مثل زوان الحقل

 (مت 13: 24-30)

مثل الزوان هو ثاني مثل يتكلم به السيد المسيح في أصحاحَ الأمثال (مت ١٣) وهو مذكور في إنجيل متى وحده وهو واحد من ثلاثة أمثال شرحها السيد بنفسه (الزارع والزوان والشبكة) وهو أحد الأمثال التي بدأها السيد بعبارة يشبه ملكوت السموات.

تكلم الرب بالمثل إلى جموع اليهود على شاطيء بحر الجليل لكنه فسره للتلاميذ وحدهم بعد أن دخل معهم إلى البيت( مت 13: 36) وقد نفهم من ذلك أن المعنى والتطبيق اللذين قصدهما السيد من المثل يخصان التلاميذ.

لعل التلاميذ كانوا يتساءلون إن كان الملكوت قد أتى فلماذا ينتشر الشر والظلم والخطية؟ ولماذا يواجه السيد المسيح بمقاومة شرسة من اليهود؟ لذلك تكلم الرب بالمثل ليكشف لهم مصدر الشر وليوضح لهم سبب انتشار الظلم في العالم ويشرح لهم سر تدبيره في أن يؤجل الحكم على الأشرار إلى مجيئه الثاني.

يحكي المثل عن زارع زرع في حقله زرعاً جيداً لكن بعد فترة حين نما القمح فوجيء عبيده بزوان ينمو وسط القمح فرجعوا إلى السيد يتساءلون عن مصدر الزوان ويطلبون منه أن ينزعوا الزوان من الحقل أجاب السيد على عبيده موضحاً أن الأمر ليس مفاجئاً له وأنه يعلم ماذا حدث فبينما الناس نيام أتى العدو وزرع الزوان في نفس الوقت طمأن السـيد عبيده أن لديه تدبيرا من جهة الزوان وأمرهم أن يتركوا الزوان لينمو مع الزرع الجيد إلى وقت الحصاد حينئذ سيطلب من الحصادين أن يجمعوا الزوان ليحرق.

التفاصيل العديدة التي حواها المثل تشير إلى أنها رموز لحقائق روحية ويؤيد هذا الاتجاه الشرح الرمزي شرح الرب نفسه الذي قدمه للتلاميذ والذي ذكره لنا القديس متى.

فحسب شرح الرب (13: 37-42) :
الزارع هو ابن الإنسان.
• الحقل هو العالم.
• الزرع الجيد هم بنو الملكوت.
الزوان هم بنو الشرير.
العدو هو إبليس.
الحصاد هو انقضاء العالم.

أثار اكتشاف العبيد الزوان وسط القمح تساؤلين :
• ألم يزرع السيد زرعاً جيداً، لماذا ظهر الزوان؟ .
• ماذا يجب أن يعملوا ؟ هل ينزعون الزوان؟

السؤالان في جوهرهما يركزان على مصدر الشر في العالم وعن مدى جدوى مقاومة الأشرار. حين حمل العبيد السؤالين إلى السيد فوجئوا أنه يعلم ماذا حدث وأن لديه تدبيراً من جهة الزوان لذلك رفض طلبهم أن يقاوموا الشر وينزعوا الزوان وأمرهم أن يتركوا الزوان لينمو مع القمح إلى أن يحين الحصاد.

كشف الرب في شرحه للمثل أن إبليس هو مصدر الشر وهو الذي يزرع الزوان في العالم لكن حسب التدبير الإلهي لن تحل مشكلة الشر إلا وقت الحصاد أي وقت الدينونة. حسب تدبير الرب، الآن وقت نمو لذلك يجب أن يترك الزوان والقمح لينميا معاً، فلا يجب أن يحاول العبيد نزع الزوان لأن ذلك قد يتلف القمح أيضاً فقد تكون جذورهما متشابكة.

يقدم لنا المثل ثلاثة مشاهد:

المشهد الأول : البذر

يقدم لنا مشهد البذر صورة صاحب الأرض وهو يبذر في حقله الذي يملكه بذاراً جيدة. صاحب الأرض هو “السيد” “كيرى” أي “الرب”. البذار الجيدة التي زرعها السيد هم أبناء الملكوت أي الذين قبلوا كلمة الملكوت وآمنوا بابن الإنسان.

العالم الحالي هو ملكوت ابن الإنسان وهو زرع فيه كلمة الملكوت. أوضح المثل أن للرب (أي السيد صاحب الأرض) السلطان التام على العالم وهذا ما أكده الرب نفسه في عدة مناسبات مثل معجزة شفاء المفلوج حين قال للكتبة الذين اعترضوا على مغفرته لخطايا المفلوج لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك فقام ومضى إلى بيته (مت 9: 6-7).

المشهد الثاني: النمو

حمل مشهد النمو مفاجأة للعبيد إلا أنها كانت معروفة للسيد نفسه. فعند نمو القمح اكتشف العبيد أن هناك زواناً في الحقل فاحتاروا من أين أتى الزوان؟ وماذا يجب عمله؟

لم يكتشف العبيد وجود الزوان إلا حين بدأت سنابل القمح تثمر فتميز ثمرها عن الزوان عديم الثمر.

أوضح السيد لعبيده أن وقت النمو ليس وقت دينونة فالدينونة مؤجلة لزمن الحصاد والرب لا يطلب ولا يتوقع من عبيده أن يحكموا على الأشرار فالحكم والدينونة هما للرب وحده وسوف يعلن حكمه حين يأتي ثانية في مجده (وقت الحصاد).

“قال له العبيد أتريد أن نذهب ونجمعه فقال لا لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه دعوهما ينميان معاً إلى الحصاد” (13: 28-30).

ثانياً : دينونة الأشرار :

عند الحصاد سيجمع الزوان ليحرق (13: 30) ويطرح في أتون النار حيث البكاء وصرير الأسنان (13: 42).

ثالثاً : الفرح الأبدي لأبناء الملكوت :

فللأبرار “أي الحنطة أبناء الملكوت” سيتمتعون بملكوت أبيهم أما الحنطة فاجمعوها إلى مخازني (مت 13: 30).
“حينئذ يضيء الأبرار في ملكوت أبيهم” (13: 43).
لقد سبق لدانيال أن تنبأ بأن الأبرار سيضيئون في الملكوت قائلاً “الفاهمون يضيئون كضياء الجلد” (دا 12: 13)؛ الأبرار في الملكوت سيضيئون بنور الآب فيهم ويشعرون بالألفة والفرح لأن الملكوت هو ملكوت أبيهم فهم ورثة الملكوت، هم أبناء الملكوت.

أسرار الملكوت التي يكشفها لنا المثل:

يعلن لنا المثل عدة حقائق في غاية الأهمية عن الملكوت :
* الملكوت بدأ فعلاً بتجسد الابن وهو الآن يزرع بذار الملكوت في العالم. لكن العــــالم هو ساحة معارضة مستمرة من إبليس الذي ينشر الشر ليفسد الزرع الجيد.

* الدينونة هي للابن والابن وحده: رغم أن العالم الحاضر هو تحت سيطرة الابن وتحت معرفته التامة إلا أنه أجل دينونة الأشرار إلى انقضاء العالم حين يأتي ثانية في مجده حينئذ سيحكم على الأشرار ويدينهم إلى الأبد أما الأبرار فسيهبهم أن يتمتعوا بالوجود معه ليس من عمل أبناء الملكوت أن يدينوا الأشرار الآن في العالم (مت ١٧-٥) أو يحاولوا أن يفصلوهم عن الأبرار، فالدينونة هي عمل الابن وحده هو وحده يحكم على الأشرار ويختار من يتمتع بملكوته.

* تدبير الرب بالنسبة إلى الوقت الحاضر متميز عن تدبيره للمجيء الثاني الوقت الحاضر هو وقت بذر ونمو أما المجيء الثاني فهو وقت دينونة وفصل وحكم في العالم الحاضر لابد أن يتعايش البار مع الشرير حتى يأتي الرب مرة ثانية في مجده حيتئذ سيفصل الأشرار عن الأبرار ويحكم على الأشرار بالدينونة الأبدية.

* يحمل المثل رسالة تشجيع ورجاء للتلاميذ ولنا نحن أبناء الملكوت. رغم نمو الزوان فلا داع للقلق والانزعاج لأن الوقت الحالي هو تحت تدبير الابن علينا أن نجتهد في نشر كلمة الملكوت فالوقت هو وقت نمو وانتشار وانتظار للرب الذي سيأتي منتصراً في مجده عند الحصاد ليدين الأشرار وليعلن العالم ملكوتاً له. الوقت هو وقت نمو وبناء وزرع كلمة الله وليس وقت دينونة ومواجهة. أما وقت الحصاد فهو وقت الفرح الأبدي..

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى