الكتاب المقدس والحياة الروحية

 

يجدر بالمسيحي،  أن يدرس كلمة الله بانتظام يومياً، وذلك تتميماً لوصية الرب: ” فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية” (يو 39:5). وقد وصف الرب كلامه بقوله : “الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة” (يو63:6). أما داود فقد امتدح من يلهج في ناموس الرب نهاراً وليلاً ووصفه قائلاً: “كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل” (مز3:1) . من هنا لا نستغرب قول إرميا النبي : “وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي” (إر16:15 ).

أولاً: أهمية الكتاب المقدس في حياتنا

وتأتي أهمية الكتاب المقدس في حياة المؤمن من الأسباب التالية :

1- الكتاب المقدس هو كلام الله

وحين يتكلم الله يجب أن ينصت الإنسان. وهو حين يتكلم إنما يعلن لنا أسراره المقدسة ومقاصده في الخليقة والتاريخ، وأعماله مع أولاده المطيعين لوصاياه. بل أننا من خلال كلام الله نتعرف على شخصه الحبيب المبارك، ووعوده الصادقة الأمينة، ونصائحه الغالية الخلاصية. من يستطيع أن يحيا بدون كلمة الله ؟

– إنها بالحقيقة ” روح وحياة ” .
– إنها غذاء الروح “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت4:4).
– إنها نور الطريق “سراج لرجلي كلامك ونور لسبیل ” (مز105:119). 
– إنها السيف الحاد الذي به نیتر التعاليم الكاذبة “كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذی حین” ( عب 12:4 )الصلاة
– ثم إنها سر الاغتسال والنقاوة ، إذ يقول الرب : “أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به” (يو3:15) ۔
الله يتكلم إلينا … فلننصت إليه!
الله يعلن لنا حبه … فلنشبع به؟
الله يعلن لنا مقاصده … فلنتفهمها جيداً!
الله يقدم لنا مواعيده . فلنتمسك بها ؟
– كلام الله قوة ، ترفع الضعيف وتشدده.
– كلام الله نور ، يرشد النفس السائرة في البرية.
– كلام الله غذاء ، يشبع القلب بحب المسيح والنفوس.
– كلام الله سيف ، يبتر التعاليم الغريبة ويفرزها.

2- الكتاب المقدس هو تاريخ البشرية

ففيه دراسة لتاريخ البشرية من بدايته إلى نهايته ، وفيه نلمس معاملات الله مع النفس البشرية على اختلاف أحوالها وأنواعها. إنه مدرسة لأخذ الخبرات. فمثلاً في سفر التكوين نتعرف على : كيف سقط آدم وحواء ، وآثار الخطية ووعد الخلاص. وفي قصة قايين نتعرف على ضرورة وإمكانية النصرة على الخطية، وعلى خطورة الخضوع لصوت العدو . وفي إبراهيم نتعرف على معنى تبعية الرب في إيمان وثقة . وفي اسحق نثق في مواعيد الله الصالحة . وفي يعقوب نتعرف على خطورة التسرع والخداع والعاطفة ، كما نتعرف على أسلوب التصالح مع الناس . ومن يوسف نتعرف على حنان الله إذ يدبر خلاص الجميع. ومع يشوع نتعرف على سر النصرة في أريحا، وسر الهزيمة في عای، وفي القضاة نرى أبطال إيمان ، ونتعرف على بركات الطهارة ، وخطورة الانحراف في شمشون … وهكذا وهكذا.

مدرسة واسعة متعددة المراحل ، تبدأ في التكوين ، وتنتهي في الرؤيا حيث صراع الكنيسة والعالم ونصرة الله النهائية … خيرات لا تنتهي نأخذها كعصارة جاهزة لبنياننا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور” ( 1كو 11:10)

3- الكتاب المقدس هو مكان لقاء واتحاد مع الله

إذ أننا حينما نجلس هادئين متأملين في كلمة الله نتقابل مع الرب، وسرعان ما تتحد به أنفسنا. إن فرصة دراسة الكتاب حين تكون بروح الصلاة والحب لله تصير شبيهة بجلسة مريم عند أقدام المسيح حيث “اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها ” ( لو 42:10 ) . وما هو النصيب إلا الرب … الرب لن ينزع منها ، فقد اتحدت به وأحبته وتحولت بسبب كثرة الجلوس عند أقدامه، إلى شبه صورته القدسية.

ألم يقل الرسول : “ناظرین مجد الرب بوجه مكشوف ، فلنسمع ذلك القول المأثور : كما في مرآة ، نتغير إلى تلك الصورة عينها ، من مجد إلى مجد ، كما من الرب الروح ” (2كو18:3) ؟ ألم يقل أيضاً : “لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه” ( رو 29 : 8 ) ؟ إن مداوم القراءة في كلام الله بروح الصلاة ، تعطي النفس اتحاداً وثباتاً شخصياً، في الرب يسوع.

وباختصار ، الكتاب المقدس يكشف لي حاجتي إلى الله وانتظار الله لي … إنه نقطة لقاء الخاطئ المسكين مع قلب الله المحب . إن فقرة واحدة قرأها أغسطينوس كانت كفيلة بأن تخلص نفسه وتجعل منه قديساً في الكنيسة. إنها الأيات التي وردت في ( رسالة رومية إصحاح 13 من العدد 11 إلى 14). افتح كتابك الآن .. واقرأها بخشوع وتأمل .. لتدرك أثر الكتاب في حياتك.

فاصل

ثانياً: لماذا أربعة أناجيل؟

إن أقصر صيغة لعنوان البشارة هي : “بحسب متي” لذلك يمكن أن يكتب العنوان هكذا : ” الإنجيل بحسب متى” ولقد مرت كلمة ” إنجيل ” بمفاهيم متعددة مثل : ” المكافأة لحامل الأخبار الطيبة ” ثم ” الأخبار الطيبة نفسها ” ثم ” الكتاب الذي يحكي قصة الرب يسوع”.

ومع مرور الوقت أصبح العنوان يختصر إلى إنجيل متى ، وكأن لدينا أربعة أناجيل لأربعة أشخاص ، بينما الحقيقة أن لدينا إنجيل واحد كتبه أربعة أشخاص . لذلك فالعنوان الدقيق هو : ” الإنجيل بحسب متي ” أو ” الإنجيل لمتي “. لديناً إنجيلاً واحداً، أو بشارة مفرحة واحدة ، أو خبراً ساراً واحداً، كتبه أربعة أشخاص من زوايا مختلفة ، معصومين بالروح القدس ، إذ أن “كل الكتاب هو موحى به من الله” (2تي 16:3).

ولكن قد يتساءل البعض : ألم يكن يكفي إنجيل واحد عن السيد المسيح ؟
والجواب : كلا ، شخصية الرب يسوع المحيط الشاسع، وما هذه الأناجيل الأربعة إلا أضواء على هذه الشخصية الفريدة، جاء في ختامها قول الحبيب يوحنا : “وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة” (يو25:21)

أما السبب الثاني لتعدد الأناجيل، فهو أن كل بشير كتب إلى أناس معينين ليوضح لهم زاوية خاصة في السيد المسيح . فمثلاً: معلمنا متى كتب لليهود الذين كانوا ينتظرون المسيا ابناً الداود، فأوضح لهم من النبوات الكثيرة: أن يسوع هو الملك المنتظر . أما معلمنا مرقس فقد كتب للرومان رجال القوة ، ليشرح لهم أن السيد المسيح هو الخادم القوى للبشرية المحتاجة. ثم جاء معلمنا لوقا ليكتب لليونانيين رجال الفلسفة : أن السيد المسيح هو ابن الإنسان الذي جاء مولوداً من امرأة ، ولكنه الإله الحق من الإله الحق، ومخلص الإنسان الوحيد. وفي نهاية القرن الأول كانت بعض البدع والهرطقات قد بدأت تظهر فمثلاً قال البعض : أن جسد المسيح كان خيالياً. وقال الأخرون : أن العذراء ولدت الناسوت وهبط عليه روح علوي بعد ذلك فارقه عند الصليب .. وهكذا من أمور الفلسفة الباطلة . وهنا انبرى لهم معلمنا يوحنا الحبيب، الذي طالما اتكأ على صدر الرب، وأثبت لهم ألوهية السيد المسيح وحقيقة جسده الطاهر.

من هنا ندرك أن كل إنجيل كُتب بدافع معين ، ولأناس معينين ، وذلك ليدرك كل إنسان أن المسيح إنما جاء من أجله ليفتديه.

1- هل من تعارض بين الأناجيل الأربعة؟

لا يوجد أدني تعارض بين الأناجيل الأربعة، رغم أن كلاً منها كُتب في زمان ومكان يختلف عن الآخر ، وذلك لأن الروح القدس يعصم البشيرين وهم يكتبون. بالعكس، هناك اتفاق شديد بين البشائر الأربعة، وقد أفاض آباء الكنيسة ومفسرو الكتاب في هذا الموضوع ، ووضعوا موسوعات فيه ، وما قد يبدو لك تعارضاً في النظرة الأولى تكتشف أنه ليس كذلك بالفحص والتدقيق.
فمثلاً قال السيد المسيح للمجدلية : لا تلمسيني ، ثم ذكر معلمنا متى أن المجدلية ومريم الأخرى أمسكتا قدميه . وحين نقرأ بالتدقيق سنكتشف أن هذين ظهورين مختلفين تماماً، الأول عند القبر ، والثاني في الطريق .. وهكذا.

2- هل من تكامل بين الأناجيل الأربعة ؟

نعم ، فالأناجيل الثلاثة الأولى متشابهة في طبيعتها ، وإن كان إنجيل معلمنا لوقا أكثر شمولاً. والواضح عند الدراسة أن الأناجيل الثلاثة الأولى ( متی ، مرقس ، لوقا ) تميل إلى الناحية التاريخية ، بينما يميل معلمنا يوحنا إلى الناحية التعليمية. الثلاثة يميلون إلى التركيز على الخدمة في الجليل ، بينما يركز معلمنا يوحنا على الخدمة في أورشليم. الثلاثة أناجيل الأولى تورد الكثير من المعجزات والحوادث، وتحوی آیات مترادفة كثيرة، ولكن إنجيل يوحنا يهتم بالمعجزات والأحاديث التي تثبت ألوهية السيد المسيح بالذات.

والكنيسة القبطية ترى أن الحيونات الأربع غير المتجسدة تشير إلى البشيرين الأربع وتتخذ بداية كل إنجيل سبباً لإختيار الرمز المناسب. فالإنسان يشير إلى إنجيل معمنا متي الذي بدأ بسلسلة نسب السيد المسيح، والأسد يشير إلى إنجيل معلمنا مرقس الذي بدأ بالصوت الصارخ في البرية، أما إنجيل معلمنا لوقا فيشير إلى الثور حيث أن البشير بدأ إنجيله بالمذبح والذبائح، فی حين يشير النسر إلى إنجيل معلمنا يوحنا الذي حلق بنا في آفاق اللاهوت.

3- أقسام حياة رب المجد كما وردت في الأناجيل الأربعة

تنقسم حياة رب المجد في فترة التجسد الإلهي إلى ثمان أقسام :

1- ولادته : وردت في ( مت 1 ، لو 2 ) وفيه قصة الميلاد والرعاة والمجوس والختان والهرب إلى مصر والعودة إلى الناصرة

2- صبوته : وردت في ( لو2: 41-52) حين زار الهيكل وكان يسمع المعلمين ويسألهم.

3- استعداده للخدمة : بالمعمودية ( مت 3 ، مر1 ، لو 3 ) والتجربة في البرية ( مت 4 ، مر 1 ، لو 4 ) ۔

4- السنة الأولى في خدمته : وأهم ما تشمله :
أ- معجزة قانا الجليل ( يو 1:2-11 ) .
ب- خطابه الأول في مجمع الناصرة (لو16:4)
ج- حديثه مع نيقوديموس في أورشليم ( يو 1:3-21 ).
د- تجديد السامرية ( يو4: 1-32) .
هـ- دعوة بطرس واندراوس ويعقوب ويوحنا ( مت 18:4-22 ، مر1:1-12 ، لو 17:5- 26 ) و شفاء المفلوج في كفر ناحوم ( مت1:9-8 ، مر 2: 1-12 ، لو 17:5-26 ) .

5- السنة الثانية في خدمته : وأهم ما تشمله :
أ- اختيار الإثني عشر رسولاً ( مت 10: 2-4، مر 13:2-19 ، لو 13:6- 16) .
ب- إقامة ابن أرملة نايين ( لو11:7-17 )
ج- إقامة إبنة بايرس ( مت 18:9-26 ، مر 21:5 -43 ، لو 41:8 55).
د- مثل الزارع ( مت 13 : 1-53، مر 4: 1-34
، لو 8: 4-18 ).
هـ- إطعام الجموع ( مت 14: 13-23 ، مر 30:6-46 ، لو 10:9-17 ، يو 1:6-15 )

6- السنة الثالثة في خدمته : وتشمل :
أ- حادثة التجلي ( مت 17: 1-13 ، مر 9: 2-12 ، لو 9: 28-36)
ب- الراعي الصالح ( يو10: 1-21)
ج- إقامة لعازر ( يو11 : 1-26)
د- شفاء العشرة البرص ( لو 11:17-19 ) .
هـ- دعوة الأولاد ( مت 19 ، مر 10 ، لو 8 ) .
و – تجديد زكا ( لو 1:19-10) ۔

7- أسبوع الآلام : ( مت 21-27 ، مر 11-15 ، لو 19-23 ، يو 12-19).

8- القيامة المجيدة والصعود : ( مت 28 ، مر 16 ، لو 24 ، يو 22،21).

ملحوظة : هذا الجدول أوردناه لترجع إليه من آن لآخر أثناء قراءتك للإنجيل لكي تعرف موقع ما تقرأ من حياة رب المجد في الجسد ، والترتيب الزمني للمعجزات والحوادث .

فاصل

4 لماذا هذه الأربعة أناجيل بالذات؟

حاول الهراطقة على مدار التاريخ أن يدسوا کتبا مزورة ويكتبوا عليها ” أناجيل ” مثل : إنجيل العبرانيين – إنجيل الإثني عشر – إنجيل المصريين – إنجيل توما – إنجل برنابا .. وهذه كلها كتب مزورة قصد بها الهراطقة نسف المسيحية من الداخل. لكن هيهات أن يتحقق لهم ذلك. فلقد كانت الكنيسة وما تزال ساهرة على بشارة الخلاص الصحيحة ، وبذلك سلمتنا الكنيسة هذه البشائر الأربعة فقط ، كجزء من التقليد المسلم إلينا من القديسين ۔

أما الأدلة على أنها أربعة كتب لا أكثر ولا أقل فهي :

1- الآباء الرسوليون خلفاء الرسل اقتبسوا منها في كتاباتهم.
2- الترجمة السريانية المعروفة بالبشيتو فلم تضم سواها ، وترجع إلى منتصف القرن الثاني.
3- وثيقة موراتوی و ترجع إلى سنة 170 م وإن كانت قد إكتشفت حديثاً لم تورد سوى هذه الأناجيل الأربعة.
4- كتاب ” الرباعى” ( الدياطسرون ) يحوي هذه الكتب الأربعة متداخلة في كتاب واحد وبهذا أكد لنا أمرين :
أ- أن لدينا أربعة أناجيل فقط
ب- وأن هذه الأناجيل الأربعة تربطها وحدة كاملة . وصاحب هذا الكتاب هو العلامة ( تاتيا ) ويرجع إلى القرن الثالث ، وهو تلميذ للشهيد يوستينوس.
5- القديس ” إيريناؤس” تلميد القديس بوليكاربوس ( تلميذ يوحنا الحبيب ) کتب فصلاً فی كتابه بعنوان : “أدلة على عدم وجود أكثر أو أقل من أربعة أناجيل” وكان يسمى هذه الأناجيل الأربعة الإنجيل ذو الأوجه الأربعة.
6- وفي كتابات العلامة ترتليانوس ” ضد مركيون الهرطوقي الذي لم يكن يؤمن سوی بإنجيل لوقا ، أكد هذا العلامة إيمان الكنيسة بهذه الأناجيل الأربعة منذ البداية .
7- و العلامة أوريجانوس يقول : أنها ” الأناجيل التي لا نزاع بشأنها في كنيسة الله تحت السماء” ، ويرى أن إنجيل متى كتبه كاتبه متى الرسول لليهود قبل أن يتركهم ، ليكرز في مناطق أخرى ، و إنجيل مرقس مكتوب بإتفاق مع بطرس الرسول . ولوقا كتب انجيله بإتفاق مع بولس الرسول. أما يوحنا فكان أنجيله أخر الأناجيل ولا غضاضة في هذا الكلام، فهو يؤكد أن الإنجيل واحد، وهو بشارة المسيح المخلصة ، كتبها كثيرون بأساليب مختلفة . ولم يكن يونس يكرز بإنجيل جديد ، أو مسيحية جديدة ، بل بنفس ما كتبه لوقا۔

8- و أما المؤرخ يوسابيوس ” فيتحدث عن هذه الأربعة فقط لا غير ، وهو يرجع إلى القرن الرابع.

من هذه الأدلة نعلم أن : المسيحية لا تعترف إلا بهذه الأناجيل الأربعة وما عداها فهو مدسوس من الهراطقة نرفضه ونؤكد بالبحث أسباب رفضه ..

فاصل

من المسابقة الدراسية – إعداد الخدام والخادمات – مهرجان 2012

زر الذهاب إلى الأعلى