رو8: 21 لأن الخليقة نفسها أيضا ستعتق من عبودية الفساد…

 

لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ.“(رو8: 21)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” لأن الخليقة نفسها أيضا ستعتق من عبودية الفساد” (رو21:8).

ماذا يعني “الخليقة نفسها”؟ يعني أنها لن تكون بعد فاسدة، بل ستتبع جمال الخلود الذي سيناله جسدك. لأنه تماما مثلما حدث، عندما صار جسدك فاسدا، صارت الخليقة أيضا فاسدة، فطالما أنه صار غير فاسد ، سيلحق عدم الفساد بالخليقة أيضا. هذا بالضبط، ما أراد أن يوضحه، لذلك أضاف ” إلى حرية مجد أولاد الله ” بمعنى أنها ستعتق إلى الحرية. لأنه مثلما يحدث مع المرضعة التي تغذي ابن الملك، عندما يتولى زمام السلطة مكان والده، فإنها ستتمتع هي أيضا بكل الخيرات معه، هكذا سيحدث مع الخليقة. أرأيت أنه في كل موضع يحتل الإنسان المكانة الأولى، وأن كل شيء يصير من أجله؟ أرأيت كيف أنه يعزي أيضا ذاك الذي يجاهد ، ويظهر محبة الله التي لا يعبر عنها للبشر؟ إذا لماذا تحزن من أجل التجارب. أنت تئن لأجل نفسك، والخليقة أيضا تئن لأجلك. وبهذا الحديث لا يعزي فقط، بل ويبرهن على أن ما قاله هو جديرا بالثقة والتصديق. لأنه إن كانت الخليقة تترجى، وأن كل شيء فيها يصير من أجلك، فبالأولى كثيرا يجب أن تترجى أنت تلك الأمور التي لأجلها ستتمتع الخليقة بخيرات الدهر الآتي. هذا ما يحدث عند البشر، حين ينال الابن مقاما أو رتبة معينة، فإن العبيد يلبسون الزي المشرق، الذي يتناسب مع مجد الابن. إذا بنفس الطريقة، فإن الله سيلبس الخليقة رداء الخلود بما يتناسب مع حرية مجد أولاد الله.

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“لأن الخليقة نفسها أيضا ستعتق من عبودية الفساد إلي حرية مجد أولاد الله” [21].

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: 

[الآن، ما هي هذه الخليقة؟ إنها لا تعنيك أنت وحدك، وإنما معك أيضًا الخليقة الأدنى، التي لا تشترك معك في العقل أو الحس، هذه تشاركك بركاتك.

يقول “ستعتق من عبودية الفساد”، بمعنى أنها لا تعود تصير فاسدة، وإنما تتمشى جنبًا إلي جنب مع الجمال الذي يُوهب لجسدك. فكما أنه عندما صار جسدك فاسدًا فسدت هي أيضًا، هكذا الآن إذ صار جسدك غير فاسد تتبعه هي أيضًا. وإذ يعلن الرسول هذا يبلغ إلي النتيجة: “إلى حرية مجد أولاد الله”، فتتحقق حريتها.

إنه يشبه مربية تربي ابن ملك، عندما ينال الابن سلطان أبيه تتمتع هي معه بالخيرات، هكذا أيضًا بالنسبة للخليقة معنا.

ها أنت ترى في كل الأمور أن الإنسان يحتل مركز القيادة، فمن أجله خُلقت كل الأشياء.

انظر كيف يلطف (الرسول) المصارع، مظهرًا محبة الله غير المنطوق بها من نحو الإنسان، إذ يود أن يقول: لماذا أنت مرتبك عند تجاربك؟ فإن كنت تتألم من أجل نفسك فإنه حتى الخليقة تتألم بسببك. وليس فقط يلطف، وإنما يظهر أيضًا أن ما ينطق به أمر ذو أهمية. لأنه إن كانت الخليقة التي أوجدت بكاملها لأجلك هي “علي رجاء” فكم بالأولى يليق بك أنت أن تكون علي رجاء، يا من مِنْ خلالك ستتمتع الخليقة بتلك الخيرات؟ 

كما أن الآباء إذ يرون الأبناء في طريقهم لنوال كرامة يُلبسون الخدم ثيابًا بهية من أجل مجد الابن، هكذا يلبس الله الخليقة عدم الفساد من أجل مجد حرية الأبناء.]

ويرى القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن الخليقة التي تئن علي رجاء هي جماعة السمائيين الذين كمن هم يئنون من أجل الإنسان ليفرحوا بتمتعه بالبنوة، وكما قال السيد المسيح إن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب (لو 15).

ويرى القديس إيريناؤس أن “الخليقة” هنا تعني “الجسد”، إذ يقول: “[من العدل أنه في ذات الخليقة التي فيها تعبوا وتألموا متزكين بكل طرق الاحتمال أن يتقبلوا مكافأة أتعابهم، وأنه في الخليقة التي فيها ذُبحوا من أجل محبتهم لله، فيها ذاتها ينتعشون مرة أخرى. الخليقة التي احتملوا فيها العبودية يملكون. فإن الله غنى في كل شيء، وكل شيء هو له. يليق إذن أن تُعاد الخليقة عينها إلي حالتها الأولى فتصير بلا مقاومة تحت سلطان البرّ كما أوضح الرسول في الرسالة إلى أهل رومية.]

ثالثا: الخليقة توبخنا برجائها كما بأنينها: إن كانت الخليقة التي تتمتع بالخيرات من أجلنا إذ سقطت تحت الفساد بسببنا تترجى مجدنا كأولاد لله لتلبس عدم الفساد، فإنها في هذا الانتظار كمن في حالة ولادة مستمرة تنتظر “جديدًا”، إذ يقول الرسول: “فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن” [22]. هذا هو حال الخليقة التي أُوجدت من أجلنا فكم بالحري يليق بنا أن نئن نحن أيضا ونتمخض بالآلام من أجل تمتعنا بكمال مجد البنوة لله ؟ 

رابعا: إن كانت الخليقة التي لم تنل شيئا قد امتلأت رجاءً وصارت كما في حالة ولادة تئن وتتمخض، فكم بالحري يليق بنا نحن الذين تمتعنا فعلاً بعمل الروح القدس في نفوسنا، فنلنا باكورة المجد في داخلنا لنترجى كمال عمله حين تخلص أجسادنا أيضا بقيامتها في يوم الرب العظيم، فتنعم مع النفوس بذات المجد، إذ يقول الرسول: “وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا نئن في أنفسنا، متوقعين التبني فداء أجسادنا” [23]؟ 

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن باكورة الروح الذي نلناه يدفعنا لهذا الأنين الداخلي المملوء رجاءً. هذه الباكورة عظيمة للغاية لا تقف عند غفران الروح لخطايانا، وإنما أيضا تهبنا البرّ والتقديس، وقد ظهرت هذه الباكورة في عصر الرسول بإخراج الرسل للشياطين وإقامة الموتى خلال ظلهم (أع 5: 15) وثيابهم (أع 19: 12). هذه هي الباكورة، فماذا يكون كمال الروح؟

إذن لنتوقع التبني كقول الرسول. كيف يكون هذا ونحن قد نلنا البنوة لله فعلاً؟ إننا نتوقع كمال مجد البنوة بقيامة الجسد من الأموات، كقول الرسول: “الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون علي صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته، أن يخضع لنفسه كل شيء” (في 3: 21)، “لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت” (1 كو 15: 53). 

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (21): “لأن الخليقة نفسها أيضًا ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله.”

الرجاء الذي تنتظره الخليقة أنها هي ستعتق وستتحرر من عبودية البطل والفساد ولا تعود فاسدة. سيكون لها نصيب في حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ = أي ستنتهي صورة العبودية التي تعاني منها = حُرِّيَّةِ. وستنتهي حالة الفساد= مَجْدِ. كل هذا من أجل خاطر أولاد الله. إذ قال الآباء، إن الأب يُلْبِسُ المربية وخدام البيت ملابس جديدة (صورة الأرض الجديدة) يوم ميلاد الابن أو في عيد ميلاده أو عرسه (يوم نلبس الجسد الممجد).

وهذا لا يفهم منه أن الأرض ستعود فردوسًا يحيا فيه الإنسان كما كان في أيام آدم، فهذا ضد فكر الكتاب المقدس (فملكوت السموات ليس أكلا ًولا شربًا – رو17:14) وهناك لا يزوجون ولا يتزوجون (مت30:22). ولا جوع ولا عطش (رؤ16:7) ولكن الرسول يريد أن يظهر فاعلية عمل المسيح، فالخليقة ستتجدد والإنسان سيتمجد، فهل نرتبك بآلام الحياة والطبيعة لها رجاء، بل هي ستتجدد من أجلك أنت يا ابن الله.؟ ولكن نحن لن نعيش في الأرض ثانية بل في السماء، لكن الله خلق الأرض والسماء، وطالما خلقهم فهو يريدهم ولن يستغني عنهم، بل سيكون لهما صورة جديدة. المهم أن الصورة الحالية للأرض ستختفي، ولن نعرف ماذا سوف يحدث تمامًا، ولكن هناك صورة جديدة للخليقة سوف تولد وهذا معنى تئن وتتمخض (آية22) . ولكننا لن نحتاج لنور الشمس مثلًا، فالمسيح بنوره سينير لنا، ولن يكون هناك ليل (رؤ5:22).

بسبب الخطية إحتجب الله عن الإنسان وعن الأرض، فصارت الأرض ملعونة بسبب خطية الإنسان، وإختفى بهاءها الذي كان. ولكن حين يتمجد الإنسان وهذا سيكون بإنعكاس مجد الله عليه (1يو3: 2)، ستأخذ الخليقة هي الأخرى صورة مجد، إذ لن يعود مجد الله محتجبا عنها. والرسول يصور الخليقة هنا أنها متشوقة وتئن منتظرة هذا اليوم الذي يتمجد فيه الإنسان، أي يوم يظهر مجد الله وينعكس عليه، وبالتالي ينعكس عليها أيضا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى