لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم

 

“لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم” (يو 3: 17)

الله لم يترك العالم في عجزه وفقره وظلمته . والمسيح لما جاء لم يجلس في الهيكل ، بل انطرح في صميم عجز العالم وفقره ومرضه ، وشارك الناس ذلهم وانسحاقهم ، وأجاز نفسه تحت ظلمة العالم وروحه الشرير وحقده وحسده وعداوته ، حتى صلبوه في مهانة فاقت حدود التصور ؛ وهو كان راضياً عن كل حدود التصور ؛ لأنه أحب العالم وأراد أن يخلصها! المسيح لم يستعف من العالم الظالم ، ولم يقبل أن تُعمل له مظلة على جبل التجلي ، ولا قبل أن يجعلوه ملكاً.

لذلك لما بدأ يعلم الناس كيف يخدمون العالم ويحبونه لم يعلمهم أن يخشوا شره “ها أنا أرسلكم مثل حملان بین ذئاب”( لو 10 : 3 ) ، لم يحرَّضهم أن يخشوا تياراته خوفاً على نورهم من ريح الشر المتجمد فيه ؛ بل دعا كل من يؤمن به أن يضع نفسه في مكان التيار في أعلى مكان من دنيا الشر والظلام ، حتى يراه الجميع ويمجدوا الله.

لقد حدد المسيح دور الكنيسة وعملها في العالم كما يتحدد الملح للطعام ؛ إذ يلزم أن يذوب فيه ويتلاشى عن شكله وكيانه . فالكنيسة تصير أداة تمليح حينما تكون مستعدة أن تنتشر في العالم كله ، معطية ذاتها عطاءً كلياً حتى الموت.

وإن كان الله قد أرسل الروح القدس بمواهب متعددة للكنيسة ، فهذه المواهب ليست لخير المسيحيين ولا لكرامة الكنيسة إنما لخير العالم الموجوع . فالعالم مريض وضربته لم تُعصب ، من أجل هذا أرسل الله روحه القدوس للكنيسة ليشفي العالم : “من له أذنان فليسمع ما يقوله الروح للكنائس”.

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى