رو 1:1 بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولاً المفرز لإنجيل الله


بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ،“(رو1: 1)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله، الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة ” (١:١-٢).

1. بينما كتب موسى النبي خمس أسفار، إلا أننا لا نجد ما يشير إلى أنه هو كاتب أي من هذه الأسفار الخمسة، وهذا أيضا ما فعله الكتاب الذين أتوا بعده وكتبوا الأسفار اللاحقة. أيضا لا متى ولا مرقس ولا لوقا أو يوحنا أشاروا إلى أسماءهم على أنهم هم الذين كتبوا هذه الأناجيل، لكننا نجد المطوب بولس يضع اسمه في مقدمة رسائله، إذا ما هو السبب؟ السبب أن هؤلاء كتبوا إلى أناس عاشوا بينهم، واعتبروا أن كتابة أسمائهم يعد أمرا زائدا لا مبرر له. لكن الرسول بولس قد أرسل كتاباته من أماكن بعيدة ومتفرقة علي شكل رسائل، ولهذا كان من الضروري إضافة اسمه في هذه الرسائل.

غير أنه لم يكتب اسمه في الرسالة إلى العبرانيين، والسبب في ذلك يرجع إلى أنهم كانوا يقاومونه، فلكي يتجنب معارضتهم ومقاومتهم اذا ما وجدوا اسمه في مقدمة الرسالة، فقد لجأ إلى عدم كتابة اسمه حتى يسمح لكلمته أن تنتشر وتجد لها صدى لدى المستمعين إليها من العبرانيين، ولو أن بعض الأنبياء وسليمان كانوا قد وضعوا أسماءهم على كتاباتهم، فهذا أمر أتركه لكم لكي تفحصوه وتبحثوا لأي سبب وضع بعض الأنبياء أسماءهم ولم يضع البعض الأخر أسماءهم. لأنه لا ينبغي أن أخبركم بكل شيء بل يجب أن تتعبوا وتبحثوا من أجل المعرفة.

“بولس عبد ليسوع المسيح ” دعنا نعرف السبب الذي لأجله غير الله اسم شاول ودعاه بولس، السبب أن الله أراد لبولس ألا ينقصه شيئا عن باقي الرسل حتى في الاسم، لكي ينال ما حظي به أحد التلاميذ المختارين وأكبرهم، وبذلك يكون لديه دافع لمحبة أكبر. أمر آخر نلاحظه وهو أن بولس لم يدع نفسه ” عبد ليسوع المسيح ” هكذا مصادفة، لأنه في الحقيقة توجد طرق كثيرة للعبودية، منها على سبيل المثال، أننا كائنات مخلوقة ” لأن الكل عبيدك وأيضا يقول إرميا النبي ” هاأنذا أرسل فأخذ كل عشائر الشمال يقول الرب وإلى نبوخذ نصر عبدي ملك بابل ملك بابل “، لأن المخلوق هو عبد لخالقه. هناك طريقة أخرى للعبودية تأتي من الإيمان والتي بحسبها يقـول ” فشكرا لله أنكم كنتم عبيدا للخطية، ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي سمعتموها، واذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيدا لله” وعندما يقول الرب ” موسى عبدى قد مات” فهذه العبودية كانت بسبب فرادة موسى، لأنه وإن كان كل اليهود عبيدا، لكن موسى على وجه الخصوص هو الذي تميز عنهم بنشأته وتربيته.

وفقا لكل هذه المعاني كان الرسول بولس عبدا، وبدلاً من أن يعطى لنفسه أعظم الرتب قال “بولس عبد ليسوع المسيح ” ثم أخذ يستعرض الأسماء الخاصة بالتدبير الإلهي، صاعدا من أسفل إلى أعلى لأن اسم يسوع قد أحضره الملاك من السموات عندما بشر العذراء. وسمي بالمسيح من المسح، والذي كان يحصل للجسد أيضا . وقد يتساءل المرء وبأي زيت مسيح؟ إنه لم يمسح بالزيت لكنه مسح بالروح. وأين دعوا هؤلاء الذين لم يمسحوا بالزيت مسحاء، عندما قال “لا تمسوا مسحائي ولا تسيئوا إلى أنبيائي ” لأن وقتها أيضا لم يكن إجراء المسح يتم بالزيت؟ 

” المدعو رسولا ” في كل موضع يصف القديس بولس نفسه “بالمدعو” مظهرا شكره وامتنانه للمسيح، لأنه لم يسع ولم يبحث عن المسيح، بل إن المسيح نفسه هو الذي دعاه، أما بولس فقد أطاعه لأن الدعوة هي من الله. بل إن المؤمنين أيضا يدعوهم القديس بولس هكذا ” مدعوين قديسين”، غير أن دعوة هؤلاء هي أن يصيروا مؤمنين، أما هو فقد استأمنه المسيح على عمل آخر، أي على العمل الرسولي المليء بالخيرات السمائية غير المحدودة وبكل المواهب وبالسمو اللائق. وما هو الإحتياج لأن أتكلم أكثر؟ سأشير فقط لما تكلم به المسيح عندما أتى، وعندما سلم الرسل عمل الخدمة وتركهم قائلاً لهم: “اذهبوا إلى العالم أجمع اكرزوا بالإنجيل إلى الخليقة كلها “، وكان عليهم أن يتمموا خدمتهم. هذا هو أيضا ما يعلنه الرسول بولس، مرفعا رتبة الرسل قائلا: “إذ نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله ؛يعظ بنا.

” المفرز لإنجيل الله” ومثلما يحدث داخل البيت الواحد ، أن لكل شخص عمل معين يقوم به، هكذا داخل الكنيسة توجد خدمات متنوعة، لكن يبدو لي هنا أن الرسول بولس لا يشير فقط لاختياره ضمن خدامه لأجل عمل الخدمة، بل لاختياره الإلهي منذ البداية لهذا العمل الكرازي. هذا بالضبط ما جاء بإرميا النبي ” وقبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيا للشعوب”

والرسول بولس عندما يكتب “المفرز لإنجيل الله ” هو يعلن أنه يكتب إلى أهل رومية الذين يتباهون ويتفاخرون بأنفسهم، مما دفعه لأن يبين للجميع أن تعيينه للخدمة أتى من الله نفسه. لأن الله هو الذي دعاه والله هو الذي أفرزه. وهو يشير إلى هذا لكي يجعل رسالته أكثر قبولاً وتصديقا لديهم.

“لإنجيل الله” فكما أن متى ومرقس ليسا فقط من الإنجيليين، بل هما أيضا من الرسل، هكذا فإن بولس ليس رسولاً فقط بل هو إنجيلي أيضا، إذ هو مفرز “لإنجيل الله”. ولذلك يصف عمله وخدمته بأنها بشارة مفرحة أي ” إنجيل”. ليس فقط لأجل الخيرات التي أستعلنت، بل أيضا لأجل الخيرات التي ستستعلن في الدهر الآتي. لكن كيف يقول إنه يبشر بالله عندما يقول “المفرز”، “لإنجيل الله”؟ ذلك لأن (الله) كان ظاهرا قبل أن يبشر به، ومع أنه كان ظاهرا لليهود، لكنه لم يكن ظاهرا للأمم. وحتى في ظهوره لليهود لم يكن ظاهرا كما ينبغي، لأنهم لم يعرفوا أنه هو الآب، وتخيلوا أمور لا تليق به. لهذا أشار المسيح إلى أن الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، وأن “الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له”. وفي ملء الزمان عرف الآب مع ابنه في كل المسكونة، لأن هذا ما شهد به المسيح ” أن يعرفوك أنت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” ولذلك وصف الرسول بولس كرازته بأنها “إنجيل الله”، وذلك لكي يبعث الفرح في نفوس المستمعين منذ البداية. لأنه لم يأت لكي يبشر بظلال كما صنع الأنبياء، أو ليتحدث عن مآسي أو عن مراثي، بل لكي يعلن أخبارا مفرحة عن الله ، وعن عطايا لا تحصي وخيرات أكيدة لا تنتهي، تلك التي وعد الله بها أنبياءه في الكتب المقدسة. لأنه يقول “الرب يعطي كلمة المبشرات بها جند كثير”. وأيضا ” ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير” 

2. أرأيت كيف يشير العهد القديم بشكل صريح ومحدد للدعوة الخاصة بهذه البشارة والطريقة التي ستتم بها؟ وهكذا يؤكد الرسول بولس أيضا على أن الكرازة بالإنجيل لم تكن بالكلام فقط، لكن بالأعمال أيضا ، فالعمل هو عمل إلهي ومعجزي ويفوق كل قدرات البشر. ولأن البعض يدعون أن “البشارة” بالإنجيل هو أمر مستحدث نقول لهم إن “البشارة” بشخص المسيح هي أقدم من عبادات الوثنيين، وكيف أن الأنبياء قد تكلموا عن “البشارة” في أسفارهم . لكن لو أن الإنجيل أي البشارة المفرحة بشخص المسيح لم تعط منذ البداية، فهذا راجع إلى ردود أفعال أولئك الذين لم يريدوا قبوله، لكن الذين قبلوه رأوا وسمعوا. هكذا يقول رب المجد “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح”” وإلا فكيف يقول: “إن أنبياء وأبرارا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا ” وأنت يجب عليك أن تنتبه، منذ متى قيل هذا الكلام؟ لأنه حقا عندما يريد الله أن يعد لأمر عظيم، فإنه يتحدث عنه قبل ذلك بسنوات عديدة، لكي يهيئ السامعين لقبوله.

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

لم يقدم الرسول بولس “البركة الرسولية” كأكلشيه يختم به مقدمة الرسالة، وإنما قدم البركة في المسيح يسوع بما يليق ببنيان من يتحدث معهم وموضوع حديثه لهم، إذ نلاحظ فيها الآتي:

أولاً: يبدأ الرسالة بدعوة نفسه بثلاثة ألقاب، قائلاً: “بولس عبد ليسوع المسيح، المدعو رسولاً، المفرز لإنجيل الله” [1].

اللقب الأول هو “عبد doulas“، ولعله ابتدأ بهذا اللقب لأنه يكتب إلى أناسٍ يثيرون تفرقة عنصرية بين اليهود المتنصرين والأمميين المتنصرين، فإن كان هو عبدًا ليسوع المسيح، ففي هذا يتساوى جميع المؤمنين، إذ الكل عبيد للسيد المسيح، أيّا كان أصلهم أو ديانتهم السابقة.

كان أتقياء العهد القديم يعتزون بهذا اللقب بكونهم “عبيد يهوه” (مز 27: 9؛ 31: 16؛ 89: 50)، والآن إذ صار الكل في المسيح يسوع يتمتعون ببرّه وتقواه، يتأهلون لهذا اللقب “عبيد ليسوع المسيح”، ويفخرون به دون سواه، الأمر الذي يشترك كل الأعضاء فيه.

هذا وقد كان هذا اللقب يُنسب بالأكثر لمن قاموا بدور في تاريخ الخلاص خلال خدمتهم ليهوه، مثل موسى (2 مل 18: 12)، ويشوع (قض 2: 8)، وإبراهيم (مز 105: 42). وكأن بولس كرسول وهو مفرز لإنجيل الله يقوم بدور في تاريخ الخلاص، هو امتداد للدور الذي قام به آباء وأنبياء العهد القديم، لذا يليق باليهود المتنصرين أن يسمعوا ويتقبلوا رسالته بلا غضاضة.

أما اللقب الثاني فهو: “المدعو رسولاً“… لم يقل “رسول” بل “المدعو رسولاً”، لأن موضوع هذه الرسالة هو “دعوة الأمم للإيمان” كما سبق فدُعي اليهود قديمًا للإيمان؛ فإن كان القديس بولس يشعر بالفضل لله الذي دعاه للرسولية، فإنه حتى في إيمانه القديم كان مدعوًّا، وفي قبوله الصليب يحسب نفسه”مدعوٌا”… كأن لا فضل لنا في إيماننا كما في شهادتنا للرب، أيّا كان مركزنا الكنسي، إنما يرجع الفضل للذي دعانا.

اللقب الثالث: “المفرز لإنجيل الله“. هذا اللقب “المفرز” في الأرامية “برسي” أو “فريسي”، وتعني “منفصل”، وكأن فريسيته الأولى قد مهدت لفريسية من نوع جديد، لا فريسية الحرف القاتل القائمة على الاعتداد بالذات والكبرياء، إنما “فريسية روحية” تقوم على التكريس والفرز للتفرغ للكرازة لحساب إنجيل الخلاص للعالم كله.

بهذه الألقاب الثلاثة يعلن القديس بولس أنه “عبد“، حياته هي امتداد لحياة عبيد الله العاملين في العهد القديم خلال تاريخ الخلاص، يقوم بالعمل الرسولي بدعوة إلهية وليس من عندياته، لا عمل له ولا هدف سوى تقديم إنجيل الله لكل أحد إن أمكن!

يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذه الألقاب الثلاثة، قائلاً:

[“بولس عبد ليسوع المسيح… إنه يدعو نفسه عبدًا للمسيح، ليس بطريقة واحدة، إذ توجد أنواع من العبودية.

توجد عبودية أساسها الخلقة، كما قيل: لأن الكل عبيدك (مز 119: 91)، وأيضًا: نبوخذراصر عبدي (إر 25: 9)، لأن المخلوق عبد لخالقه أو صانعه.

توجد أيضًا عبودية من نوع آخر تنبع عن الإيمان، إذ قيل: فشكرٌا لله أنكم كنتم عبيدًا للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها، وإذ أُعتقتم من الخطية صرتم عبيدًا للبرّ (رو 6: 17-18).

نوع آخر يقوم على الخضوع للعمل، كما قيل:موسى عبدي قد مات (يش 1: 2). حقًا كان كل الإسرائيليين عبيدًا، لكن موسى كان عبدًا بطريقة خاصة يتلألأ ببهاءٍ شديدٍ في الجماعة.

هكذا كان بولس عبدًا بكل هذه الأشكال (الثلاثة) من العبودية العجيبة، وقد وضعها كلقبٍ مكرمٍ، قائلاً: “بولس عبد ليسوع المسيح… “المدعو رسولاً“، معطيًا لنفسه هذا الطابع في كل رسائله: “المدعو“، مظهرًا إخلاصه، وأنه قد وُجد ليس خلال سعيه الذاتي، إنما دُعي فجأة وأطاع.

هكذا أيضًا يعطي نفس الطابع للمؤمنين بقوله أنهم مدعوون قديسين”. ولكن بينما هم مدعوون ليصيروا مؤمنين نال هو بجانب هذا أمرًا مختلفًا يسمى “الرسولية”؛ هذا الأمر مشحون بالتطويبات غير المحصية، أعظم وأسمى من كل العطايا… إذ يتحدث بولس بصوت عال،ٍ ويمجد العمل الرسولي، قائلاً: إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا (2 كو 5: 20)، بمعنى أننا نحمل دور المسيح (سفراء عنه). “المفرز لإنجيل الله، كما في البيت يقوم كل واحد بعمل مغاير، هكذا في الكنيسة، توجد خدمات متنوعة تُوزع. وهنا يبدو لي أنه يلمح إلى أنه لم يُقم لهذا العمل باختيار الجماعة فحسب، وإنما عُيّن منذ القديم لهذا العمل، الأمر الذي يتحدث عنه إرميا قائلاً بأن الله قال عنه: “قبلما خرجت من الرحم قدستك، جعلتك نبيًا للشعوب” (إر 1: 5). فإذ يكتب الرسول إلى مدينة تتسم بالمجد الباطل، كل واحد فيها يفتخر متعاليًا، لذلك يكتب بكل وسيلة ليظهر أن اختياره (للرسولية) كان من قبل الله؛ الله هو الذي دعاه وهو الذي أفرزه].

ثانيًا: يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على قوله: “المفرز لإنجيل الله، قائلاً: [إنه يقول “إنجيل الله لكي يفرح السامعين منذ البداية (لأن كلمة إنجيل تعني بشارة مفرحة)، فقد جاءهم بأخبار لا تحزن ملامحهم كما سبق ففعل الأنبياء خلال التوبيخات والاتهامات والانتهار، إنما بأخبار سارة، أي “إنجيل الله“، الحاوي للكنوز غير المحصية ذات البركات الثابتة غير المتغيرة.]

ثالثًا: يستخدم القديس أمبروسيوس هذه العبارة مع عبارات أخرى (2 كو 13: 14) للرد على الأريوسيين الذين نادوا بأن الآب أعظم من الابن مدللين على ذلك بأن الآب يُذكر أولاً في الترتيب، وههنا الرسول يذكر الابن قبل الآب، إذ يقول: “عبد ليسوع المسيحأولاً ثم “المفرز لإنجيل الله، هذا علامة على وحدة اللاهوت.

 

وفي نفس المقال يقول بأن الرسول بولس الذي يمنعني من التعبد للخليقة أجده هنا يحثني على التعبد للسيد المسيح، إذ يدعو نفسه “عبد ليسوع المسيح، مظهرًا أنه الخالق وليس مخلوقًا.

تفسير القمص متى المسكين

1:1 «بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولاً المفرز لإنجيل الله» .

«بولس عبد ليسوع المسيح » :

عبد δοῦλος ، والقديس بولس لا يريد أن يتصاغر بل يريد أن يرفع سيده ، يرفعه إلى أقصى قمة يمكن أن يرفع الإنسان إليها أحداً ليحتل مركز « المعبود» . والعبودية قد تأتي قسراً أو أسراً ، ولكن عبودية ق. بولس وقع فيها حباً، وما أعجب الحب إذا بلغ حد العبادة، وما أعظم العبادة إن كـانـت عـن تباريح المحبة . صحيح أن لقب «العبد» لله والمسيح يلتزم به أي إنسان ، ولكن ق . بولس كان يتباهى به ! كعبد مُشترى بثمن ثمين ليصير إلى الأبد مؤتمناً على شرف حمل اسمه !!

كان في القديم، وبحسب تقليد الرومان، أن الذي يكون له عبد أمين وأراد أن يحرره، يعطيه أن يحمل في نهاية اسمه لقبه الشرفي الخاص، كما سنسمع في الأصحاح (16) حينما يذكر ق . بـولـس بعض العبيد المحررين باسم «أهل أرستو بولس»، « أهل يركيسوس»، كما يذكر أيضاً في نهاية رسالته إلى فـيـلـبـي «أهل بيت قيصر»، هؤلاء كلهم عبيد أعطاهم الأمراء العظام شرف اسمهم لهم. أما المسيح فقد أعطى جسده ودمه ، أعطى بنوته الله !! أعطى روحه القدوس كعربون ميراث في مجد الله .

إن أعـظـم شـرف يمكن أن يناله إنسان على الأرض أن يدعى خادماً للرب يسوع المسيح، هذا الذي رفع من قدر بشريتنا التي وقعت تحت ذل وهوان الخطية ، « ليجعلنا ملوكاً وكهنة الله أبيه » (رؤ 1: 6)، كيف وبماذا ؟ بخدمة اسمه وحمل صليبه والاعتراف بربوبيته !

والـقـديس بولس كان يشعر بمهمة الرسولية بكل دوافعها الإلهية. اسمعه وهو يقول : « إذا تسعى كـشـفـراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله» (2کو 5: 20). فوظيفة الرسول تعني عند ق. بولس أنه اؤتمن على كلمة الله وحمل اسم المسيح (أع 9: 15)، وأعطي بـالـروح الـقـدس المناداة بالإيمان. بهذا الإحساس الشديد كان ق. بولس يخدم ويتكلم ويعظ : « فإني وإن افتخرت شيئاً أكثر بسلطاننا الذي أعطانا إياه الرب لبنيانكم لا لهدمكم لا أخجل . »(2کو 10: 8)

« ليسوع المسيح »:

«يسوع » هو الاسم الذي تعين له من الآب بفم الملاك ليعني «مخلص» (مت 1: 21) فقد أعلن الله عن عمله في اسمه، وهي كلمة أرامية من مقطعين «ياه» = يهوه أي الله ، « شوع » من هوشعنا أي خلصنا. وعلى القارىء أن يلاحظ مسار عمل الله من خلال الأسماء، فيشوع الأول عبـد مـوسى أعطي أن يدخلهم كنعان ويقسّم لهم أرض الميراث ويريحهم . وها يشوع الجديد، أي « يسوع » ، يحقق بالروح ما عجز عنه يشوع الأول بالنسبة للأرض. وسفر العبرانيين يكشف عن هذه المقابلة البديعة : «لأنه لو كان يشوع قد أراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر» ( عب 4: 8)، ذاك كان عبداً وخادماً لموسى، وهذا ابن الله .

« المسيح » : من الكلمة العبرية «مسيا» أي ممسوح بالدهن من الله، والمتنبأ به هكذا: « من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك» (مز 45: 7). وقد عرفت البهجة بعد ذلك بأنها صفة القيامة هكذا: «تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات » (رو 1: 4)، « ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين . » ( رو 8: 29)

«المدعو رسولا» :

رسول ἀπόστολος بالعبرية shaliah وتعرف وتنطق بالعربي «سليح » . لقد ” دعي بـتـكـلـيـف” بـاختيار صادر من فوق : « الذين سبق فعينهم، فهؤلاء دعاهم أيضاً . والذين دعاهم فهؤلاء بـررهم أيضاً . والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً » (رو 8: 30). فهو رسول بالأمر، والأمر صادف هوى في نفسه ، فتقبله ليكون له حياة !

+ « من ثم أيها الملك أغريباس لم أكن معانداً للرؤيا السماوية . » (أع 26: 19) لقد باتت دعـوة الـرسـولـيـة عـنـد ق. بولس أعز وأثمن ما يملك في حياته، إذ اعتبرها تكليفاً سماويا آتيا من الله الآب والمسيح رأساً : « بولس رسول ، لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات . » (غل 1: 1)

« المفرز لإنجيل الله » :

المفرز: ἀφωρισμένος

ق. بولس يـتـلاعـب بالألفاظ بمهارة روحيـة، فـالـفـريسي كلمة عبرانية تفيد المفرز أيضاً « فـريـزي». فهو وإن كان قد صار فريسيا ـ أي أفرز نفسه حسب عبادة الآباء الأضيق ــ لأنه كـان طـريـقاً نسكياً وتعليمياً قائماً على الحرف والتدقيق الناموسي الشديد، إلا أنه قد أفرز من الله بـالـروح وهو في البطن، وتخصص لحمل إنجيل الخلاص حسب عبادة الروح الحر المتسع. فهو وإن كان قد أفرز نفسه للناموس، إلا أن الله سبق وأفرزه وهو في البطن للإنجيل ! (غل 1: 15).

ونـحـن نسمع هذه الكلمة «أفرز» مرة أخرى من صوت الروح القدس نفسه : « قال الروح القدس أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه . » (أع 13: 2).

الآن من المهم أن نضع كلمة «مـدعـو» مع كلمة «المفرز». فالدعوة من فوق من الله ، والإفراز من بين الناس، فالسلطان إلهي والعمل بشري .

ق. بولس أحـس بـدعـوتـه ـ بعد أن دعاه الرب من السماء ـ أنها بدأت منذ زمن بعيد مع إرميا، مع الأنـبـيـاء الأحباء الذين كان يهيم بهم ق. بولس ويتمثل، فرنين الدعوة لإرميا النبي كـان يـطـن في أذنه، وكان يتسمع على نغماتها دعوته التي أتته من السماء: «فكانت كلمة الرب إلي قائلاً قبلما صورتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك، جعلتك نبياً للشعوب » ( إر 1: 4و5). هذه اختصرها ق. بولس فيما يخص نفسه في كلمات قليلة حتى تفوت على القارىء، فهو يخجل أن يعلو إلى قامة إرميا : « ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته …» (غل 1: 15). ولكن الروح ينطق بانطباق الدعوة، والإلهام يركز على كلمة « الـشـعـوب» ؛ فإرميا إن كان قد تنبأ، فالقديس بولس خدم !! والقديس بولس حاول أن يتلافى كلمة «قدستُك» عند إرميا فجعلها عنده « أفرزني » ، ولكن المعنى والمبنى واحد تماماً. والعجيب ـ كما سبق وقلنا ـ أن الكلمة العبرية المقابلة لقوله « أفرزني» هي قريبة جداً من العربية وأقرب إلى كلمة «فريسي» «Prs » .

فالله أفرزه من بطن أمه ، ليكون علماً بين جيله، وليحمل لواء الأمم على كتفه وحيداً من كل أجـيـال بني إسرائيل !! أما هو فأفرز نفسه وامتهن الفريسية ـ دون أن يدري ـ ليستقصي منتهى قوة الناموس، استعداداً لليوم الذي ينځيه فيه من مسعی الخلاص فيبلغ الناموس على يديه منتهاه !

ونـظـرة ق. بولس إلى حياته في ضوء اقتناعه أن الله أفرزه من البطن، هي أن الله كرس حياته برمتها. فإن كان قد كرسه من البطن فقد كرس مولده في الشتات، وصبوته في طرسوس، وتعليمه عند رجلي غـمـالائيل. لقد وقعت على ق. بولس كلمة الدعوة العليا من الله وهو في البطن، حيث  تـم اخـتـيـاره كـإنـاء سـبـق فـأعـده: «لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك و بني إسـرائـيـل » (أع 9: 15). وحسب تعبيره، كان يرى كيف أعده الله بطول أناة : « لكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد. التي أيضاً دعانا نحن إياها …» (رو9: 23و24)

«لإنجيل الله»:

الإنجيل εὐαγγέλιον « البشارة المفرحة » كترجمة لنص الكلمة، وبالإنجليزية Gospel وهي من مقطعين God ( الله ) + spell (ينطق). والبشارة المفرحة تجمع بين موت المسيح وقيامته ، وكلا الحدين هما للفرح : « الذي أسلم من أجل خطايانا، وأقيم لأجل تبريرنا» (رو 4: 25). وبهما معاً نلنا العتق والحرية ثم البر.

وكلمة « الإنجيل» هي البشارة «إيفانجليون»، واردة بالعهد القديم في إشعياء ولكن في صيغة اسم الفاعل من: «بشر» .

+ «على جبل عالي اصعدي يا مبشرة صهيون ، ارفعي صوتك بقوة يا مبشرة أورشليم ، ارفعي لا تخافي ، قولي لمدن يهوذا هوذا إلهك، هوذا السيد الرب بقوة يأتي ، وذراعه تحكـم لـه، هوذا أجرته معه، وعملته قدامه، كراع يرعى قطيعه ، بذراعه يجمع الحملان ، وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات . » ( إش 40: 9-11)

«ما أجمل على الجبال قدمي المبشر ، المخبر بالسلام ، المبشر بالخير، المخبر بالخلاص، القائل لصهيون قد ملك إلهك . » ( إش 52: 7)

هكذا عرف ق. بولس الإنجيل من دراسته السابقة أنه بشارة الخلاص التي أعطي أن يخدمها ويعلن بر الله فيها، وأن موضوع الإنجيل ومضمونه بحسب رؤية الأنبياء وإشعياء في القديم هو: « هـوذا الـسـيـد الرب بقوة يأتي»، «قد ملك إلهك» «قومي استنيري»، « عهداً جديداً»، «أسكب من روحي على كل بشر»، «يخرج الحق إلى النصرة»، «أبصر نوراً عظيماً » ( إش 40: 10 و 7:52 و 1:60؛ إر31:31 ؛ يؤ 28:2 ؛ مت 20:12و 16:4).

ولـيـت القارىء يقف كثيراً عند قول ق. بولس وهو يصف الإنجيل أنه « إنجيل الله»، فهذا هـو أحـد مفاتيح فهم لاهوت ق . بولس . فالله مصدر الخلاص بيسوع المسيح ، والبر هو بر الله في المسيح يسوع، والموت هو طاعة لأمر الله الآب، والقيامة هي بقوة الله، والصعود هو: « رفعه الله 

أيضاً وأعـطـاه اسـمـاً فـوق كـل اسـم » (في 2: 9)، والجلوس هو: «اجـلـس عـن يـمـيـنـي » (عب 1: 13)، وحتى حلول المسيح في القلب بتأييد الروح القدس في الإنسان الباطن هو بحسب «غني مجده ( مجد الآب). » (أف 3: 16)

ولـكـن يـلـزمـنا هنا أن نوضح أمام القارىء أهمية اختيار المسيح لبولس بطريقة فائقة وإعجازية للبشارة بإنجيل الخلاص للأمم، بل وأهمية إنجيل ق. بولس هذا دون سائر الأناجيل الأربعة، فهو الإنجيل الوحيد الذي أنهى على اعتبار الناموس قانوناً للعبادة ، بل نگاه كليا من طريق الخلاص ، وألغى السبت وأبطل الختان، وهكذا فتح طريق العبادة والخلاص للأمم بلا قيود : «لستم تحت الـنـامـوس بـل تحـت الـنـعـمة» (رو 6: 14)، «لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح ( المسيح ). » (رو 8: 1)

ثم لو ينتبه القارىء، يفهم في الحال لماذا أراد ق. بولس أن يبشر أهل روما بالإنجيل وهم مـؤمـنـون، وإيمانهم مشهود له بحسب تعبير ق. بولس ؟ أليس ذلك لكي يرفع عن كاهلهم التزامهم بالناموس والسبت والختان ومعظمهم من الأمم ؟؟ فمن أجل هذا فقط كان يشتاق ويصلي ويطلب الله وينتهز كل الفرص، لكي يذهب إليهم ليبشرهم بالمسيح خلواً من الناموس والسبت والخـتـان وبـقـيـة عـوايـد اليهود التي عطلتهم عن الإيمان. فلما لم يستطع الذهاب فوراً أرسل هذه الرسالة إليهم، إلى أهل رومية، لتكون لهم إنجيلاً يصحح ما استلموه عن الإيمان والعبادة من اليهود المتنصرين . 

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية(1): “بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولاً المفرز لإنجيل الله.”

بولس= هي كلمة  لاتينية معناها الصغير، فمن عادة العبرانيين تسمية الشخص بإسمينوبولس كان إسمه أيضا شاول وتعني مطلوب من اللهويقول أغسطينوس أن بولس كان نحيف الجسم قصير القامةوهو فضّل استخدام إسم بولس من قبيل التواضع ومشيراً لأنه أصغر الرسل.

عبد ليسوع المسيح= كان معلمي اليهود يتفاخرون بألقاب مثل سيدي أو معلمي واليهود عموماً يتفاخرون بيهوديتهم والأمم بفلسفاتهم، أما بولس فيعلمهم أنه يفتخر بكونه عبداً للمسيحوإذا كان الكل عبيداً للمسيح فلماذا يتفاخر اليهودي علي الأممي أو الأممي علي اليهوديوهو عبد للمسيح لأن المسيح إفتداه وإشتراه بدمه وفكه من الأسر وصار ملْكاً لهُونفهم أن العبودية للمسيح تحرر، ولا يمكن أن يكون الإنسان عبداً للمسيح حقيقة ما لم يختبر في الوقت نفسه الحرية الحقيقيةإن عبد المسيح لا يستعبد لأي إنسان آخر ولا حتي لشهوات جسده الخاصة، ولا يستطيع أحد أن يبعده عن تأدية واجبه، ولا تسيطر عليه عادة معينة، ولا يستطيع العالم أن يغريه بمفاتنه أو أن يجذبه إليهأنه يعيش في الأرض كإنسان سماوي، وبعد أن كان عبداً للخطية صار كاهناً وملكاًهو يعيش في الجسد ولكن يسلك في الروح ليسوع المسيحوهذا ما جعل حتى إخوة المسيح بالجسد يفتخرون بأنهم عبيد له، ولم يفتخروا بكونهم أقرباء له بالجسد (يه1 + يع1:1). فبولس بعد أن ظهر له المسيح في الطريق شعر أنه صار مكرساً للمسيح يسوع من كل قلبه ونفسه وجسده.    المدعو رسولاً= كأن لا فضل له في إيمانه ولا إرساليته بل هي دعوة من اللهوهو يسمي نفسه رسولاً مثل الإثني عشروتظهر أهمية هذه العبارة خصوصاً في الرسائل التي حاول أهلها ان يتنكروا لأحقية بولس الرسول في الخدمة وبهذا يشككوا في تعاليمهوكان بولس مضطراً لأن يثبت أنه مرسل من الله لإثبات صدق تعاليمه لتثبيت المؤمنين.

المفرز لإنجيل= مفرز تعني بريسي بالآرامية ومنها فريسي (فريزيأي مختار أو معينأي أن بولس إنتقل من فريسيته اليهودية إلي فريسية أخري بنعمة الله، هي فريسية الإنجيل، أي أن الله إختاره وأفرزه لكي يبشر بالإنجيلوكان الفريسيون اليهود مفروزون لدراسة الناموس، وكلمة فريسي تناظر دكتوراه في اللاهوتوكان بولس أحد هؤلاء الفريسيينوالله بسابق علمه أفرزه وعينه للتبشير بالإنجيلوكانت تلمذته لغمالائيل نوع من الإعداد، ولكن الله سبق وأفرزه من البطن (غل15:1 + أع2:13 + أر4:1 ،5) لإنجيل اللهإنجيل تعني بشارة مفرحةوهنا يقول إنجيل اللهوفي مواضع أخري يقول إنجيل يسوع المسيح (رو9:1 إنجيل ابنه). فالله هو مصدر الخلاص بيسوع المسيح، جوهر الإنجيل أو جوهر البشارة المفرحة هي في مجيء الرب يسوع وفدائه للبشريةالله قد سبق منذ القديم وأعد برنامج الخلاص المفرح للبشر الذي تحقق بمجيء المسيح له المجد.

والقديس إمبروسيوس لاحظ أن اسم المسيح في هذه الآية قد استخدمه الرسول قبل إسم الله في الترتيب، وإستخدم هذا في الرد علي آريوس أن الله والمسيح متساويانوهذا يتضح أيضاً من كون أن الإنجيل هو إنجيل الله وإنجيل ابنه في نفس الوقت (آية1، آية9).

 

تفسير د/ موريس تاوضروس

 بولس : دعي بولس الرسول من أبويه بأسمه العبراني شاول، ومعناه “مطلوب”، ومن المحتمل أن يكون الرسول بولس، قد أخذ الاسم «بولس» عندما صار مواطنا رومانيا. كما أنه من المحتمل أيضا أن يكون قد سمي بهذا الاسم للتقارب بین اسمه شاول، وبين الإسم بولس في اللغة اليونانية حيث لا يختلف الأسمان إلا في الحرف الأول منهما تكتب الأول منهما، شاول، في اللغة اليونانية Saulos وهي نفس الحروف التي يكتب بها اسم بولس، باسـتـثـنـاء الـحـرف الأول (Paulos) وفي الاصحاحات الأولي من سفر الأعمال، يدعي الرسـول باسمه شـاول، وابتداء من الاصحاح الثالث عشر الي أخـر سـفـر الأعمال، يدعي اسمه بولس. أما في الـرسـائـل فيـدعـي علي الـدوام باسمه بولس.

كلمة “عبـد” استخدمت في العهد القديم بالنسبة لأنبياء الله “ان السيد الرب لايصنع أمرا الا وهو يعلن سـره لـعـبـيـده الأنبياء”(عا3: 17) .”أرسلت لكـم عـبـيـدي الأنبياء” (إر7: 25)، “وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين باسمك كلمـوا ملوكنا ورؤساءنا “( را9: 7). وعلي هـذا النحو، دعي مـوسـي ويشـوع ابن نـون وداود، عـبـيـد اللـه ( انظر يـش1: 2 ، 24: 29 ، قض2: 8 ، مز4,2:86).

يفتخر الرسول بولس بأن يلقب نفسه عبد ليسوع المسيح . والعبودية للمسيح تقود إلي الحرية الحقيقية، لأن «عبد المسيح يكون حرا من أن يستعبد لشهوات جسده، ولايستطيع العالم أن يغريه بمفاتنه او يجذبه اليه. الذين يتخذون من المسيح سيدا لهم، لايخضعون لسلطان إبليس. فالعبودية للمسيح تحمل في نفس الوقت معني الحرية والسيادة والتحرر من العالم وشهواته. إن ا عبد المسيح يعيش في الأرض كإنسان سماوي متحررا من قيود المادة. يعيش في الجسد ولكنه يسلك في إنطلاق الروح وحريتها.

يسوع المسيح : كلمة يسوع، هي الكلمة العربية للاسم العبري يشوع، الذي يعني “يهوه يخلص”. وتشير الكلمة الي ناسوت المسيح. بينما تشير كلمة المسيح الي مسحته بالروح القدس. كان اسم يشوع من الاسماء الشائعة الاستعمال بين اليهود (خر17: 9 ، کو4: 11). وقد أعطي هذا الاسم لابن الله عند التجسد، كاسمه الخاص، بحسب أمر الملاك ليـوسـف ، وذلك قبل الولادة (مت1: 21). ولقد استعمل الاسم يسوع المسيح، كثيرا (انظر مت1: 1 ،18 ،16: 21 ، مر1: 1 ، یو1: 17)، وفي سفر الأعمال، غالبا يذكر «الرب يسوع، (أع8: 16، 19: 5). وفي رسائل يعقوب وبطرس ويوحنا ويهوذا هؤلاء الذين صحبوا المسيح في الجسد، يستعمل الاسم يسوع المسيح، فقد كان هذا هو نظام خبرتهم، فقد عرفـوا يسوع، أولا، ثم اختبروا عند قيامته أنه هو المسيح، أما الرسول بولس فقد عرفه أولاً في مجده السماوي (اع9: 1-6) ، ولذلك عبر عن خبرته في عبارة «المسيح يسوع، التي تذكر كثيرا في رسائله فهـو يستعمل الاسم بما يوافق مـضـمـون الخبرة، وهكذا فإن الاسم المسيح يسوع، يشير إلي المسيح في وجوده الأزلي الذي أخلي نفسه أخذا صورةعبـد (کو2: 6) ، اما الاسم يسوع المسيح، فيشير إلي يسوع الذي رفض واحتقر ومجد فيما بعد (في2: 11). إن الاسم المسيح يسوع، يشير إلي نعمته، بينما يشير الاسم يسوع المسيح، إلي مجده.

المدعو رسولا : تشير كلمة المدعو (Klytos) الي الدعوة إلى امتيازات خاصة لو الي عمل خاص وفي الرسالة الي رومية يشير الرسول إلى الدعوة إلى امتيازات الإنجيل “لان هبات الله ودعـوته هي بلا ندامة، (رو11: 29). وفي الرسالة الي أفسس يقـول أيضا “لتعلموا ما هو رجاء دعوته…” (اف1: 18). وتتميز الدعوة إلى الخلاص بصفتها العمومية (1تي2: 4 ،6 ،2کو5 : 15 ، 1يو2: 2).

وإذ يشـيـر الرسول إلي دعـوته فيقول «المدعو، فإنه يريد بذلك أن يؤكد أنه ، دعي للخدمة فاستجاب الدعوة، ويسمي الرسول بولس المؤمنين بالمدعوين قديسين». ان الرسول بولس يؤكد العامل الإلهي في دعـوته، وهـو بهذا يعادل نفسه بالرسل الإثني عشر، الذين دعاهم السيد المسيح للخدمة المقدسة. وتظهر قيمة هذه العبارة خصـوصـا فـي الرسائل التي حاول أهـلـهـا أن يتنكروا لأحقية بولس الرسول في الخدمة.

المفرز aphwrismenos : من الفعل يفرز aphwrizw بمعني «يعين، أو يخصص ، وكذلك بمعني “يفصل بحزم عن الباقين” (مت13: 49)، وتستخدم أيضـا بمعني ينتخب، أو يختار (اع13: 2 ، رو1: 1 ، غلا1: 15).

يشير الرسول، إلي أن الله، قد سبق (بسابق علمـه) فأفرزه وعينه وانتخبه واختاره لأن يخدم إنجيله. الله إذن هو الذي اخـتـار الرسول بولس، وهو الذي حدد أيـضـا مـوضـوع اخـتـيـاره. الخادم الحقيقي هو الذي يتلقي أولا الدعوة للخدمة من قبل الله. المؤهل الأول للخدمة الناجحة هو إخـتـيـار الله للخـادم. لابد أن تجيء الدعـوة إلي الـخـدمـة مـن قـبـل الله. وبدون ذلك، لن تنجح طريق الخادم ولن تفلح رسالته.

الإنجيل : كلمة إنجيل euaggelion ، تتكون من مقطعين (euaggelos) وتعني الأخبار الطيبة (أنظر مت4: 23 ، 9: 35). كما تعني تعاليم الإنجيل (مت26: 13 ، مر8: 35) وفي المعني المجازي تعني الوعظ والكرازة (1 كو4: 15 ، 9 : ١٤)، ولم ترد في الـعـهـد الـجـديد بمعني الكتاب. ويشير الرسول إلي الهدف من اختياره وهـو التبشير بالإنجيـل أي التبشير بملكوت الله وانقراض ملك الشيطان، والتبشير بغفران الله لخطايانا وبالقيامة من الأموات وبالحياة الأبدية، وعلي الأخص التبشير بالأخبار الطيبة، كما في الترجمة السبعينية (2صم18: 20، 25 ،27،  2مل7: 9).

الله (إنجيل الله) : ينسب الرسول بولس الإنجيل الي الله، لأن الله قد سبق منذ القديم واعد خطة الخلاص للبشر، وقد تحقق هذا الخلاص في الزمن بمجيء السيد المسيح اه المجـد الـي الأرض، وفي مواضع أخري يسمي الرسول الإنجيل، بإنجيل يسوع المسيح، لأن جوهر الإنجيل أو جوهر البشارة المفرحة هو في مجيء الرب يسوع وفدائه للبشرية.

الذي سبق فوعـد بـه بأنبيائه في الكتب المقدسة : ومعني هذا أن إنجـيـل الله أو الكرازة بالخلاص التي تعين الرسول بولس خادما لها، قد سبق فوعد الله بها منذ القديم بواسطة الأنبياء وكما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر، (۱). ولقد سبق الله منذ القديم واعد خطة الخلاص للبشر، وقد تحقق هذا الخلاص بمجيء الرب يسوع عندما أكمل عمل الغداء ودفع دين الخطية. ويلاحظ أن عـبارة في الكتب المقـدسـة، تذكر في النص الـيـونـانـي بدون تعريف أي تترجم حـرفـيـا «في كتب مقدسة، وبذلك يكون التشديد علي صـفة القداسة التي تتصف بها هذه الكتب. أن القداسة هي ضمان وعلامة الأصل الإلهي لهذه الكتب.

تفسير كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

ع1: يفتخر بولس الرسول دائما ويعرف نفسه بكونه عبد بإرادته للسيد المسيح، لأن ذاك أحبه أولًا ودعاه واختاره رسولًا بظهوره له بنفسه، ومهمته هي الكرازة ببشارة الإنجيل.

† إن رسولية القديس بولس تفتح لنا بابًا للرجاء، فكما اختاره المسيح يريد أن يختارك أنت أيضًا أيها الأخ الحبيب، بالرغم من ضعف إمكانياتك ومهما كانت حياتك الماضية، لتكون سفيرًا له وسط إخوتك بسلوكك وكلامك المستقيم.

أع28: 31 رسالة رومية رو1: 2
رسالة رومية – أصحاح 1
تفسير رومية 1 تفاسير رسالة رومية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى