ويقسَّي من يشاء » .

هنا التأكيد على كلمة يشاء التي تعبر عن مطلق حرية الله دون مشير أو مساعدة من طرف الإنسان. ولكنها مشيئة متقنة وحرية ذات أصول وقواعد لا يرقى إليها فكر بشر. ولكن لا يقضي الله على بر بل على خطية ، وكأنما الله يضطهد الخطية في الإنسان، وليس الإنسان . كذلك فإنه لا يرحم إلا على بر حين يغفر ويصفح عما سلف.

ولكن الله في كـل مـشـيئته حتى عندما يقشي فهو يقشي عن رحمة، فكأنه يوقظ الخاطىء من غفلته ، فإن تاب فلنفسه وإن لم يتب يكون عبرة يتأتى منها الخير وتعم الطاعة. ولكن إن قشى الله على غير رحمة فمن يقوى على الحياة ؟!

19:9 «فستقول لي لماذا يلوم بعد ؟ لأن من يقاوم مشيئته ؟ » .

هذه عين الإنسان المفتوحة على النقد التي في عماها تنقد الخير الذي فيه تعيش، وتذم النعمة التي بها تحيا وإن لم ترها . فيتساءل الإنسان، متصوراً، إن كان الله يقشي، فلماذا يلومنا الله إذا تحن تقشينا على الغير؟ ثم إن تقشى الله ، فمن أنا حتى أرفع عني قساوته، هل أقاوم مشيئته ؟

وكأن هذا لسان حال شعب إسرائيل الذي قشى الله قلوبهم ليخرج من قساوتهم صليب المسيح لخلاص كل العالم. فإن خلصوا هم به حسبت قساوتهم نعمة لهم ولنا، وإن لم يخلصوا دخـلـوا تحـت تـأديـب مـسـاو لقساوتهم وعنادهم معاً، هو لصالحهم بالنهاية عندما يتوبون ويرجعون فيحسب لهم تأديبهم خلاصاً، وبقساوتهم فزنا نحن بالفداء والحياة الأبدية .

فأية نسبة تجمع بين تقسَّي الإنسان على أخيه الإنسان الذي ينتهي بالحزن والموت، وتقسَّي الله على الإنسان الذي يؤول إلى خلاص لنفسه وحياة مع خلاص للملايين ؟

إذا فتقشي الله لا يقع تحت ملامة إلا عند الجهال، أما عند ذوي الحكمة فهو رحمة في البداية وبر في النهاية يتمجد فيها الله ويرقى الإنسان .

فإن كانت أعمال الله حتى أقساها تنشىء رحمة، فقد ارتبطت حرية مشيئة الله ببره ارتباطاً وثيقاً. فالـرحمـة تـسـبـق وتسير أمامه وتعد الطريق لبره. فمن ذا بعد يخشى أو ييأس بسبب عجز الإنسان عن ملاحقة معرفة مشيئة الله طالما كان ختام مشيئته برأ ورحمة ؟

 9: 20 «بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله . ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا ؟ »

 بين الإنسان والله علاقة مخلوق بخالق. فإن كنا قد عرفنا أن الله حر في مشيئته ، ومشيئته تنشيء برا، أصبحت طاعة مشيئة الله هي بر على كل وجه وبكل وجه حتى ولو تقسَّى. فإن كانت طاعة مشيئة الله براً هي، فكيف تعارض الجبلة مشيئة جابلها ؟ ولأي سبب أو علة تعارض الجبلة إن كانت مشيئة الله من نحوها هي بالنهاية بر ورحمة ؟

كذلك إن كان الإنسان في نفسه لاشيء أمام خالقه ، فكل أعمال الخالق واجبات هي وليست حقوقاً. لأنه إن كان الإنسان في نفسه هو لاشيء أمام الله ، فمن أين يطالب بشيء؟ هل سبق فأعطاه حتى يطالب بالمكافأة ؟ فالإنسان عليه واجبات لدى خالقه وليست له حقوق ، وبالأخص إن عرفنا أن كل أعمال الله نابعة من رحمته، ومستقرة على البر الذي يتبعها وينتهي إليها . لهذا أصبحت الطاعة محتمة لا كغرض ثقيل بل كغنيمة، فكلما أطعت ربحت . فأن يجاوب الإنسان الله من نحو أعماله، فهذا عمى وجهالة.

21:9 «أم ليس للخزَّاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان ؟ » .

هذا مجرد مـثـل لـيـس للتطبيق، فالإنسان ليس كتلة طين إلا في اعتبار ما كان يوم خلق من تراب الأرض، وحتى لما خلقه الله صار هذا الطين بنفخة الله حسناً جداً. ولكن المراد من هذه الآية هو السلطان الذي الله والخضوع الواجب على الإنسان. فإذا التحم الخضوع تحت السلطان صار الإنسان إلى كرامة واستمد من السلطان سلطاناً . أما إذا تعالى الإنسان على سلطان الله وتكبر، فهو صـائـر إلى هـوان لا محالة. فسلطان الخالق هو لحساب المخلوق كرامة وبجد إن هو حفظ للسلطان كرامته ومجده !! وإن استهان صار حتما إلى ذلة وهوان .

لقد احتج العلماء جداً على ق. بولس في تصويره الخالق والمخلوق بالخزاف والطين، ولكن نـحـن مـنـذهـلـون من تذمرهم . فلو تصورنا أن الطين جسد له روح وحياة وأن الخزاف هو الله ، فما أسعد ذلك الطين وهو في يد الله لأنه حتماً سينال «صورة خالقه » (كو3: 10). وعلى كل فهذا التشبيه عـيـنـه ورد في سفر إشعياء 16:29، وسفر الحكمة 7:15، وسفر يشوع بن سيراخ 33: 10-13.

9: 22و23 «فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته أحتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك، ولكي يبين غنى مجده  على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد» .

هذه الآية طبقها الرب يسوع المسيح على يهوذا حينما قال : « لم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك» (يو١٢:١٧). وهنا كلمة: «يظهر غضبه » لا تعني الإعلان عنه بل تعني مجرد نيته بإرادة صامتة بقيت لا للـتـنـفـيـذ الفوري بل التنفيذ الأخروى في الدينونة العتيدة. لأن كلمة « الهلاك» هنا لا تفيد هلاك الجسد، بل إن ثمن الخطية هو الموت الأبدي وهو هلاك النفس.

ولـكـن «احـتـمـل بـأنـاة كثيرة» تحمل ضمناً عاملاً إيجابياً هو إعطاء فرصة للتوبة لأن الله لا ييأس من توبة الخطاة : «أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة، ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة . » (رو2 4و5 )

هنا التوبة والهلاك معا واقعان في دائرة «احتمل بأناة كثيرة ». لأنه على أساس احتماله آنية الغضب بأناة كثيرة لكي يبين غضبه، جاء بعد ذلك في الآية اللاحقة لكي يبين غنى مجده على آنيـة رحمة . تلك مهيأة للهلاك وهذه أعدها للمجد. والرب احتمل الاثنين بأناة كثيرة ، لكن تلك تملأ كأس غضب الله عليها، وهذه تملأ إعدادها للمجد .

إذا نـحـن لا زلنا هنا في هذه الآية في نفس معنى الاختيار أمام إسماعيل وإسحق، وعيسو ويـعـقـوب . ولـكـن الإضافة هنا جاءت في أسلوب الله في معاملة الاثنين ـ المختار والمرفوض ـ ليوضح بهما ق. بولس أن نفس الفرص من طول أناة الله واحتماله تمتع بها الأول والثاني : الأول انتفع فازداد استحقاقاً للمجد، والثاني زادته استحقاقاً للهلاك .

أما الذي يقصده ق. بولس من الذين جمعوا أسباب الهلاك لأنفسهم من جراء طول أناة الله واحتماله فهم الأمم التي لم تؤمن واليهود الذين لم يؤمنوا سواء بسواء، حيث رفض الفريقان بر الله المعلن في المسيح يسوع. وأما الذي يقصده ق. بولس من الذين جمعوا التوبة واستحقاق المجد مـن جـراء طـول أنـاة الله واحتماله فهم أيضاً اليهود الذين آمنوا والأمم الذين تابوا ودخلوا الإيمان ، حيث قبل الفريقان بر الله المعلن في المسيح يسوع . وهذا يوضحه ق. بولس بقوله :

24:9 «التي أيضاً دعانا نحن إياها (آنية المجد) ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً».

وهـنـا يـورد ق. بولس نبوتين: واحدة لهوشع تخص دعوة الأمم في المستقبل الممتد، والأخرى  لإشعياء وتخص بقية اليهود في المستقبل الممتد أيضاً .

9: 25-29 « كما يقول في هـوشـع أيضا سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة، ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنه هناك يدعون أبناء الله الحي، وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل: وإن كان عدد بني إسرائيل كرمل البحر “فالبقية” ستخلص . لأنه متمم أمر وقاض بالبر، لأن الرب يصنع أمرأ مقضيا به على الأرض، وكما سبق إشعياء فقال: لولا أن رب الجنود أبقى لنا “نسلا” لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة».

هنا يلزمنا أن تطابق الآية (27) على الآية (29): ففي الآية (27) يـقـول إشعياء: « وإن كـان عـدد بني إسـرائـيـل كـرمـل البحر فالبقية ستخلص . » (إش10: 22و23)

وفي الآية (29) يقول إشعياء : « لولا أن رب الجنود أبقى لنا نسلاً لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة . » ( إش1: 9)

واضح من الآية (27) أن ق. بولس يستخدم نبوة إشعياء من جهة أن غالبية إسرائيل ( رمل البحر) ستعثر فترفض، ومن سيتبقى في نهاية الزمن سيقبل الإيمان فينال الخلاص بالمسيح.

أما الآية (29) فهنا يعود ويذكر «نسل» (مفرد ) Sperma إبراهيم، أي المسيح، الذي فيه تـتـبـارك أمـم الأرض، فيصير المعنى : لولا أن الله أبقى لنا نسلاً مقدساً بالمسيح ، لهلكنا مثل سدوم وعمورة .

والآيـتـان تـنـتـهـيـان إلى معنى خلاص كل إسرائيل في الذين آمنوا الآن وفي القادم ـ بعد أن يدخل ملء الأمم وتتبارك شعوب الأرض بالمسيح ـ حتى لا يسقط وعد الله لإبراهيم.

كذلك فإن وعد الله الأول بالشعب المختار، احتفظ باختياره في المسيح، ولكن في مضمون الشعب الجديد إسرائيل الجديدة، كنيسة الله الحي، جسده ، وعروسه . وهكذا ظل شعب إسرائيل محتفظاً بكل ألقابه وكل إنعامات الله عليه بعد أن قبلت «البقية » الإيمان بالمسيح وانضم إليهم الأمم .

 ولـكـن لـيـس هـينا أن يجمع ق. بولس بين اليهود والأمم معاً في خلاص واحد  ومسيح واحد :« التي أيـضـا دعـانـا نـحـن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً». هذا معناه «العالم الجديد» للإنسان في المسيح !! وهذا معناه أن العالم بلغ صورته الأخيرة هذه بمنظار الأنبياء التي فيها نصت النبوات أن الله يتراءى للإنسان ويكشف عن مخبأ رحمته وعطاياه ؛ ولكن ومن نفس النبوات نستقرىء أن العالم الجديد ـ وهو الآن حادث ـ لا يعبر عن النهاية الأخيرة .

إذا ففي الآيات (24-29) نرى رؤية واقعية حادثة بالعيان تشرح لنا حقيقة « الاختيار» ، اختيار شعب إسرائيل أولا، ثم الاختيار في النسل الموعود ـ في المسيح ـ ثم اختيار الأمم ! حيث ينتهي بالكنيسة الواحدة التي جمعت المختارين في الواحد المختار الذي به كان الاختيار قديماً وفيه الاختيار قائم، على أنه سيستعلن مجد هذا الاختيار في وضعه الأخروي الأخير الذي تنتظره الأجيال بفروغ الصبر.

ولـكـن عين ق. بولس بالأساس ليست على الاختيار، بل إنه أبرز الاختيار ليبرز فيه عمل بر الله الذي يهدف إليه الاختيار. فالاختيار هو العمل التمهيدي لإعلان بر الله الذي رسمه في الأزل ليكمله في الزمن ويستعلنه في الأبدية. فنحن مختارون فيه «قبل تأسيس العالم»، لنكون «الآن» قديسين، ولنتراءى أمامه في الآخر بلا لوم في المحبة. «كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة . » (أف1: 4)

ولكن لماذا عثرت إسرائيل ؟
مسئولية الإنسان تجاه بر الله المجاني (9: 30-33)

 

في الآيات السابقة أوضح ق. بولس عمل الله بالاختيار وأثبت أنه قائم على تنفيذ بر الله، وأن لا أحد يستطيع أن يناقض الله فيه .

والآن يأتي على مسئولية الإنسان تجاه هذا الاختيار المربوط بتكميل بر الله في الزمن.

والعجيب أن إنجيل الخلاص الحامل لبر الله قدم عامة لليهود أولا ثم للأمم . أما الأمم فقبلوه بالإيمان بالخبر، دون أن يكون لديهم مثل اليهود مذخر من ميراث تقليدي عريض عن المسيا، قبلوه بفرح وشكـر إذ تأكد لديهم أن الله قبلهم. قبلوه بالإيمان الصادق فحسب لهم إيمانهم برا. وبهذا الـتـحـقـوا بـنـسـل إبـراهـيـم الروحي لنوال البركة في النسل (مفرد ) أي المسيح الذي تعين لهم منذ الدهور.

في حين أن الـيـهـود ـ من جهة غالبيتهم العظمي ـ انطووا على الناموس محاولين أن يحققوا لأنفسهم من أعمالهم برا ب بحسب الناموس وقاوموا دعوة الإيمان التي هي أصلاً لهم كميراث أغنى مـن مـيـراث الأرض والجسد، واعتقدوا أنهم مقبولون لدى الله وحدهم دون الأمم وذلك بافتخارهم بالناموس الذي قد أعطي لهم لمجرد تأديبهم . وهكذا صار الإنجيل لهم عثرة اصطدموا به .

30:9 «فماذا نـقـول، إن الأمـم الـذيـن لـم يـسـعـوا في أثـر الـبـر أدركوا البر، البر الذي بالإيمان » .

أولا، يلزم أن نعرف أن البر المقصود هنا هو بر الله الذي هو في حقيقته الأساسية علاقة حميمة وصـمـيـمـة بالله مع رحمة ؛ ثم يلزم أن نعرف أن الأمم لم يكن لهم إله، فهم كانوا غرباء عن الله والمـوعـد وبلا إله في العالم، لا بر يعرفونه أو يطلبونه ولا أي أعمال إلا أعمال الشر. هؤلاء لما قدم لهم الخبر السار بخصوص الرب يسوع الحامل لبر الله ، لم يعثروا فيه بل قبلوه بفرح وآمنوا. وكما سبق وقلنا، كان إيمانهم بسيطاً وقوياً كإيمان إبراهيم، فتم فيهم الوعد المقدس وتباركوا ببركة الوعد في شخص يسوع المسيح الموعود به، بل وصاروا أولاداً لإبراهيم بالإيمان . فهنا العجيبة شديدة لأنهـم لـم يـكـونـوا على أية درايـة بـالإيمان ولم يسعوا إلى حصوله ، فلما غرض عليهم قبلوه ، وقبلوه بالإيمان القلبي إذ لم يكن لهم سابق أعمال إلا أعمال الفجور وزنا الأوثان .

31:9 « ولكن إسرائيل وهو يسعى في أثر ناموس البر لم يدرك ناموس البر» .

وفي ذات الوقت فإن الـيـهـود الـذيـن كـان يتحتم عليهم أن يؤمنوا بإله إسرائيل، وهم الذين يـتـرجـون بـر الله الذي في الناموس، يقول ق. بولس إنهم لم يدركوا ناموس البر ذاته، وهذا أمر يدهش له حقا، إذ لم يحققوا لأنفسهم حتى البر الذي يسعون إليه ولا أدركوا الناموس الذي يدعو إلى البر. لماذا ؟

32:9 « لماذا؟ لأنه فعل ذلك ليس بالإيمان بـل “كأنه” بأعمال الناموس . فإنهم اصطدموا بحجر الصدمة » .

أي أنهم كانوا يسعون في أثر الناموس، ليس بالإيمان ولا طلبا لبر الله، بل كانوا يطلبون بر أنـفـسـهـم لـيـتبرروا في أعين أنفسهم، وذلك بإتقانهم الأعمال، وليس بالإيمان بالله ، ظناً منهم أن بالأعمال يتبررون .

وقفة هامة جدا:

«كأنه بأعمال» الناموس: 

هنا يلزم جـدأ شطب كلمة «الناموس » لأنها غير واردة في الأصل اليوناني ـ بحسب أقدم النسخ التي أخذ بها كل من أوريجانوس وأمبروسيوس وجيروم وأوغسطين. وإدخالها في الآية يضر المعنى لاهوتياً. لأن «أعمال الناموس » نافعة وتبرر ولا تضلل صاحبها إن كان يعملها بالإيمان ، كما أوردها ق. بولس : «لأن موسى يكتب في البر الذي بالناموس أن الإنسان الذي يفعلها (أي أعمال الناموس) سيحيا بها . » (رو5:10)

لذلك يضعها ق. بولس هكذا : «كأنه بالأعمال»، وهنا يضع كلمة «كأنه» و حتى يفرزها عن المعنى الصحيح بالأعمال الصحيحة. هنا كلمة «كأنه » تفيد خداع البصر الذي وقع فيه اليهود، إذ تهيأ لهم أن الأعمال التي يعملونها هي ” أعمال الناموس مع أنها ليست أعمال الناموس بل وصايا الناس حسب قول المسيح (مت15: 9). لماذا ؟ لأنها خالية من عنصر الإيمان . والأعمال الخالية من عنصر الإيمان بالله ليست أعمال الله ولا تبرر الإنسان عند الله ، بل تبرره في عيني نفسه فقط فتقتله.

هـكـذا عـاشـوا كل أيام حياتهم يطلبون بر أنفسهم بإتقانهم الأعمال دون الاعتماد على الإيمان بالله. فلما ظهر الإنجيل وتواجهوا معه كانت المفارقة شديدة . فالإنجيل يعطي البر الله وحده ، وهم يطلبون البر لأنفسهم . والإنجيل يقوم على الإيمان لكي يتبرر الإنسان ببر الله، والناموس الذي كانوا يـتـقـنـون حروفه يقوم ـ عندهم وبحسب انحرافهم ـ على الأعمال وليس على الإيمان. هكذا ظهر الإنـجـيـل متعارضاً تعارضاً شديداً وشاملاً مع الناموس الذي تصور وه لأنفسهم . فصار الإنجيل عثرة في طريق إسرائيل.

هنا يقدم ق. بولس مفتاحين معاً لسر عثرة اليهود :
الأول : تحولهم من طلب بر الله إلى طلب بر أنفسهم .
والثاني: تحولهم من الإيمان كأساس لنوال بر الله بمقتضى الوعد مثل إبراهيم ،
إلى الأعمال التي كانت تحقق لهم بر أنفسهم .

«فإنهم اصطدموا بحجرا الصدمة » :

الذي يـصـطـدم بحجر هو إنسان يسير في طـريـق بغير انتباه ولا استعداد ، وهذا ما حدث لإسرائيل، وبحسب قول المسيح : سدوا آذانهم عن سماع كلمة الله ، وقفلوا عيونهم عن رؤية الحق حينما ظهر لهم أن المسيح كلمة الله والحق، بل قاوموه واضطهدوه وقتلوه ؛ هذا هو الاصطدام . هذا من جهة المسيح، كذلك مـن جـهـة الإنـجـيـل فإنه يطالبهم بالإيمان، وهم لم يعتادوا إلا على الأعمال. والإنجيل يطالبهم أن يخضعوا لبر الله في المسيح، وهم تعودوا أن يزيفوا بر الله لأنفسهم . فصار الإنجيل بالنسبة لهم قوة فاضحة ضد مسيرتهم وضد شهواتهم . وهكذا رفضوه عن بغضة ونقمة وعداوة «أبغضوني أنا وأبي … أبغضوني بلا سبب » (يو١٥ : ٢٤ و٢٥)؛ وطاردوا ق. بولس الذي يكرز به ففقدوا المسيح والإنجيل والوعد والعهد والميراث والنبوة وصاروا أقل من الأمم !

33:9 « كما هو مكتوب ها أنا أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة وكل من يؤمن به لا يخزى » .

هنا ق. بولس ضم قراءتين لإشعياء النبي معاً واستخلص منهما ما استخلصه . فصخرة الصدمة وردت في إشعياء 14:8 حيث يظهر الله نفسه هو حجر الصدمة وصخرة العثرة لأعدائه !!

هذه الـنـبـوة أخـذهـا الـيـهـود الربيون على أنها للمسيا الآتي، وهكذا سهل على ق. بولس أن يتخذها للمسيح سواء من جهة الصليب أو تعاليم الإنجيل. ولكنه يعود ويضم عليها بعض ما يفهم من الآية 16:28 في إشعياء أيضاً، حيث يظهر الحجر أنه «حجر الزاوية » ، وهو الذي استخدمه كل مـن الـقـديـس بـطـرس والقديس بولس أيضاً في موضع آخر (1بط2: 4 ، أف2: 20). ومن الاثنين يخرج ق. بولس بالاستعلان الذي كان خاصاً بيهوه والمسيا على وجهين، الأول : لتحطيم الأعداء، والثاني : للإيمان والبناء، كأساس للهيكل (الجديد) في صهيون : أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة، وهو نفسه حجر الزاوية الذي كل من يؤمن به لا يخزى . والذي يهمنا جدأ في هذا الاقتباس الذي أخذه ق. بولس من إشعياء هو كيف أنه أخذ ما يخص ويهوه وجعله هو الذي يخص المسيح بوضوح .

أما فيما يقصده ق. بولس من هذا الاقتباس ، فهو توضيح كيف أن المسيح وهو صخر الدهور صار في آخـر الأيام صخرة عثرة لليهود ـ طبعاً بسبب الصليب ومتطلباته ـ وحجر زاوية كأساس لبناء الأمم. ولكن كل من آمن به من اليهود يكون قد نجا من الخزي العتيد أن يكون : « مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب . » (أف2: 20و21)
+ «قال لهـم يـسـوع أمـا قـرأتـم قـط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهـو عجيب في أعيننا … ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه . » (مت21: 42و44) 

وقفة صغيرة

إن ما يقوله ق. بولس هنا هو هدفه العام من الرسالة كلها « والذي يؤمن به لا يخزى». هذا هو الإنـجـيـل، وهذه هي العشرة التي اعترضت مسيرتهم العظيمة عبر التاريخ فأسقطتهم وأسقطت تاريخهم معهم. فتاريخ إسرائيل يبدأ بإبراهيم إلى أن يأتي النسل الموعود وهو المسيح، وقد أتى ، وبمجيء المسيح انتهى تاريخ اليهود والعمل بالناموس ليبدأ الإيمان بصخر الدهور حجر الزاوية في تاريخ العالم كله .

ولـكـنـهـم بـعـنـاد رفضوا الإيمان ، فرفضوا البر مع الرحمة، واستمروا يعملون ليقيموا بر أنفسهم ، وبقفزتهم فوق الحجر ترضضوا وانكسرت أمجادهم ، ثم تحدوه وصلبوه فوقعوا تحته فسحقهم . مع أن كل الذين قبلوه وحيوه، اكتشفوا فيه الطريق الجديد الصاعد إلى السماء؛ وكف السير على الأشواك بـأقـدام عـاريـة وكفت الدموع . « فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، … وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله . » ( 1کو1: 18)

فالمسيح هو النسل الموعود به لابراهيم الذي يتركز فيه الاختيار كما يتركز بسببه الرفض . فبالمسيح الـوصـول، لأنه هو الطريق والباب معاً؛ وبغير المسيح يكون السير على الأشواك و بلا وصول .

وق. بولس لا يـأتـي بـكـلام مـن عـنـده ، ولكنها التوراة التي يغيرون عليها ، هي التي تشهد للمسيح وتشهد عليهم : تشهد له أنه مصدر الإيمان الوحيد الذي كل من يقبله لا يخزى، وتشهد عليهم لأنهم إن عثروا فيه فلن يقوموا ولن يسيروا إلا في طريق الهلاك ! وها ما سيكمله ق. بولس في الأصحاح القادم .

تفسير رومية – 8 رسالة رومية – 9 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية – 10
القمص متى المسكين
تفاسير رومية – 9 تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى