ممكنة ولا مشكلة

النقاوة… أغلى من الحياة

في غابات شمال أوروبا يعيش حيوان القوقام، وهو حيوان صغير معروف بفروه الأبيض الناصع الثلجي، ويعتني هذا الحيوان دائما بمعطفه الثلجي هذا, ويهتم بنظافته ويخشى أن يتسخ, ولذلك يلجأ الصيادون إلى استغلال ذلك لكي ينصبوا له الشراك….
ولكن عوض أن يحضروا فخاً ميكانيكياً كالذي يمكن أن يصطاد حيوانا أخر، يلجأون إلى حيلة أخرى، فإنهم عندما يجدون جحراً لهذا الحيوان يقومون بتلطيخ مدخل هذا الجحر (في شجرة أو بين الصخور ) بقار أسود, وعندما يرون الحيوان يقومون بإطلاق كلابهم عليه في مطاردة، حينئذ يلجأ الحيوان بطبعه في الهروب ناحية جحره، ولكنه يجده ملطخاً بالقار والسواد، فيفضل أن يترك مكانه هذا الأمن خشية أن تتسخ فروته النظيفة البيضاء, فيواجه بشجاعة الكلاب النابحة التي تطارده, فتحيط به وتضيق عليه حتى يأتي الصيادون …
لقد فضل حيوان القوقام ermine النقاوة على الحياة.

الزهرة البيضاء

بعض السياح زاروا مناجم الفحم في انجلترا, فوجدوا زهرة ناصعة البياض وسط تراب الفحم الأسود، وعرفوا من المرشد أن هذا النبات يفرز مادة زيتية تمنع إلتصاق الأتربة به فلا يتسخ، ويحتفظ ببياضه، وأراهم ذلك عملياً بأن وضع بعض الغبار الأسود على الزهرة فلم يلتصق بها.

صديقي…

إن كان حيوان القوقام ermine قد فضل أن يموت نقياً أفضل من أن يحيا في النجاسة، وإن كانت هذه الزهرة البيضاء – التي سرعان ما تموت مع حرارة الجو – تفرز مادة زيتية لكي تحتفظ ببياضها وسط السواد… أفلا تستطيع أنت المدشن بزيت الميرون أن تحفظ نفسك طاهراً وسط هذا العالم؟! هكذا كانت وصية معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: “احفظ نفسك طاهراً” (1تي 22:5 )…

اعلم أنه ما كان يوصيك بالطهارة لو لم يقدم لك إمكانيات تنفيذ الوصية بفرح وتهليل

أولا: مفهوم الطهارة… ما هي الطهارة؟

حياة الطهارة ليست مجرد إمتناع عن خطايا جنسية سواء بالفعل أو بالمشاهدة أو بالسماع أو بالتخيل.. وإنما هي حراسة حواس القلب ليكون نقياً دائماً. والقلب هو كيان الإنسان المسيحي الذي صار مسكناً للروح القدس, بدءاً من سرى المعمودية والميرون, مروراً بسرى الاعتراف والتناول, بصورة دائمة ومستمرة من خلال الوسائط الروحية المتنوعة.
احرس قلبك وعينيك وأذنيك وفمك ويديك وفكرك وقدميك، حتى لا تنزلق إلى مستنقعات الخطية, لأن رائحتها كريهة, ومرارتها شديدة, وأفكارها عنيفة.

حياة الطهارة: هي حياة النقاوة الشاملة (داخلياً وخارجياً) فكرياً وسلوكياً حيث يحفظ الإنسان نفسه بلا دنس في هذا العالم. ولكن لماذا؟ لأنها السبيل الوحيد لرؤية الله والحصول على النصيب السماوي في الملكوت والوصية تقول: “إتبعوا القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب” (عب 14:12 ), تماماً كما سبق وأخبرنا السيد المسيح في العظة على الجبل:” طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون اللة” (مت8:5).

+ الطهارة ليست دعوة للحرمان أو الكبت، إنما هي دعوة لتذوق عذوبة الصداقة مع الله القدوس.
+الطهارة هي التصاق واتحاد بالله القدوس واهب البر.
+ الطهارة هي بغض للشر والفساد… فقد أسقط لكنني بالنعمة الإلهية أقوم، فلا أدان على سقوطي، إنما أدان على استسلامي للخطية والسقوط.
كثيرون يحصرون “الطهارة” عند عدم ممارسة الأخطاء الجسدية فحسب, لكن الطهارة تضم مفهوما أوسع فهي: 
طهارة الجسد: حيث يسكنه روح الله فلا يستخدم لحساب الشهوات.
طهارة الفكر: لا يكون العقل ملهى للشيطان، بل أداة للتأمل في الله.
طهارة العواطف والحواس: عطايا إلهية تلهب نفوسنا بنار الحب لله وللناس.
طهارة القلب: فيتسع ليضم إن أمكن كل البشرية ويطلب الصالح للغير.
طهارة المناخ الذي نعيش فيه: يتطلع المؤمن حتى إلى الأرض کسماء مقدسة.

بهذا المفهوم المتسع لا ننظر إلى الطهارة من الجانب السلبي، حيث الإمتناع عن كل دنس أو نجاسة، وإنما يصير المؤمن إنسان الله بالحق، يقوده روح الله في رحلته من الأرض إلى السماء.

ثانيا: مداخل الخطية … اغلق النافذة 

هل تعلم ماهي النوافذ التي تدخل منها الخطية… هي الحواس الخمسة، الخطية تدخل من الحواس ثم إلى الأفكار ثم إلى القلب ثم إلى التنفيذ.
هذا هو مسار الخطية ومداخلها في حياة الإنسان…
هذه هي مداخل الخطية… أما أنت فإسأل نفسك ماذا تسمع ماذا تتخيل ماذا تقول ماذا  تلمس.. إلخ؟
+”سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا. “(لو 34:11)
+”فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ.”(یع 6
:3)
+”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ “(1كو19:6 )
+”أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ”(أم33
:1 ).

خطورة الفكر

من خطورة حاسة النظر أنها تؤثر على الفكر، فكل عضو في الإنسان يستريح وقتاً وينشط وقتاً, إلا الفكر: فهو لا يستريح ولا يهدأ أبدا… دائماً في نشاط حتى أثناء النوم يظل نشيطاً, وما قد إتصل به يعود ويعرضه، لذلك لابد من حراسة الفكر إذ هو المدخل إلی باقي الكيان الإنساني والعدو يبدأ مفاوضته ويعرض بضاعته من خلال الفكر، فيحتال ويزين ويخدع, والشهوة كامنة تخرج من مخبأها عندما يتفاوض الفكر معها، فهي تتسلل بمكر, فالخطية تبدأ بنظرة ثم فكرة فيحدث: الإتصال – الإنفعال – الإشتعال – الإستجابة.

ثالثا: هل الطهارة ممكنة أم مشكلة؟ 

طبعاً هي مشكلة:

  1.  إذا كنت لا أريد ذلك: ولأن قوى الشر أكبر وأعتى مني ومن إمكانياتي المحدودة، فدائما أمامي هذه العبارة: “مافيش فايدة”!!
    ولكن يا صديقي مهما كنت ضعيفاً أو مستعبداً، تذكر الوصية: “احفظ نفسك طاهراً” (1تي 22:5 ) وتذكر أن هناك قوة كبيرة يمكنك أن تلجأ إليها، فالمسيح يسوع على الدوام في إنتظارك، ولكن لا تنس أن تسد منافذ العدو (فالباب اللي يجيلك منه الريح – أقصد الموقع أو القناة أو الصديق – سده وإستريح).
  2.  إذا كانت بإمكانياتي الإنسانية المحدودة: لأنه بدون الإعتماد على عمل النعمة في حياتي لن أستطع شيئا لأنه مكتوب: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو 5:15). 
    النعمة هي الله الساكن فيك، والنعمة طاقة جبارة, ترفع النفس فوق معاكسات الجسد, وإغراءات الغريزة والعدو والعالم.
    ولكن كيف أحصل على النعمة؟ يمكنك بجهادك، ووقوفك في الصلاة ودراسة الإنجيل والإتحاد المستمر بالجسد والدم الأقدسين، وبسر الإعتراف، وبطاعة الوصية والشبع بالمسيح.
  3.  إذا عشت حياة فارغة تافهة: لأن الحياة الفارغة مرتع للنجاسة، مثل الأرض الفضاء حين تصير موضعاً للقمامة. والحياة الفارغة هي حياة بلا رسالة, وبلا هدف, وبلا مسئوليات, وبلا تطلعات. إن القلب الفارغ مسكن ليس لشيطان واحد بل لشياطين عديدة، حيث تصير الحياة بلا منفعة وبلا طائل. املأ قلبك جيداً بدراستك أو عملك.. بالهواية.. بالخدمة .. بالرياضة.. بالقراءة.. بالمشاهدة المفيدة… بالزيارة… بالراحة المنضبطة… بالصداقة النقية… الخ.
  4.  إذا كان المجتمع مُعثر ومتعب: لا جديد تحت الشمس، فكل مجتمع هو عصري في عصره, وهناك مجتمع منذ 40 قرن من الزمان كان أشد دنسأ ونجاسة مماهو اليوم (سدوم وعمورة). “فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة” (1كو 33:15 ).. العثرات عديدة كل يوم وبأشكال متنوعة، ولكن ثق في يد المسيح التي تستطيع أن تسندك وتحفظك.
    أحيانا ترى الناس يسيرون في النجاسة ويسمونها بمسميات مختلفة مثل: (تحضر – عصرية – روشنة) ولكن تذكر أن السمك الحي يمكنه أن يسير ضد التيار.

    تذكر يوسف العفيف كان شاباً عبداً بدون شريعة مكتوبة, ورفض أن يخطىء رغم وجوده في مجتمع غريب, لذا لا تضع عذرك على الجميع, لأنه يبقى الصوت قائلا: “أنت بلا عذر أيها الإنسان” (رو 1:2).

رابعا: روشتة للعلاج: 

  1.   أ… (مز 15:17 ), (مز 5:63 ), (اش 11:58 ), (أم 7:27)
    بدون الشبع لا يمكنك أن تقتني حياة الطهارة، فنقاوة الإنسان وطهارة قلبه مسئولية الإنسان, التي لا تتم إلا بعمل الله داخل قلب الإنسان، وربنا يسوع لا يقتحم حياتك, ولا يوجد في حياتك بطريقة أوتوماتيكية، بل يجب أن تأتي وتجلس تحت أقدامه، الله يعلم بنجاسات القلب ودنس الأفكار، ويعلم أنك تعجز بذاتك عن تقديس نفسك وجسدك، لذلك وهبك روحه القدوس الناري, القادر أن يحرق أشواك الخطية من داخلك, فلا تخف من نيران الخطية، فإن الذي غير طبيعة النار للثلاثة فتية إذ اتكلوا عليه وكان يتمشى معهم، هو نفسه ساكن فيك يحرق نيران الشهوة.
    ثق أن حياة العفة هي عمل الروح القدس، عليك فقط أن تجعل روح الله مشتعل داخلك هكذا يوصينا الكتاب:  “لا تطفئوا الروح” (1تس 19:5 ).
    عزیزی: اشبع بالكتاب المقدس وبالصلاة وحضور القداسات والتناول، اشبع بقراءتك الروحية، ردد صلاة يسوع طول اليوم بفهم ووعي, حتى تدخل إلى أعماق قلبك وتغير اتجاهاتك، وعليك قبل كل شيء أن تقدس حواسك: النظر والسمع واللسان والشم واللمس, وتجلعها أدوات في يد الله ليستخدمها لمجد اسمه القدوس.
  2.  أ……. (سيراخ 21 : 2), (2تي 2: 22), (1تي 6 11)
    “أهرب من الخطيئة هربك من الحية فإنها إن دنوت منها لدغتك” (سيراخ 2:21)، يوسف الصديق لم يخجل أن يهرب عرياناً، بينما شمشون وداود لم يهربا، فكانت النصرة لمن أجاد حكمة الهرب، حتى أن الكتاب نفسه يوصينا بالهرب، وإن كانوا يقولون في الأمثال الشعبية: (أن الجري نصف الجدعنة، ولكن أمام الخطية الجري هو الجدعنة كلها)
    ما معنى أن أهرب؟ وكيف أهرب؟
    + جيد أن تخاطب نفسك: “أنت لست أبر من داود ولا أحكم من سليمان “وأنت تعرف أن داود قيل عنه: “وجدت داود بن يسی رجلاً حسب قلبي” (أع 22:13) ومع ذلك لم يحتمل منظراً واحداً وسقط، ولا أحكم من سليمان صاحب القلب الحكيم، الذي أمالت النساء قلبه، فهل تثق أنت بنفسك؟! لا… بل اهرب وداوم على الهروب, وليكن لك الشعور بضعفك يجلب عليك بركات النعم الإلهية.
    + ابتعد عن المواقف التي تضعف ضبطك لنفسك، اسأل نفسك ما الذي تحتاج أن تتجنبه في حياتك؟ وما الذي تحتاج أن تتخلص منه؟ ربما بعض المجلات أو بعض الكتب والفيديوهات أو رسائل وصور على الموبايل، وقد تحتاج أن تقطع علاقة تعرف أنها سيئة بالنسبة لك، فالكتاب يوصينا: “المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة” (1كو 33:15 ). ربما تحتاج أن تبتعد عن بعض الأشخاص.
  3. أ… (مز 2:51 ) (مز 7:51), (ار 4: 14), (يو 8:13 ), (اع 16:22 )
    شبعك وهروبك صيانة لك, ولكن قد تسقط نتيجة الضعف البشرى، فعليك بالتوبة المستمرة والرجوع الدائم إلى الله.
    مبدأ (1): القلب النقي ليس هو القلب الذي لا يخطىء, ولكنه القلب الذي لا يستبقى الخطية داخله.
    مبدأ (2) قد أسقط. لكي بالنعمة الإلهية أقوم.
     ليس المطلوب هو عدم السقوط، ولكن المطلوب هو التوبة المستمرة، عليك كل يوم أن تغسل قلبك من كل خطية، بأن تقدم توبة على أحداث اليوم كله، بمثابة تصفية حسابات اليوم…
  4.   أ… (مز 4:3 ), (مز 16:55 ), (مز 2:57), (مز 86 : 3), (مز 141: 1)
    إياك واليأس.. لأنك بيأسك تهين الله أكثر من سقوطك في الخطية، ولكن عليك أن تصرخ إلى الله، لاحظ ما تقوله كلمة الله: “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (في13:2 ) إن الله لا يعطيك فقط الرغبة لكي تفعل الصواب، لكنه يعطيك أيضا القوة لكي تفعل ما هو صواب، وكأن الله يريد أن يقول لا: “لا تخف يا إبني أن تقترب إلى…. أنت ابني وأناء مختار لي، أنا أعلم ضعفك, وقد تكون قد أهملت وانجذبت وانخدعت ولكنى أرقب جهادك وافرح به، وأجمع دموعك في زق عندی… فلا ينكسر قلبك لئلا تبتلع من الحزن، لن يسر قلبي أن أراك ساقطا في اليأس ,هارباً مني خجلاً من خطبتك..

 اعلم أن محبة الله تغلب خطيتك… ومهما سقطت فهو قادر أن يقيمك لأنه يحبك، دورك فقط أن تجاهد بأمانة وتتحمل مسئولية النتائج، واصل في الابتعاد عن الأسباب، وقدس کیانك وإستمر في الضبط، اطلب وإرفع قلبك وإشبع بإستمرار، وثق في شخص المسيح القادر أن يعطيك الغلبة… حول تنهداتك إلى إصرار, ودموعك إلى عزيمة على الاستمرار في طريق الجهاد برجاء.

أخيرا… حياة العفة والطهارة هي عطية من الله, ولكنه لا يهبها إلا للمجاهدين، فهي عمل الروح القدس, الذي يمسك بيمينك… ويطهر قلبك… ويسير معك في الطريق…


من المسابقة الدراسية – مرحلة ثانوي –  مهرجان الكرازة 2011

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى