وخرج إلى الجبل ليصلي
“وخرج إلى الجبل ليصلي ، وقضى الليل كله في الصلاة” (لو6 : 12)
كانت سعادة المسيح ، كابن الإنسان ، أن يخلو إلى الله يناجيه ويتحدث إليه في صلاة سرية طويلة ، كانت تستغرق أحياناً طول الليل ولا أحد يعرف مضمونها إلا الله . لقد انعكست على يسوع المسيح علائق الحب الأزلي التي تربط الآب بالابن ، فكان لابد أن يردها ابن الإنسان حباً بحب في سعادة غامرة ، عبر عنها الآب من السماء علانية : «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» . ونقول “علانية ” إذ قد شاهد التلاميذ ها وسمعوا هذا الصوت قادماً من المجد الأسني بتعبير القديس بطرس الرسول .
كانت للمسيح أمسيات لأيام كثيرة اختلى فيها مع الآب وأفرغ فيها أعز وأرقى وأسمى مشاعر حب البشرية التي لبسها . وكم من أوقات السحر قبل الفجر رأته الجموع وحيداً منفرداً في قرى الجليل والناصرة وحول بحر طبرية واقفاً رافعاً يديه ، ويشكر ويسبح ويناجي الآب باسم الخليقة كلها وعن كل بني آدم ؟
كانت فرصة نادرة للمسيح أن عبر بأعظم ما عنده من مشاعر الحب والوفاء نيابة عن كل بني آدم لله أبيه ، ليُجبر عجز الإنسان . أليس الإنسان ، وهو صنعة يديه ، يغار عليه المسيح لعجزه ؟ فها هي فرصته ليقدم عنه كل آيات الشكر والحمد وكل ألوان الصلاة التي لم يبلغها بشر .
يا لسعادة الإنسان بصلوات المسيح عن كل إنسان . ويا لعز الإنسان بهذه الصلوات منذ قدمت حتى الآن . ولكن المسيح لم يقدمها مرة واحدة فقط ، بل هو عن يمين الآب الآن يشفع كل حين .
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين