يو10: 16 ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة…

 

“وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ.” (يو10: 16)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“ولي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة،

ينبغي أن آتي بتلك أيضًا،

فتسمع صوتي،

وتكون رعيةً واحدةً، وراعٍ واحدٍ”. (16)

يقدم لنا الراعي الصالح في هذا السفر تأكيده عن المعرفة الفريدة المتبادلة بين الآب والابن، علامة وحدة الفكر والإرادة ووحدة العمل معًا (مع وحدة الجوهر الإلهي)، كمثال للمعرفة بينه وبيننا كخاصته المحبوبة لديه التي تجد أبديتها في قبول مشيئته وقوته والعمل به ومعه! يتحدث بعد ذلك عن الخراف الآخر التي من الأمم، بكونها خرافه التي يأتي بها إليه لتكون مع خراف بيت إسرائيل رعية واحدة لراعٍ واحد.

بقوله: ينبغي أن “آتِ بتلك” يؤكد السيد المسيح دوره الإيجابي في اقتناء الأمم شعبًا له، فهو الذي يقدم دمه ثمنًا لخلاصهم، وهو الذي يعمل بروحه فيهم ليجتذبهم، لكن ليس بغير إرادتهم. إنه يفتح قلوب مؤمنيه لمحبة كل البشرية المدعوة للتمتع برعاية السيد المسيح مخلص العالم. وفي نفس الوقت يحطم تشامخ اليهود الذين ظنوا أن المسيا قادم إليهم وحدهم، وإنهم قطيع الله الفريد، متطلعين إلى الأمم ككلابٍ بين القطيع.

بقوله “ينبغي” يؤكد السيد التزام الحب؛ حبه الإلهي يلزمه بتقديم ذاته ذبيحة لفداء قطيعه بسرورٍ.

إنه يأتي بالكل من جميع الأمم ليردهم إلى المرعى الحقيقي، الكنيسة المقدسة؛ يفتح لهم أبوابها السماوية ليدخلوا بعد تيه في البرية لزمانٍ هذا مقداره. إنه ينسبهم له، فهم قطيعه الذي خلقه ويهتم بخلاصه، ويقدم دمه الثمين ثمنا لخلاصهم، يردهم في كرامةٍ ومجدٍ.

هذا القطيع أيًا كان مصدره، إذ هو قادم من أمم كثيرة، يسمع صوت الراعي الواحد فيؤمن به، إذ الإيمان بالاستماع، فينجذبون إليه ويتحدون معه كأعضاءٍ لجسدٍ واحدٍ لرأس واحد. وكما يقول الرسول: “جسد واحد، وروح واحد، كما دُعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد، رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم” (أف ٤: ٤-٦). هكذا ترتبط وحدة القطيع أو الوحدة الكنسية بوحدة الراعي.

v كأنه يقول: ما بالكم تتعجبون إن كان هؤلاء القوم سيتبعونني، وإن كان غنمي يسمع صوتي، لأنكم إذا رأيتم أغنام أخرى تتبعني وتسمع صوتي فستذهلون حينئذ ذهولاً عظيمًا.

v “ينبغي أن آتي بتلك”، كلمة “ينبغي” هنا لا تعني “ضرورة”، بل هي إعلان عما سيحدث حقًا كأنه يقول: لماذا تتعجبون إن كان هؤلاء يتبعونني وإن كانت خرافي تسمع صوتي؟ فإنكم سترون آخرين أيضًا سيتبعونني ويسمعون صوتي، فتكون “دهشتهم أعظم”. لا ترتبكون عندما تسمعونه يقول: “ليست من هذه الحظيرة“، فإن الاختلاف يخص الناموس وحد، كما يقول بولس: “لا الختان ينفع شيئًا، ولا الغرلة” (غلا ٥: ٦).

ينبغي أن آت بتلك أيضًا” (١٦). لقد أظهر أن هؤلاء وأولِئك قد تشتتوا وامتزجوا، وكانوا بلا رعاة، لأنه لم يكن بعد قد جاء الراعي الصالح. عندئذ أعلن عن وحدتهم المقبلة إذ يصيروا رعية واحدة. وهو نفس الأمر الذي أعلنه بولس بقوله: “لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا” (أف ٢: ١٥).

القديس يوحنا الذهبي الفم

v “أخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى؟ أين تربض عند الظهيرة؟ لماذا أكون كمقنَّعة عند قطعان أصحابك” (نش 7:1).

“أين ترعى أيها الراعي الصالح، يا من تحمل القطيع كله على كتفيك؟ لأنك إنما حملت خروفًا واحدًا على كتفيك ألا وهو طبيعتنا البشرية.

أرني المراعى الخضراء.

عرفني مياه الراحة (مز 2:22).

قدني إلى العشب المشبع.

ادعني باسمي (يو 16:10) حتى اسمع صوتك، أنا خروفك، أعطني حياة أبدية.

القديس غريغوريوس النيسي

v ضرب الفريسيين المعاندين بطرق متنوعة. هنا سمح لهم أن يلاحظوا أنهم على وشك نزعهم عن رعاية شعبه، الذي يدبر أمورهم بنفسه الآن. إنه يعني إن الخلط بين قطعان الأمم مع أولئك الذين لهم إرادة صالحة من شعب إسرائيل، فلا يعود يحكم اليهود وحدهم، بل ينتشر مجد نوره على الأرض كلها. إنه يرغب ألا يُعرف في إسرائيل وحدها منذ البداية، بل يقدم لكل الذين تحت السماء معرفة الله الحقيقي.

القديس كيرلس السكندري

v توجد سفينتان (لو ٥: ٢) منهما دعا تلاميذه. إنهما تشيران إلى هذين الشعبين (من اليهود ومن الأمم)، عندما ألقوا شباكهم وأخرجوا صيدًا عظيمًا وعددًا كبيرًا من السمك، حتى كادت شباكهم تتخرق. قيل “امتلأت السفينتان” تشير السفينتان إلى الكنيسة ولكنها تتكون من شعبين، ارتبطا معًا في المسيح، وإن كانا قد جاءا من أماكن متباينة.

عن هذه أيضًا الزوجتان اللتان لهما زوج واحد يعقوب، وهما ليئة وراحيل، كانتا رمزًا (تك ٢٩: ٢٣، ٢٨). وعن هذين الشعبين كان الأعميان رمزًا، جلسا على الطريق ووهبهما الرب النظر (مت ٢٠: ٣٠). وإن دققت في الكتاب المقدس تجد الكنيستين اللتين هما كنيسة واحدة وليس اثنتين قد رمز لهما في مواضع كثيرة.

القديس أغسطينوس

v أخيرًا، الذبائح نفسها التي للرب تعلن أن الاجتماع المسيحي يرتبط بذاته بحب ثابت لا ينفصل. لأن الرب عندما دعا الخبز الذي يتكون من وحدة حبوب كثيرة جسده، يشير إلى شعبنا الذي يحمل اتحادًا. وعندما يدعو الخمر المعصور من عناقيد العنب والحبوب الصغيرة جدًا التي تجتمع معًا في دمه الواحد، هكذا أيضًا يعني قطيعنا الممتزج معًا بجماهير متحدة.

الشهيد كبريانوس

فاصل

تفسير القمص متى المسكين

 

16:10 وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ.

‏يلاحظ القارىء الصلة الجوهرية بين «أنا أضع نفسي عن الخراف» وبين «لي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة يبغي (مستقبلاً) أن آتي بتلك أيضاً». فموت المسيح هو الذي سيوسع من دائرة الرعية: «وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىّ الجميع» (يو32:12). فالمسيح لا تقصر رعايته الصالحة على حظيرة إسرائيل، سواء في فلسطين أو خارجها. وهذا هو نص نبوة رئيس الكهنة، التي قالها دون أن يدري مضمونها: «ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت من الأمة؛ وليس عن الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد.» (يو51:11-52)
‏ولقد مهد القديس يوحنا لهذه الحقيقة في مطلع إنجيله: «كان النور الحقيقي، الذي ينير كل إنسان، آتياً إلى العالم» (يو9:1). وقد ألمح المسيح إلى ذلك في قصة قائد المائة في إنجيل متى: «وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية.» (مت11:8-12)
‏ويلاحظ أنه بالسنبة للخراف الأُخر، لا يذكر الرب كلمة «حظيرة» أو «حظائر»، فهي خراف متفرقة في جميع أنحاء ممالك الأرض, لا توحدهم عبادة سابقة, ولا يجمعهم ناموس ولا أرض.
‏«ينبغي أن أتي بتلك أيضًاً»: هنا يبدأ العمل بالنسبة للخراف الأُخر بأن «يأتي» بها وليس «يجمعها»، فالرب يأتي بها إلى الآب أولاً بعمل دمه المسفوك عنها، وحينما يجمعها ويوحدها بالروح مع الآب, يجمعها ويوحدها معاً. فالوحدة المسيحية أو الوحدة الإيمانية أو الكنسية، يستحيل أن تتم في دائرة المجهود الإنساني، بل يتحتم وبالضرورة أن يتحد كل واحد وكل جماعة أو كنيسة بالله أولاً, بعمل الروح, وبعد ذلك يمكن وينبغي أن يتحد الكل معا, حتى تصبح رعية واحدة لراع واحد. والراعي الواحد يبقى دائماً والى الأبد هو الرب يسوع دون سواه, لأنه هو المصالح وليس آخر, وهو الوحيد الذي يجمع لأنه يجمع في شخصه, وليس في المبادىء أو القوانين، ثم هو الوحيد الذي يوحد بعمل روحه القدوس الذي يرفع الفوارق من كل نوع, سواء كانت فوارق لون أو جنس أو فكر أو ثقافة أو تقليد. ويكون معيار الواحد هو معيار الكل: «أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فّي» (غل20:2)
‏«فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد»: المسيح هنا لا يزال يتعلق بالمثل، أي الخراف وصوت الراعي. فهي لا تتبع إلا إذا ميزت صوت الراعي وتعرفت عليه. أما بالنسبة للرب وأخصائه، فسماع صوته خبرة روحية ذات قيمة ومدلولات غنية يصعب على الفكر والقلم أن يجمعها في سطور.
‏فالإنسان خُلق وله حاسة تمييز صوت الله، وهذا نسميه «السماع», فالله كان يتكلم مع آدم وحواء، وكانا يسمعان صوت الله. وقبل الخطية كان السمع يلازمه الطاعة، ولما أخطأ لم يفقدا تمييز صوت الله: «فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت. فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان, فاختبأت» (تك9:3-10). وهكذا تحول السمح من «سمع وطاعة» إلى «سمع وخوف», وهكذا ظل الإنسان الخاطىء يلازمه الخوف عند سماع صوت الله, إلى أن تعلم كيف يتوب ويعود إلى الله. فصار صوت الله للتائب للبهجة والخلاص عوض الخشية والخوف وتعتبر خبرة التائب إلى الله من جهة سماع صوت الله وتمييزه، الركيزة الاولى والعظمى في كل خبرات الإنسان على مدى حياته كلها, والتي على أساسها يبدأ يتعلم الفهم والحكمة, ويتدرب على قبول صوت المشورة الإلهية، وينمو في تمييز صوت الله من درجة إلى درجة. فدرجة سماع صوت الله تتغير في شدتها ورقتها ولطفها وحنانها وحبها وقربها من مستوى العبد الخاضع، إلى الابن، إلى الخادم الأمين، إلى النبي، إلى الملك، إلى الكاهن, إلى العروس، وكل درجة لها مسئوليتها. وهي تتعدد بتعدد الأشخاص، ولكن قد يحوزها إنسان واحد على مدى خبرات حياته.
‏ولكن أعجب درجات صوت الله، عموماً هي درجة صوت المسيح التي تخترق كل الحواجز والمستخيلات. فالميت يسمعها ويستجيب لها ويقوم، سواء من موت الجسد كأليعازر، أو موت الخطية مثلي ومثلك، أو في اليوم الأخير حيث يكون موت المسيح هو للقيامة العتيدة التي يتحرك لها كل مخلوق، الأموات والأحياء جميعاً بلا استثناء لقيامة الدينونة. ويعوزني الوقت والأذن التي تسمع لنتكلم عن صوت المسيح مع النفس التي دخلت معه بالتوبة في عهد حب أبدي, كيف يملأها فرحاً ونعيماً وسروراً, يفيض عليها من دسم السماء ويشرق عليها بالمراحم كل صباح، يزينها بكل زينة الروح ويقودها في مراع خضر، كما في المزمور (مز70).
‏لقد جمع المسيح له رعية من كل لسان وشعب وأمة, لأنه ذُبح واشتراها جميعاً, ألوف ألوف وربوات ربوات مغتسلين بالدم، يقدمون له الخدمة ويستقون من نبع الحكمة. صوتهم بالفرح لا ينقطع عن التسبيح، يدوم على وجه كل الأرض بدوام مجرى الشمس! … وهكذا صارت بالحق رعية واحدة لراع واحد، تسمع صوته, وتُسمعه صوتها، شهادة أبدية لصالح راعيها… أما إسرائيل فثقلت أذنه عن السمع، وتم فيهم القول: « إنه حسناً كلم الروح القدس أباءنا بإشعياء النبي قائلاً: اذهب إلى هذا الشعب وقل ستسمعون سمعاً ولا تفهمون, وستنظرون نظراً ولا تبصرون. لأن قلب هذا الشعب قد غلظ, وبآذانهم سمعوا ثقيلاً, وأعينهم أغمضوها, لئلا يبصروا بأعينهم ويسمعوا ‏بآذانهم ويفهموا بقلوبهم، و يرجعوا فأشفيهم. فليكن معلوما عندكم ان خلاص الله لا أُرسل إلى الأمم وهم سيسمعون» (أع25:28-28)
«رعية واحدة وراع واحد»: قول الرب هنا مطابق حرفياً لنبوة حزقيال النبي: «وأقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها، عبدي داود هو يرعاها, وهو يكون لها راعياً» (حز23:34). وهكذا، فإن ما كان منذ الأزل وما صوره حزقيال بالرؤيا من وراء الزمن، تحقق في عمق التاريخ في شخص يسوع المسيح، الراعي الواحد.
‏ويلاحظ أن الرب لم يذكر أنها تصير حظيرة واحدة، وكأنها أمة أو شعب محدد بحدود وقيود، وهذا يحتسب في المفهوم الكنسي غاية في الأهمية. فلا عودة إلى حظيرة إسرائيل، ولا شركة في نظام تلك الحظيرة كأنه, إنضمام أو تهود، ولكن هو اكتساب للأصل فقط، وليس الفروع, بمعنى اكتساب لكل مواعيد الله للآباء والأنبياء التي تحققت في شخص المسيح. فمن خلال المسيح وحده نستقي من نبع العهد القديم، فهو الأصل الذي تصور عليه العهد القديم كله بكل أمجاده: « أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس, أنا أصل وذرية داود, كوكب الصبح المنير.» (رؤ16:22)
‏وعلى هذا الأصل بُنيت الكنائس, ولم يقل هنا «كنيسة» بل «كنائس»، كنائس شعوب وكنائس دهور وأحقاب, ولا سيادة لكنيسة على كنيسة!! عن هذا الأصل الواحد الغني بالله والدسم بالنعمة يقول بولس الرسول: «وان كانت الباكورة مقدسة فكذلك العجين. وان كان الأصل مقدساً (المسيح) فكذلك الأغصان. فإن كان قد قُطع بعض الأغصان وأنت زيتونة برية طُعمت فيها فصرت شريكا في أصل الزيتونة ودسمها… من أجل عدم الإيمان قُطعت وأنت بالإيمان ثبت. لا تستكبر بل خف.» (رو16:11-20)
‏فالمسيح هو الأصل «أصل داود», أي أصل الوظيفة التي تعين عليها داود كملك ورئيس وراع ونبي للشعب. وكلمة «أصل» تجيء باليونانية جذر( )، فإن كان جذر داود هو المسيح، فالمعنى أن داود كان يستمد من المسيح كل كيانه.
‏كذلك فالمسيح هو أمل ذرية د‏اود، حيث «ذرية»» تجيء باليونانية ( ) وتفيد معنى الجنس أو غصن ينبت من الأصل shoot. فالمسيح هو الأصل الذي قام عليه د‏اود هو وذريته، أي امتداده. هذا هو «الشداى» (القدير)، «الأدوناى» (الرب)، «يهوه» ( الله )، رب إبراهيم ، وراعي إسرائيل وداود، المسيا، ملك الدهور إلى الأبد.
‏وهنا لو نظرنا إلى المسيح كراع واحد أي وحيد، فباعتباره أصل داود فهو وحده الذي يملك مراعي العهد القديم؛ وباعتباره هو ذرية داود، فعليه تقوم الرعاية إلى الأبد. والآن إذ طُعمت الكنائس على هذا الأصل، صارت تمتلك في المسيح وحده كل مراعي العهد القديم وامتدادها فيه إلى الأبد.
‏على هذا الأساس قامت العلاقات بين الأمم واليهوده لا على أساس ناموس وتعاليم ووصايا بعد ذاتها، بل على أساس المسيح نفسه, كفكر وخلاص وفداء وحياة, فكل ناموس في القديم يعترف بالمسيح رباً وإلها فهو عهد جديد، وكل تعاليم أو وصايا في العهد القديم تشهد للمسيح أنه رب وإله، فهي تعاليم ووصايا العهد الجديد.
‏وباختصار، نلقي شعاعاً من نور يوضح هذا القانون الإلهي: فإن إسرائيل في القديم كانت حياتها، وكان كيانها كله وبقاؤها متعلقأ بعلاقتها بالله, يهوه، والآن قد اُستعلن يهوه فى المسيح. فكل من لم يؤمن ويعترف بالمسيح من شعب إسرائيل, يكون قد فقد علاقته بالتالي مع الله يهوه. وكل من آمن بالمسيح من الأمم بأنه هو«يهوه» المسيا الله الآتي بالجسد والمستعلن للعالم, «الله ظهر في الجسد» (اتى16:3), يكون قد اكتسب بالتالي كل ميراث العهد القديم في شخص يسوع المسيح.
‏فالمسيحية ليست امتدادا لليهودية، ولكن المسيحية هي استعلان الله في شخص يسوع المسيح, لتكميل مقاصد الله وخطته الآزلية من أجل خلاص العالم الذي كانت إسرائيل مرحلة بدائية من مراحله الاولى, والتي انتهت برفضها المسيح.
«رعية واحدة»: كان هناك نزاع قديم بدأ منذ القرون الوسطى في الكنيسة الغربية, وقد تعدل فيما بعد, من جهة تغيير قراءة «رعية» إلى حظيرة‏، بقصد جعل بابا روما هو «الراعي الواحد» وكنيسة روما هي «الحظيرة» الواحدة للراعي الواحد، وللأسف فهذا بعينه هو الرجوع إلى الفكر اليهودي العنصري، حيث إسرائيل هي الحظيرة الأوحد ولا حظائر غيرها قط، فالأمم كلاب لا غنم !!
‏ولكنها جاءت في اللغة اليونانية وفي النسخ السريانية والمصرية هكذا: «رعية واحدة وراع واحد».
‏ولكن الفولجاتا اللاتينية حصل فيها تعديل لتناسب الفكر البابوي الروماني، وذلك في بداية سنة 1582وجعلوها قراءة مقدسة غير قابلة للتغيير: «حظيرة واحدة لراع واحد». وللأسف أخذت منها بعض الطبعات الأخرى. وكانت هذه القراءة المغلوط سبباً في التأثير على فكر الكنيسة الرومانية إلى يومنا هذا.
‏والسؤال الذي بلا جواب هو: إذ كانت الخراف الأخر التي سيجمعها المسيح من كل الشعوب والأمم لم تنشأ من أصل الحظيرة اليهودية في قليل أو كثير: «خراف أخر ليست من هذه ‏الحظيرة»، ولم يرتب لها الرب أن تنضم إلى الحظيرة اليهودية لتأخذ مبدأها من هناك، فقد قال: «ينبغي أن أتي بها»، ولم يقل أنه يجمعها إلى الحظيرة، بل جعلها رعية لا يجمعها إلا شخصه المبارك في حظيرته السمائية، فكيف يمكن أو يتصور أحد أن يقوم في الرعية (من الخراف الأخر) من يدعى هذا الحق، حق أن تتبعه الخراف الأخرى أو تأخذ مبدأها ومنشأها منه؟ ثم فوق هذا وذاك هل «الراعي الواحد» الذي جمع الخراف استقال وسلم وظيفته لآخر؟ أم أنه يقيم رعاة كيفما يشاء ولا يميزهم عنده إلا حساب الوكالة؟ ثم كلمة راع «واحد» هل كلمة «الواحد» هنا عددية أم أنها قرينة الابن «الوحيد» بل ونابعة من الله «الواحد»؟! فالراعي الواحد هنا ليس إنساناً هو كأحد الخراف، بل هو بكل المعايير إله‏! «وأنتم يا غنمي غنم مرعاي اناس أنتم, أنا إلهكم يقول السيد الرب.» (حز31:34)
‏وكأنه بالمثل الذي قاله ‏المسيح، يريد الوحي الإلهي أن يصور لنا المسيح بصورة شاملة وعجيبة، فهو الباب، وهو البواب، وهو الحظيرة الجديدة, إسرائيل الجديد, التي بلا حدود، وهو الراعي، والخراف هي من لحمه ومن عظامه!!! فالوحدة الشخصية معه القائمة على الخلاص الفردي وهبها المسيح لكل من يؤمن به ويأكله. وهذه الصورة الفردية الوحدوية لعلاقة الراعي الصالح بالرعية، أنهت عل عهد احتكار الرعاة للغنم إلى الأبد.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (16): “ولي خراف آخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن أتى بتلك أيضاً فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد.”

المسيح بموته جذب إليه الجميع (يو32:12). وإتسعت دائرة الرعية. فلم تعد مقصورة على اليهود بل صارت الحظيرة تضم العالم كله (يو51:11،52). لاحظ أنه لم يقل من “حظائر أخرى” فالأمم كانوا مشتتين وسط الأوثان وبلا حظائر فلا حظيرة سوى حظيرة واحدة لله.

رعية واحدة= كل فرد من الرعية يتحد بالمسيح وبعد ذلك يتحد الكل معاً. والراعي الواحد= هو الرب يسوع.

تسمع صوتي= سماع صوت االرب هو خبرة روحية وهو الإيمان والقبول والإنجذاب للمخلص. هو حب للمخلص كخاصة له. الخراف تصير خاصة له. وكان آدم يسمع صوت الله ويطيعه قبل السقوط. ثم بعد السقوط كلمه الله لكنه كان يسمع ويخاف ويختبئ والآن فالتائب يصير له صوت الله للفرح عِوَضْ الخشية. ولكن لكل إنسان حاسة يسمع بها صوت الله ولكن يتوقف سماع صوت الله على حالة كل إنسان وخضوعه لله، ويتغير صوت الله في شدته وحنانه وقربه حسب حالة الإنسان. والخاطئ يسمع صوت الله فإن قرر أن يستجيب يحيا. والموتي في اليوم الأخير سيسمعون صوت الله فيقومون. وخراف المسيح تميز صوته عن صوت العالم والخطية. فصوت الراعي يتميز بأنه هادئ ومفرح للنفس. وكان الرعاة في فلسطين يجمعون قطعانهم المختلفة داخل حظيرة عامة عند الغروب حتى تسهل حراستها. وفي الصباح يأتي كل منهم وينادي على قطيعه بأصوات معينة فتخرج أغنامه وحدها على صوته. وهكذا في المساء أيضاً فبعد أن تكون الأغنام قد إختلطت في المرعى بغيرها يقف الراعي في ناحية وينادي عليها بصوته فيتجمع قطيع كل راعٍ عند راعيه فيقودها للحظيرة.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى