تفسير رسالة العبرانيين – المقدمة للقمص تادرس يعقوب ملطي

هذا السفر أهمية خاصة في الكتاب المقدس بكونه السفر الذي يربط العهدين – القديم والجديد – معًا. يعلن للمسيحيين الذين من أصل عبراني أنهم وإن كانوا قد طردوا بواسطة السنهدرين من الهيكل اليهودي، وحرموا من خدمته، فقد صاروا خارج المحلة يشاركون مسيحهم في صلبه خارج أورشليم لكي يدخل بهم إلى هيكله السماوي، ينعمون بخدمته الفائقة، ويتمتعون بالذبيحة الحقيقية الفريدة. هو سفر انفتاح السماء على المطرودين والمحرومين.

ولِما عُرف هذا السفر بصعوبته لذلك آثرت أن يكون التفسير مبسطًا ومختصرًا قدر الإمكان حتى لا يتشتت فكر القارىء.

القمص تادرس يعقوب ملطي

يناير 1982م 

مقدمة

كاتب الرسالة

إذ لم يكتب واضع الرسالة اسمه في صلبها اختلف الدارسون في نسبتها منذ عصر مبكر، ففي الغرب نسب العلامة ترتليان، من رجال القرن الثاني، الرسالة إلى برناباس. لكن بمقارنتها برسالة برناباس نجد الفارق شاسعًا، ونتأكد أنه لا يمكن أن يكون كاتبهما شخصًا واحدًا. وقد ساد الغرب اتجاه بأن الكاتب هو القديس إكليمنضس الروماني، أما بعد القرن الرابع فصار اتفاق عام أنها للرسول بولس. 

أما بالنسبة للشرق فمنذ البداية كان هناك شبه اتفاق عام على أنها من رسائل معلمنا بولس الرسول. هذا ما قبلته الكنيسة الشرقية بوجه عام، ومدرسة الإسكندرية بوجه خاص. جاء في يوسابيوس أن للقديس إكليمنضس السكندري عملاً مفقودًا، ورد فيه أن معلمه بنتينوس الفيلسوف يتحدث عن الرسالة بكونها للقديس بولس.

ويمكننا أن نلخص نظرة الدارسين للرسالة في الآتي:

أ. أن الكاتب هو الرسول بولس: ساد هذا الفكر في الكنيسة الشرقية منذ بداية انطلاقها واستقر فيما بعد في الكنيسة الغربية، من بين الذين ذكروا هذا الرأي القديس بنتينوس، والقديس يوحنا الذهبي الفم، والقديس أغسطينوس، ولا يزال يعتبر هو الرأي السائد بين الغالبية العظمى للدارسين المحدثين.

ب. الكاتب هو برناباس: العلامة ترتليان وWeisler, Ulmann .

ج. لوقا البشير: ذكر العلامة أوريجينوس هذا الرأي، وقبله Ebrabd, Calvin.

د. إكليمنضس الروماني: اتجاه غربي مبكر، اختفى تمامًا إلاَّ قلة قبلته مثل Reithmuier, Erasmus.

ه. سيلا: Rohme, Mynster.

و. أبُلس: Luthea, Semler.

لماذا لم يذكر الرسول اسمه؟

اعتاد الرسول بولس أن يذكر اسمه في رسائله، فلماذا لم يفعل هكذا في هذه الرسالة؟ عُرف الرسول بولس في الكنيسة الأولى كرسول الأمم، بينما الرسل بطرس ويوحنا ويعقوب وغيرهم كرسل لليهود، لهذا كان الرسول بولس أكثر تحررًا منهم في شأن الارتباط ببعض الطقوس اليهودية، مما جعل الكثير من المسيحيين الذين من أصلٍ عبراني ينفرون منه، وقد قيل له: “أخبروا عنك أنك تعلم جميع اليهود الذين بين الأمم الارتداد عن موسى” (أع 21: 21). ولما كانت هذه الرسالة موجهة إلى هذه الفئة، المسيحيين العبرانيين، لهذا كان لائقًا ألاَّ يذكر اسمه حتى لا يحجموا عن قراءتها.

غاية الرسالة

1. دُعي الرسول بولس لخدمة الأمم، لكنه لم يُحرم من خدمة بني جنسه خاصة الذين كانوا يقطنون بين الأمم، إذ كان يود أن يكون محرومًا من أجلهم (رو 9: 3). الله لم يمنعه من خدمتهم وإن كان قد أرسله بصفة رئيسية للأمم، وذلك كقوله أن السيد المسيح لم يرسله ليعمد (1 كو 1: 17) لكن هذا لا يعني منعه من ممارسة العماد. حبه للجميع دفعه للاهتمام بكل الفئات، فلم يبخل في كتابته لهذه الفئة عندما أدرك حاجتهم إلى هذا العمل، خاصة وأنه كان أقدر من غيره على الكتابة إليهم بكونه دارسًا دقيقًا للناموس الموسوي والطقوس اليهودية.

2. يمكننا أن ندرك غاية هذه الرسالة إن تفهمنا الصورة الحقيقية للكنيسة الأولى، فقد كان الرسل مع أعداد كبيرة من اليهود الذين آمنوا بالسيد المسيح يشتركون مع إخوتهم وبني جنسهم في عبادة الهيكل ويراعون الناموس، ويقرنون أنفسهم بالأمة اليهودية وبرجائها، ولكن بفكرٍ روحيٍ جديدٍ في المسيح يسوع. حقًا كان الكثير منهم غير قادرين على الانفصال عن هذه الأمة، غير مدركين تمامًا مفهوم الكنيسة كجسد المسيح الواحد، يدخل في عضويته اليهودي مع الأممي بلا تمييز، السيد مع العبد على السواء، والرجل مع المرأة بلا أفضلية. لهذا إذ حدث اضطهاد ضد الكنيسة المسيحية وحكم السنهدرين على المسيحيين العبرانيين بالطرد من المقادس ومعاملتهم كمتعدين على الناموس، وأنهم نجسون ومرتدون، جُرح هؤلاء الأتقياء في أعماق قلوبهم. لقد شعروا أنهم من أجل المسيا عُزلوا عن شعب المسيا، بمعنى أدق عن الشعب الله القديم المنتظر لمجيء المسيا، فكان ذلك بالنسبة لهم جرحًا داميًا وتجربة قاسية. طُردوا من نسبهم كأهل البيت، بل ومن الدار الخارجية للهيكل، وقُطعوا من رعوية إسرائيل؛ فكتب إليهم الرسول ليؤكد لهم أنهم نالوا أكثر مما فقدوه. لهذا كثيرًا ما تكررت الكلمة “لنا“. لقد اقتنوا الهيكل السماوي الحقيقي عوض الهيكل الرمزي، وصار لهم رئيس الكهنة السماوي بخدمته العلوية في السماويات عوض الكهنوت اللاوي، وانتسبوا لكنيسة الأبكار، محفل الملائكة عوض الرعوية اليهودية، وانفتحت لهم المدينة الباقية عوض أورشليم الأرضية. كأن غاية هذه الرسالة هو تأكيد أن المسيحية ليست حرمانًا وإنما هي اقتناء السماويات وتمتع بالأبديات. حقًا هي طرد إلى خارج المحلة مع المسيح المصلوب خارج أورشليم، لكنها تمتع بمدينته، مدينة الأبكار العلوية.

المحلة هي المكان المحبوب لدى اليهود، لكن السيد المسيح ارتفع على الصليب خارجها، لكي تقدر أن تخرج إليه كنيسته مطرودة من الجماعة اليهودية صاحبة الفكر الحرفي، تشاركه آلامه وعاره.

3. إذ كان الهيكل اليهودي على وشك الانهيار التام لتنتهي الطقوس اليهودية في أورشليم وتقطع الذبيحة ويتوقف الكهنوت اللاوي، كشف الرسول عن الهيكل المسيحي وذبيحة المسيح والكهنوت الجديد. لقد أوضح حقيقة الظلال القديمة وقوتها وكمالها بعودتها إلى أصولها العميقة في شخص السيد المسيح الذبيح والكاهن إلى الأبد، فعبر بنا من الظل إلى الحق، وعوض شبه السماويات دخل بنا إلى السماويات عينها.

مكان كتابتها

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول بولس كتبها في أورشليم وفلسطين.

مميزاتها

1. تعتبر هذه الرسالة مثل الرسالة إلى أهل رومية أشبه ببحثٍ علمي؛ وهي أكثر من غيرها من أسفار العهد الجديد تقيم تعاليمها وبراهينها على أسفار العهد القديم المعروفة والمتداولة بين الشعب اليهودي. فيها تجد العهد القديم وقد تنصر، أو حمل مسحة مسيحية، فتجلت المفاهيم الجديدة خلال ذبيحة الصليب. لقد أبدع الرسول بوحي الروح القدس في أسلوب رائع، ليقدم لحنًا سماويًا يسحب قلب المسيحي العبراني من الظلال إلى الحق، ومن العبادة الجسدية الخارجية إلى خدمة المسيح الفائقة. هذا السفر يمثل سيمفونية جميلة تكشف عن وحدة العهدين، بإعلانه الحق الخفي وراء الناموس والذبيحة الحقيقية.

2. عالج الرسول في بعض رسائله مسألة الفروض والوصايا الناموسية، مثل الختان، كما في رسالتيه إلى أهل غلاطية وإلى أهل كولوسي، وهذه تمس أمور شخصية يمكن للإنسان أن يمارسها أو يرفضها، أما هنا فيكتب عن موضوع جماعي يخص الهيكل اليهودي المغلق في وجوه الكل، والرعوية اليهودية التي حُرموا منها بغير اختيارهم.

3. خصص الرسول الأصحاحين الأخيرين للوصايا العملية من التزام بالجهاد والحب والطاعة، وذلك كعادته في بقية الرسائل، لكنه في نفس الوقت يمزج أحاديثه في صُلب الرسالة بالجانب السلوكي العملي، فيحول العقيدة إلى خبرة حياة. يكتب لا ليشبع الفكر نظريًا وإنما ليروي الإنسان بكليته في أعماقه الداخلية ومشاعره كما في سلوكه وتصرفاته الظاهرة، فيعيش بكامله جديدًا في الرب.

4. اختلفت هذه الرسالة عن بقية الرسائل الخاصة بالرسول بولس من جهة المواضيع الرئيسية التي كانت تشغل ذهنه. هنا لا يتحدث عن الكنيسة كجسد المسيح الذي هو رأسها، ولا عن إتحادنا مع الآب في ابنه بالروح القدس، وشركتنا مع مخلصنا في آلامه لننعم بشركة أمجاده، لكنه وهو يكتب في موضوع فريد هو حرمان المسيحيين العبرانيين من الهيكل والطقس يتحدث عن “كهنوت المسيح” الذي يشفع بدمه أمام أبيه، خلال إتحادنا فيه، حتى ننعم بالهيكل السماوي والطقس الملائكي!

أقسام الرسالة ومحتوياتها

يعلن الرسول بولس ما نلناه في المسيح يسوع الذبيح والكاهن خلال مقارنته بما ناله اليهود في العهد القديم من إمتيازات وبركات، لهذا جاءت الرسالة تتحدث عن:

1. المسيح والأنبياء 1: 1 – 3

2. المسيح والملائكة 1 : 4 -14، ص 2

3. المسيح وموسى ص 3

4. المسيح ويشوع ص 4

5. المسيح وهرون ص 5

6. أحاديث إيمانية ص 6

7. المسيح وملكي صادق ص 7

8. المسيح رئيس الكهنة السماوي ص 8

9. الخدمة السمائية ص 9

10. الدخول إلي الأقداس السمائية ص 10

11. الإيمان ص 11

12. الجهاد ص 12

13. وصايا ختامية ص 13

 

فهرس رسالة العبرانيين تفسير رسالة العبرانيين
تفسير العهد الجديد
تفسير عبرانيين 1
القمص تادرس يعقوب ملطي
تفاسير رسالة العبرانيين تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى