يو4: 14 ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد..

 

“وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».” (يو4: 14)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا،

فلن يعطش إلى الأبد،

بل الماء الذي أعطيه، يصير فيه ينبوع ماء، ينبع إلى حياة أبدية”. (14)

لم يوبخها السيد المسيح لأنها ظنت يعقوب أعظم منه، وماء البئر أفضل من مائه الحي، بل في لطفٍ شديٍ بدأ يكشف لها عن الماء الحي، مقارنًا إياه بماء بئر يعقوب. أوضح أنه لا وجه للمقارنة بين ماء يروي الجسد إلى حين، وماء يسند النفس أبديًا ويرويها، فلا تعتاز إلى شيء.

الماء الذي يقدمه السيد له ميزات خاصة:

  هو عطية إلهية “أنا أعطية“، لذا يهب فرحًا إلهيًا: “فتستقون مياهًا بفرحٍ من ينابيع الخلاص” (إش 12: 3).

  يهب حياة أبدية بلا احتياج، “لن يعطش إلى الأبد“. “من يقبل إلي فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا” (يو 6: 35).

  ماء داخلي في النفس “يصير فيه“. لذا يناجيها واهب المياه الحية، قائلا: “أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم” (نش 4: 12).

  يحول الأعماق إلى ينبوع فياض على الغير. “من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي” (يو 7: 38).

يسمي السيد المسيح الروح نارًا، مشيرًا إلى النعمة التي تنشط وتدفئ، قادرة على محو الخطايا والتطهير منها، كما أنه في تعبيره عنه بالماء يعلن عن قدرته على التنظيف وإزالة الأوساخ، والانتعاش العظيم الذي تحدثه في العقول التي تقبل الروح.

اشتهى الأنبياء هذه المياه الحية، حيث يسمعون الدعوة المقدمة للكل: “أيها العطاش جميعًا، هلموا إلى المياه” (إش 55: 1). كما قيل: “لا يجوعون ولا يعطشون، ولا يضربهم حر ولا شمس، لأن الذي يرحمهم يهديهم، وإلى ينابيع المياه يوردهم” (إش 49: 10). كما قيل في سفر الرؤيا: “لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس، ولا شيء من الحر، لأن الخروف في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية” (رؤ 7: 16).

v يعني بهذا مياه المعمودية المخلصة، والتي بالحق قدمت مرة ولن تُعاد ثانية.

القديس كبريانوس

v يسمي الكتاب المقدس نعمة الروح القدس أحيانًا نارًا وأحيانًا ماءً، مظهرًا أن هذه الأسماء لا تصف جوهره بل عمله. لأن الروح القدس غير منظور ولا مركب، ولا يمكن أن يتألف من موادٍ مختلفةٍ. لقد أعلن يوحنا (المعمدان) ذلك قائلاً: “هو سيعمدكم بالروح القدس ونار” (مت ١٣: ١١). أما الآخر (يوحنا الإنجيلي) فيقول بلسان السيد المسيح: “من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي” (يو ٧: ٣٨). قال هكذا عن الروح الذي كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه. وفي حديثه عن السامرية دعا الروح ماء “لأن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد“.

v إذ سمع المسيح قول المرأة له: “فمن أين لك الماء الحي، ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر؟” (11، 12) ترك يعقوب وخاطبها في وصف الماء قائلاً: “كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا”.

سمعت المرأة من قبل هذا القول: “الماء الحي” لكنها لم تفهم، لذلك أوضح لها المسيح هذا المعنى أفضل إيضاح فقال: “لكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد”، لأن هذا أعظم سموًا من الماء بكثير، فكما أن من يملك بئرًا موضوعة داخل منزله لا يعاني من العطش في وقت من الأوقات، كذلك من يمتلك هذا الماء لن يعطش في وقت من زمانه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v واضح أن هذه البئر هي نعمة الروح، جدول يفيض من ينبوع حيّ. فالروح القدس هو أيضًا ينبوع الحياة الأبدية

حسنة هي هذه المياه، نعمة الروح القدس… ليتها تفيض فيَّ، ليت هذه التي تعطي الحياة الأبدية تفيض عليّ.

ليفض الينبوع علينا، ولا يفيض بعيدًا عنا. إذ تقول الحكمة: “اشرب مياهًا من أوانيك، ومن ينابيع آباؤك، ولتفض مياهك في شوارعك” (راجع أم 16:5-17). كيف احتفظ بآنيتي حتى لا يتسلل إليها شقوق الخطية، فلا تتسرب منها مياه الحياة الأبدية؟

علمنا أيها الرب يسوع، علَّمنا كما علِّمت رسلك قائلاً: “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث لا يفسد السوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون” (مت 19:6-20).

القديس أمبروسيوس

v حينما يتحقق الوعد للشخص المطَّوب لأنه يجوع ويعطش إلى البرً (مت ٥: ٦)، فإنه يشرب من الماء الذي يعطيه، فيكون له ينبوع ماء يثب (يفيض) إلى حياة أبدية، يقوم فيه.

v يليق أن يلاحظ الشخص بأن الوعد بالماء لم يُعط للمرأة السامرية عندما سألته ذلك، كما لو أن يسوع يريد ألا يقدمه إلاَّ من الينبوع، إذ قال لها: “إذهبي وأدعِ زوجك وتعالي” (١٦).

العلامة أوريجينوس

إن كان العلامة أوريجينوس قد كرس طاقاته وقدراته منذ طفولته للتمتع بالكتاب المقدس وشرحه لكنه ميَّز بين مياه الكتاب المقدس والمياه التي يقدمها رب المجد يسوع. فإن الكتاب يفيض بالأسرار الإلهية على النفس لنتمتع بالشركة مع الثالوث القدوس، لكن تبقى بعد الأسرار يحتفظ بها الرب يسوع ليقدمها سرًا للنفس المتحدة معه. إنه العريس السماوي الذي يفيض بأسراره على عروسه في مجال العرس.

v حقًا إن الكتاب المقدس لا يحوي بعض جوانب من أسرار الله التي هي بالأكثر ربانية وإلهية، والتي لا تحوي صوتًا بشريًا ولسانُا إنسانيًا، وذلك كما يُفهم من المعاني المعنية: “وأشياء أخر كثيرة أيضًا صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة” (راجع يو ٢١: ٢٥).

لقد مُنع يوحنا من الكتابة عندما بدأ يسجل كل ما قالته السبعة رعود (رؤ ١٠: ٤). بولس أيضًا يقول أنه سمع كلمات لا يسوغ النطق بها (٢ كو ١٢: ٤). هذه الكلمات لم يكن مسموح لأحدٍ أن يعلنها…

أظن أن كل الكتب المقدسة حتى حين تُدرك بكل دقة ليست إلاَّ مدخلاً للمبادئ ومقدمة مختصرة لكل المعرفة… ماء يسوع هو ذاك الذي يفوق ما هو مكتوب (١ كو ٤: ٦).

الآن غير مسموح للكل أن يمتحن الأمور التي تفوق ما هو مكتوب (١ كو ٤: ٦)… “لا تطلبوا لكم الأمور الفائقة العلو، ولا تبحثوا ما فوق قدرتكم” (راجع ابن سيراخ ٣: ٢١)…

أيضًا الأمور التي لم تدخل قلب إنسان هي أعظم من بئر يعقوب. تُعلن هذه الأمور من ينبوع ماء يفيض (يثب) إلى حياة أبدية للذين لم يعد بعد لهم قلب إنسان، لكنهم قادرون على القول “لنا فكر المسيح” (١ كو ٢: ١٦). “لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله، التي نتكلم بها أيضًا، لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس” (١ كو ٢: ١٢-١٣)…

الكتب المقدسة إذن هي مقدمات، تُدعى بئر يعقوب. إذ تُدرك بدقة للحال يلتزم الشخص أن يصعد منها إلى يسوع، لكي يتمتع بسخاء بينبوعٍ يثب إلى حياة أبدية.

لكن ليس كل أحد يسحب ماءً من بئر يعقوب بنفس الطريقة. فإن كان يعقوب وبنوه ومواشيه شربوا منها (يو ٤: ١٢)، والمرأة السامرية أيضًا جاءت إليها وشربت ماءً وعطشت، لكن ربما شرب يعقوب وبنوه بطريقة ما بمعرفة كاملة، وشربت مواشيه بطريقة أخرى في بساطة مثل الحيوانات، والسامرية شربت بطريقة أخرى غير يعقوب وبنيه ومواشيه. فالبعض حكماء يشربون من الكتب المقدسة مثل يعقوب وبنيه. آخرون أكثر بساطة وبراءة يُدعون “قطيع المسيح” (يو ١٠: ٢٦) يشربون مثل مواشي يعقوب. وآخرون يسيئون فهم الكتب المقدسة ويستخدمون أمورًا غير لائقة ينسبونها للنصوص التي يفهمونها من الكتب المقدسة، هؤلاء يشربون مثل المرأة السامرية قبل إيمانها بيسوع.

العلامة أوريجينوس

v يوجد ماء حي، ينطق فيّ قائلاً: “تعال إلى الآب”.

القديس أغناطيوس الأنطاكي

v بما أن طبيعتنا تحولت إلى حجارة بواسطة عبادة الأصنام، وأصبحت مُجمدة في الوثنية الباردة، وغير القادرة على التقدم، بزغت شمس البرّ (ملا 2:4). في هذا الشتاء القارس تحقق ظهور الربيع. وأزالت رياح الجنوب الدافئة آثار البرد، وأدخلت أشعة الشمس المشرقة الدفء في كل الأرض. لذلك، فالجنس البشرى الذي كان قد تحول إلى حجارة بواسطة البرد، قد يشمله الدفء بواسطة الروح القدس أشعة كلمة الله، وهكذا يصبح مرة أخرى مثل المياه التي تهب الحياة الأبدية (يو 14:4). “المحـول الصخرة إلى غدران مياه، الصّوان إلى ينابيع مياه” (مز 8:114).

القديس غريغوريوس النيسي

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

13:4و14 أَجَابَ يَسُوعُ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً. وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».

إش 10:49 «‏لن يجوعون ولن يعطشون، ولا يضربهم حر ولا شمس, لأن الذى يرحمهم يُهديهم, وإلى ينابيع المياه يوردهم»
رؤ 16:7 «لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد, ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر. لأن الخروف في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية».
رؤ 6:21 «أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً».
‏إش 1:55 «‏أيها العطاش جيعاً هلموا إلى المياه».
‏يو35:6 «فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة من يقبل إلي فلا يجوع, ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً».

‏يلزمنا هنا في البداية أن نوضح الفرق بين «هذا الماء» ماء يعقوب؛ و «الماء الذي اعطيه أنا»؛ والفرق بين «يعطش أيضاُ»؛ و «لن يعطش إلى الابد». فالمسيح هنا يستخدم الماء موضوع الحوار استخداماً من واقع حال الإنسان فيما يخص جسده, وفيما يخص روحه؛ فيما يخص حياته على الأرض, وفيما يخص حياته الأبدية. فالجسد يعطش ويعطش ويعود إلى الماء كل مرة، فهو لا يرتوي أبداً أبداً؛ ولكن الروح تعطش، فإذا ارتوت فلن تعطش أبداً لأنها ترتوي من ماء الحياة الآبدية, أو الماء الحي أو الماء الحقيقي, الذي هو الحياة الأبدية نفهسا: «وهذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته.» (يو3:17)
المسيح يضع إصبعه على نفسه ويشير إلى ذاته، «والماء الذي أعطيه» هو عطية الاستعلان التي إذا سكبها على قلب الإنسان ووعيه فإنه يتعرف على حقيقة المسيح، فيدخل مجال الحق الإلهي وينتمي بروحه إل السماويات؛ ومن كل ما هو سام يشبع ويرتع ويمتلىء ويرتوي، فلا تعود الأشياء التي في الدنيا موضع عطش أو تلفف أو متعة روح.
المسيح يضرب على الوتر الحساس ليرن صوته في أعماق النفس المتعبة التي نهبتها الشهوات والملذات والجري وراء سراب الغرور والمتعة, التي كلما شربت منها النفس ازدادت عطشاً إليها دون أن يدري الإنسان أنها تمتص رحيق حياته ونضارته وإرادته وكرامته, وأخيراً تتركه صريعاً للندم واليأس وخيبة الأمل. هذه هي «يعطش أيضاً».
‏«لن يعطش إلى الأبد»: إنها قولة صدق ذات رنين حي تردده ألوف ألوف وربوات ربوات الأرواح القديسة في السماء ‏بآمين.
‏إنها مقولة تتجلى في حياة من يقبل ويشرب كل يوم، ولكها سوف تبلغ أوج تجليها في المجد الأعلى, ومنتهى تحقيتها في ملكوت ابن الله: «لا يجوعون ولا يعطشون ولا يضربهم حر ولا شمس، لأن الذي يرحمهم يهديهم, والى ينايع الميا، يوردهم» (إش10:49). هذا يراء إشعيا، من وراء الدهور، ينطقه بروح الله، فترد عليه أرواح الأبرار التي تكملت في المجد: «لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم.» (رؤ16:7‏)
‏هو هو المسيح المتكلم: «ينبوع الحياة الأبدية», هنا «بالاستعلان» وهناك بالرؤيا والمشاهدة والعيان.
‏كل من أدمن على شرب المياه المعطشة هنا، يتمنى في يوم من الأيام لولم يولد حينما يبلغ به العمر أرذله؛ أما الذي ذاق الحياة في المسيح يسوع فهو كل يوم يولد جديداً.
‏كل من ضيع العمر في ملذات هذا الدهر وضيقت عليه الدنيا بعد ذلك، يتمنى لو يموت؛ أما الذي استعلن المسيح واستنشق الحياة الأبدية فيه، فهو يحيا كل يوم حياة جديدة ولن يموت أبداً.
«بل الماء الذي أُعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية».
‏إش2:12-3 «‏هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصاً. فتستقون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص».
‏نش 12:4 «‏اختي العروس جنة مغلقة, عين مقفلة, ينبوع مختوم»
«الماء الذي أعطيه» هو نعمة الاستعلان بالروح القدس، وبالاستعلان يتجلى المسيح في قلب الإنسان, فيشعر بالخلامى كقوة تجرف حياته كلها كنهر جارف لا يستطيع أن يحجزه، فينطق لسانه بالفرح والتهليل ويظل ينبع بفيضان. و يعيش باطمئنان في بهجة الخلاص, يشرب منها و يعب عباً كل يوم, ويفيض على كل من يتعرف عليه, ويظل يفيض إلى أن يلتحم بالحياة الأبدية، وحينئذ ينجلي الخلاص في أكمل مفاعيله ومباهجه إلى أبد الدهور.
‏وهذا يعني أن الماء الذي يعطيه المسيح الأن يتحول فيه إلى خلاص في الحاضر يمتد إلى أبد الأبدين.
‏وبقدر ما يحتاج الخلاص هنا إلى مزيد من الشرب, أي الاستعلان, بقدر ما في النهاية يصير في الإنسان قوة تزداد من تلقاء ذاتها حيث يصبح المسيح في القلب هو نفسه ينبوع الخلاص الذي لا يجف.
‏فـ «المياه الحية»، وقد أسماها المسيح «عطية الله»، حينما تستقر في نفس الإنسان تصبح قوة حية فاعلة بذاتها تسكن هيكل الإنسان الروحي وتعمل فيه، تحييه وتهذبه وتجدده. مثلها مثل عطية «الحياة» التي ينالها الإنسان من «أكل الجسد» الذي هو العطية الكبرى: «من يأكل جسدي وشرب دمي فله حياة أبدية.» (يو54:6)
ومثلها مثل «كلمة الله». ««كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم.» (ايو 14:2)
‏ومثلها مثل «الحق». «من أجل الحق الذي يثبت فينا وسيكون معنا إلى الأبد.» (2يو2)
ومثلها مثل «روح الحق»: «روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم.» (يو17:14)
‏ومثلها مثل «مسحة النعمة»: «وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذباً كما علمكم تثبتون فيه.» (1يو 27:2)
‏ومثلها مثل «بذرة الله»: »كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية (طوعاً)، لأن زرعه (زرع الله) يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطىء لأنه مولود من الله»» (1يو9:3).
‏هكذا «المياه الحية», روح الاستعلان ومعرفة الله, فإنها تسكن وتنبع فيه بلا توقف كالمياه الجارية وبلا نهاية، وتفيض قوة وراء قوة بلا نقصان بل بزيادة، حتى كما يقول بولس الرسول: «ملء الله».
‏وهكذا فإن نفس الإنسان التي تم فيها تجلي المسيح بالاستعلان، أي شربت من ينبوع الخلاص, تصير هي بذاتها ينبوع خلاص, كما يخاطبها سليمان النبي في نشيد الأنشاد: «أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم» (نش 12:4)، بمعنى أن مواردها في الداخل وليس لها حاجة من الخارج: «ينبوع جنات، بئر مياه حية، وسيول من لبنان» (نش15:4‏). وسفر الرؤيا يكشف لنا عن مصدر الإندفاق ومنبع الفيضان الحر الدائم في داخل النفس هكذا: «وأراني نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش الله والخروف.» (رؤ 1:22)
وقانون الارتواء من روح الله هو الامتلاء للزمان الحاضر والفيض الدائم، ثم الحياة الأبدية التي نلناها هنا نصعد بها إلى فوق حيث مصدرها: «وإن مضيت وأعددت كم مكاناً، آتي أيضاً واخذكم إلى، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً.» (يو3:14‏)

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (13،14): “أجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية.”

(راجع أش10:49+ 1:55+ رؤ16:7+ 6:21+ يو35:6). الجسد يشرب ثم يعطش وهكذا، أما الروح فهي تشرب وترتوي ولا تعود تشعر بالعطش بل تطلب المزيد. ومن يشرب من الماء الذي يعطيه الله ينتمي للسماويات فلا تعود الدنيا تشغله بملذاتها. لذلك من عاش للخطية يأتى يوم عليه يتمنى الموت ولا يجده، أمّا من يشرب من الماء الذي يعطيه الله يولد كل يوم جديداً. والماء الذي يعطيه الله هو ماء فياض= أي يروي الآخرين. ومن يشرب ويجري وراء شهوات العالم يعطش الماء الذي أعطيه= عطايا المسيح تفوق كل تصورنا، ماء يروي الروح وليس الجسد فقط. الروح القدس هو الماء. والروح القدس هو الذي يستعلن لنا المسيح فنشتاق أن نعرف أكثر ونراه أوضح، ويصير في داخلنا فرح وتهليل يظل ينبع بفيضان فنعيش بإطمئنان في بهجة الخلاص نشرب منها كل يوم. فالمياه الحية التي أسماها المسيح عطية الله حينما تستقر في نفس الإنسان تصبح قوة حية فاعلة تسكن هيكل الإنسان تحييه وتجدده مثلها مثل عطية الحياة التي ينالها الإنسان من أكل الجسد (يو54:6). وفي سفر النشيد نسمع “أختى العروس جنة مغلقة ينبوع مختوم” أي أن مواردها من الداخل وليس لها حاجة لشئ من الخارج. وماء الحياة من الداخل فعلينا أن لا نسعى إليه خارجاً عن دائرة قلوبنا. وهو أبدي يبدأ في الزمان ولكنه يدخل الأبدية، يروي فلا نحتاج لشئ آخر. ويوقف تياره أن نتركه ونذهب نبحث عن أبار مشققة لا تضبط ماء. “ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية” (رؤ17:7).

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى