رو8: 20 إذ أخضعت الخليقة للبطل…

 

إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ ­ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا ­ عَلَى الرَّجَاءِ. “(رو8: 20)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

 ” لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله. إذ أخضعت الخليقة للبطل. ليس طوعا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء ” (رو19:8۔20).

إن معنى ما يقوله هو: أن هذه الخليقة تتألم جدا، لأنها تنتظر وتترجى خيرات الدهر الآتي، التي تكلمنا عنها الآن، لأن الانتظار يعني الرجاء الكبير، لكن لكي يصير الكلام أكثر قوة، فإنه يشخصن العالم كله، الأمر الذي صنعه الأنبياء، فيعرضون للأنهار وهي تصفق، والجبال وهي تتحرك وتبتهج، وهذا لا يعني أن هذه الأنهار والجبال لها نفس، أو يمكن أن ينسب لها فكر معين، بل لكي تعرف مقدار الخيرات الوفيرة جدا، إذ هي تصل حتى إلى هذه الأشياء التي لا تحس . إنهم يفعلون ذلك أيضا حين يتعرضون للأمور المحزنة، فيقدمون الكرمة تنوح، والجبال وأحجبة الهياكل وهي تصرخ، لكي نستطيع أن نفهم أيضا مقدار الشرور الكبيرة . إذا هذا ما يوضحه الرسول بولس هنا، فيشخصن الخليقة، ويقول كيف أنها تئن وتتمخض، لا لأنه ، ، سمع أنينا يخرج من الأرض ومن السماء، لكن لكي يشير إلى خيرات الدهر الآتي الوافرة جدا، ويعلن الرغبة في التخلص من الشرور التي كانت سائدة.

” إذ أخضعت الخليقة للبطل. ليس طوعا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء “. ماذا يعني ” أن الخليقة أخضعت للبطل “؟ يعني أنها صارت فاسدة. لأي سبب ولماذا صارت فاسدة؟ حدث هذا من أجلك أنت أيها الإنسان. لأنك أخذت جسدا فانيا وضعيفا، ولأن الأرض قبلت اللعنة وأنبتت شوكا وحسكا. لكن السماء والأرض عندما تشيخان ستتحولان في النهاية إلى مصير أفضل، اسمع النبي الذي يقول: ” من قدم أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى كرداء تُغيرهن فتتغير “٢٩٦. وإشعياء أيضا يعلن عن نفس الأمر قائلاً: “ارفعوا إلى السموات عيونكم وانظروا إلى الأرض من تحت فإن السموات كالدخان تضمحل والأرض كالثوب تبلى وسكانها كالبعوض يموتون “

أرأيت كيف أخضعت الخليقة للبطل، وكيف ستتحرر أيضا من الفساد؟  لأن داود يقول ” كلها كثوب تبلى كرداء تغيرهن فتتغير “، بينما يقول إشعياء “وسكانها كالبعوض سيموتون “. دون أن يتحدث عن الدمار الكلي أو الكامل، لأنه لن يصاب سكان الأرض، أي البشر بمثل هذا الدمار، لكنه يقصد الدمار الوقتي، ومع هذه الأرض سينتقلون إلى عدم الفساد ، تماما مثل الخليقة. كل هذا أشار إليه، بأن قال “كالبعوض”. 

هذا بالضبط ما يعلنه الرسول بولس هنا. لكنه أولاً يتحدث عن خضوع الخليقة، ثم يوضح لأي سبب حدث هذا ، فيقول: هل الخليقة أحتقرت وعانت البطلان، لأجل سبب آخر؟ لا على الاطلاق، لأن ما حدث هو بالحقيقة من أجلي أنا. هي التي عانت أو جازت البطلان من أجلي، كيف ستُظلم، إن كانت تلك الأمور التي عانتها، هي من أجل إصلاحي؟ فضلاً عن ذلك فإن الحديث عن الظلم والعدل، لا يجب أن نمتد به إلى الأشياء الجامدة وغير الحسية. لكن لأن بولس شخصن الخليقة، لم يقل أي شيء مما ذكرته، لكنه تحول إلى الحديث عن أشياء أخرى، فقد بادر إلى تقديم تعزية كبيرة جدا للمستمع، فماذا يقول؟ هل يقول إن الخليقة نالها الشر لأجلك، وصارت فاسدة؟ لكن الظلم لم ينلها مطلقا، لأنها ستصير فاسدة أيضا، لأجلك. لأن هذا هو معنى” .. على الرجاء “. لكن عندما يقول ” إذ أُخضعت .. ليس طوعا”، لم يقل هذا لكي يظهر، كيف أن لها فكر، بل لكي تعرف أن كل الأشياء مرتبطة برعاية المسيح، وأن هذا الإنجاز (العتق من الفساد)، غير مرتبط بالخليقة. حسنا أخبرني إذا، على أى رجاء أخضعت الخليقة؟

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

في أوضاع استثنائية سمح الله للطبيعة العنيفة أن تخضع للمؤمن، كملاطفة الحيوانات المفترسة الجائعة للشهداء في الساحات الرومانية، وعدم فاعلية السم علي بعضهم، وسكنى بعض المتوحدين والسواح مع الحيوانات البرية، وإعالة البعض في الصحراء بواسطة غربان الخ. هذا كله لم يكن قاعدة عامة إنما تحققت بفيض خاصة في عصور الضيق الشديد لمساندة الإيمان بطريقة ملموسة، ولتأكيد العطايا الإلهية الداخلية غير المنظورة والأمجاد السماوية المترقبة.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:

[يجعل (الرسول بولس) من العالم كله أشبه بشخصٍ، كما سبق ففعل الأنبياء عندما قدموا الأنهار تصفق بالأيادي (مز 98: 8)، والتلال تقفز، والجبال تتحرك، لا لنتخيل هذه الكائنات الجامدة أشخاصًا حية، فننسب لها قوة العقل، وإنما لكي ندرك عظمة البركات وكأنها قد أثارت الخليقة غير الحسية أيضًا. يستخدمون ذات الأسلوب أيضا في الظروف المؤلمة حيث يصورون الكرمة تنتحب والخمر يبكي والجبال وعوارض الهيكل تصرخ، لندرك مدي بشاعة الشر. هكذا امتثل الرسول بالأنبياء فجعل من الخليقة هنا أشبه بكائن حي يئن ويتمخض، لتظهر عظمة الأمور المقبلة…

ما معنى أن الخليقة أخضعت للباطل [20]؟ لماذا صارت فاسدة؟ وما هو السبب؟ بسببك أنت أيها الإنسان، فإنك إذ حملت جسدًا ميتًا قابلا للآلام تقبلت الأرض لعنة وأنبتت شوكا وحسكًا.

حتى السماء إذ تبلى مع الأرض ستتحول إلي حالة أفضل، اسمع ما ينطق به النبي: من قدم أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك؛ هي تبيد وأنت تبقى، وكلها كثوب تبلى، كرداء تغيرهن فتتغير” (مز 102: 25ـ26). ويعلن إشعياء ذات الأمر، بقوله: ارفعوا إلى السماوات عيونكم وانظروا إلى الأرض من تحت، فإن السماوات كالدخان يضمحل، والأرض كالثوب تبلى، وسكانها يموتون (مثلها)” (إش 51: 6).

ها أنت ترى بأي معنى سقطت الخليقة في عبودية الباطل، وكيف تتحرر من حالة الفساد؟…

لقد حاصرها الشر لأجلك وصار مفسدًا، مع أن (الخليقة) لم ترتكب خطأ من جانبها، ولأجلك أيضًا سيحدث عدم الفساد. هذا هو معنى “علي الرجاء” [20].

عندما يقول أنها أخضعت “ليس طوعًا” لا ليظهر أن ما قد حدث لها وإنما لكي نتعلم عناية المسيح للكل، فإن إصلاح الخليقة لا يكون من ذاتها.] 

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (20): “إذ أخضعت الخليقة للبطل ليس طوعًا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء.”

لقد استعبدت الخليقة للبطل VANITY أي صارت بلا قيمة صارت كسراب. فمهما كنز الإنسان، فهو إمّا يضيع أو يتركه الإنسان ويموت. وعكس هذه الكلمة نجد كلمة حقيقي، فالمسيح هو خبز حقيقي ونور حقيقي فهو أبدي ويعطي حياة أبدية. ولكن كان استعباد الخليقة هذا على رجاء، هو أن هذا الوضع سينتهي. وكان ما حدث مع الشعب حينما ذهبوا لسبي بابل رمزًا لما حدث مع الخليقة فالله وعد الشعب بأن يذهبوا للسبي تحت العبودية لملك بابل نبوخذ نصر، ويكون ذلك لمدة محدودة هي 70 سنة، وبعدها يتحرروا بيد كورش ملك فارس. والخليقة والبشر استعبدوا في يد إبليس (نبوخذ نصر كرمز) لكن لمدة محددة حتى يأتي المسيح (كورش كرمز) الذي يحررها من يده. ولكن ستظل الخليقة في صورتها الحالية حتى استعلان مجد أولاد الله وهذا لن يحدث إلاّ في المجيء الثاني. وكما أصدر الله أمرًا بأن يستعبد الشعب لملك بابل ولكن على رجاء العودة، أصدر الله أمرًا بإخضاع الخليقة للباطل (إبليس) مع رجاء في فك سبي الإنسان وتجديد الخليقة (إر8:25-12) وهذا الأمر وذاك كانا بسبب الخطية ومن يعود للخطية يستعبد ثانية.

ونلاحظ أن سليمان النبي أكد على هذه الحقيقة أن العالم هو باطل الأباطيل. فبسبب الخطية فقدت الخليقة صورة الحق والجمال لكن على رجاء، فإذا كانت الخليقة الجامدة لها رجاء أن تتجدد صورتها، فهل يتركني أنا الإنسان المخلوق على صورته.

وراجع (2بط10:3 + مز25:102، 26 + إش6:51 + رؤ1:21)، ومن كل هذا نفهم أن الأرض ستزول وتنحل العناصر محترقة، ولكن هذا يفهم بأنه كما يموت الإنسان قبل أن يكتسب صورة الجسد الممجد، هكذا ستنتهي صورة العالم الحالي الملعونة، تمهيدًا لكي يستعيد بَهاءَهُ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى