يو٢: ١٦ وقال لباعة الحمام:ارفعوا هذه من ههنا، لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة
“12وَبَعْدَ هذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّامًا لَيْسَتْ كَثِيرَةً 13وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 14وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا. 15فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. 16وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ:«ارْفَعُوا هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!». 17فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي».“ (يو2: 12-17)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“وقال لباعة الحمام:ارفعوا هذه من ههنا،
لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة”. (16)
صعد يسوع إلى أورشليم ليطهر هيكل أبيه الذي تحول إلى بيت تجارة، وها هو يصعد على الدوام إلى أورشليمنا الداخلية، إلى أعماقنا، ليقيم منها هيكلاً سماويًا مقدسًا للآب، يطهره من كل تجارة وفساد.
v قال: “لا تجعلوا بيت أبي“، ولم يقل “بيت أبينا”، لأنه حسب هذا القول أكثر مناسبة… حيث أن الكلمة يعرف أنه من جوهر اللَّه الآب وليس في عداد أولئك الذين هم أبناء بالنعمة. لذلك فهو يفصل نفسه عن الباقين، ويدعو اللَّه أباه.
v إننا لا نسكت على الهراطقة الذين يفصلون العهد القديم عن الجديد. إنما نؤمن بالمسيح القائل عن الهيكل: “أما تعلما أنه ينبغي أن أكون في بيت أبى؟”. وأيضًا: “ارفعوا هذه من ههنا، لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة”. هنا يعترف بأكثر وضوح أن الهيكل السابق في أورشليم هو بيت أبيه.
v لم يقل المسيح لا تجعلوا البيت المقدس لكنه قال:” لا تجعلوا بيت أبي“، فها هو يدعو الله أباه. لم يغتاظوا منه لأنهم ظنوه يقول هذا القول على بسيط ذات القول، لكنه لما تكلم بهذا القول فيما بعد أفصح أنه تكلم مريدًا أن يبين معادلته لأبيه، حينئذ اغتاظوا منه.
تفسير الأب متى المسكين
15:2 -16 فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: «ارْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا. لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ».
«اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم. أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة. لماذا لى كثرة ذبائحكم يقول الرب. اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر. حينما تأتون لتظهروا أمامي، من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دوري؟ ….. البخور هو مكرهة لي, رأس الشهر والسبت ونداء المحفل, لست أطيق الإثم والاعتكاف, رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي، صارت علي ثقلاً، مللت حملها, فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن كثرتم الصلاة لا أسمع, أيديكم ملأنة دماً, اغتسلوا، تنقوا, اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشر, تعلموا فعل الخير, اطلبوا الحق، انصفوا المظلوم، اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة.» (إش 10:1-17)
يُعتبر عمل المسيح هنا أول حركة تطهير يقوم بها. وصدق هنا قول بطرس الرسول الذي نقله عن الأنيباء: «لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله.» (1بط17:4)
وهنا لفتة طقسية وروحية عالية القدر لا نريد أن نفوتها، لأن هذا الوقت الذي فيه دخل المسيح الهيكل للتطهير هو عشية الفصح, بداية رفع الخمير من البيوت، رمز بداية حياة طاهرة جديدة لسنة جديدة، وللتعييد سبعة أيام عيد الفطير. فالمسيح أراد، إنما من روح المناسبة وضرورتها, أن يعيد للأمة طهارتها ونقاوتها، أو بالحري أراد أن يدق ساعة التجديد عالياً لبداية أزمنة تجديد العالم كله.
لم يكن سوطاً بالمعنى الصحيح، وإنما مجموعة من حبال ملفوفة أخذها من أيدي تجار البهائم. لها شكل وليس لها فعل، فهي رمز السلطان وليس لتأديب الأشرار. ويلاحظ أنه كان للمسيح هيئة مخيفة ومرعبة، أليس هو المسيا كما جاء عند صلبه: «فقال لهم إني أنا هو» فرجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض» (يو6:18)؟! مع أنهم كانوا جنوداً رومانيين قلبهم كقلب أسد، مع خدام رؤساء الكهنة.
ولك، أيها القارىء، أن تتصور مدى الرعب والإنزعاج اللذين حلا بكل أصحاب هذا السوق ومدى إذعانهم لصورة العنف الزائد هنا، وهذا يتضمن أيضاً إحساس الجميع بالخطأ المريع والخطية التي كانوا يقترفونها في حق بيت الله. وكان المنظر والعمل ليس مجرد تطهير وحسب بل إعلان ظهور المسيا لذوي العيون المفتوحة!
والذي يلفت نظر قارىء إنجيل يوحنا هو أنه طرد الغنم والبقر جيعاً، فالمعنى الصارخ أنه قد انقض عهد الذبائح، والهيكل بدون الذبائح لا وجود له بحسب الطقس لأنه فرائض إجبارية على الكهنة وعلى الشعب أيضاً، إذ منصوص في الناموس أن لا تتراءى أمام الله ويدك فارغة! «لا يظهروا أمامي فارغين» (خر15:23)؛ «ثلاث مرات في السنة يحضر جميع ذكورك أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره في عيد الفطير وعيد الأسابيع وعيد المظال ولا يحضروا أمام الرب فارغين» (تث16:16). وبهذا يكون المسيح قد أفرغ الهيكل من مضمونه كهيكل ذبائح وعطايا: «يا امرأة صدقيني إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل (جبل جرزيم) ولا في أورشليم يسجدون للأب.» (يو21:4).
وواضح من كلام الرب بعد ذلك أنه استعاض عن كل الذبائح وما إليها «بالصلاة»: «بيتي بيت الصلاة يُدعى».
والذي يلفت النظر الترتيب العكسي للذبائح الذي أورده القديس يوحنا هنا، حيث ذكر الغنم قبل البقر «الغنم والبقر ثم الحمام»، وكلمة «جميعاً». هذا الترتيب يسترجع إلى الذهن في الحال المزمور 7:8 «الغنم والبقر جميعاً وطيور السماء». هذا المزمور ماسياني بالدرجة الاولى, فهو مختص بـ «ابن الإنسان» الذي أنقصه قليلاً عن الملائكة (طبعاً بسبب الموت) «وبمجد وبهاء كللته» بسبب القيامة. وهو نفس المزمور الذي تكلم عنه إنجيل متى على لسان المسيح قائلاً: «أما قرأتم قط من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً» (مت16:21، م 2:8)، الأمر الذي حدث في نفس الهيكل: «والأولاد يصرخون في الهيكل ويقولون أوصنا لابن داود.» (مت15:21)
كما ينبغي أن نلفت النظر إلى أن هذه السوق التجارية المليئة بالأوزار كان مقرها في رواق الأمم حيث يمكن الدخول لبائعي الحيوانات والمتعهدين بأكلها وشربها، وهم غالبأ من طبقة الفلسطينيين الوطنيين أي الكنعانيين أصلاً الذين أعطى لهم أن يمارسوا الأعمال التي تُحسب أنها نجسة عند اليهود. وهنا تظر نبوة زكريا النبي واضحة: «وفي ذلك اليوم لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود.» (زك12:14)
ومعروف أن الكعانيين كانوا تجار غش: «الكنعاني في يده موازين الغش.» ( هو7:12)
وهكذا تكون قد كملت الصورة التي رأها إرميا النبي من وراء الدهور ووصفها وصف رؤية العين: « هل صار هذا البيت الذي دُعي باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم؟ هأنذا أيضاً قد رأيت يقول الرب.» (إر11:7 ) وهي النبوة التي أخذت بها الأناجيل: مت 13:21 , مر 17:11 , لو46:19، ونقلت النبوة على لسان المسيح. أما في إنجيل يوحنا فقد اقتصر كلام الرب على قوله: «لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة».
بيت تجارة: يقابلها في اللاتيني negotiations وتعني مكان حركة مقايضات وهكذا صار الهيكل ليس هيكل الله بل احتله أصحاب المهن والمصالح الخاصة وفقد هدوء الصلاة.
وقد قالها المسيح في بكور حياته: «ينبغي أن أكون فيما لأبي» (لو49:2)، حينما مكث في الهيكل مع المعلمين. أما الإشارة إلى أن «بيت أبي بيت الصلاة يدعى»، فهي مأخوذة من إشعياء النبي كواقع الحال على أحسن حال: «أتي بهم إلى جبل قدسي وأفرحهم في بيت صلاتي وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة عل مذبحي لأن بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب.» (إش7:56) وهي طرف النبوة التي جاءت على لسان المسيح في لو46:18.
ولكن لغة المسيح انقلبت عل هؤلاء المخالفين المتشبثين بخُلفهم، فبدل «بيتي» و«بيت أبي» و«بيت الصلاة» قال لهم أخيراً وعلى هذا الهيكل والبيت عينه: «هوذا بيتكم يترك لكم خراباً»!! (مت38:23)
هنا يكون المسيح قد أجرى عملاً نبوياً وماسيانياً بالدرجة الاولى تشهد له كل هذه النبوات التي قيلت، والقصد الأساسي أن يعلن المسيح نفسه لهم أنه هو «السيد الذي تطلبونه» وأنه هو هو «ملاك العهد الجديد الذي يُسرون به». وهنا تجىء كلمة «ملاك» في النبوة بالنسبة للعهد الجديد في توازى مع العهد الأول الذي استلموه بيد ملاك حسب تقليدهم: «أنتم الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه» (أع53:7)، وأيضاً «لأنه إن كانت الكلمة (التوراة) التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعد ومعصية نال مجازاة عادلة فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به.» (عب2:2-3)
ولكن كان نصيب عمله في الهيكل مثل كل آية عملها وكل تعليم، حيث كان يقابله البعض من الخاصة بالفرح والإيمان, ويبنون عليه ما قيل من الأنبياء فيتثبت أكثر، والبعض الآخر يقابله بالصد والمصادرة وطلب المزيد من البرهان. وسوف نرى أنه بسبب هذا العمل الذي عمله المسيح في الهيكل بدأت عمليات التربص بالمسيح لقتله، لأن رؤساء الكهنة رأوا في ذلك خطرا داهما على مجال رزقهم.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
(الآيات 15،16): راجع (إش10:1-17+ 1بط17:4). والمسيح يبدأ حركة التطهير. ونلاحظ أن الفصح كان قريباً والفطير كان قد إقترب والمعنى واضح فالمسيح يريد تطهير شعبه من خمير الخطية. والمسيح إستخدم سوطاً من حبال= والحبال كانت في يد تجار الماشية مع ماشيتهم والحبال لها شكل وليس لها فعل، هو رمز للسلطان وليس للتأديب، طرد بها السيد تجار الماشية، الصيغة المستخدمة في الإنجيل تشير أن المسيح لم يضرب أحداً بالسوط. أما الحمام الوديع الهادئ قال عنه المسيح إرفعوا هذه.. ومن المؤكد فلقد ظهر على المسيح هيبة عجيبة جعلتهم يسرعون هاربين منه دون إعتراض وطرد الذبائح إشارة لإنتهاء عهد الذبائح الدموية، والآن سيقرب الذبيحة الحقيقية. والمسيح إستعاض عن الذبائح الإجبارية على اليهود بالصلاة، حين قال “بيتي بيت الصلاةيُدعى”. وكان عمل المسيح هذا سبباً في أن يتربص به اليهود ليقتلوه فرؤساء الكهنة شعروا أن تجارتهم في خطر. إرفعوا هذه من ههنا= نحن هيكل الله وينبغي أن نرفع كل فكر رديء أو شهوة رديئة أو نظرة رديئة، داخل الكنيسة أو خارجها.