الـشباب والمال

 

المال عطية من الله له دوره الهام في حياة البشر ، ولكنه أيضاً سبب أساسي في الصراعات الكثيرة الحادثة الأن علي كل المستويات : الفردي، الأسري، الدولي .
وقد حدد الإنجيل المقدس خطوطاً أساسية للمال، حتي ما يسهم في سعادة الإنسان وخدمة البشرية وحتى لا يتعبد له الناس ويتخذونه إلهاً دون الله. فما هي هذه الخطوط؟

1 – المال منحة :

إذ أن الله “يمنحنا كل شيء بغني للتمتع” (1تي 6 :17)، فكل ما يصلنا من إيراد مادي هو في الحقيقة منحة من الله إذ انه لولا أن الله أعطانا الحياة ما وصلتنا هذه النقود، ولولا انه أعطانا الوزنات العلمية والعملية والفنية ما استطعنا أن نتحصل علي شيء، بل لولا انه أعطانا الصحة ما استطعنا استخدام إعضائنا المختلفة في إنتاج ما يدر علينا ربحاً : الرسام يستخدم يده والمهندس يستخدم بصره و اللاعب يستخدم قدميه وهكذا.

لذلك يعلمنا الكتاب المقدس إن نخاطب الرب – حين نقدم صدقه لفقير أو قرشاً لكنيسة – فنقول :(منك الجميع ومن يدك أعطيناك) “1 أخ 29: 14” .

2 – المال غير أساسي للحياة :

كما قال الرب : «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» (لو 12 : 15) أو كما قال : “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله”(مت 4 :4)، ” لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد”(أع 18 : 27).

إذن فالحياة عطية من الله ، والصحة كذلك ، وكل جهودنا من اجل أن نحيا أو أن نحتفظ بصحة جيدة … يمكن أن تبوء بالفشل مهما صرفنا – في هذا الصدد – من أموال أو سافرنا إلي أخر الدنيا .. الحياة منة والصحة منة ونحن نجاهد في حدود إمكانياتنا من اجل حياة مسيحية لكننا نثق أن المال لا يستطيع أن يهبنا شيئاً .

3 – المال غير أساسي للسعادة :

وهذه حقيقة إذ يقول الحكيم : “لقمة يابسة ومعها سلام خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام”(أم 17 :1). فالسعادة قيمة روحية ونفسية سببها الصلة الحية مع الله و السلام النفسي وراحة الضمير والغفران الإلهي والمحبة الصادقة للناس مهما كانوا، ومن هذا المنطلق نقول: هل يمكننا أن نشتري السعادة بالمال ؟يستحيل … بل بالعكس فكثير ما أشقي المال – في كثرته – أصحابه .. كيف يحفظونه؟ وكيف يستثمرونه وكيف يسعدون أنفسهم به سعادة مزيفة فينحرفون .. الخ .

4 – المال غير يقيني :

إذ يقول معلمنا بولس : “أوص الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يلقوا رجائهم علي عدم يقينية الغني، بل علي الله الحي” (1 تي 6: 17). وهذه حقيقة .. فالمال شيء غير ثابت .. يأتي اليوم ويذهب غداً .. ويمكن أن يحصل الإنسان علي ثروة اليوم،ويفقدها لظروف ما في نفس الوقت. المال شئ متحرك، وعلى الإنسان الا يحاول ان يثبت قدميه عليه حتي لا ينهار .

5 – المال وزنة :

إذ يوصي الكتاب الأغنياء “أن يصنعوا صلاحاً وان يكونوا أغنياء في أعمال صالحة ، وان يكونوا أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل، لكي يمسكوا بالحياة الأبدية” (1 تي6 : 18-19 ).

لذلك فالمطلوب أن نستثمر المال لمجد وراحة وخلاص أخواتنا في البشرية ولا سيما أخواتنا في الإيمان ، وكما أعطينا سعدنا لأنه “مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ”(أع20 :35)،  وكلما أعطينا ازدادت خيراتنا “النفس السخية تسمن، والمروي هو أيضاً يروي” (أم 11: 25). وكم من أغنياء كانوا أغنياء في الإيمان وأعمال الخير ، قدموا للبشرية خدمات لا حصر لها .

نحن إذن وكلاء علي “مال الظلم”(لو16: 11) أي علي مال هو ليس لنا وليس منا ولكنه عطية من الله تماماً كالأموال التي أقتني بها وكيل الظلم أحباء … هي ليست أمواله لكنها أموال سيده ومن خلالها استطاع أن يقتني أصدقاء ، ومع أن تصرف وكيل الظلم خطأ لأنه أخذ ما ليس له ، ولكن الرب يطلب منا أن نتعلم من (أبناء هذا الدهر) أن نستثمر الأموال التي هي أصلاً من الله لنقتني أصدقاء يصلون من أجلنا.

إن الرب قد ائتمنا علي ما لدينا من مال فلنتصرف فيه بحكمه وضمير حي ونأخذ ما نحتاجه ونترك ما بقي للرب ليتصرف فيه حسب ما يري ربما لظرف طاريء فالرب يمنعنا من الإسراف “السكير والمسرف يفتقران”(ام23 : 21)، ولكنه أيضا يحضنا علي جمع الكسر(مت 15: 37) كي تخدم أخرين .

6 – المال لا يتكل عليه :

إن الاتكال علي المال إنكار لله كما قال الرب : “ما أعسر دخول المتكلين علي الأموال إلي ملكوت الله” (مر10 : 24) وكما قال أيوب الصديق: “إن كنت قد جعلت الذهب عمدتي أو قلت للإبريز أنت متكلي أكون قد جحدت الله من فوق” (اي31 :24) . أذن فالمشكلة هي في اعتبار المال عماد الحياة وركيزة المستقبل والاطمئنان علي أساس أن لدينا شيئا نرتكز إليه ، هذا لا يعني -كما ذكرنا – عدم الادخار ، فالادخار غير الاتكال ، الادخار تجنيب الفائض مقدمين إياه لله يستخدمه كما يشاء لخدمة أو لطاريء واثقين أن سندنا الوحيد والجوهري هو الله نفسه وليس المال لان “من يتكل علي غناه يسقط”(ام11: 28).

7 – المال لا يُشتهي :

فالذي يحب المال يدخل إلي شرور كثير كالسرقة والاختلاسات والظلم والأمور غير المشروعة وإذ يشتهي أن يصير غنياً يضل عن الإيمان ويطعن نفسه بأوجاع كثيرة ويسقط في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة ويغرق نفسة في العطب والهلاك “لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ.“(1تي6 : 10) ” لذلك اعتبر الرب المال منافساً لعبادته حين قال: ” يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ.” (مت 6: 24).

8 – المطلوب هو الكفاية :

أن الإنسان يسعى ، وينمي دخله وينتقل إلي عمل أفضل أو وظيفة تدر عائداً أكثر ولكن هدفه الرئيسي هو (الكفاية) .. وليس (الثروة) أو تعظم المعيشة و البذخ … وهذا فرق شاسع : “أما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة”(1تي6:6). “فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما “(1تي6: 8). “كونوا مكتفين بما عندكم”(عب13: 5) .”لكي تكونوا ولكم اكتفاء كل حين في كل شيء تزدادون في كل عمل صالح “(2كو9: 8).

والكفاية هي الحياة المادية (خبزنا كفافنا)… الحياة المستريحة والممجدة لله، فالله لا يريد شقائنا بل سعادتنا وقد أعطانا حتي الكفاف .

أما التنعم .. “أما المتنعمة فقد ماتت وهي حية”(1تي5: 6) وأما تعظم المعيشة “لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ..ليس من الآب بل من العالم .. والعالم يمضي وشهوته”(1يو2: 16-17)

9 – المال والتنظيم :

الإنسان المسيحي ينظم المال في أسرته، فالزوجان يضعان نقودها معاً في أمانة ثم ينظمان الاحتياجات وأهمها :
1 – حق الله : العشور – البكور – النذور .
2 – حق كل شريك : في مبلغ خاص مناسب للتصرف .
3 – حق الأسرة : ومصروفاتها اليومية .
4 – حق الأولاد : في تدبير مستقبل أفضل لهم .
5 – حق الأسرة الكبيرة : عند الاحتياج .
6- حق الادخار ليتصرف فيه الله كما يشاء لخير الأسرة أو الآخرين .

ويجب أن تسود روح التفاهم هذا الأمر ، وروح العطاء والمحبة وروح العدالة وإحقاق الحق … فكثيراً ما انهارت بيوت بسبب المال مع انه لا يستحق كل هذا المركز في حياتنا.


لنيافة الأنبا موسي الأسقف العام للشباب، تم نشره فى رسالة فكرة للتنمية الإقتصادية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى