مت5: 21-22  …ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم

 

“21«قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. 22وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. (مت5: 21-22)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

بعدما أكّد السيّد عدم نقضه للناموس بل تكميله، حوّل هذا الحديث العالم إلى التطبيق في الوصايا الناموسيّة، موضّحًا كيف يدخل بها إلى الكمال، مبتدئًا بوصيّة عدم القتل، إذ يقول: “قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم” [21-22].

*     من يعلّمنا عن عدم الغضب لا ينقض الوصيّة الخاصة بعدم القتل، بل بالأحرى يكمّلها، إذ في عدم الغضب نتنقّى، من الداخل في قلوبنا، ومن الخارج أيضًا بعدم القتل[217].

القديس أغسطينوس

*     القول “اقتل” يضاد الوصيّة “لا تقتل”، أمّا أن المسيح لا يسمح بالغضب، فبهذا يثبت فكر الناموس بصورة أكثر كمالًا، فإن من يطلب تجنّب القتل لا يوقفه مثل من يستبعد حتى الغضب، فإن الأخير يبعد بالأكثر عن الجريمة[218].

القديس يوحنا الذهبي الفم

ماذا يقصد السيّد بقوله “باطلًا”؟ إنه يريدنا ألا نخسر إخوتنا بسبب أمور زمنيّة تافهة وباطلة، مهما بدت ذات قيمة. أمّا إن كان من أجل أبديّتهم، فيليق بالأب أن يغضب على ابنه، والمعلّم على تلميذه، ليس غضب الانتقام، بل غضب التأديب النابع عن الحب. فإنه لا يقدر أحد أن يُعلّم الآخرين بغضب الكراهيّة، فالحق لا يُعلَن بالباطل، ولا يفقد الإنسان نفسه فيما يظن أنه يُصلِح الآخرين. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[لا تقف في جانب نفسك في المعركة، ولا تنتقم لذاتك، فإن رأيت إنسانًا يرتكب خطأ قاتلًا ابسط يدك لتعينه[219].] إذ يثور الإنسان بالغضب لأن أخاه ارتكب شرورًا ضدّه فلينظر إلى أخيه أنه يقتل نفسه ويهلكها، فيسنده باللطف والحنو حتى يعينه للخروج من شروره لا أن يطلب ما لذاته.

*     ليس شيء أكثر خطورة من الحنق، ولا أقسى من الغضب!

*     يوجد سُكر بالغضب أكثر خطورة من السُكر بالخمر![220]

القديس يوحنا الذهبي الفم

ينتقل بنا السيّد من الغضب كانفعال داخلي خفي إلى الغضب الذي يصاحبه تعبير خارجي عنه بكلمة لا تحمل معنى قبيحًا، وإنما مجرّد تحقير، إذ يقول: “ومن قال لأخيه رقّا، يكون مستوجب المجمع” [22]. يقول القديس أغسطينوس[221]أنه سأل رجلًا عبرانيًا عن كلمة “رقا Raca” فأجابه أنها لا تعني سوى مجرّد تعبير عن انفعال الغضب يصعب ترجمته إلى لغة أخرى. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنها تعبير سرياني كان مستخدمًا في الحديث مع الخدم والأشخاص الذين من الطبقات الدنيا، وذلك بدلًا من قوله “أنت” في هذا التعبير نوع من عدم الاحترام للشخص الموجّه إليه الحديث.

إذ يدخل الإنسان إلى مرحلة أردأ بالإعلان عن غضبه بكلمة تدل عليه يصير مستحقًا المجمع وليس فقط الحكم. ففي الحكم يكون الاتهام مشكوكًا فيه، فيبحث القاضي في الاتهام ليتأكّد من صحّته، أمّا المجمع فيحمل نوعًا من التأكّد أن الاتهام ثابتًا على المتهم، فيحدّد القضاة الجزاء الذي يسقط تحته. ففي النظام اليهودي كانت تقام محاكم في القرى والمدن يتراوح أعضاؤها ما بين 3 و23 شيخًا، يقف أمامها المتّهمون بجريمة معيّنة. أمّا المجمع فهو أعلى من هذه المحاكم إذ هو أعلى هيئة قضائيّة في ذلك الحين ويسمى “مجمع السنهدرين”. وواضح من كلمات السيّد أنه يقتبس التشبيه ليبرز خطورة الغضب المصحوب بكلمة، فلا يقف الإنسان أمام محكمة صغرى يمكن نقض حكمها، وإنما أمام أكبر هيئة قضائيّة للبت في أمره!

أما المرحلة الثالثة ففيها الغضوب، وقد التهب فيه الغضب، لا ليعبّر عنه بكلمة بلا معنى أو مجرّد تعبير عن الاستياء، إنّما ينطق بكلمات جارحة، فإنه يستحق عقابًا أعظم: “ومن قال يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنّم” [22].

كلمة “جهنّم” تتركّب من كلمتين عبريّتين: “جه، هنوم” أي “داخل هنوم”. هنوم هو وادي فيه كانت تُلقى مخلّفات الذبائح بميازيب خاصة، فكانت دائمًا مملوءة دودًا من مخلّفات الحيوانات، وكانت النار مشتعلّة فيها بلا انقطاع، لهذا جاءت رمزًا لعقاب إبليس وجنوده الأبدي، إذ قيل دودها لا يموت ونارها لا تُطفأ. في هذا الوادي أجاز أحاز ومنسي أولادهما بالنار (2 مل 16: 3، 2 أي 28: 3؛ 33: 6).

إن كانت جهنّم، موضع العقاب الأبدي لإبليس الذي صار بطبعه قتالًا، فإن من يترك نفسه لروح الغضب في استسلام فلا يقف عند الانفعال الداخلي ولا التعبير عنه بكلمة دون معنى، إنّما ينطلق إلى كلمات جارحة، هذا يسلّمه الله لسيّده فيبقى معه في جهنّم، يتركه لمشتهى قلبه الذي يستسلم للغضب!

إن كان الغضب يحمل هذه الخطورة، فكيف نستطيع أن نضبط لساننا عن كلمات الغضب؟

يجيب القديس أغسطينوس[إننا نرتعب… لأنه مَنْ من الناس لا يخاف من قول الحق: “من قال لأخيه يا أحمق يكون مستحق نار جهنّم”، وفي نفس الوقت يقول الكتاب المقدّس: اللسان لا يستطيع أحد من الناس أن يذله (يع 3: 8). يستطيع الإنسان ترويض الوحوش المفترسة، أمّا لسانه فلا يقدر أن يلجمه… يستطيع أن يهذب كل ما يخاف منه، وكل ما ينبغي أن يخشاه، لكنّه لا يقدر أن يهذّب نفسه التي لا يخافها… إذن لنلجأ إلى الله الذي يستطيع أن يلجمه…! لنبحث بدورنا عن الله لكي يروّضنا… أنتم تروِّضون الأسد الذي لم تخلقوه، أفلا يستطيع خالقكم أن يروّضكم…؟! من أين أتيتم بهذه القوّة التي بها تُخضِعون الحيوانات المفترسة؟! هل تستطيع صورة الله (الإنسان) أن تروض الأسد المفترس، ولا يستطيع الله ترويض صورته؟[222]]

 

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آيات (21 ،22):- 

قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم.وأما أنا فأقول لكم أن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم.

نرى السيد المسيح هنا يتتبع البواعث الداخلية التى تدفع للخطية ليقتلع أصول الشر من النفس. والباعث على القتل هو الغضب، والسيد يحدد هنا ثلاث درجات.

1-  الغضب الباطل= تحرك الغضب فى القلب وقوله أنه باطل أى صادر عن قلب شرير حاقد يفضى للعراك والقتل، وهناك غضب حميد قال عنه بولس الرسول ” إغضبوا ولا تخطئوا“(أف 26:4) ولكن عموماً فغضب الإنسان لا يصنع بر الله (يع 20:1) وهذا الغضب الباطل يستوجب الحكم. والحكم هنا يعنى محاكم القرى وتتكون من (3-23) عضواً وقد يعنى الغضب الباطل، الغضب بسبب أمور تافهة وزمنية مهما بدت ذات قيمة، والغضب المطلوب هو غضب أب يغضب على إنحراف إبنه أو غضب معلم يغضب على إهمال تلميذه.

 ولاحظ أن الدرجة الأولى هى غضب داخلى لم يصاحبه التفوه بكلمات إهانة. 

2-  من قال لأخيه رقا= هنا خرج الغضب إلى الخارج فى صورة كلمة استهزاء للآخر. وكلمة رقا كلمة سريانية تعبير عن إنفعال الغضب، كلمه إمتهان يمتهن بها الشخص على سبيل الإحتقار ( بدلاً من قوله أنت يقول رقا) وقد تعنى باطل أو فارغ أو تافه، أو كمن يستهزئ بأحد ويقول “هئ” فى هذه الحالة يستوجب الشخص أعلى هيئة قضائية فى ذلك الحين وهى السهندريم= المجمع وهو مكون من 70 شيخ، وهذا له أن يحكم الرجم. وكان حكم محاكم القرى يمكن نقضه أمام المجمع، ولكن حُكم المجمع لا يُنقض.

3-  من قال يا أحمق = هنا الشخص يعبر عن غضبه بكلمة ذم. فكلمة رقا كلمة بلا معنى ولكن هنا الحال أسوأ فكلمة أعمق كلمة جارحة، ومثل هذا يستوجب عقاباً أشد. فجهنم هى مكان إبليس الذى كان قتالاً للناس، ومن يترك نفسه للغضب يتشبه بإبليس فيكون معه فى جهنم. وكلمة جهنم تنقسم لقسمين 

أ–جيه وعنى أرض ومنها GE OGRAPHY علم خرائط الأرض، GE OLOGY علم طبقات الأرض. 

ب– هنوم وهو وادى تلقى فيه الفضلات ويحرقونها، فهو نار متقدة دائماً. ويصير معنى جهنم (جيه هنوم) 
أى وادى أو أرض هنوم وهو مكان نار مستمرة ودود مستمر، وهذا يشير للعذاب الأبدى. عموماً وصية العهد الجديد هى المحبة، وأى خروج عن المحبة هو خطية وعصيان لوصية الله أى المحبة، حتى الشتيمة البسيطة تجرح المحبة وتسىء إلى الله. ولاحظ أن الشتيمة البسيطة قد تثير عراك يفضى إلى القتل.

أما أنا فأقول = لا يجرؤ نبى أن يقول هذا، فالنبى يقول ” هكذا يقول الرب” أماّ المسيح واضع الناموس فيقول هذا. 

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى