البابا غريغوريوس الكبير
ولد في روما في أسرة مسيحية عريقة ونبيلة، وكان أبوه أحد أعضاء مجلس الشيوخ. كان أحد أجداده لأبيه هو البابا فيلكس الثاني (أو الثالث) 483 – 492م، وأيضا يمت بقرابة من جهة والده إلى البابا أجابيتوس الأول (535-536 م).
مارست أخواته الثلاث تارسيللا وإميليانا وجورديانا حياة البتولية. وعُرفت تارسيللا وإميليانا بحياة النسك والقداسة، أما جورديانا فهجرت هذه الحياه وتزوجت. واتجهت أيضا والدته سيلفيا إلى الحياة النسكية بعد ترملها.
أصبح غريغوريوس حاكماً (أو قاضي القضاة) لروما حوالي 572 م، ورئيساً لمجلس الشيوخ فيها.
أسس غريغوريوس ديرا باسم القديس أندراوس في بيت العائلة، واستخدم الأراضي التي تمتلكها الأسرة في صقلية ليؤسس ستة أديرة أخرى هناك. وترهب وله من العمر 35 سنة وعاش في دير القديس أندراوس بعد أن وزع ما يملك.
رسمه بندكت الأول شماسا في ۵۷۹م، وأُرسل إلى القسطنطينية كسفيراً
بابوياً لدى الإمبراطور تيباريوس الثاني السابق لموريسيوس للحصول على مساعدة لإيطاليا ضد اللومبارديين Lombards (شعب جرماني إحتلوا شمال إيطاليا في محاذاة سويسرا، في القرن السادس بعد الميلاد، وكونوا مملكة إسمها لومباردي ombardy)، وذلك من عام 579 إلى 586م عندما استدعاه بيلاجيوس الثاني إلى روما ثانية، حيث عاش في دير القديس أندراوس کراهب بسيط بينما كان الراهب فالنتينوس هو رئيس الدير. وساعد بيلاجيوس الثاني كسكرتير في أعماله البابوية.
عند وفاة بيلاجيوس الثاني في 590م، انتخب غريغوريوس بإجماع الشعب ليخلفه كأسقف لروما. وقد حاول الهرب ولكنه لم ينجح.
و استمر بعد أن صار بطريركا في حياته وممارساته الرهبانية، محيطاً نفسه دائماً بالرهبان عائشاً معهم تحت قانون رهباني.
كان يحلو له أن يدعو نفسه “خادماً لخدام الله” وهو لقب استعاره منه الكثيرون فيما بعد.
و عندما فشلت محاولاته في الوصول إلى اتفاق يوحد الجهود الإيطالية لتحقيق السلام، أرسل هو جنوده الخاصة ضد القوات اللومباردية وعقد هدنة مع الدوق اللومباردي في 592م.
و عندما دخل ملك اللومبارد روما في 594م، تحرك غريغوريوس لإنقاذ روما بدفع فدية كبيرة متعهداً بدفع جزية سنوية.
كانت تلك خطوة هامة في تكوين الولايات البابوية وجعل البابا حاكماً دنيوياً، إذ أن غريغوريوس قد قام بواجبات هي عادة من اختصاص الإمبراطور والحكومة.
قدم ريع الأراضي التي هي الإرث البابوي papal patrimony للعناية بالأسر الفقيرة، ولتحرير الأسرى وافتدائهم، وقد أصبح راعي البرابرة يراسل ملوكهم، ويحاول الحد من طغيانهم، وكان ينال تقدير واحترام الجميع.
أما عن روحانيته فقد بادر لمساعدة المصابين بالطاعون، وتأمين الطعام للجياع عندما ذهب فيضان التيبر بمخازن القمح التي كانت على ضفتيه. وله مقولة مأثورة “إن إرث الكنيسة هو ملك الفقراء”.
أرسل من يبشر بلاد الإنجليز بإنجيل المسيح، وهو يعتبر مؤسس الكرسي الأسقفي في کنتربري. هو أب المسيحية الأنجلوساكسونية..
ليس له أهمية تذكر في تاريخ العقيدة ولا أي موقف في القضايا الإيمانية الكبيرة.
كانت له ثلاثة أهداف في فترة حبريته:
1- الدفاع عن إيطاليا ضد غزو Lombards
۲- مقاومة سيمونية الإكليروس وفساده.
۳- رد الأنجلوساكسونيين إلى الكنيسة، وقد أرسل لهم بعثات تبشيرية.
حل به مرض عضال في الثلاث أو أربع سنوات الأخيرة من حياته توفي على أثره.
و تتركز أهمية دراسة حياة غريغوريوس في أنه هو الذي أنفذ حكمة العالم القديم إلى عالم القرون الوسطى.
تشكك كثير من الدارسين في معرفة هذا الأب لليونانية. لكن مع أن أعمال القديس أغسطينوس خدمت هذا الأب كمكتبة رئيسية يستقي منها الكثير من مفاهيمه إلا أنه كان يقرأها من خلال التقليد الشرقي الذي كان بأحاسيسه أقرب إليه من أغسطينوس. يبدو أنه قرأ ترجمات أعمال العلامة أوريجانوس والقديسين غريغوريوس النزينزي والنيصي. كما أن حواراته مع أصدقائه جعلته ملماً بالأفكار الشرقية. هذا وقد عرف غريغوريوس القديس يوحنا کاسیان معرفة جيدة، هذا الذي كتب “المناظرات” مع آباء برية مصر وكتاب “المؤسسات الرهبانية” الذي يصف الرهبنة المصرية ورهبنة فلسطين وغيرها من الأعمال. لقد عرف أيضا الكثير من “حياة الآباء Vitae Patrum” خاصة التي ترجمها الشماس الذي صار فيما بعد البابا بيلاجيوس الأول (557- 561م) ومساعد الشماس الذي صار البابا يوحنا الثالث (561- 574م) وكتاب روفينوس عن تاريخ الرهبنة في مصر Historia Monachorum وغيرهم. هذه الكتابات لها أثرها الخفي على أعماله، وقادت غريغوريوس في اتجاه مختلف عن القديس أغسطينوس وغيره من كثير من آباء الكنيسة في الغرب.
كتاباته
قانون الرعاية Regula Pastoralis:
في أربعة أقسام، عالج فيه خدمة الأساقفة في إيبارشياتهم وواجبات الأسقف، وقانون حياة الراعي الحقيقي، ثم قوانین الوعظ والتعليم الديني. ويختم كلامه بفصل تناول فيه عاهته الجسدية الشخصية (ألم معدته الشديد، وكان يعوقه عن الوقوف والكلام أحيانا). وقد بلغ من تقدير الملك ألفريد لهذا الكتاب أنه ترجمه لكي يستخدمه الإكليروس الإنجليزي في عصره.
الأخلاقيات في سفر أيوب Magna Moralia in lob:
تفسير رمزي لهذا السفر، ويتضمن الحث على حياة الفضيلة ونصائح أخلاقية، وهو في الأصل محاضرات رهبانية ألقاها غريغوريوس على الرهبان المحيطين به في القسطنطينية عندما كان سفيراً بابوياً هناك.
الرسائل:
ليس أقل من 868 رسالة حفظت له في 14 كتاب. ونستدل منها على أسلوبه في سياسة الكنيسة، ونظريته في اللاهوت الأخلاقي. وهي ذات طابع إنساني وأدبي متميز.
وقد أُخذ على غريغوريوس تساهله مع الملكة Brunichild، ومع الإمبراطور فوکاس قاتل الإمبراطور موریسیوس.
العظات:
ألقي عظات كثيرة في الآحاد والأعياد المختلفة للشعب في روما وهي:
عظات إنجيلية: 40 عظة ألقيت ما بين 590 و 593 م ألقى منها غريغوريوس بنفسه العظة ۱۷ وال۲۰ عظة الأخيرة، أما الباقي وهو ۱۹ عظة فقد ألقاها عنه أمين سره بسبب ما كان يعانيه هو من اختفاء الصوت عند اشتداد ألم معدته عليه. وكانت العظات تلقى في أثناء القداس، ومرتبة كدروس تعليمية من الإنجيل الخاص بكل قداس.
مواعظ تفسيرية: عددها ۲۲ عظة تدور حول النبي حزقيال وسفر الملوك الأول، و ۲ على نشيد الأنشاد، وضعها لمجتمع رهباني وتحوي تأملات في الحياة النسكية والتصوف.
الحوارات: في 4 كتب ويتضمن سير وحياة ومعجزات الرجال والنساء القديسين في إيطاليا.
الليتورجيا: جدد طقس القداس الروماني، كما وضع سلسلة طقوس القداس البابوي على مدار السنة الليتورجية.
تعاليمه اللاهوتية:
أدان الثلاثة فصول” التي سبق وأدانها الإمبراطور يوستينيان ثم مجمع القسطنطينية الثاني 553م.
اتبع رأي أغسطينوس في حالة السقوط التي حلت بالإنسان ونتائجها مثل الخطية الأصلية وأولية النعمة في الخلاص، وعقيدة تحتيم القضاء والقدر، ودور الأسرار. وإن قيل إنه ليَّن هذه التعاليم تمشياً مع التطور الذي جرى بعد أغسطينوس.
وقد تبع أغسطينوس أيضا في أن خلقة الملائكة كانت عند خلقة عالم الأجساد.
قال إن المعمودية والرسامة الكهنوتية صحيحتان عند الهراطقة! وينادي مثل ليو (لاون الكبير) بأن الزواج لا يقبل الحل، ويؤكد عقيدة المطهر.
لام أساقفة جنوب غاليا لإرغامهم اليهود على تقبل المعمودية.
أما بالنسبة لأولية بطرس الرسول على الكنيسة الجامعة، فبينما يعترف غريغوريوس بالحقوق الشرعية للكنائس الأخرى على أقاليمهم، نجده ينادي بأن كرسي بطرس قد عهد إليه العناية بالكنيسة كلها، لذلك فله سلطة قضائية عامة universal jurisdiction . وأن أسقف روما هو “رأس الإيمان” وأن حقوق الكنيسة الجامعة انتقلت إليه!.
: أبطل قرارا اتخذه بطريرك القسطنطينية (يوحنا الرابع the Faster) ضد اثنين من الكهنة. اعترض بقوة على استخدام البطريرك لقب “الأسقف المسكوني (العام)” ecumenical”
” universal bishop ) وكان قد أعطاه الإمبراطوران لیو ويوستينيان لبطريرك القسطنطينية على سبيل التكريم لبطريرك عاصمة الإمبراطورية. رفض غريغوريوس بشدة استخدام هذا اللقب سواء بالنسبة له أو لغيره من رؤساء أساقفة الإيبارشيات..
قال كل من يدعو نفسه كاهنا عاما (universal) أو يرغب في هذا، هو سابق لضد المسيح، إذ أنه يضع نفسه بكبرياء فوق الآخرين . كان يسميه “اللقب المتشامخ”.
: في رسالته 2: 48 كتب غريغوريوس:
احترس.. إن العالم لا يعود يهاجم قطيع المسيح خلسة في الليل، ولكن في وضح النهار… يجب أن نتعلم لكي نحفز قلوبنا للاقتداء بالرعاة الأرضيين. فهم غالباً ما يسهرون خلال ليالي الشتاء يقرسهم المطر والصقيع، خشية أن يهلك خروف واحد. وإن بالفعل افترس أحد الخراف، لا يهدأون حتى يخلصونه. يلهثون وقلبهم يدق سريعاً، يقفزون لينقذوا الخروف بصرخات عالية، ويحفزهم خطورة أن صاحب القطيع سوف يطلب ما فقدوه نتيجة عدم المبالاة.
الكنيسة الجامعة | |||
الآباء الغربيون قبل وبعد نيقية |
|||
تاريخ الكنيسة |