رو 1:8 إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع…

 

“1إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ.“(رو8: 1)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

“.. لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح ” (رو۱:۸).

لم يشر إلى هذا من قبل، إلى أن تذكر الحالة السابقة مرة أخرى. لأنه بعدما قال: ” إذا أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطية ” أضاف “لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع “. ولأنه كان ضد الكثيرين الذين يخطئون بعدما نالوا المعمودية، لذا نجده يتناول هذا الأمر، فلم يقل فقط ” الذين هم في المسيح يسوع “، بل ” السالكين ليس حسب الجسد “، لكى يبرهن على أن كل شيء يسبينا إلى ناموس الخطية بعد ذلك، هو نتيجة خمولنا. إذ علينا الآن أن نسلك ليس حسب الجسد ، وهذا ما كان يصعب تحقيقه قبل ذلك.

6 ـ ثم يثبت ذلك بطريقة مختلفة قائلاً:

” لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت ” (رو۲:۸).

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

سيطرت الخطيّة على الإنسان؛ سكنت فيه، وأخضعته لناموسها، فصار الإنسان جسديًا (7: 14)، يسلك بنفسه كما بجسده تحت مذلة شهوات الجسد وحُسب مبيعًا للخطية. فجاء السيد المسيح، لا لينتزع ناموس الخطيّة من أعماقنا فحسب، وإنما ليُقيم “ناموس روح الحياة” [2]، الذي يعطي للمؤمن إمكانية “السلوك ليس حسب الجسد، بل حسب الروح“. فيُحسب الإنسان في كُلّيته، بجسده ونفسه، إنسانًا روحانيًا أو روحيًا.

أزال السيد المسيح ناموس الخطيّة المستعبد للإنسان، ليُقيم فيه ناموس روح الحياة واهب الحرّية! أعطانا روحه القدوس ساكنًا فينا [11] يهب حياة للنفس والجسد معًا، حياة برّ عِوض موت الخطيّة، حياة البنوّة لله عِوض العبوديّة للخطية! حقًا أعطانا إمكانية الحياة وسط الآلام لكي ننعم بالروح على الميراث مع مسيحنا.

هذا هو موجز حديث الرسول بولس عن “المسيح وناموس الروح”، والآن، لنتبع كلماته الرسولية: 

أولاً: الانعتاق من الدينونة: “إذًا لا شيء من الدينونة، الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح” [1].

إن كان ناموس الخطيّة يحطم نفسيتنا ويرعبنا، فإن نعمة المسيح ترفعنا لندرك أننا بالمسيح يسوع مُبرّرون، إن سلكنا حسب الروح لا حسب الجسد. لأن برّ المسيح لا يعمل في المتهاونين، الذين يستسلمون مرة أخري للحياة الجسدانيّة. 

يقول الأب ثيوناس معلقًا علي هذه العبارة: [نعمة المسيح تحرّر جميع القدّيسين يومًا فيومًا من ناموس الخطيّة والموت، هذا الذي يخضعون له قسرًا، بالرغم من توسّلهم الدائم إلى أن يصفح الله عن تعدياتهم.]

يميز القدّيس يوحنا الذهبي الفم بين ثلاثة أنواع من النواميس: ناموس موسى، وهو روحي لكنه لا يهب الروح ولا يبرر؛ وناموس الخطية العامل في جسدنا وهو يدخل بنا إلى الموت الأبدي؛ وناموس المسيح أو ناموس الروح وهو يهب الروح ويقدم لنا الحياة الأبدية ببرّ المسيح، وبه لا نسلك فيتراخٍ حسب الجسد، بل في قوة الروح.

[كحقيقة واقعة، يسقط كثيرون في الخطيّة حتى بعد المعموديّة ممّا يسبّب صعوبة في الأمر، لذلك أسرع الرسول ليواجه هذا الأمر، لا بقوله “في المسيح يسوع” فحسب، وإنما يضيف “السالكين ليس حسب الجسد“، مظهرًا أن هؤلاء يتركون تراخينا. 

الآن لنا القوّة للسلوك “ليس حسب الجسد“، بعد أن كان هذا عملاً صعبًا. وها هو يقدّم برهانه على كلامه هذا، بقوله: “لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني” [2]. فكما دعا الخطيّة “ناموس الخطيّة”، ها هو يدعو الروح “ناموس الروح”.

لقد وصف ناموس موسى بأنه روحي (7: 14) فما هو الفرق بينهما؟ الفرق عظيم وبلا حدود، فإن ذاك روحي، أمّا هذا فناموس الروح. ما هو التمييز بينهما؟ الأول مجرّد أُعطي بواسطة الروح، أمّا هذا فيهب الذين يتقبّلونه الروح بغير حدود. لذلك دعاه “ناموس الحياة” مقابل ناموس الخطيّة لا ناموس موسى. فعندما يقول أنه أعتقني من ناموس الخطيّة والموت لا يقصد ناموس موسى…

نعمة الروح القدس توقف الحرب الخطيرة بذبح الخطيّة، فيصير المُقاوم لنا سهلاً بالنسبة لنا، وتُتوِّجنا منذ البداية عينها، وتسحبنا للصراع بعد أن تمدّنا بعونٍ عظيمِ.]

إذًا ناموس المسيح، الذي هو ناموس الروح، هو تمتّع بعطيّة الروح، الذي يحطّم فينا عنف الخطيّة ويسندنا في صراعنا ضدها، واهبًا إيّانا روح الغلبة والنصرة، فنكلّل!

لاحظ القدّيس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول هو يتحدّث عن السيد المسيح واهب ناموس الروح يوضح أنهذا العمل هو عطيّة الثالوث القدوس محب البشر، الآب أرسل ابنه مبذولاً لأجلنا، والابن قدّم نفسه فِدْية ليدين خطايانا في جسده، والروح القدس يسكن فينا ليعمل بناموسه فينا. هذا هو عمل الثالوث القدوس الذي أعلنه الرسول في العبارة: “لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه في ما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطيّة، ولأجل الخطيّة دان الخطيّة في الجسد” [3].

يلاحظ هذا في النص الآتي: 

أ. يرى القدّيس يوحنا ذهبي الفم أن الرسول لم يستخف بالناموس بقوله “لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه”، فإنه لم يقل أن الناموس شرّ، وإنما وهو متفق مع السيد المسيح يودّ صلاحنا، لكنه يعجز عن التحقيق. هذا العجز لا يقوم على عيبٍ فيه، وإنما على فسادنا نحن الذين صرنا جسدانيّين، إذ يقول: “كان ضعيفًا بالجسد”، هنا لا يقصد “الجسم الإنساني” إنما الحياة الجسدانيّة.

ويرى القدّيس جيروم أن سرّ العجز في الناموس هو عدم قدرتنا على تنفيذه، إذ يقول: [فقد عجز الناموس، لأنه لم يستطع أحد أن يتمّمه سوى الرب القائل: ما جئت لأنقض (الناموس) بل لأكمل (مت 5: 17) .] 

v كان الناموس يعمل ليجعل الناس أبرارًا، لكنه لم يستطع، فجاء (المسيح) وفتح طريق البرّ بالإيمان، وبهذا حقّق ما اشتهاه الناموس؛ ما لم يستطيع الناموس أن يحقّقه بالحرف حقّقه هو بالإيمان. لهذا السبب يقول: ما جئت لأنقض الناموس. 

القدّيس يوحنا الذهبي الفم

ب. لم يقل “دان الجسد”، وإنما قال: “دان الخطيّة“، فصار الجسم مقدسًا مع النفس، يحمل برّ المسيح وقوة الروح، قادرًا على الغلبة ضد الخطيّة. 

ج. يقول الرسول: “أرسل ابنه في شبه جسد الخطيّة”، وكما يقول القدّيس يوحناالذهبي الفم ليس لأنه لم يأخذ جسدًا مثلنا، وإنما لأنه أخذ جسدنا بدون الخطيّة.

v جاء في الجسد، أي في جسد شبه الخطيّة، لكن ليس في جسد خاطىء، إذ لم يخطئ قط، لذلك صار ذبيحة حقيقية عن الخطيّة إذ هو بلا خطيّة. 

v أرسل الله ابنه لا في جسد خاطيء بل في شبه جسد الخطيّة، وأرسل الابن هؤلاء الذين وُلدوا بجسد خاطيء لكنهم تقدسوا به من دنس الخطيّة.

القدّيس أغسطينوس

v لم يقل “في شبه الجسد”، إذ أخذ المسيح جسدًا حقيقيًا، وليس شبه جسد، ولا قال “في شبه الخطيّة”. لأنه لم يخطيء، إنما صار خطية لأجلنا. جاء فى شبه جسد الخطية… قيل “في شبه” لأنه مكتوب: هو إنسان من يعرفه؟” (إر 17: 9 الترجمة السبعينية). حسب الناسوت إنسان، في الجسد، حتى يمكن أن يُعرف، لكنه في القوّة هو فوق الإنسان لا يمكن أن يُدرك. أخذ جسدنا لكنه ليس له سقطات الجسد.

القدّيس أمبروسيوس

v جاء من هذا الجسد، لكنه ليس كسائر البشر، لأن العذراء لم تحبل به بالشهوة وإنما بالإيمان. 

جاء في العذراء هذا الذي هو قبل العذراء.

اختارها الذي أوجدها، خلقها ذاك الذي سبق فاختارها.

وهبها الإثمار ولم ينزع عنها طهارتها التي لم تمس.

القدّيس أغسطينوس

د. جاء في تعليقات القدّيس أثناسيوس الرسولي وغيره من الآباء تأكيد علّة قبوله “شبه جسد الخطيّة”، ألا وهو اتحاده بطبيعتنا لننعم بالاتحاد معه، ونتمتع بعمله فينا بكوننا أعضاء جسده.

v صار إنسانًا ليؤلهنا فيه. 

وُلد من امرأة، من عذراء، ليغير جيلنا الخاطي، فيصير جنسًا مقدسًا، شركاء في الطبيعة الإلهية، كما كتب الطوباوي بطرس (2 بط 1: 4). 

v بسبب حسن مُسح الرب الذي بطبيعته غير المتغيّرة هو محب للبرّ ومبغض للإثم، وأُرسل دون أن يتغير حاملاً الجسد المتغير ليدين فيه الخطيّة، ويؤكّد له الحرّية والقدرة، محققًا برّ الناموس فيه، بهذا يمكننا أن نقول: لسنا في الجسد بل في الروح، إن كان روح الله ساكنًا فينا (رو 8: 9). 

البابا أثناسيوس الرسولي

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (1): “إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.”

إذًا= الحالة الجديدة في المسيح بعد المعمودية. رأينا في ص7 صراع مرير بين الروح والجسد. ورأينا في (1:5) السلوك بالروح يهب سلامًا، وفي (8: 6) اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح حياة وسلام. وهنا نرى أن بولس الرسول يستعلن قوة الروح القدس العامل في الإنسان لفكه من رباطات الخطية وإعطائه النصرة فيختبر هذا السلام. لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ = ومما سبق وقلناه من أننا قد مُتنا للناموس (4:7)، إذًا تمت الدينونة، ونستنتج أنه لم يعد هناك أي نوع من الدينونة على الذين قد إتحدوا مع المسيح وهم ثابتين فيه= الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ = لماذا لا دينونة ولمن ؟ لمن هو ثابت في المسيح، *فهذا قد مات في المسيح ودفن فتم حكم الناموس فيه، *وقام بحياة أبدية في المسيح فلا سلطان للناموس أن يحكم عليه بالموت ثانية، فالحياة الأبدية لا تموت ثانية، *والآب لا يراه في خطيته بل يرى دم ابنه المسيح وقد غطى هذا الإنسان وهذه هي الشفاعة الكفارية للمسيح. لذلك يطلب الرب منا ويقول “اثبتوا فيَّ”.

السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ = هؤلاء هم الذين لا يسيروا وراء شهوات الجسد خاضعين للإنسان العتيق بلا تفكير في التوبة. فبر المسيح لا يعمل في المتهاونين الذين باستسلامهم مرة أخرى للشهوات الجسدية الخاطئة يوقظون الإنسان العتيق.

فبالرغم من أني أنا جسديٌ ومبيع تحت الخطية، أي أن ناموس الخطية مازال يعمل فيَّ، ومعنى هذا أنني معرض للسقوط، إلاّ أن ناموس الحرية أيضًا يعمل فيَّ ويعطي معونة وهو قوة مضادة لناموس الخطية. ومع جهاد المؤمن يضمحل ناموس الخطية فيزداد الفرح والسلام. وبهذا يشتاق المؤمن للفرح الكامل في السماء وهناك يختفي ناموس الخطية بالكامل، ويموت الإنسان العتيق بالكامل ونحصل على التبني الكامل، وهذا ما أسماه الرسول “متوقعين التبني فداء الأجساد” (رو23:8) وهذا لن يكون إلاّ في السماء. ولكن طالما نحن مازلنا في الجسد على الأرض فنحن معرضين للسقوط. ولكن السالك في النور يقوم من خطيته تائبًا بسرعة. فالمستعد للتوبة باستمرار هو سالك بالروح لأنه يستجيب للروح الذي يبكت على خطية (يو8:16) وهو يستجيب لإقناع الروح الذي يقود للتوبة “توبني فأتوب، لأنك أنت الرب إلهي” (إر18:31) .

بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ = أي الذين يلتزمون بوصايا الروح القدس ومطالبه، وحين يبكتهم على خطية يقدمون توبة سريعة. فالمسيح علمنا أن نصلي وإغفر لنا ذنونبا. إذًا لا بُد من وجود خطايا وذنوب حتى للقديسين. وحين يحركهم الروح للصلاة والتسبيح لا يتكاسلوا. وهذا السالك بالروح من سماته النمو في الروح، فتزداد وتنمو داخله قوة النعمة فيسهل عليه ترك الخطايا الجسيمة. ومع استمرار النمو يسهل عليه ترك الخطايا الأقل وهكذا. هو ربما يسقط في خطايا بسيطة لكنه سريعًا ما يتوب عنها. ويكون واضحًا إنقياده للروح القدس، محبًا للصلاة والكتاب المقدس والتسابيح. ولنعلم أن نعمة المسيح تحرر جميع القديسين يومًا فيوم لمن يخضع ويسلم حياته للروح القدس. ولكن علينا أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة، نضع دائمًا خطايانا أمامنا فنتواضع. نحن لا نخاف من أن الله يتركنا ولكن نخاف من ضعفي أنا إذ أن الإنسان العتيق يمكن أن ينفجر في أي لحظة مع إهمالي الجهاد، وإنسياقي وراء شهواتي.

يرجى مراجعة تفسير الآيات (أف1: 4 + كو1: 28). فمن هو ثابت في المسيح يعتبر كاملًا وبلا لوم ولا دينونة عليه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى