يو10: 14 أما أنا فإني الراعي الصالح، وأعرف خاصتي، وخاصتي تعرفني
“أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي،” (يو10: 14)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“أما أنا فإني الراعي الصالح،
وأعرف خاصتي،
وخاصتي تعرفني”. (14)
تلامس المرتل مع الرب الراعي الصالح في مزمور الراعي (مز ٢٣)، حيث يكشف عن مدى اهتمام الرب الفائق برعيته.
تكشف الرعاية الصالحة عن الحب المشترك والمعرفة المتبادلة بين الراعي ورعيته. فالراعي يعرف رعيته، لا معرفة مدرسية تعتمد على التنظيمات المجردة، بل معرفة الالتصاق بهم، والانتساب إليهم وانتسابهم له، فيصيروا خاصته التي تتأهل لمعرفته.
لقد عرف الله إبراهيم واسحق ويعقوب، فدعا نفسه “إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب”. وعرف بولس راعيه الأعظم فيحسبه ربه وإلهه هو! هكذا خلال هذه الرعاية الحقيقية يسمع كل حمل من بين القطيع صوت راعيه يؤكد له: “وأكون له إلهًا، وهو يكون لي ابنًا” (رؤ ٢١: ٧).
إنه يعرف خاصته، إذ يتطلع إليهم بعيني الحب والاهتمام الرعوي، يعرفهم فيبذل ذاته بكل سرور من أجلهم. وكما يقول القديس يوحنا: “هو أحبنا أولاً” (١ يو ٤: ١٩). وكما يقول الرسول بولس: “وأما الآن إذ عرفتم الله، بل بالأحرى عُرفتم من الله” (غلا ٤: ٩).
نظرات حب الراعي تسحب نظرات الرعية إليه، وكما يعرف الراعي خاصته بالحب العملي والاتحاد معهم يعرفونه هم ويجدون لذتهم في الاتحاد معه. هذا هو العهد الجديد، عهد النعمة القائم على الحب بين الله وخاصته. فتدرك الخاصة كلمات راعيهم: “أنا أعلم الذين اخترتهم” (يو ١٣: ١٨)، وفي يقين الإيمان بالراعي يرددون مع الرسول: “لأنني عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم” (٢ تي ١: ٢١).
v المسيح إذن هو الراعي الصالح. ماذا كان بطرس؟ ألم يكن راعيًا صالحًا؟ ألم يبذل حياته عن القطيع؟ ماذا كان بولس؟ ماذا كان بقية الرسل؟ ماذا عن الأساقفة الطوباويين والشهداء؟… ماذا عن كبريانوسنا القديس؟ ألم يكن هؤلاء جميعًا رعاةً صالحين؟… هؤلاء جميعًا كانوا رعاةً صالحين، ليس لمجرد سفك دمائهم، إنما سفكوه من أجل القطيع، ليس في كبرياء، بل سفكوه في محبة.
ماذا تقول يا رب، أيها الراعي الصالح؟ فإنك أنت هو الراعي الصالح، أنت هو الحمل الصالح. في نفس الوقت أنت الراعي والمرعى، الحمل والأسد في نفس الوقت. ماذا تقول؟ هب لنا أذنًا وأعنا لكي نفهم. إنه يقول: “أنا هو الراعي الصالح”. وماذا عن بطرس؟ هل هو ليس براعٍ أو هل هو شرير؟… إنه راع وراع صالح، لكنه كلا شيء بالحق بالنسبة لقوة راعى الرعاة وصلاحه، ومع هذا فإنه راعٍ وصالح، وكل الآخرين الذين مثله هم رعاة صالحون.
v المسيح هو بابي إليكم، بالمسيح أجد مدخلاً، لا إلى بيوتكم بل إلى قلوبكم. بالمسيح أدخل، إنه المسيح الذي فيّ، هو الذي تريدون أن تسمعوا له. ولماذا تريدون أن تسمعوا المسيح فيّ؟ لأنكم قطيع المسيح، أُشتريتم بدم المسيح. إنكم تعرفون ثمنكم، الذي لا يُدفع بواسطتي، وإنما يكرز به بواسطتي. إنه هو، وهو وحده المشتري، الذي سفك دمه الثمين – الدم الثمين لذاك الذي بلا خطية.
تفسير القمص متى المسكين
14:10- 15 أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي. كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ.
لأول وهلة قد يظن القارىء أن الرب يضح مقارنة متساوية بين معرفته لخاصته ومعرفة خامصته له، بالمقارنة مع معرفة الآب له ومعرفته للآب. ولكن بحسب الفكر السائد في إنجيل يوحنا نعرف أن الرب دائمأ يجعل العلاقة بين الآب وبينه مصدرا يستمد منه كل عمله وفكره في العالم، وعلى وجه الخصوص بالنسبة لعلاقته بخاصته: «أنا حي بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي» (يو57:6)؛ كذلك: «في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم في وأنا فيكم» (يو20:14)؛ كذلك: «إن حفظتم وصاياي، تثبتون في محبتي، كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته» (يو10:15)؛ كذلك: «ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب في، وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا.» (يو21:17)
معنى هذا أن المسيح كابن الله نزل من السماء ومعه ذخيرة من العلاقة الفعالة التي تجمعه وتربطه بأبيه, يريد أن يجعلها هي نفسها فعالة في علاقته بالذين أحبوه وامنوا به، حتى نصير نحن أيضأ مربوطين ومجموين فيه وفي الآب بآن واحد. فالقياس في العلاقات بينه وبين الآب ينطبق على علاقته بنا، مح حفظ الفارق الوحيد وهو أن العلاقة بين الآب والآبن، وبين الآبن والآب هي علاقة صفات جوهرية وشخصية (أقنومية) مطلقة، بمعنى أنها بلا حدود ولا فواصل ولا فوارق على وجه الإطلاق؛ أما العلاقة معنا فهي مطلقة من طرف واحد فقط، أي من جهة المسيح والآب, فهو يحبنا خباً بلا حدود ولا قيود، ولكن نحن نحبه حباً له حدود وقيود. وكذلك في المعرفة، فهو يعرفنا بمعرفة مطلقة، أي أنه لا يُخفى عليه شيء قط من أمورنا, أما نحن فنعرفه معرفة محدودة بحدود قدرتنا الهزيلة، ومقيدة بسبب ضعف إدراكنا للحق الإلهي. لذلك يقول: «أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني»، فذلك يتضمن الحقيقة السابقة أن معرفته لنا مطلقة ومعرفتنا له مقيدة. ولكن شكرا لله، فهذه المعرفة على وجه العموم قابلة للنمو والتكامل كل حين وإلى أبد الآبدين: «انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.» (2بط18:3)
كما أن هذه المعرفة تشمل في طياتها الحب والمشاعر الرقيقة للغاية، من جهته هي غنية بالعطاء، ومن جهتنا هي مفتوحة للأخذ كيفما شئنا وكيفما شاء الله, ألا يكفي أنه أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له؟؟
وهل توجد معرفة أغنى وأعمق من معرفة تعطي كل الذي لها حتى أعماق الله، وتمتص كل ما لنا من جهالات؟؟؟
وان الصورة المبدعة التي يصورها الروح للمسيح كراع يحمل على منكبيه (لو5:15) حملا صغيرا أجهده السير في الطريق الوعر، يحتضنه في احتمال وصبر واشفاق يفوق الوصف، لهي صورة عاطفية نبيلة تصور مقدار معرفة المسيح لكل شئون ضعفنا. ثم ألست أنت وأنا هو هذا الحمل الضعيف الذي لم يعد يقدر على السير فوق الصخور؟
ولأن المسيح يمدنا بالمعونة المستمدة من معرفته لله ومعرنة الله له على أساس الحب المطلق بينهما، استطاع بولس الرسول أن يقول بجراءة وتأكيد: «وأما الآن إذ عرفتم الله، بل بالحري عُرفتم من الله …» (غل9:4)
أما كون هذه المعرفة قائمة على أساس المحبة، فهذا يؤكده بولس الرسول أيضاً: «ولكن إن كان أحد يحب الله فهذا معروف عنده» (1كو3:8). ويزيد هذا التأكيد القديس يوحنا من قول المسيح نفسه: «وعرفتهم اسمك وسأعرفهم (أيضاً)، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم.» (يو26:17)
والآن، يا قارئي العزيز، إن كانت تنقصك معرفة المسيح بعد، فهذا لأنك لم تحبه كما ينبغي, ولم تسعد بحبه كما يرتضي. فلا كتاب ولا مدرسة ولا وعظ ولا أي شيء من أمور العلم والمعرفة، يمكن أن يزيدك معرفة بالمسيح ويزيد معرفة المسيح لك، بقدر أن تحبه وأن تكون محبوباً عنده.
3- الراعي الصالح يضع نفسه عن الخراف.
«وأنا أضع نفسي عن الخراف»: هنا وضع النفس للموت, هو غاية ونهاية للتجسد. وهذا أيضاً بالنسبة للمحب الحقيقي ممكن جداً, ولائق للغاية بالنسبة لحب المسيح الإلهي.
عاملان أساسيان كانا يعملان في «وضع» المسيح لنفسه، أي في موته من أجل خاصته الذين في العالم كله: الأول الحب, والثاني الطاعة. فالحب كان يملأ كل كيان المسيح «الإلهي البشري». كما أن الحب من نحو الآب أنتج طاعة مذعنة لمشيئة الآب من أجل خلاص العالم، جعل الموت الفدائي موضع سرور: «من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب.» (عب2:12)
أما الحب من نحونا فكان مملوءاً مشاعر عميقة وقوية, لا يمكن لأي عقل بشري أو قلم كاتب أذ يصفها، عبر عنها بولس الرسول هكذا: «ليحل المسيح بالإيماذ في قلوبكم، وأنتم متأصلون ومتأسسون فى المحبة, حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمئق والعلو، وتعرفوا محبة الله الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله.» (أف17:3-19)
أنظر أيها القارق وتمعن الكلام جيداً: إن المسيح إذ حل في القلب بالحب, انطلقت المعرفة بلا قيود, لتدرك محبة المسيح لنا إدراكاً يفوق كل قوى العقل الطبيعي، إلى أن يبلغ الإنسان إلى ملء الله أو الامتلاء بالله. فالمحبة والمعرفة هما مفتاحا سر الملء من الإلهيات، والمحبة هي الأساس. ويكفي أن نلمح للقارىء أن حالة الحب الإلهي الناضج، أي المسنود بالمعرفة، يُسمى عند المتصوفين بـ «الشهادة», أي أنها حالة رؤيا واستشهاد، فالشهادة مشاهدة تنتج بذلاً, أي موتاً إرادياً عذباً. أما عند المسيح، فالحب يساوي الفداء تماماً. فالفداء الذي صنعه، استوفى الحب الذي كان يملأ قلبه. وعلى القارىء أن يستجلي السر المدفون في هذه الآية: « أما يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب, إذ كان قد أحب خاصته الذبن في العالم, أحبهم إلى المنتهى…» (يو1:13)
هذا التصور الفريد من نوعه، أي تصور الحب الذي يؤدي إلى الموت طواعية، سبق أن رآه زكريا النبي بكل دقائقه، إذ رأى من وراء الزمن هذه المعركة الأخيرة والمريرة بين المسيح الراعي الصالح وهو يحاجج رعاة إسرائيل الغشاشين، كهنة وكتبة وفريسيين، إلى أن أعيت نفسه فيه، حتى تقيأهم، وأبادهم من خطة الخلاص التي أزمع أن يكملها لحساب الخراف المذلولة والمعوقة. ونظر من بعيد، فرأى رؤساء الكهنة وهم يزنون الثلاثين من الفضة ويسلمونها ليهوذا، كمندوب فوق العادة عن قتل المعلم: «فرعيت غنم الذبح، لكنهم أذل الغنم… وأبدت الرعاة الثلاثة في شهر واحد، وضاقت نفسي بهم وكرهتني أيضاً نفسهم… فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لى الرب: ألقها إلى الفخاري, الثمن الكريم الذي ثمنوني به» (زك7:11-13). وقد تم: « حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يُدعى يهوذا الإسخريوطي إلى رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم. فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه… حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا ماذا علينا، أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم . فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري.» (مت14:16-16؛ مت3:27-7)
وهكذا مات الراعي الصالح على يد الرعاة الخونة واللصوص؛ ولكن كان موته لحياة الخراف .
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (14 ،15): “أما أنا فإني الراعي الصالح واعرف خاصتي وخاصتي تعرفني. كما إن الآب يعرفني وأنا اعرف الآب وأنا أضع نفسي عن الخراف.”
المسيح نزل من السماء ومعه ذخيرة من العلاقة الفعالة التي تربطه وتجمعه بأبيه. يريد أن يجعلها هي نفسها فعالة في علاقته بالذين أحبوه وآمنوا به لنصير نحن مربوطين فيه وفي الآب. هنا المسيح يرفع مستوى المعرفة بينه وبين خرافه. والمعرفة وحدة. ومعنى كلامه كما أنا منتمياً لأبي في الألوهية فأنا سأنتمي لخرافي بجسدي البشري. كما أنني من خاصة الآب فيحبني هكذا هي العلاقة بيني وبين خاصتي. ولكن لنفهم أن العلاقة بينه وبين الآب هي علاقة جوهرية شخصية أقنومية بلا حدود ولا فواصل. ولكن العلاقة بيننا وبينه يحدها إننا محدودين فهو يحبنا بلا حدود لكننا نحبه على قدر إستطاعتنا كذلك في المعرفة فهو يعرف معرفة مطلقة. ومعرفتنا نحن محدودة بحدود قدرتنا الهزيلة، وحدتنا معه محدودة، هي جزئية وتنمو “إنمو في معرفة ربنا يسوع المسيح” (2بط18:3+ يو26:17). هو يعطي ونحن نأخذ فإن كان تعوزنا معرفة لله فهذا راجع لنقص محبتنا (أف17:3-19). الأصل هو علاقة المسيح بالآب وصورة لها علاقة المسيح بخاصته. ولنلاحظ أن محبة المسيح للآب ظاهرة في طاعته وبذله نفسه حتى الصليب= أنا أضع نفسي عن الخراف. أي هو يضع نفسه للموت عن خرافه. ومن أحبه كالشهداء وضعوا أنفسهم لأجله. والمسيح وضع نفسه لمحبته لخرافه ولطاعته للآب. والطاعة ناشئة عن المحبة. فلا معرفة حقيقية لله بدون محبة وبذل.