تفسير رسالة تيطس أصحاح 3- كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ
نصائح ختامية

(1) الخضوع ومحبة الآخرين (ع 1، 2):

1 ذَكِّرْهُمْ أَنْ يَخْضَعُوا لِلرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينِ، وَيُطِيعُوا، وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، 2 وَلاَ يَطْعَنُوا فِي أَحَدٍ، وَيَكُونُوا غَيْرَ مُخَاصِمِينَ، حُلَمَاءَ، مُظْهِرِينَ كُلَّ وَدَاعَةٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ.

 

ع1: سبق أن علَّمهم القديس بولس كيف تكون علاقتهم بالسلطات العالمية، ويطلب من تلميذه تيطس أن يذكرهم بالخضوع للمسئولين في الدولة وكل أنظمتها وطاعة القوانين والشرائع، لأن الله هو الذي سمح بوجود هذه الأنظمة ليستتب الأمن والنظام، حتى لو كانوا يضطهدون المسيحيين مثلما فعل الرومان، فهذا لا يعطل الطاعة والخضوع للدولة من أجل الله، بل يطالبهم أن يكونوا مواطنين صالحين يسعون لعمل ليس فقط ما يُطلَب منهم بل أكثر من هذا كل ما يفيد الدولة.

 

ع2: لا يطعنوا في أحد : ينهى الرسول عن الإدانة التي هي مثل الطعنات التي توجه للآخرين، ويقصد كل البشر المحيطين بنا.

يكونوا غير مخاصمين : إذا اختلفوا مع أحد لا يقاطعوه ويمتلئ قلبهم شرًا نحوه، بل يحتفظوا بمحبتهم له واستمرار التعامل والكلام حتى لو كان مختصرًا.

حلماء : أي مظهرين الحب والحنان على المخطئين والمسيئين.

مظهرين كل وداعة لجميع الناس : بقلوب هادئة يحتملون الآخرين بل ويمتصون كل انزعاج فيهم فيشيعوا السلام حولهم.

يدعوهم الرسول لعدم الإدانة والخصام، بل التحلى بطول الأناة والهدوء في التعامل مع كل الناس.

† على قدر ما تنشغل بمحبة الله، تصغر الماديات والعالم في نظرك بل وتحب الكل وتشفق عليهم مهما أخطأوا، وتميل إلى صنع السلام وحل كل المشاكل التي تصادفك لتظل متعلقًا بمحبة الله.

(2) الخلاص بالمعمودية وآثاره على حياتنا (ع 3-7):

3 لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلًا أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا. 4 وَلَكِنْ، حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ، 5 لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ، خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، 6 الَّذِى سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا. 7 حَتَّى إِذَا تَبَرَّرْنَا بِنِعْمَتِهِ، نَصِيرُ وَرَثَةً حَسَبَ رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ.

 

ع3: لأننا كنا نحن أيضًا قبلا أغبياء : يذكرهم بحالتهم قبل الإيمان كيف كانوا لا يعرفون الله، فهم أغبياء من جهة عدم معرفتهم الحق. وإذ يتذكرون ضعفهم لا يتضايقون من أخطاء المحيطين بهم بل يحتملونهم بلطف كما ذكر في الآية السابقة.

غير طائعين ضالين : لا يطيعون الله وبالتالي يسلكون في الضلال بعيدًا عن الحق.

مستعبدين لشهوات ولذات مختلفة : إذ هم بعيدون عن الله، كان من السهل أن يسقطوا في الشهوات الشريرة مثل الزنا ومحبة الخمر ومحبة المال.

عائشين في الخبث والحسد : لم يكتفوا بتدنيس حواسهم وأجسادهم بل فسد قلبهم وامتلأ شرًا من نحو الآخرين.

ممقوتين : من أجل هذه الشرور فقدوا محبة الآخرين لهم بالإضافة إلى غضب الله.

مبغضين بعضنا بعضًا : وهم أيضًا صاروا يكرهون الآخرين لتنافسهم معهم على الماديات وخوفهم وقلقهم من كل أحد.

 

ع4: يعلن الرسول تغيرنا في العهد الجديد من الشر إلى الخير بعمل نعمة الله وحنانه علينا.

مخلصنا الله : الآب هو مخلصنا لأنه أرسل ابنه الحبيب ليفدينا، فالخلاص اشتركت فيه الثلاثة أقانيم، الآب أرسل ابنه والابن فدانا على الصليب والروح القدس يعطينا هذا الخلاص في الكنيسة.

 

ع5: لا بأعمال في بر عملناها : الأعمال الصالحة نتيجة طبيعية في حياة أولاد الله المؤمنين، ولكن الأعمال وحدها دون نعمة الله لا تهبنا الخلاص، إذ الخلاص تم على الصليب ونناله في الأسرار المقدسة التي أولها المعمودية.

بل يمتقضى رحمته خلصنا: نعمة الله هي التي وهبتنا الخلاص في المعمودية، وهذا الخلاص يُعْطَى لنا على مراحل، أولها في المعمودية بموت الطبيعة المائلة للشر داخلنا وولادتنا بطبيعة جديدة مائلة للتشبه بالله، ثم يتكامل هذا الخلاص من خلال جهادنا الروحي طوال عمرنا ويكمل في الابدية.

بغسل الميلاد الثاني : وهو الغطس في ماء المعمودية، فنغتسل ونتطهر من كل خطايانا، الخطية الجدية التي ورثناها من آدم وحواء وكذلك من خطايانا التي فعلناها بأنفسنا إذا كنا بالغين حين اعتمدنا.

تجديد الروح القدس : هو عمل الروح القدس فينا بأن يميت الإنسان العتيق أي الطبيعة المائلة للشر عندما نُدفَن في ماء المعمودية، ويهبنا طبيعة جديدة مائلة للخير لنحيا بها مع الله.

 

ع6: عمل الروح القدس فينا يبدأ بسر المعمودية ويستمر يفيض علينا بسخاء في الأسرار المقدسة مثل الغفران في سر التوبة والاعتراف، والقوة والغذاء الروحي في سر التناول، وكذلك عمله فينا من خلال كل الممارسات الروحية، فيشجعنا على الصلاة ويكشف لنا أعماق محبته في الكتاب المقدس، ويظل يعمل فينا من خلال كل مواقف حياتنا فيهدينا ويرشدنا ويسندنا. وهذا الخلاص الذي يظل الروح القدس يعطيه لنا هو من خلال الفداء الذي أتمه ربنا يسوع المسيح على الصليب من أجلنا.

 

ع7: حتى إذا تبررنا بنعمته : الخلاص الذي نناله من خلال الأسرار المقدسة ووسائط النعمة يعطينا البر أي حياة النقاوة والميل لعمل الخير.

نصير ورثة : يصبح لنا مكان في الملكوت السماوي نناله كنعمة من المسيح المخلص الذي مات عنا فيعطينا هذا الميراث.

حسب رجاء الحياة الأبدية: هذا الملكوت نترجاه بالصبر في الجهاد الروحي والثبات في الإيمان حتى نناله بعد هذه الحياة.

† تذكر النعمة العظيمة التي نلتها في المعمودية بتجديد طبيعتك، فتشكر الله كل حين وخاصة عندما يمدحك الناس، وتبتعد عن كل شر وما لا يليق بحياتك الجديدة وتتقدم في طريق محبة الله. ذكِّر نفسك في بداية كل يوم بهذه الطبيعة الجديدة لتتمتع بعمل الروح القدس فيك.

(3) العمل الإيجابي (ع 8-11):

8 صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ، وَأُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَ هَذِهِ الأُمُورَ، لِكَيْ يَهْتَمَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ، أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالًا حَسَنَةً. فَإِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ هِيَ الْحَسَنَةُ وَالنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ. 9 وَأَمَّا الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالأَنْسَابُ، وَالْخُصُومَاتُ، وَالْمُنَازَعَاتُ النَّامُوسِيَّةُ، فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَبَاطِلَةٌ. 10 اَلرَّجُلُ الْمُبْتَدِعُ، بَعْدَ الإِنْذَارِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ، أَعْرِضْ عَنْهُ. 11 عَالِمًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَدِ انْحَرَفَ، وَهُوَ يُخْطِئُ، مَحْكُومًا عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ.

 

ع8: صادقة هي الكلمة : يؤكد أهمية الكلام السابق الذي ذكره في هذه الرسالة.

أريد أن تقرر هذه الأمور : يمهد لأهمية المبدأ الذي سيعلنه وضرورة تعليمه للمؤمنين في الكنيسة.

لكي يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالا حسنة : ليس معنى الاعتماد على عمل النعمة في الخلاص التهاون في الأعمال الحسنة وهي الجهاد في العبادة وخدمة الآخرين وأعمال الخير. فهذه الأعمال الصالحة دليل على صدق الإيمان والخضوع لعمل النعمة وبدونها لا يحصل الإنسان على الخلاص.

فإن هذه الأمور هي الحسنة والنافعة للناس : أي مبدأ الإهتمام بالأعمال الحسنة هو الذي يفيد المؤمنين إن تمسكوا به.

 

ع9: المباحثات الغبية: الجدال والنقاش الذي لا يصل إلى كلام مفيد.

الأنساب والخصومات والمنازعات الناموسية : كان بعض المسيحيين من أصل يهودي يتفاخرون بنسبهم إلى إبراهيم وهم المعلمون الكذبة وينادون بضرورة التمسك بالختان وأعمال الناموس لنوال الخلاص، وفي إصرارهم على هذا التعليم يخلقون احزابًا وخصومات داخل الكنيسة.

فاجتنبها لأنها غير نافعة وباطلة: يوصى تلميذه تيطس وكل المؤمنين بتجنب المناقشات مع المعلمين الكذبة وأتباعهم لأن هذا الكلام يثير التوتر ولا يفيد شيئًا.

اضط

 

ع10: الرجل المبتدع : أي المعلم الكاذب الذي ينادى بتعاليم غريبة عن الكنيسة مثل ضرورة الختان وأعمال الناموس.

بعد الإنذار مرة ومرتين : يلزم على الأسقف تيطس أن يوبخه وينذره أكثر من مرة للرجوع عن هذا التعليم الغريب، أي يعطيه فرصة للتوبة.

أعرض عنه : لا تتناقش معه وتضيع وقتك لأنه مصّر على خطيته.

 

ع11: هذا المبتدع مصرّ على الانحراف عن الحق وتعاليم الكنيسة، وبهذا حكم على نفسه أنه مبتدع ومفروز من الكنيسة وليس عضوًا فيها ولا ينتظره إلا الهلاك.

† ما أجمل أن تراجع كلامك مع الآخرين هل هو مفيد لحياتك وحياتهم أم بلا جدوى ويضرك ويضرهم؟

إهتم أن تتكلم فيما يفيد وإن وُجِدْت في مكان مملوء بكلام لا يمجِّد الله، فإما أن تحاول تغيير الكلام إلى موضوع مفيد أو تنسحب.

(4) وصايا للخدمة (ع 12-15):

12 حِينَمَا أُرْسِلُ إِلَيْكَ أَرْتِيمَاسَ أَوْ تِيخِيكُسَ، بَادِرْ أَنْ تَأْتِى إِلَى إِلَى نِيكُوبُولِيسَ، لأَنِّى عَزَمْتُ أَنْ أُشَتِّىَ هُنَاكَ. 13 جَهِّزْ زِينَاسَ النَّامُوسِىَّ وَأَبُلُّوسَ بِاجْتِهَادٍ لِلسَّفَرِ، حَتَّى لاَ يُعْوِزَهُمَا شَىْءٌ. 14 وَلْيَتَعَلَّمْ مَنْ لَنَا أَيْضًا، أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالًا حَسَنَةً لِلْحَاجَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، حَتَّى لاَ يَكُونُوا بِلاَ ثَمَرٍ. 15 يُسَلِّمُ عَلَيْكَ الَّذِينَ مَعِى جَمِيعًا. سَلِّمْ عَلَى الَّذِينَ يُحِبُّونَنَا فِي الإِيمَانِ. النِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِكُمْ، آمِينَ.

 

ع12: حينما أرسل إليك : سيرسل بولس أحد تلاميذه إلى تيطس في كريت ليحل محله في قيادة الكنيسة هناك حتى يستطيع تيطس أن يسافر إلى بولس لمقابلته.

ارتيماس : أحد تلاميذ بولس لم يُذكَر إلا في هذا المكان، واسمه مشتق من الآلهة أرطاميس، فهو مسيحي من أصل أممى.

تيخيكس : أحد تلاميذ بولس واسمه يوناني الأصل ومعناه محصن وهو من آسيا الصغرى (أع20: 4)، وكان مع بولس في سجنه الأول بروما وأرسله برسائل إلى أفسس (أف6: 21، 22) وكولوسى (كو4: 7، 8)، وكان مع بولس أيضًا في سجنه الثاني بروما قبل استشهاده وأرسله إلى أفسس (2 تى4: 12). وكان بولس سيرسل أحد هذين التلميذين إلى تيطس في كريت ليقود الكنيسة بدلًا منه حتى يستطيع أن يترك كريت ويذهب لمقابلة بولس.

نيكوبوليس: مدينة في شمال اليونان قريبة من الليريكون ودلماطية.

بادر أن تأتي … لأنى عزمت أن أشتى هناك : يرجوه أن يأتي سريعًا ويقابله في نيكوبوليس، لأن الشتاء قد اقترب وكان بولس حينئذ في أفسس أو بالقرب من نيكوبوليس وبالتالي سيصل إليها سريعًا.

 

ع13: زيناس الناموسي : أحد تلاميذ بولس واسمه مشتق من الإله زفس، وهو من أصل أممى ولكنه دارس للناموس وأيضًا القوانين الروحانية.

أبلوس : أحد رفقاء بولس واسمه مشتق من الإله أبلون، وهو من أصل أممى وكان مشتهرًا بالفصاحة والوعظ (أع18: 24، 25).

جهز … باجتهاد حتى لا يعوزهما شيء : كان هذان الخادمان يساعدان تيطس في خدمة كنيسة كريت وطلب بولس من تيطس أن يدبر لهما احتياجاتهما المادية للسفر ليواصلا التبشير في أماكن أخرى حتى لا يحتاجا لشئ في خدمتهما الجديدة ولا يثقلا على أحد.

 

ع14: من لنا أيضًا : الخدام والمؤمنين في الكنيسة.

ينتهز ق. بولس هذه الفرصة ليدعو كل الخدام والمؤمنين أن يهتموا بخدمة الآخرين وخاصة تدبير ضروريات الحياة للخدام وكل المحتاجين، فأعمال المحبة هذه هي ثمار للروح القدس وفضائل يلزم للمؤمنين أن يتحلوا بها.

 

ع15: يسلم عليك الذين معي جميعًا : يقصد تلاميذ بولس الذين معه في أفسس ويعرفهم تيطس، فيرسلون سلامًا إليه.

سلم على الذين يحبوننا في الإيمان : كل المؤمنين في كنيسة كريت.

يختم الرسول الرسالة بإرسال سلامه وسلام الخدام المرافقين له إلى تيطس وكل المؤمنين في كريت، راجيًا لهم عمل نعمة المسيح الدائم فيهم.

† ليتك تشعر باحتياجات من حولك وتحاول مساعدتهم لو طلبوا أو حتى لو لم يطلبوا منك. فكما يشعر بك الله ويدبر احتياجاتك، إهتم أنت بمن حولك فيمتلئ قلبك حبًا وتفيض عليك مراحم الله.

تفسير تيطس 2 تيطس – 3 تفسير رسالة تيطس تفسير العهد الجديد فهرس
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
تفاسير تيطس – 3 تفاسير رسالة تيطس تفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى