يو11: 11 …لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه
“قَالَ هذَا وَبَعْدَ ذلِكَ قَالَ لَهُمْ:«لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ».” (يو11: 11)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“قال هذا، وبعد ذلك قال لهم:
لعازر حبيبنا قد نام،
لكني أذهب لأوقظه”. (11)
يدعو السيد المسيح المؤمن “حبيبنا“، ولم يقل “حبيبي”، فإن دخولنا في عهد مع الله يجعلنا أحباء ليس فقط له، بل ولكل الكنيسة، بكونه عضوًا فيها. موت لعازر لا يقطع الصداقة بينه وبين السيد المسيح وكنيسته، بل يبقى صديقًا له ولكل الكنيسة عبر كل الأجيال.
v كأنه يقول: “إنني لست أذهب بذات الهدف الذي كان قبلاً، أن أجادل وأصارع مع اليهود، وإنما لكي أوقظ صديقنا.
يدعو السيد المسيح الموت “نومًا“. النوم فيه راحة جسدية حيث يستعيد الجسم طاقته، ليبدأ بيقظته يومًا جديدًا في حيويةٍ ونشاطٍ. هذا حق بالنسبة لنوم الموت، فالمؤمن إذ ينام يقوم في حياة جديدة بإمكانيات جديدة في عالم جديد.
v بالحقيقة لا يُقال عن القديسين أنهم أموات بل يقال عنهم أنهم راقدون.
v بالنسبة لأختيه هو ميت، أما بالنسبة للرب فهو نائم. هو ميت بالنسبة للبشر غير القادرين أن يقيموه، أما الرب فأقامه من القبر بسهولة جدًا كمن ييقظ نائمًا على سريره. فإنه بالنسبة لسلطانه تكلم معه كنائمٍ، وأيضًا بالنسبة للآخرين وهم موتى غالبًا ما يتحدث الكتاب المقدس عنهم كنائمين. وكما يقول الرسول: “ثم لا أريد أن تجهلوا أيهـا الأخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم” (١ تس ٤: ١٣). لذلك تحدث عنهم أيضًا كراقدين، إذ سبق فأخبرهم عن قيامتهم. وهكذا كل الأموات هم راقدون، سواء كانوا صالحين أم أشرارًا.
يرى القديس أغسطينوس أن جميع الأموات أشبه بالنيام، لكن بعضهم يتمتع بأحلام سعيدة، والآخرون مرعبة. أو هم أشبه بمن هم في مكان حفظ مؤقت، لكن بعضهم مثل لعازر المسكين الذي يتنعم في حضن أبيه إبراهيم، بينما الغني الغبي في عطشٍ شديدٍ لا يجد من يهبه نقطة ماء (لو ١٦: ٣٢-٢٤). الكل سيخرج لينال كل واحدٍ حسب أعماله.
v إن كان ليس اسم “أرملة” هو الذي يضايقك، إنما فقدانك لمثل هذا الزوج، فإنني أوافقك أن قليلين هم أمثال ذلك الرجل في عالم الرجال، في حبه ونبله وتواضعه وإخلاصه وحكمته وورعه.
حقًا، لو أنه هلك كلية أو انتهي أمره تمامًا، لكان ذلك كارثة عظمى وكان الأمر محزنًا. لكن إن كان كل ما في الأمر أنه أبحر إلي ميناء هادئ، وقام برحلة إلي اللَّه الذي هو حقًا ملكه، لهذا يلزمنا ألا نحزن بل نفرح.
فإن هذا الموت ليس بموتٍ، إنما هو نوع من الهجرة والانتقال من سيئ إلي أحسن، من الأرض إلي السماء، من وسط البشر إلي الملائكة ورؤساء الملائكة ، بل ومع اللَّه الذي هو رب الملائكة ورؤساء الملائكة.
لأنه عندما كان يخدم الإمبراطور هنا على الأرض كانت تحف به مخاطر الأشرار ومكائدهم. وبقدر ما كان صيته يتزايد، كانت خطط الأعداء (الحاسدين) تلتف حوله، والآن قد انتقل إلي العالم الآخر حيث لا يمكن أن ننتظر شيئًا من هذا.
فبقدر ما تحزنين لأن اللَّه أخذ إنسانًا هكذا كان صالحًا ومكرمًا كان يجب أن تفرحي أنه رحل إلي مكان أكثر أمانًا وكرامة، متخلصًا من مضايقات الحياة الحاضرة الخطيرة، إذ هو الآن في أمان وهدوء عظيم.
إن كان لا حاجة لنا أن نعرف أن السماء أفضل من الأرض بكثير، فكيف نندب الذين رحلوا من هذا العالم إلي العالم الآخر؟!.
لو كان زوجك سالكًا مثل أولئك الذين يعيشون في حياة مخجلة لا ترضى اللَّه، كان بالأولي لكِ أن تنوحي وتبكي، ليس فقط عند انتقاله، بل حتى أثناء وجوده حيًا هنا. لكن بقدر ما هو من أصدقاء اللَّه، يلزمنا أن نُسر به، ليس وهو حيّ هنا، بل وعندما يرقد مستريحًا أيضًا.
وإذ يلزمنا أن نفعل هذا، استمعي ما يقوله الرسول الطوباوي: “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا” (في 23:1).
تفسير القمص متى المسكين
11:11- 13قَالَ هَذَا وَبَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لِأُوقِظَهُ». فَقَالَ تلاَمِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ النَّوْمِ.
الرب هنا يعبر عن العلاقة الروحية التي لا تزال قائمة بينه وبين لعازر، ويضم التلاميذ معه فيها، وهي علاقة الصداقة الروحية, لأن كلمة «حبيبنا» هنا تأتي في معنى الصداقة أكثر منها في الحب» وهي نفس الكلمة الواردة على فم المعمدان: «أما صديق العريس» (يو29:3). كذلك هو نفس الاصطلاح الوارد في الآيات 13و14و15 من الأصحاح 15: «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه … أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به. لا أعود أسميكم عبيداً، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكني قد سميتكم أحباء …»». وهكذا نرى كيف أن اللغة اليونانية تجعل الصداقة الروحية على مستوى المحبة بنوع ما. ونرى أيضاً كيف قصرت اللغة العربية في التقاط هذه الفوارق الجوهرية في التعبيرات الروحية.
وينبغي أن نلاحظ أن المسيح أبقى على العلاقة الروحية التي على مستوى صداقة المحبة, كما هي، بعد موت لعازر؛ ما يشير ان نفس لعازر ظلت تتمتع بهذه الصداقة والمحبة الروحية في الموت، ليس مع المسيح فقط بل ومع التلاميذ. وهذه هي حال النفس في العالم الآخر بالنسبة لألفة الجماعة هنا وهناك. «لعازرحبيبنا قد نام, لكني أذهب لأوقظه.»
هذا الاصطلاح الجديد (تقريباً) الذي وضعه الرب للتعبير عن الموت بأنه مجرد «نوم» هو نموذج لمعيار تفكير الرب وتعبيره عن الروحيات, ويتضح منه كيف يسعى المسيح لرفع مستوى الفكر البشري للتلامس مع الواقع الروحي الفائق على الطبيعة، وقد صار هو التعبير الطقسي الرسمي في الكنيسة في كل صلواتها ولكن بإضافة هامة: «فلان رقد في الرب» تعبيرا عن «موت القيامة». لأنه طالما كان الموت في الإيمان بالمسيح, فإنه يكون مؤديا إلى قيامة وحياة. لذلك، فهو مجرد رقاد, حتى وإن طال زمنه, لأن الزمن غير محسوب بالنسبة للحياة بعد الموت. [ليس موت لعبيدك، بل هو انتقال) (القداس القبطي, أوشية الراقدين).
ولكن تأتي في العهد القديم: «رقد وانضم إلى أبائه» (أع36:13 راجع امل10:2) بمعنى الموت المقيم. وإن كان يحتج بعض النقاد أن هذا الاصطلاح كان مستخدما عند الربيين وعند غير اليهود أيضا؛ ولكن أن يقوله المسيح وينطقه بروحه, فقد صار ذا معنى غير كل ما كانت تعنيه الفئات الأخرى من يهودية ووثنية، خاصة وأن الرب أكمل ما يقول بالفعل. فإقامة لعازر من الموت كانت بمثابة اليقظة الجسدية العظمى للانسان, والتي لم يكن لها مثيل ولا مُشابه لرجل أنتن جسده في القبر لأربعة أيام، بعد لعنة الموت الدائم التي حلت عليه، توطئة ليقظة القيامة الروحية العتيدة أن تكون، وقد صارت بقيامة الرب من الموت.
فالمسيح الآن له هذا القدوم العظيم والمبارك، لإيقاظ النفوس التي غرقت في بحر الخطيئة وأخرجت نتن رائحتها لتزكم الأنوف: يأتيها المُبشر ببشرى الخلاص من ليلها الطويل: «يقول، استيقظ أيها النائم, وقم من الأموات, فيضيء لك المسيح» (أف14:5)، حيث يتلقفه صوت صاحب الرؤيا: «مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى، هؤلاء ليس للموت الثاني (موت الدينونة) سلطان عليهم.» (رؤ6:20)
هذه هي القيامة الاولى الروحية, الشخصية والفردية, من موت الخطية القاتل، التي هي بمثابة جواز الدخول إلى الأمجاد العليا عند استعلان القيامة الأخيرة العامة العتيدة أن تكون على كل العالم. وكما أن نوم الجسد محدد بالساعات؛ هكذا نوم الموت فهو حتماً إلى ميعاد، وكما أن النفس تأخذ خبرة الأحلام، إن بأفراح أو بأحزان هي شبه الحقيقة أثناء نوم الجسد؛ هكذا قد أعطي للنفس أن تأخذ خبرة الأفراح والأحزان الحقيقية, كسبق تذوق للقيامة العامة, أثناء نوم الموت الطويل إلى أن تحين القيامة العامة لتعيش أفراحها أو أحزانها الآبدية.
والصوت الذق أيقظ لعازر من نوم موت الأربعة الأيام، هو هو نفس الصوت الذي يسمعه جميع الذين في القبور، «فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة» (يو29:5). والصوت هو صوت الله، ينطقه الآبن بالسلطان الذي أعطي له أن يضع النفس ويأخذها أيضاً. وواهب الحياة هو وحده الذي يستطيع أن يعيدها بأقوى وأشمل صورة، إذا تعدى عليها الموت إلى حين. فالموت دائماً إلى زمن، والحياة دائماً إلى الآبد!… «لأني أنا حي فأنتم ستحيون» (يو19:14). وكلمة الله التي نطقت هذا هي حية وفعالة …
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (11-13): “قال هذا وبعد ذلك قال لهم لعازر حبيبنا قد نام لكني اذهب لأوقظه. فقال تلاميذه يا سيد إن كان قد نام فهو يشفى. وكان يسوع يقول عن موته وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم.”
حبيبنا= تشير للصداقة بين المسيح ولعازر. ونلاحظ أن لعازر قد مات الآن ومع هذا فعلاقة المحبة مازالت قائمة بينه وبين المسيح وبين التلاميذ أيضاً. فالكنيسة كلها في شركة حب، وتبقى المحبة قائمة حتى بعد الموت. فهنا لعازر قد مات.
قد نام= لقد غير المسيح مفهوم الموت إلى أنه رقاد. وطالما هو في الرب فسيكون هناك قيامة. “ليس موت لعبيدك يا رب بل هو إنتقال” (أوشية الراقدين). ولكن من هو الذي له نصيب في هذه القيامة؟ الإجابة هو من قام من رقاد الخطية. فالموت الحقيقي ناتج عن الخطية (رؤ6:20 + أف14:5+ لو24:15+رؤ1:3) وراجع (مت24:9) “الصبية نائمة” وكلمة نام التي إستخدمها المسيح تعني [1] إمّا رقاد الراحة أو [2] فقدان الوعي أو الشعور. لذلك إلتبس الأمر على التلاميذ. ورقاد الراحة قد يفيد أنه رقد نتيجة حمى وقد تفيد معنى الموت وقد فهمها التلاميذ على أنها مرض.