تفسير رسالة يعقوب أصحاح ٥ للقس أنطونيوس فكري

 الإصحاح الخامس

الأيات 1 – 3 :- هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ.

يكتب يعقوب للأغنياء الذين ظلموا الفقراء و المزارعين الذين يعملون في مزارعهم، وكلامه هنا يحمل معني الآنذار بالويل أكثر من دعوة للتوبة، و ذلك لأنهم نسوا تدبير حياتهم الابدية وظنوا أنهم سيستمتعون بثرواتهم الي الابد،هذه التى جمعوها  من ظلم  الفقراء، فإن الله سيدين الذي اخفي وزنته فكم بالأولي الذي جمع ثروته من ظلم أخوته الفقراء، و كان الرسول يتكلم كما لو كان قد رأى ما حدث علي يد تيطس الرومانى بعد سنوات من كتابة الرسالة. فلقد أخرب تيطس أورشليم وسلب كل شىء. بل قبل أيام الحصار قامت ثورة يهودية ضد قيصر، وهذه الثورة كانت سبباً فى حصار تيطس لأورشليم. وقرر الثوار فى أورشليم مصادرة كل أموال وكنوز الأغنياء لإستعمالها فى الحرب، وإعتبروا أن إخفاء الأموال والكنوز جريمة لا تغتفر. وكانوا يذبحون الأغنياء ليستولوا على أموالهم متعللين بتهم باطلة. فكل من إكتنز أموالاً ذهبت كلها للثوار بل ذبحوه بسببها. ثم ذهب كل هذا للرومان بعد أن سقطت أورشليم. أليس من الغباء أن يظلم إنسان أخيه ليجمع ثروة يأخذها الآخرين.

وهذا الكلام موجه أيضاً لكل من يجمع أموالاً واضعاً فى قلبه أن يعتمد على هذا المال لضمان المستقبل، ولضمان سعادته ناسياً حياته الأبدية. لذلك قال السيد المسيح عن المتكلين على أموالهم أن دخولهم للسماء أصعب من دخول جمل من ثقب إبرة (مر 10 : 17 – 25).

شقاوتكم قادمة = كلمة قادمة لا تعنى المستقبل البعيد، إنما تعنى أنها على الأبواب 

غناكم قد تهرأ = كان غنى القدماء يتركز أساساً فى مخازن القمح والثياب. وكان لهم مخازن للثياب يضعون فيها روائح طيبة. ويفهم كلام الرسول أن هؤلاء الأغنياء فضلوا أن يأكل العث أموالهم ومقتنياتهم عن أن يتصدقوا بها للفقراء. ومما يزيد من شقاوة هؤلاء الأغنياء أنهم سيشاهدون بأعينهم فساد ثروتهم.

ذهبكم وفضتكم قد صدئا = فقدا قيمتهما وبريقهما. هذا حدث بالفعل أيام حصار أورشليم. بل قد وصل الحال أن الأمهات أكلن أولادهن إذ ليس طعام. فماذا كانت قيمة الذهب والفضة وقتئذ. كانوا بلا ثمن ولا قيمة فماذا يشترون بهم وليس طعام. حدث مثل هذا فى مصر فى أيامنا. فقد ألغت الحكومة المصرية مع بداية الثورة الأوراق النقدية فئات 100 جنيه، 50 جنيه، وحدد تاريخاً ينتهى بعده إستبدال هذه الأوراق. فمن ذهب بعد هذا التاريخ وهو يمتلك ثروة من الأوراق فئة الـ 100 جنيه كان كأنه يمتلك ورقاً ملوناً بلا قيمة. وفى أيامنا هذه إنخفضت فى يوم واحد قيمة الجنيه إلى النصف فكان كل من كان له نقود فى البنوك، كأنه قد خسر نصفها. لقد صدئا.

هل يمكن أن يعلق أى عاقل أماله على مثل هذه الأشياء، وليس على الله الذى يعول الجميع صدأهما يكون شهادة عليكم ويأكل لحومكم كنار = هذه الأموال التى جمعتموها وقد صارت بلا فائدة ستكون شاهدة على كل ما إرتكبتموه من أخطاء، فالله سيسأل لماذا لم تتصرفوا فى أموالكم بطريقة صحيحة.

يأكل لحومكم كنار = من ألامكم على فقدكم كل ممتلكاتكم ومن غيظكم ستكونون كمن يحترق لحمه بالنار. وأبدياً سيتعذب الجسد مع النفس. عموماً محب المال لا يستريح هنا ولو إقتنى العالم، ولن يستريح فى الأبدية، إذ لن يعاين الله.

قد كنزتم فى الأيام الأخيرة = بينما كان عليكم أن تستعدوا للرحيل.

 

أية 4 : – هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ.

أربع فئات يصعد صراخهم لله:-

1.     المقتول عمداً (تك 4 : 10).

2.     صراخ المسكين (خر 2 : 23).

3.     صراخ الخطية (تك 18 : 20).

4.     صراخ الأجير المظلوم (هذه الآية).

ونلاحظ أن حب الإقتناء يفقد الإنسان رحمته بأخيه بل يدفعه لظلم الأجير. وموضوع أجرة الأجير منصوص عليه فى (لا 19 : 13).

 

أية 5 : – قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ الذَّبْحِ.

لقد خلق العالم لنستخدمه لا لكى نلهو فيه وبه عن الخالق. وحياة الإنغماس فى الترف تحرم الإنسان من ضبط نفسه. وبالتنعم يتربى القلب لكى يذبح يوم الدينونة. وهؤلاء بالذات من عاشوا فى جشع (هو 13 : 6) + (مت 6 : 25) + (1 تى 5 : 6) + (لو 21 : 34). إن من لم يستمع لصوت المظلوم هنا لن يسمعه الله ولن يسمع صرخاته يوم الدينونة. ومعنى الآية أنه كما أن الحيوان يسمن لأجل الذبح، إذ يعدونه للذبح، هكذا أنتم وقد إنحمتم من كثرة ما قدمتموه لملذاتكم وشهواتكم تعدون أنفسكم لحكم الدينونة.

يوم الذبح = 

1.     نهاية تخمة الحيوان الذبح هكذا أيضاً تخمة الأغنياء وترفههم وهذا ما حدث حين ذبحوا أغنياء أورشليم، وهذا تكرر فى كثير من الثورات الدموية كما حدث فى روسيا وفى فرنسا. 

2.     هو إشارة ليوم الدينونة فالمظلوم يصعد صراخه إلى الله.

 

ما هو الخطأ فى موضوع المال ؟

1.     أن يتكل الإنسان على أمواله فبهذا صارت له إلهاً (مر 10 : 17 – 25). وبسبب هذا يحدث الصراع.

2.     الظلم، أى يصرخ إنسان لله لأنه لم يحصل على حقه.

 

أية 6 :- حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ. قَتَلْتُمُوهُ. لاَ يُقَاوِمُكُمْ

هذه الأية جعلت بعض المفسرين يرون أن أقوال الرسول فى (5: 1-6) موجهة لأغنياء اليهود الذين قتلوا المسيح البار (أع 7: 52)، وقتلوا المؤمنين من المسيحيين مثل إسطفانوس ويعقوب بن زبدى. وربما كانت هذه الأية نبوة عند هو شخصياً، إذ كان إسمه البار. وكان الشهداء لا يقاومون. بل أن اليهود جروا إلى المحاكم المساكين الأبرياء وحكموا عليهم بالموت ظلماً. وحدث هذا بعد ذلك مراراً عبر التاريخ، مثلاً أثناء إضطهاد الرومان. وقيل عن المسيح ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامته أمام جازيها فلم يفتح فاه (إش 53: 7) وعدم فتح الفم إشارة لأنه لم يقاوم أبد اً. 

 

الأيات 7، 8 :- فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ. هُوَذَا الْفَلاَّحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ مُتَأَنِّياً عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ.

هو يكلم هنا المضطهدين من المسيحيين والمظلومين الذين يعانون من اليهود والوثنيين ويقول لهم أن عليهم أن يثبتوا بصبر واضعين أمام أعينهم أن الرب سيأتى ليجازى كل واحد بحسب عمله. فالثابت فى الإيمان سينال أكاليل فى ذلك اليوم أما الظالمين سيسمعون قول الربلى النقمة  أنا اجازى يقول الربهذا الظالم يخسر على الأرض تعزيته ويخسر المجد فى السماء. ومجئ الرب يبعث فى المؤمنين طول الأناة والإحتمال، وهكذا إذ يتطلع المؤمن إلى يوم الرب يشتهيه عاملاً و مثابراً بنعمة الرب كالفلاح الذى يترجى يوم الحصاد. 

المطر المبكر = يأتى فى بداية شهر نوفمبر بعد الزرع مباشرة. وهذا يساعد على تفتيح البذرة. والمطر المتأخر= يأتى قرب نهاية أبريل والسنابل على وشك الإمتلاء وذلك يساعد على نضج المحصول. والمطر فى فلسطين يأتى فى ميعاده تماماًً. إذا الإشارة إلى المطر المبكر والمتأخر هو قول زراعى يشير لفرحة الفلاح بالمطر حتى يكون هناك محصول فى نهاية الموسم. 

وروحياً فالأمطار والأنهار والينابيع تشير للروح القدس الذى يعطينا التعزيات خلال رحلة حياتنا، فى مقابل البحار التى تشير لملذات العالم بمياهها المالحة التى لا تروى. اما المياه الحلوة فهى تروى وتفرح وتشير لأفراح مؤكدة فى نهاية الموسم الزراعى بالمحصول الوفير. 

الله يقول عن نفسه أنه ينبوع المياه الحية (أر2: 13).

الروح القدس يقول عنه السيد المسيح أنه أنهار (يو7:37- 39).

الروح القدس مشبه بماء وسيول (أمطار) يسكبه الله (أش 44 : 3، 4).

ولاحظ أن الفلاح فى صبره إذ يراقب حقله كل يوم، يرسل له المطر ليساعد على نمو الزرع وهذا يملأ قلبه فرحاً. ليس هذا فقط بل إن المطر يضمن محصولاً أكيداً وفيراً فى نهاية الموسم. وهكذا هو عمل الروح القدس، يعطى تعزية خلال رحلة آلام هذه الحياة ويقودنا فى رحلة الحياة ليضمن لنا أبدية سعيدة. ويلهب أشواقنا خلال رحلة حياتنا لهذا اليوم. الروح القدس هو الذى يجعلنا نجاهد محتملين الألام بفرح فى إنتظار هذا اليوم. محتملين الضيق بقلب ثابت (مز 126 : 5).

ويقول البابا أثناسيوس الرسولى أن طريق الملكوت ضيق وكرب، ولكن من دخل من هذا الطريق أى الباب الضيق يرى إتساعاً بلا قياس وعذوبة وعزاء، وهذا هو عمل الروح القدس.

 

أية 9 :- لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيُّهَا الإِخْوَةُ لِئَلاَّ تُدَانُوا. هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَابِ.

كثرة الضيقات الخارجية والإضطهاد قد تجعل الأخوة فى حالة تذمر، لذلك ينصحهم الرسول أن يترابطوا بالمحبة. لا يئن بعضكم على بعض = أى لا تتذمروا وتضجوا أحدكم على الآخر بل ليكن فيكم الصبر. لا تدينوا بعضكم البعض ولا تطلبوا الإنتقام من بعضكم فيوم الرب قد إقترب، وهو الديان وحده، ومن يدين إخوته سيتعرض هو نفسه للدينونة. فهذا ليس وقت ندين بعضنا البعض بل وقت نبحث فيه عن إخوتنا الساقطين فى الخطية ونصلى لأجلهم. وقوله على الباب = أى الأيام إقتربت للمجىء الثانى للمسيح.

 

أية  10:- خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاِحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ.

لقد حدثتكم يا إخوتى عن وجوب الصبر والإحتمال للألام، ويجب عليكم أن تعلموا أن هذه هى سمات المؤمنين دائماً. فكل الأنبياء السابقين إحتملوا الألام بصبر لأنهم تكلموا بإسم الربأرميا وإيليا وإشعياءبل المسيح نفسه.

 

آية 11 :- هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ.

الصابرين = الذين إحتملوا الألام بصبر. ومن مثال أيوب نرى أنه إحتمل التجربة بصبر، فهو إفتقر أكثر من الشحاذين إذ صار عرياناً ونلاحظ أنه كان قد إعتاد حياة الغنى، وإحتمل أمراضاً رهيبة حتى صارت رائحته كريهة. وإحتمل موت أولاده فى شبابهم فى كارثة طبيعية، وإحتمل سخرية البشر، وحتى أصدقاءه هربوا منه، بل من جاءوا يعزونه كانوا متعبون، بل إن زوجته لم ترحمه. ومع كل هذا إحتمل فنال الضعف. وهكذا لأى منا، فمن يحتمل الألم الآن تزداد تعزيته، ومجده فى السماء (2 كو 1 : 5) + (2 كو 4 : 17) + (رو 8 : 17).

 

أية 12 :- وَلَكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ يَا إِخْوَتِي لاَ تَحْلِفُوا لاَ بِالسَّمَاءِ وَلاَ بِالأَرْضِ وَلاَ بِقَسَمٍ آخَرَ. بَلْ لِتَكُنْ نَعَمْكُمْ نَعَمْ وَلاَكُمْ لاَ، لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ.

هذا التعليم هو تعليم الرب نفسه (مت 5 : 33 – 37). ولماذا لا نقسم ؟

1.        من إعتاد على القسم يصير لا يميز بين القسم الحق والقسم الباطل 

2.        المهم إستخدام إسم الله بكل توقير وإحترام فنحن لسنا أقل توقيراً له من اليهود إذ كان الكتبة الذين ينسخون الكتاب المقدس يستحمون قبل كل مرة يكتبون فيها إسم الله، وكانوا يخافون من إستعمال إسم الله 

3.        القسم معناه إشهاد الله على عمل معين أو تعهد معين أو أنك تقول الصدق. وإذ كل الخليقة من أعلى السماء إلى أسفل الأرض، من عرش الله إلى الشعرة التى فى رأس الإنسان جميعها تحكمها العناية الإلهية، لذلك فمن يقسم بالسماء أو الأرض أو بأى شىء فهو يرتبط بالقسم أمام الله. ومن منا يستطيع أن يرتبط بشىء، أو من منا متأكد من شىء. فقد أقسم بأن أفعل شيئاً وأموت قبل أن أفعله. بل إن الشيطان يستغل القسم خصوصاً أثناء الغضب، فنقسم على أشياء قد تكون خاطئة مثل الأنتقام من أحد. أو كما حدث مع هيرودس إذا أقسم وهو غارق فى لذته وسكره فأصبح ملتزماً، وكان لا يريد أن يفعل ما فعله ويقتل يوحنا المعمدان.

4.        لا يليق أن نقسم بإسم الله أو بأى قسم كما قلنا فى أمور زمنية.

5.        ليكن كلا منا صادقاً حتى بدون قسم لكى لا نتعرض للدينونة.

 

أية 13 :- أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ.

أعلى أحد بينكم مشقات فليصل = من هو فى ضيقة أمامه طر يقان:- 

1.        يظل يفكر ويفكر فى حل، وإذ لا يوجد حل يدخل فى يأس وكآبة لعجزه عن الحل.

2.        يشرك الله معه فى التفكير بالصلاة، فيقول يارب حل مشكلتى، هل تتركنى وتتخلى عنى يارب، أنت لا تتخلى أبداً عن أولادك.. وهكذا. وبهذه الطريقة نسمع صوت الله  “أنا بجانبك يا إبنىويكون هذا مصدر عزاء حتى لو لم تحل المشكلة ويقول القديسونإنشغل بالمسيح (فى الصلاة) ينشغل المسيح بأمورك الخاصة“. فبدون صلاة نبحث عن حلول بشرية لمشاكلنا فنتوه. ولكن الصلاة تدخل إلى مقادس الله وتقتدر، وتعطى عزاء وسلام إلى حين يحل الله المشكلة. 

أمسرور أحد فليرتل = ماذا نفعل فى أفراحنا. ما احلى ما قيل عن عرس قانا الجليل  “وكانت أم يسوع هناك. ودعى أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس” (يو2: 1، 2) ولما حدثت مشكلة، كانت أم يسوع هى التى حلت المشكلة بشفاعتها. أما أفراحنا لو كانت بطريقة عالمية ويسوع ليس فيها، فإذا حدثت مشكلة فمن يحلها. يجب أن يكون الرب يسوع المسيح هو المركز الذى تتجه إليه أنظارنا فى كل الظروف، أضيق أم فرح، مرض أم صحة، نجاح أم سقوط. علينا فى أفراحنا أن نسبح ونشكر الله الذى أعطانا هذا السرور. والكنيسة تعلمنا التسبيح دائماً، وغالباً ما نستخدم المزامير التى تثير فينا روح الصلاة فتسكن الشهوات. لأن عدو الخير يستغل فترات الفرح لإثارة الشهوات، ولإثارة المشاكل.أما المسرور الذى يرتل يتقدس فرحه ولا يكون فرحه سروراً عالمياً مادياً، فلا يتدنس بلذة الخطية. 

عموماً الله يحب أن يكون شريكاً لنا فى أحزاننا وفى أفراحنا، والبديل أن عدو الخير يدخل فيها فيحول أحزاننا إلى مرار وصدام مع الله، ويحول أفراحنا إلى خلاعة ومساخر. فالمؤمن المتعقل يحول ألامه وأفراحه للقاء مع الرب. والصلاة تعطى عزاء وقوة للمتألم والذى فى شدة، وتعطى ثباتاً لمن هو مسرور.

 

الأيات 14، 15  :- أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ.

قسوس (مترجمة خطأ شيوخ). بحسب القاموس فالكلمة اليونانية المستخدمة هى إبريسفيتيروس وتعنى شيوخ أى كبار فى السن. ولكن فى بداية الكنيسة، استحدثت وظائف للخدمة مثل القسيس والأسقف وكلمة كنيسة نفسها. فمن أين يأتون بكلمات لهذه الوظائف. وجدوا فى الكلمات اليونانية ما هو مناسب فإستخدموا لكلمة قسيس الكلمة اليونانية ابريسفيتيروس وللأسقف الكلمة اليونانية التى تعنى ناظر وللكنيسة كلمة اككليسيا وهى تعنى جماعة. ومع مرور الزمن اصبحت هذه الكلمات لها معانيها التى نعرفها الأن. بل لأن القسيس وظيفته أن يصلى عن الشعب، إشتق من كلمة ابريسقيتيروس كلمة ابريسفيا وتعنى شفاعة. فهل نعود بعد قرون من الزمان لنعود بكلمة ابريسفيتيروس لتصبح كبار السن. 

1.        ولماذا إذا كان معنى الكلمة شيوخ، نترجمها مرة شيوخ ومرة قسوس كما جاء فى (أع20 : 17) السبب أنه لو كانت الكلمة تتحدث عن وظيفة أو خدمة كما فى (أع20: 17) نترجمها قسوس. وإذا كانت الكلمة تتحدث عن صلاة الكاهن عن الأخرين نترجمها شيوخ مثل هذه الأية + رؤ 24: 4 وهذا واضح من الفكر البروتستانتى الذى يرفض فكرة أن الكهنوت فيه شفاعة فالقسيس خادم واعظ ولا يصلى عن أحد. 

2.        هل يقبل البروتستانت أن نسمى كنائسهم (جماعات) : فالكلمة اليونانية تعنى جماعة. فلماذا يسمونها كنيسة إلا لأن المعنى تغير مع الزمن. إذاً قسوس صارت من بداية الكنيسة تشير للكهنة الذين يصلون عن الشعب ويقومون بخدمة الأسرار كما فى هذه الأية. وإذا فهمنا الأية بمعنى شيوخ فتصير الآية بلا هدف، فإذا كان كما يقول البروتستانت (الذين ترجموها هكذا ليلغوا الكهنوت) أن الكل كهنة، فلماذا يدعو المريض شيوخ الكنيسة، ألا يصلح أى فرد من أفراد الأسرة لكى يدهنه بالزيت. وأى زيت هذا الذى سيدهن به، هل هو زيت عادى !! 

الرسول هنا يحدثنا عن سر مارسته الكنيسة وهو سر مسحة المرضى ومازالت الكنائس الرسولية تمارسه. وعلى المريض أن يدعو الكاهن (القسيس) لممارسة هذا السر. والكاهن هنا سيمارس سرين :-

1.        سر الإعتراف :- لأن الخطية أحياناً تكون سبب المرض الجسدى أو التعب النفسى، والتوبة عنها والإعتراف بها شىء أساسى (آية 16).

2.        سر مسحة المرضى :- يدهن المريض بعد أن يعترف بزيت مصلى عليه، كما أمر المسيح تلاميذه (مر 6 : 12) والصلاة تقتدر فى فعلها. والأهم من شفاء الجسد شفاء الروح والخلاص الأبدى. وهى ليست هبة مطلقة للكنيسة، فبولس لم يستطع شفاء نفسه (2 كو 12 : 7 – 9). ولا شفاء ابفرودتس الحبيب (فى 2 : 27) ولا تروفيموس (2 تى 4 : 20). مع أن الخرق التى كانت على جسد بولس كانت تشفى المرضى.

ويعقوب هنا يتكلم عن أسرار تمارس، لكن الذى أسس السر هو الرب يسوع نفسه. وقد تسلمنا عن آباء الكنيسة صلوات سر مسحة المرضى التى يصليها الكهنة من أجل المريض، وفيها يبتهل الكاهن من أجل غفران خطايا المريض ومن معه من الحاضرين وخطايا الكاهن نفسه وجهالات كل الشعب. والكنيسة تطلب شفاء المريض ولكنها تقدم مشيئة السيد المسيح على مشيئتها، فقد يكون المرض لخير الشخص، ورغم مغفرة خطاياه يبقى فى المرض لأجل تأديبه أو تزكيته أو لحكمة أخرى، كما ترك بولس الرسول فى مرضه حتى لا يرتفع. لذلك تصلى الكنيسة فى سر مسحة المرضى بفم الكاهنأقم عبدك هذا من موت الخطية وإن أمرت بإقامته إلى زمان آخر فإمنحه مساعدة ومعونة لكى يرضيك فى كل أيام حياته. وإن أمرت بأخذ نفسه فليكن هذا بيد ملائكة نورانيين …”.

ويدهنون بزيت بإسم الرب = فالسر هنا لا يعتمد على بر وقداسة الكاهن وصلاحه بل علىإسم الربفالعامل فيه هو الروح القدس. غير أن إيماننا فى السر شرط أساسى = صلاة الإيمان تشفى المريض والرب يقيمه = وما يجب ملاحظته أن صلوات سر مسحة المرضى التى وضعها الأباء بإرشاد الروح القدس توجه أنظار المؤمنين المرضى جسدياً إلى خلاص نفوسهم والإهتمام بالشفاء الروحى أى غفران الخطايا. وهذا يتفق مع قول الرسول = وإن كان قد فعل خطية تغفر له = وسلطان غفران الخطية لم يعط سوى للكهنة (يو 20 : 22، 23).

 

أية 16 : – اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالّزَلاَّتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَوْا. طِلْبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعْلِهَا.

يصاحب سر مسحة المرضى سر الإعتراف، وواضح أن الذى سيعترف هو المريض وليس الكاهن، المريض يعترف للكاهن وليس الكاهن هو الذى سيعترف للمريض.

ويقول القديس أغسطينوس تعليقاً على ذلك، أنه لو قلنا علموا بعضكم بعضاً فالمعلم هو الذى سيعلم االتلميذ وليس العكس. والإعتراف هنا يكون لكاهن له سلطان أن يحل ويغفر (يو 20 : 22، 23). والسؤال هنا كيف يمكن أن نفهم قول المسيح هذامن غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه أمسكتهل من حق أى إنسان أن يمسك خطايا الآخرين، وهل لا يوجد تعارض بين هذا القول فى (يو 20 : 22، 23) مع قول السيدإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم (مت 6 : 15).

قطعاً لا يوجد تعار ض فالمسيح لا يناقض نفسه. فالقول (يو 20 : 22، 23) موجه للرسل وخلفاءهم من طغمة الكهنوت. أما قول السيد فى (مت 6 : 15) فهو موجه لكل المؤمنين.

 

الآيات 17، 18 :- كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَاناً تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضاً فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَراً وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.

هنا نرى أن صلواتنا يجب أن تكون بإيمان حتى يستجيب الله. فالله إستجاب لإيليا وهو إنسان تحت الآلام مثلنا فلماذا لا يستجيب لنا. ثلاث سنين وستة أشهر = فى (1 مل 18 : 1) نسمعوبعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا فى السنة الثالثة…” إلا أن التقليد اليهودى يذكر أن مدة إنقطاع المطر كانت ثلاث سنين وستة أشهر، وهذا أيده السيد المسيح (لو 4 : 25). وقال يعقوب هنا نفس الشىء. والحل بسيط جداً، أن المطر كان منقطعاً قبل كلام إيليا، وجاء إيليا وأوقف نزوله، وكانت الفترة الإجمالية ثلاث سنين وستة أشهر. وإيليا لم يصلى لينقطع المطر إنتقاماً لنفسه بل تأديباً للملك وللشعب بسبب وثنيتهم. القصد أن علينا أن نؤمن أن الصلاة قوة روحية جبارة وهبها الله للإنسان بها يستطيع أن يفعل المعجزات.

 

الآيات 19، 20 :- أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنْ ضَلَّ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ عَنِ الْحَقِّ فَرَدَّهُ أَحَدٌ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَنْ رَدَّ خَاطِئاً عَنْ ضَلاَلِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْساً مِنَ الْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا 

يختتم الرسول رسالته بأنه يدعوهم للإهتمام بالبحث عن الخروف الضال، والسبب أنهم بهذا يخلص نفساً من الموت = هى نفس الذى كان ضالاً ويستر كثرة من الخطايا = الضال الخاطىء الذى يعود بالتوبة :-

1.        سيمتنع عن الخطية بل عن كثرة من الخطايا إذ عرف المسيح.

2.        إذ تاب وعاد وإعترف بخطاياه تستر خطاياه السابقة إذ أن دم المسيح يكفر عنها. فكلمة كفارة تعنى COVER أى غطاء وستر

تفسير يعقوب 4 يعقوب 5 تفسير رسالة يعقوب تفسير العهد الجديد فهرس
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير يعقوب 5 تفاسير رسالة يعقوب  تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى