الشباب والحياة الروحية

الحياة الروحية

هى سير دائم نحو الله. هى تقدم مستمر نحو اللانهائية. هى سعى متصل نحو الكمال، والكمال لا حدود له. لذلك فالحياة الروحية لا ينفع فيها الذى يقف،  ولا الذى يجلس وينام. إنما تحتاج إلى شخص يسعى على الدوام، بكل قوته.. 
هى إنتقال من كمال إلى كمال أفضل.. إنها مربوطة دوما بالنمو. ليست الحياة الروحية أن تعيش حياة فاضلة، وإنما أن تنتقل من حياة فاضلة إلى حياة أفضل، فأفضل.. إلى غير حد.. إنها تتلخص فى عبارة واحدة قالها بولس الرسول وهى: “وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ. أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ” (فى 13:3-14). 
مسكين الإنسان الذى يقضى حياته كلها فى مقاومة الخطية.. المفروض أن ينتهى من الخطية، ويدخل فى حياة البر. ثم ينمو فى حياة البر حتى يصل إلى الكمال.  ويتدرج من الكمال النسبى ساعيًا إلى الكمال المطلق، الذى لن يصل إليه.. لذلك فالبار يشعر بإستمرار أنه خاطئ ومقصر، لأن الهدف الذى أمامه ما يزال بعيدًا. وهذا يساعده ويحفظه طاهرًا. 
الشخص الروحى يجاهد بكل إمكانياته، ولا يكتفى بها بل يوسع دائمًا دائرة إمكانياته، محاولاً أن يوجد لنفسه إمكانيات جديدة.. وفى كل ذلك يصارع نفسه، ويتصارع مع النعمة العاملة فيه. يجاهد مع الله لكى يوصله كما أوصل القديسين لذلك لا تتلكأوا فى طريق الحياة الروحية لا تقفوا، ولا تنشغلوا بمناظر الطريق.. لا تسمحوا لأعدائكم ولا لأحبائكم أن يعطلوكم. قولوا لهم كما قال لعازر الدمشقى لأهل رفقة: “لاَ تُعَوِّقُونِى وَالرَّبُّ قَدْ أَنْجَحَ طَرِيقِى” (تك 56:24). أذكروا قول السيد المسيح: “لاَ تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ فِى الطَّرِيقِ” (لو 4:10). فلا تنشغلوا بقريب وحبيب، بل رددوا قول بطرس الرسول للرب: “تَرَكْنَا كُلَّ شَىْءٍ وَتَبِعْنَاكَ” (مر 28:10). 
المرأة السامرية لم تشأ أن تعطلها الجرة، فتركتها عند البئر، وأسرعت لتبشر بالمسيح. ونحن لنا جرار كثيرة فى حياتنا هى إهتماماتنا، فكلما تفرغ واحدة من الماء: نملؤها مرة أخرى. لا تركنا البئر، ولا تركنا الجرار، ولا تركنا الماء. ولا سرنا فى الطريق ولا بشرنا بالإيمان السليم.. 
صدقونى إن العمر كله لا يكفى لقطع طريقنا نحو الله. فكم تكون خسارتنا من  جهة هذه السنوات التى ضيعناها من حياتنا، وهى أقوى ساعات العمر، وأكثرها طاقة، وأعظمها أجرًا.. كثيرًا ما تكون أنقى أوقاتنا هى الأوقات التى نتحدث فيها عن الطريق. وجماله. وروحانيته، دون أن نسير فى هذا الطريق..‍‍!! 


 دعامات الحياة الروحية 

هناك ثلاث دعامات أساسية للحياة الروحية وهى: 
1- الأب الروحى : 
له وظيفة أساسية فى حياتى الروحية فهو: 

أ- القلب الذى أستريح بين يديه : حينما تضطرب نفسى، أو ينزعج قلبى، لخطيئة، أو حيرة، أو قلق، أو خوف.. أجد فى صدره المحب، الراحة والسكينة.. وهكذا تهدأ نفسى، ولا أكتم ما فيها من ألم أو ضيق، مشكلة خاصة أو عائلية أو عامة، فى مجال الروح أو المادة أو العلاقات.. إن راحة النفس بين يدى أبيها الروحى، شفاء للنفس، بعد كشف أعماقها إراديًا، وبعد إعطاء روح الله فرصة العلاج والتطبيب. 

ب- العقل المستنير الذى يعطينى الإرشاد : فالروح القدس هو العامل فى سر التوبة، 
وفى فرصة الإعتراف.. والكاهن يضع نفسه ونفس المعترف بين يدى روح الله.. ليحصلا معًا على إرشاد الروح القدس فى كل مشكلة أو سؤال أو ظرف. 
نعم.. من حقنا أن نختار الأب الروحى الذى نستريح إليه، ولكن يجب أن 
لا ننسى الدور الجوهرى لروح الله العامل فى السر، ولأمانة المعترف فى التوبة، وفى طلب الإرشاد الروحى. 

ج- الكاهن القانونى الذى يعطينى الحِل: فلقد أعطى الرب لرسله سلطان الحِل والربط 
حين قال:  “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِى السَّمَاءِ وَكُلُّ  
مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِى السَّمَاءِ” (مت 18:18). 
 “فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِى السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِى السَّمَاوَاتِ” (مت 19:16). 
 “أقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ” 
(يو 22:20-23). هى وصية كتابية إذن.. وهى سلطان روح الله.. وهى سر الكهنوت المقدس. 

2- القانون الروحى : 
الإنسان – فى تكوينه الطبيعى – جسد يميل إلى الكسل، وربما إلى الخطأ، وروح يميل إلى القداسة والإتصال بالله.. وفى هذا التناقض والحرب الدائرة بين الروح والجسد “الْجَسَدَ يَشْتَهِى ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ” (غل 17:5)، يحتاج الإنسان الروحى إلى قانون ملزم، يلزم الإنسان نفسه به، وإرتياح، وثقة أن هذا الضبط للجسد يعطى إنطلاقًا ونموًا للروح، أما إذا ترك الإنسان نفسه “للمزاجية الروحية”، بمعنى أنه يصلى عندما يشعر بأنه لديه الإستعداد لذلك، ويقرأ الكتاب المقدس بدون نظام أو التزام ولكن كلما جاشت مشاعره بذلك، ويعترف بدون فترات متقاربة، ويتناول كلما أحس بشوق إلى جسد الرب ودمه.. 
هذه “المزاجية الروحية” إذا تركنا أنفسنا لها فسوف تنهار روحياتنا، وبسرعة كبيرة، لذلك أوصانا الآباء أن يكون لكل منا قانونه الروحى، فى الصلاة والصوم والقراءات الكتابية والروحية، والإجتماعات الروحية، والتناول والإعتراف، والخدمة وغير ذلك، فهو بهذا يضبط جسده، ويطلق العنان لروحه، لتنطلق فى آفاق النمو الروحى. كذلك فالكتاب المقدس نفسه يعطينا لمحة عن ذلك القانون، وعن أهمية الجهاد، فى ضبط مسيرة الروح: 
 “بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِى وَأَسْتَعْبِدُهُ حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِى مَرْفُوضًا” (1كو 27:9). 
 “كُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِى كُلِّ شَىْءٍ” (1كو 25:10). 

3- الوسط الروحى : 

فالشخصية الإنسانية هى نتاج التفاعل بين مكونات الإنسان نفسه الموروثة: (كالغرائز والإحتياجات النفسية)، والمكتسبة (كالعواطف والعادات والإتجاهات)، وبين البيئة المحيطة به: البيت، والمدرسة، والجامعة، والشارع، ووسائل الإعلام، والقيم السائدة فى المجتمع.. إلخ. 
من هنا تكون الكنيسة من أهم الأوساط التى يجب أن تأخذ دورها فى تكوين شخصية الطفل والشاب، الكنيسة يجب أن تكون بيئة مقدسة، إجتماعية، مفرحة، بناءة!! والإجتماع الناجح هو الذى يتحول إلى “مجتمع ناجح”.. أسرة متحابة.. 


 الجهاد الروحى 

الطريق الروحى هو رحلة نحو الكمال، الوسيلة فيها هـى النمو الروحى الدائم. ويعتمد ذلك على الجهاد الروحى المستمر حتى يظل دائمًا فى نمو.. ويعتمد الجهاد الإنسانى على أربع نقاط, يجب أن تتوفر لدى الإنسان, ليستطيع الرب أن يعمل فيه بروحه القدوس, ويخلصه.. وهذه هى: 

1- صدق النية : 

والمقصود بها أن يكون الإنسان الخاطئ مهتمًا بخلاص نفسه, ومقتنعًا بأهمية ذلك, ولديه نية صادقة للجهاد الروحى, فى طريق الخلاص. فالإنسان لا يخلص رغمًا عن إرادته, بل بمحض إرادته الحرَّة. وإلهنا لا يريد دمى, أو قطع شطرنج, يحركها بالريموت كنترول!! بل بالحرى يقف على الباب ويقرع, إلى أن يفتح له الإنسان قلبه, فيدخل إليه!!. 
 “هَأَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِى، وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ معى” (رؤ 20:3). 

ألم ينادى الرب أورشليم مرات عديدة, ولسنين طويلة لكى نتوب, وهى التى رفضت؟! 
 “يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ 
أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ، كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا؟! 
هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا!” (مت 37:23-38). 
 “وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا حَتَّى فِى يَوْمِكِ هَذَا مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ؟ وَلَكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِىَ عَنْ عَيْنَيْكِ” (لو 41:19-42). 

إذن.. هناك نداء إلهى, وزمان إفتقاد لها, وتنبيهات من الروح القدس.. المهم أن نستجيب له, ونطلب خلاص أنفسنا بصدق نية.. ألم يسأل الرب المفلوج: “أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟” (يو 6:5). 

2- بذل الجهد : 
فمن يطلب الخلاص بنية صادقة, عليه أن يبذل الجهد, مقاومًا ضد الخطية.. عملاً بقول الرسول: “لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ” (عب 4:12). وما أكثر القديسين والقديسات, الذين جاهدوا وقاوموا حتى الدم فعلاً, ضد الخطية!! نذكر هنا القديسة بربتوا, والقديسة فيلستاس, والشاب الذى قطع لسانه هربًا من الخطية, والفتاة التى هربت من الخطية بحيلة من الشخص الذى أسرها!!.. ويظهر بذل الجهد فى صور عديدة مثل: 
أ- ضبط الحواس : ماذا أسمع؟ وماذا أشاهد؟, وبماذا أتكلم؟ 
ب- العلاقات المقدسة : من هم أصدقائى؟ هل من بينهم من يشكلون خطورة على خلاصى؟ 
ج- المقاومة المستمرة : فلا أترك نفسى لإيحاءات الخطية. إن جاءت كفكرة, أمنعها 
من أن تتحول إلى إنفعال, ثم إلى فعل, ثم إلى عادة, ثم إلى إنحراف؟! والهروب هو أهم وسيلة لذلك: “اهْرُبْ مِنَ الْخَطِيْئَةِ هَرَبَكَ مِنَ الْحَيَّةِ فَإنَّهَا انّ دَنَوْتُ مِنْهَا لَدَغَتْكَ” (سى 2:21). “أَمَّا أنْتَ يَا إنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هَذَا” (1تى 11:6). 
د- إن سقطت أقوم : فوعد الرب صادق: “مَنْ يُقْبِلْ إِلَىَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا” (يو 37:6). 
] “الصِّدِّيقَ يَسْقُطُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقُومُ. أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَعْثُرُونَ بِالشَّرِّ” (أم 16:24). 
 “لاَ تَشْمَتِى بِى يَا عَدُوَّتِى، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ، إِذَا جَلَسْتُ فِى الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِى” (مى 8:7). 

3- الشبع الروحى والأعمال الصالحة : 
بوسائط النعمة الكثيرة المتاحة لنا “اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ” (أم 7:27). 
ومن بين وسائط النعمة: 
1- الصلاة : بإنتظام وحرارة وتنوع.. سواء صلاة المزامير عصارة داود وشركائه فى كتابة هذه التسابيح الحية.. أو الصلوات التلقائية، التى يعبر فيها الإنسان عما يختلج فى قلبه من مشاعر نحو الله: الإنسحاق – الرجاء – الطلب – المحبة – العهود.. أو الصلوات السهمية القصيرة التى تهز أعتاب السماء حينما تصدر من قلب يصرخ طالبًا المعونة أو الرحمة!! 
2- الكتاب المقدس : حيث النور “سِرَاجٌ لِرِجْلِى كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِى” (مز 105:119)، والخبز “لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ” (مت 4:4). والسيف “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِى حَدَّيْنِ” (عب 12:4)، أو التطهير “أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكلاَمِ الَّذِى كَلَّمْتُكُمْ بِهِ” (يو 3:15). أو الإحراق والصحو “أَلَيْسَتْ هَكَذَا كَلِمَتِى كَنَارٍ يَقُولُ الرَّبُّ وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ الصَّخْرَ؟” (إر 29:23). لهذا يجب أن نشجع الشباب على دراسة كلمة الله فى خشوع العابد، لا فى كبرياء العقلانيين!! 
3- الإجتماعات الروحية : التى فيها يلتقى بالرب، وبكلمته، وبإخوته السائرين معه فى الطريق الروحى. لهذا يجب أن يحرص مسئول الخدمة، على تقديم إجتماع روحى مشبع ومفرح ومنظم ومفيد، حتى لا ينصرف الحاضرون دون فائدة روحية تذكر. 
4- القراءات الروحية : التى من خلالها يقوم الشباب بجهد إيجابى، إذ يقرأ بنفسه بعض الكتب الروحية المفيدة، أو سيرة الآباء القديسين فيتنقى فكره، وتنمو روحياته. 
5- الإعتراف المنتظم : لدى أب روحى واحد، بإستمرار، وأمانة، وعدم كتمان، 
وفاعلية، وطاعة للإرشادات، وتنفيذ لها لأن “مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ وَمَنْ يُقِرُّ 
بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ” (أم 13:28). 
6- التناول المشبع : بطريقة منتظمة مستمرة، فيها إستعداد روحى وذهنى وجسدى، مع حضور مبكر للقداس، وإسهام فى خدمة الذبيحة ما أمكن. 
7- الأصوام : بما تحمله إلينا من إحساس الجسد الواحد، وضبط الجسد إنطلاقًا للروح، وذكريات هامة فى حياة الرب يسوع والأنبياء والقديسين.. غير ذلك من وسائط 
تشبع روح الشباب، “اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ” (أم 7:27). 
هذه الوسائط كلها أعمال صالحة, يضاف إليها الأعمال كثمرة للإيمان, حينما يسكن روح الله فينا، ويثمر داخلنا: “مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، 
وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ” (غل 22:5).. فقد خلقنا الله: “لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَىْ نَسْلُكَ فِيهَا” (أف 10:2)، والرب “سَيُجَازِى كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ” (رو 6:2). 

لهذا تحدى يعقوب الرسول من ينادى بالخلاص بالإيمان فقط قائلاً: “أَرِنِى إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِى إِيمَانِى” (يع 18:2). 


4- السهر الروحى : 

فالإنسان المسيحى, يعرف أن: “إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ” (1بط 8:5). 
ووصية الرب لنا: 
 “تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ” (رؤ 11:3). 
 “اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِى تَجْرِبَةٍ” (مر 38:14). 
ومن يسهر يغلب, ومن يغلب فله وعود كثيرة:
⦁ – “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِى فِى وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ” (رؤ 7:2). 
⦁ – “مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِى” (رؤ 11:2). 
⦁ – “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِى يَأْخُذُ” (رؤ 17:2). 
⦁ – “وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِى إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ” (رؤ 26:2). 
⦁ – “مَنْ يَغْلِبُ فَذَلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ” (رؤ 5:3). 
⦁ – “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِى هَيْكَلِ إِلَهِى، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلَهِى، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِى أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلَهِى، وَاسْمِى الْجَدِيدَ” (رؤ 12:3). 
⦁  “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِى فِى عَرْشِى، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِى فِى عَرْشِهِ” (رؤ 21:3). 
ثالثًا: عمل النعمة فى الإنسان
والآن إلى الجانب الإلهى، وعمل الله فينا، الذى بدونه يستحيل الخلاص!! نحن نرفع الحجر، ولكن الله يقيم لعازر!! ويتضح الجانب الإلهى فيما يلى: 

1- التبـريـــــر : 
والمقصود به أن الله بالفداء، بررنا بنعمته حين دفع الدين عنا بالفداء وموته نيابة عنا على الصليب، وهناك فرق شاسع بين “بررنا” و”برأنا”.. 
– بررنا = نحن خطاة ومدانون، والرب دفع الديون عنا فصرنا “مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِى بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِى قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ” (رو 24:3-25). 
كما نقول فى القسمة: “نحن الذين أخطأنا وهو الذى دفع الديون عنا”. 
– برأنا = أى أننا أبرياء لم نفعل إثمًا ولا خطية.. وهذا غير حقيقى، ف‍ “الْجَمِيعُ 
زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ” (رو 12:3) وحين أخطأ آدم ورثنا الخطية الأصلية عنه إذ كنا جميعًا فى صلب آدم. 

2- الخـــــلاص : 
الخلاص Salvation من كلمة “save”، أى ينقذ.. والسيد المسيح أنقذنا من: 
1- الخطية الجدية التى ولدنا بها : بالمعمودية والميرون
2- الخطايا الفعلية التى نرتكبها : بالتوبة المستنيرة والإعتراف الأمين. 
3- الموت الرباعى الذى كان حكمًا علينا هكذا : 
⦁  الموت الجسدى: نخلص منه بالقيامة. 
⦁  الموت الروحى: نخلص منه بالشركة الروحية. 
⦁ الموت الأدبى: بأن صرنا أولاد الله
⦁ الموت الأبدى: بالجسد النورانى الخالد والملكوت العتيد.
4- الشيطان : الذى كان عدوًا لنا، ومازال، لكنه فقد قوته حين قال الرب يسوع: 
“رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ” (لو 18:10). وأوصانا الرسول: “قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ” (يع 7:4). ومعلمنا بولس أيضًا: “إِلهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعًا” (رو 20:16). 
5- العالم : وكل عثراته وحروبه: 
 “هذِهِ هِى الْغَلَبَةُ الَّتِى تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا” (1يو 4:5). 
“مَنْ هُوَ الَّذِى يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِى يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟” (1يو 5:5). 
 “ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو 33:16). 

الإنسان المسيحى يشعر أن الله يجدده يومًا فيومًا من خلال: 
– الأسرار المقدسة.- الشبع الروحى. – الجهاد الأمين.- السهر المقدس. 
وهذا الخلاص يتم فينا يومًا فيومًا: “تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ” (فى 12:2). لهذا نرفض بدعة الخلاص فى لحظة، فالخلاص قصة العمر كله، وإلى أن نقوم من الأموات بالجسد النورانى، ونتخلص من الجسد الفاسد، ونرث الملكوت. 

3- التقــــــديس : 
فالمسيحية لا تكتفى بأن “تخلصنا” من السلبيات، لكنها تمنحنا “الإيجابيات”.. وهذا أمر هام للغاية، فالرب لا يرض فقط بعودة الإبن الضال إلى بيت أبيه، ولكنه يحب أن يشبعه بالأغذية الروحية، وأن يقوم بأعمال صالحة مقدسة، تثبت صدق عودته إلى حضن الآب. 
والتقديس يتم فينا جوهريًا “بسر الميرون” المقدس حينما نتجدد روحيًا بالمعمودية، 
ونولد ميلادًا ثانيًا، وننال صبغة جديدة، ثم يسكن فينا روح الله مقدسًا إيانا:
⦁  الفكر
⦁  الحواس.
⦁  القلب. 
⦁  الإرادة.
⦁  الأعمال.
⦁  الخطوات.
وذلك من خلال ال‍ 36 رشمًا الخاصة بهذا السر المقدس. ولكن هذا “التدشين” أو “التكريس” أو “التقديس” أو “التخصيص” يبدأ بالميرون (التالى للمعمودية مباشرة)، ثم نضرم موهبة الله فينا، بالصلاة المستمرة، وإستقامة القلب، ووسائط النعمة، والشبع اليومى بالمسيح، نصير فعلاً هيكلاً مقدسًا له. لأن المذبح الذى نهمله، سرعان ما يصير مكانًا للتراب والحشرات!! 

4- التمجيــــد : 
وهذه هى البركة الأخيرة التى يعطيها لنا رب المجد، كما وعدنا بفمه الطاهر قائلاً: “وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِى أَعْطَيْتَنِى” (يو 22:17). “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِى فِى عَرْشِى، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِى فِى عَرْشِهِ” (رؤ 21:3). 
فما المقصود بالتمجيد؟ وما الفرق بين مجد المسيح الإلهى، والمجد المعطى لنا؟ 
كيف يتمجد الإنسان ؟ 
1- أن صرنا أولادًا لله : 
 “اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ!” (1يو 1:3). 
“الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ” (1يو 2:3). 
 “أَبَانَا الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ” (مت 9:6). 

2- نشابه صورة ابنه : 

 “لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ” (رو 29:8). 
 “نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا” (2كو 18:3). 
 “يَا أَوْلاَدِى الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ” (غل 19:4). 


3- أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية : 

 “وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَىْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، 
هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِى فِى الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ” (2بط 4:1). 

وفرق شاسع بين: – شركاء الطبيعة الإلهية. – وشركاء فى الطبيعة الإلهية. 


– الأولى: أن نكون “عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ” (1كو 9:3)، “أَمَّا أَنَا فَالاِقْتِرَابُ إِلَى اللهِ حَسَنٌ لِى” (مز 28:73). 


– أما الثانية: فخلط بين إنسانيتنا وجوهر الله، وحاشا لله أن يكون الأمر كذلك. فحتى ناسوت السيد المسيح، الذى كان بلا خطية لم يختلط أو يمتزج باللاهوت، ولم 
يتغير إليه.. ظل اللاهوت لاهوتًا والناسوت ناسوتًا، ولكن فى إتحاد كامل وخالد وأبدى!! نعم.. نحن شركاء الطبيعة الإلهية!! ولكننا لسنا شركاء “فى” الطبيعة الإلهية!! لهذا قال الرب منذ القديم: “مَجْدِى لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ” (إش 8:42). 

أى مجد اللاهوت، لكن السيد المسيح حين قال: “وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِى أَعْطَيْتَنِى” (يو 22:17). لا يقصد أنه سيعطينا مجد اللاهوت، بل مجد الكهنوت، والبنوة لله بالتبنى، وميراث الملكوت.. إلخ. 


4- أن نرث ملكوته : 
 “لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ، لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ” (لو 32:12). 
“تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِى أَبِى، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ” (مت 34:25). 

لاشك أنها أمجاد لا نستحقها، لكنه حنان الله الفائق، ومحبته غير المحدودة، ودمه 
القانى الذى يطهرنا من كل أثم، والذى يقدم لنا 5 مفاعيل غاية فى الأهمية. 

1- الغفران: “بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!” (عب 22:9). 

2- التطهير: “دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ ‍يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ” (1يو 7:1). 

3- التقديس: “يَسُوعُ أَيْضًا، لِكَىْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ” (عب 12:13). 

4- التثبيت: “مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِى وَيَشْرَبْ دَمِى يَثْبُتْ فِىَّ وَأَنَا فِيهِ” (يو 56:6). 

5- الخلود: “مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِى وَيَشْرَبُ دَمِى فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ” (يو 54:6).

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى