رو9: 20 …ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا؟

 

بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَالِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟»“(رو9: 20)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله ” (رو20:9).

يقول الرسول بولس هذا الكلام، لكي يوقف الفضول الذي يأتي في وقت غير ملائم، من جانب مثل هذا الإنسان، الذي يعلق كثيرا، ويضع له لجاما، ولكي يعلمنا من هو ومن هو الإنسان، وكيف أن عنايته غير مدركة، ويوضح كيف أنها أسمى من تفكيرنا، وكيف أن كل شيء ينبغي أن يخضع له، حتى أن الرسول بولس، حين يبرهن على ذلك للمستمع، ويجعل إرادته مرنة، عندئذ يضيف الحل بطريقة غاية في السهولة، هكذا يجعل الكلام مقبولاً بالنسبة له.

هو لم يقل، إنه أمر مستحيل أن تقدم حلا لهذه الأمور، بل لا يصح أن نفحص الأمور المشابهة أو المماثلة . لأنه يجب أن نؤمن بما يصنعه الله ولا نتفحصه، وحتى لو كنا نجهل أسبابه، ولهذا يقول: ” من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله “. أرأيت كيف أنه احتقر التباهي والتفاخر ورفضه؟ “من أنت أيها الإنسان “؟ هل تُشارك في القدرة الإلهية؟ هل عينت مشيرا لله؟ لأنه لا يمكنك أن تكون شيئا، بل ولا ثمثل شيئا مقارنة بالله. لأنه من حيث إنه يقول من أنت، فهو يركز هنا على عدم قيمة الإنسان الذي يجاوب الله، أكثر من تركيزه على فكرة أنك لا شيء . من جهة أخرى فهو يعلن من خلال سؤاله عن نوع من الغضب، ولم يقل من أنت أيها الإنسان الذي تتحاور مع الله؟ بل “من تجادل”، بمعنى من أنت يا من تعارض، أو يا من تقاوم. لأنه عندما يحكم أحد على أعمال الله، ويقول: هكذا كان ينبغي أن يكون، أو ليس هكذا، فهذا ما يوصف بأنه اعتراض . أرأيت كيف أنه أخافهم وأفزعهم، وجعلهم يرتجفون بالأكثر فلا يجرؤون على البحث والفحص؟ هذه هي صفة مميزة للمعلم المتميز، ألا يتبع رغبات التلاميذ المتنوعة في كل الإتجاهات، بل أن يقودهم إلى إرادته، وبعدما ينزع الأشواك من طريقهم، فإنه يبدأ في إلقاء البذار، ولهذا لا يجيب مباشرة على التساؤلات التي تطرح من كل نوع.

7 ـ ” ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان ” (رو21:9).

إنه لم يقل هذا لكي يلغي حريتنا، بل لكي يظهر إلى أي مدى يجب أن نطيع أو نخضع لله. إذا عندما نحاول أن نناقش الله في قراراته، فلن يكون سلوكنا بصورة أفضل من الطين . لأنه ليس فقط لا ينبغي أن تعارض، بل ولا أن نطلب من الله أن يقدم لنا تقريرا عن أعماله، ولا حتى أن نتكلم، ولا أن تفكر، بل علينا أن نكون مثل الطين الطيع في أيدي الخزاف، والذي يتحول إلى الشكل الذي يريده ذلك الخزاف. لقد أورد الرسول بولس هذا المثل، ليس لمجرد إظهار التصرف الذي يجب أن يكون عليه المرء، بل لكي يشير إلى الطاعة غير المحدودة وإلى السلوك الكامل. ويجب أن ننتبه في كل موضع، إلى أنه لا ينبغي علينا أن نتعامل مع الأمثال على أنها وحدة واحدة، بل يجب أن تأخذها بكامل عناصرها، ثم نختار العنصر أو الجزء المفيد منها ، ولهذا إستخدمت الأمثال، ثم نترك البقية . تماما مثلما يقول: ” جثم كأسد “، يقصد به ذاك الذي لا يقاوم، والمرعب، ونستبعد عنصر الوحشية أو الشراسة، وأية خاصية أخرى من خصائص الأسد. وأيضا عندما يقول: “أصدمهم كدبة مثكل[هو13: 8]، يقصد رغبة الإنتقام. وعندما يقول: “لأن الرب إلهك هو نار آكلة”، يقصد الهلاك في الجحيم. هكذا هنا أيضا يجب أن نفهم المعنى المقصود من الطين، ومن الخراف والآنية.

ولكن عندما يضيف قائلاً: ” أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان “، لا يجب أن تعتقد أن الرسول بولس قال هذا عن عملية الخلق، ولا للأسس التي يتطلبها تحديد نظام المخلوقات، بل يعني بذلك سلطان الله من ناحية، والتنوع الذي يوضحه أعماله من جهة أخرى. لأنه إن لم نفهمها هكذا، فلابد أن ينتج عن ذلك أمور كثيرة لا تليق بالله. إذن لو أن الكلام هنا عن الترتيب أو النظام، وعن الصلاح، والشرور، فسيكون الله هو الخالق، ولن يكون الإنسان متسببا في أي شيء. وأيضا سيظهر القديس بولس ذاته، وهو الذي يمتدح دائما حرية الاختيار، كأنه يتناقض مع نفسه. إذا فهو هنا لا يريد شيئا آخرا، سوى أن يقنع السامع تماما، بأن يتراجع أمام الله، وألا يضعه موضع المساءلة البتة عن أى شيء. لأنه كما أن الخراف يصنع من كتلة واحدة الأواني التي يريدها، ولا يعترض احد على ذلك. هكذا الله أيضا، الذي يدين البعض ويكرم البعض من نفس جنس البشر، ولا ينبغي أن تفحص عمله هذا، بل تخضع له فقط، وأن تتمثل بالطين، فكما أن الطين يصبح طيعا في أيدي الخراف، هكذا أنت أيضا يجب أن تُطيع رأي ذاك الذي يدبر كل الأشياء، لأنه لا يصنع شيئا بدون سبب، ولا مصادفة، حتى وإن كنت لا تعلم أسرار حكمته.

ومن المؤكد أنك تترك الخزاف يصنع من كتلة واحدة أواني مختلفة، ولا تدينه، بينما تطلب من الله أسبابا عن إدانة البعض وتكريم البعض الآخر، ولا تسمح له بمعرفة من هو المستحق ومن هو غير المستحق، خاصة عندما تكون نفس الكتلة هي من نفس الجوهر، فإنك تطلب وترغب أن تنتج عنها أشكال متشابهة. ألا يعتبر هذا التفكير علامة على درجة خطيرة من الجنون؟ على الرغم من أن وجود التافه والمهم لا يرجع إلى كتلة الطين ـ في حالة الخراف ـ بل يعتمد على حرية الاختيار ( في استخدام الإناء). إلا أنه، وكما سبق وأشرت يجب أن نأخذ هذا المثال، بهذا المعنى فقط، أي أنه لا يجب أن تُعارض الله، بل أن نتراجع أمام عنايته غير المدركة. بالإضافة إلى أنه يجب أن تكون الأمثلة التي تخص أولئك المشار إليهم ـ أي الذين يعترضون على تدبير الله ـ أكبر من هذه المطالب، حتى تصير هذه الأمثلة، حافزا للمستمع، لأن يخضع لإرادة الله بالأكثر، لأن الأمثلة إن لم تكن واضحة، فلن يكون ممكنا أن تكون لها فاعلية في تبكيت ذاك الذي يعارض كما ينبغي .

٨ ـ هكذا الرسول بولس أوقف نزاعهم بأسلوب لائق جدا. لكنه بعد ذلك قدم الحل أيضا. فما . هو هذا الحل؟ يقول:

” فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضبه مهيأة للهلاك. ولكي يبين غني مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد. التي أيضا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضا ” (رو22:9-24).

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

لأنه يقول الكتاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي، ولكي ينادي باسمي في كل الأرض، فإذًا هو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء. فستقول لي: لماذا يلوم بعد؟ لأن من يقاوم مشيئته! بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله؟ ألعل الجبلة تقول لجابلها: لماذا صنعتني هكذا؟ أم ليس للخراف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناءً للكرامة وآخر للهوان؟ فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك؟ ولكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد التي أيضًا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط، بل من الأمم أيضًا” [17-24].

ويلاحظ في هذا النص الآتي:

أولاً: غاية هذا الحديث ليس تجاهل حرية الإنسان، الأمر الذي ليس موضع حديث الرسول هنا، إنما تأكيد دور الله في خلاصنا؛ إنه يعمل فينا لا عن استحقاق من جانبنا، وإنما عن حبه وفيض رحمته كنعمة مجانية.

v بهذا يتكشف بجلاء أن نعمة الله ورحمته تعملان دومًا لأجل خيرنا، فإذا تركتنا نعمة الله لا تنفع كل الجهود العاملة شيئًا؛ مهما جاهد الإنسان بكل نشاط لا يقدر أن يصل إلى حالته الأولى بغير معونة الله.

الأب دانيال 

v في كل فضيلة إذ نشعر بتقدم فيها ننطق بكلمات الرسول: لا أنا بل نعمة الله التي معي، بنعمة الله أنا ما أنا” (1 كو 15: 10)، الله هو العامل فينا (فيكم) أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته (في 2: 13). إذ يقول مقدم خلاصنا نفسه: الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كبير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا” (يو 15: 5). كما قيل: إن لم يبن الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون، وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً يتعب الحراس (مز 126: 1-2).

القديس يوحنا كاسيان 

v لنتحقق ماذا يعني هذا؟ إن الأمر ليس بخصوص من يشاء أو من يسعى، وإنما بخصوص الله الذي يرحم. فإن كنا لا نشاء ولا نسعى، فالله لا يأتي ليعيننا. فمن جانبنا يلزمنا أن نشاء وأن نسعى فيتراءف علينا، لكن إن نام المصارع يفقد النصرة.

القديس جيروم

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن هذا الحديث الرسولي كان خطوة تمهيدية للسامع لكي يلين روحه المتعجرفة التي تنتقد خطة الله نحو خلاص الأمم، فقبل أن يكشف سرّ خطة الله أراد أن يؤكد للسامع أنه ليس من حقه أن يقف هكذا موقف الناقد أو الديان لله، وكأن الرسول يقول: [عملنا هو أن نخضع لما يفعله الله لا أن نكون متطفلين محبين للاستطلاع حتى وإن كنا لا نعرف حكمة تصرفاته. لذلك قال: “من أنت الذي تجاوب (ضد) الله”؟ من أنت؟ هل أنت شريكه في سلطانه (أي 38)؟ بل! هل تجلس لتدين الله؟… إنه لم يقل: “من أنت الذي تجاوب الله؟” بل “تجاوب ضد الله”. أنظر كيف يرعبهم ويخيفهم فيجعلهم في رعدة عوض تساؤلهم وتطفلهم. هذا ما يفعله المعلم الممتاز الذي لا يجري وراء تخيلات تلاميذه الباطلة أيا كانت، إنما يقودهم إلى فكره بانتزاع الأشواك عنهم وغرس البذار، فلا يجيب في كل الحالات على الأسئلة التي تقدم له.]

يقف غير المؤمن من الله موقف الناقد لكل تصرف إلهي، أما الإنسان التقي فيقول مع إرميا النبي: أبرّ أنت يا رب من أن أخاصمك، لكن أكلمك من جهة أحكامك: لماذا تنجح طريق الأشرار؟” (إر 12: 1).

يفرح الله ويسرّ بأولاده مشتاقًا أن يدخلوا معه في حوار، لكنه على أساس إيماني تقوي، حديث الابن الذي يتكئ على صدر أبيه لينهل منه أسرار أحكامه، ويتمتع بحكمته العلوية حتى وإن عاتبه أو خالفه أو حاججه. أما إن أخذ موقف الناقد العنيد، كما فعل بعض الفعلة مع صاحب الكرم حين أظهر الأخير كرمه ومحبته (مت 20: 1-16)، إذ قال للمتذمرين: يا صاحب ما ظلمتك… فخذ الذي لك واذهب، فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك، أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بمالي؟” يوجه الرب نفسه هذا التوبيخ لليهود الذين يرفضون رحمة الله على الأمم متذمرين على إحساناته بإخوتهم في البشرية.

ثانيًا: يليق بالإنسان عوض أن يقف كناقدٍ لتصرفات الله الفائقة يطلب أن يملأه حكمة ومعرفة ليكتشف أمورًا عجيبة؛ ففي العهد القديم الذي يؤمن به اليهود ويفتخرون به جاء قول الله لفرعون: إني لهذا أقمتك لكي أظهر فيك قوتي، ولكي ينادى باسمي في كل الأرض” [17](خر 9: 16 الترجمة السبعينية)، فالله الذي رحم موسى سمح فأقام فرعون ملكًا، وأبقاه حيًا لكي يستخدم قسوة قلبه لإعلان مجد الله، وبسبب عنفه مع شعب الله يُنادي باسم الرب في كل الأرض، إذ جاء في تسبحة موسى: يسمع الشعب فيرتعدون، تأخذ الرعدة سكان فلسطين، حينئذ يندهش أمراء أدوم، أقوياء موآب تأخذهم الرجفة، يذوب سكان كنعان (خر 15: 14-15). اختار الله موسى دون فرعون، وكما قال الرسول: “فإذًا هو يرحم من يشاء، ويقسي من يشاء” [18]. ليس لنا أن نتساءل: لماذا رحم موسى وقسى قلب فرعون؟ لأن حكمة الله تفوق حكمتنا، إنما ما يمكننا أن نعرفه إن الله يعلم قلب موسى واشتياقه فسنده بنعمته ليتمجد فيه خلال الرحمة، أما بالنسبة لفرعون فكان قلبه قاسيًا (خر 8: 15، 32؛ 9: 34؛ 10: 6)، وإنما ما فعله الله أنه لم ينزع هذه القسوة عنه قسرًا، إنما رفع يده عنه فبقى فرعون في قسوة قلبه، أو بمعنى آخر سمح له أن يمارس عنفه ضد شعب الله ليتمجد الله حتى في هذا العنف الشرير. الله الذي سند موسى بالرحمة لم يمنع فرعون عما يكنه قلبه الشرير، فيكمل موسى كأس مجده ويكمل فرعون كأس شره، والله يتمجد بهذا وذاك.

ثالثًا: اقتبس الرسول بولس من العهد القديم أيضًا الذي يقدسه اليهود مثال الفخاري (إر 18: 1-10) ليؤكد به أن الإنسان في علاقته بالله كالطين في يد الخزاف، وكالجبلة في يديّ جابلها، ليس له أن يعترض على تصرفات الله وحكمته، فمن حق الخزاف أن يصنع من كتلة واحدة إناءً للكرامة وآخر للهوان، وهو يتمجد في الإناءين.

يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم علي هذا المثال قائلاً:

[لم يقل هذا لينزع حرية الإرادة وإنما ليظهر إلى أي مدى يجب أن نطيع الله، فإذ يُدعى الله خزافًا نكون نحن بالنسبة له كقليل طين مهيأ قدامه، فيليق بنا أن نكف لا عن المجادلة والتساؤلات فحسب، وإنما حتى عن النطق أو التفكير بالكلية… هذه هي النقطة الوحيدة التي يطبقها الرسول في التشبيه، إذ لا يُقصد به إعلان نظام الحياة (إذ يفسره الهراطقة أن الله يخلق طبيعتين صالحة وشريرة) إنما يقصد فقط الطاعة التامة والالتزام بالصمت…

هذا ما يجب مراعاته في كل الأحوال عند استخدام التشبيهات، فلا نطبقها في كل النواحي، إنما نختار ما هو مناسب فيها، والذي لأجله قُدم التشبيه، ونترك الباقي…

عندما يقول: “أم ليس للخراف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان؟” [21]، لا تظن أن الرسول قال هذا بخصوص الخليقة أنها مجبرة بلا حرية إرادة، إنما لمجرد إظهار السلطان وتدابير الله المتنوعة… فإن فسّرناه بغير هذا ندخل في أخطاء متنوعة، فلو أنه كان يتحدث هنا عن الإرادة، وأنه هو خالق الإرادة الصالحة والإرادة الشريرة لأعفى الإنسان من المسئولية، ويظهر بولس نفسه متناقضًا مع نفسه، إذًا يُقدم على الدوام تقديرًا عظيما لحرية الإرادة.]

بمعنى آخر، يؤكد القديس الذهبي الفم أن الرسول يود أن يقدم جانبًا واحدًا من المثل وهو أن الله يعمل بنا ولا نقدر نحن إلا أن نطيع. لكنه لا ينزع عنا حرية إرادتنا، فإن أردنا الحياة معه يقوم هو بتغييرنا لمجد اسمه، بطريقة تفوق إدراكنا.

هذا ويمكننا أن نقول إنه كخزافي قادر أن يشّكلنا، لكن لا يقف الأمر عند القدرة مجردة، إنما وهو القدير هو الأب والحكمة عينها، يعمل بحكمته وخلال أبوته مشتاقًا أن يشّكل كل الطين إلى أوانٍ للكرامة، لكنه يكرم حرية إرادتنا، وإذ نرفض عمله نبقى بلا كرامة ونفقد عمل يديه المقدستين للنفس والروح والجسد.

إنه خزاف يتبنى آنيته ويحبها ويشتهي خلاص الكل، كما قيل: الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4) ؛ الله يُسّر بالرأفة (مي 8: 18) ؛ من يقبل إلىّ لا أخرجه خارجا” (يو 6: 37) ؛ “لا يُسر بموت الشرير، بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا” (حز 33: 11).

رابعًا: إن كان الله يتمجد في آنية الكرامة بإعلان عمل نعمته المجانية في حياة مؤمنيه المجاهدين، مشتاقًا أن يكون جميع البشر آنية كرامة، لكن إذ أصر البعض إلا أن يصيروا آنية للهوان، فحتى في هذا يتمجد الله، إذ يبرز غضبه وسخطه على الخطية، فيدين الخطاة بكونه القدوس الذي لا يقبل أن يشاركه الأشرار مجده المقدس [22]، ومن جانب آخر يتمجد بطول أناته على الإنسان [22]، فإن الله يحتمل الأشرار زمانًا ولا يعاقبهم فورًا بالرغم من تجديفاتهم ومقاومتهم لعمل الله. هذا ما قصده بقوله: “فماذا إن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوة احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك” [22].

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (20): “بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب الله العل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا.”

الجبلة= الخلقة أي الشيء المخلوق. وبدون شك لا يستطيع أحد أن يقاوم مشيئة الله، وليس لأحد الحق أن يراجع الله ويسأله عن عمله. ولكن أبناء الله يسألونه بدالة المحبة والبنوة (أر1:12).

بل من أنت؟= هل أنت شريك لله في سلطانه، بل أنت وأنا لسنا أكثر من طين صنعه الله وشكَّله، فهل من حقي أن أحاكم الله. والله كخزاف (صانع آنية من طين) يتوق أن يجعل كل الآنية، آنية للكرامة، ولكن الله يكرم حرية إرادتنا، وإذ نرفض نبقي بلا كرامة ونفقد عمل يديه المُقَدِّسَتِينْ للنفس والجسد والروح. فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تي4:2). وهو الذي يقول من يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً (يو37:6). لكن من يُصِّرْ أن يبقي آنية هوان مثل فرعون فسوف يتمجد الله به أيضاً إذ سيظهر فيه سخطه علي الخطية.

 

  •  

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى