تفسير رسالة رومية 11 – كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

الأَصْحَاحُ الحَادِي عَشَرَ
إيمان اليهود قبل نهاية الأيام

 

(1) مستقبل اليهود من جهة الخلاص (ع1-10):

1 فَأَقُولُ: أَلَعَلَّ اللهَ رَفَضَ شَعْبَهُ؟ حَاشَا! لأَنِّى أَنَا أَيْضًا إِسْرَائِيلِىٌّ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ. 2 لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ فِي إِيلِيَّا؟ كَيْفَ يَتَوَسَّلُ إِلَى اللهِ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: 3«يَا رَبُّ، قَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ، وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِى، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِى.» 4 لَكِنْ، مَاذَا يَقُولُ لَهُ الْوَحْىُ؟ «أَبْقَيْتُ لِنَفْسِى سَبْعَةَ آلاَفِ رَجُلٍ لَمْ يُحْنُوا رُكْبَةً لِبَعْلٍ.» 5 فَكَذَلِكَ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ أَيْضًا، قَدْ حَصَلَتْ بَقِيَّةٌ حَسَبَ اخْتِيَارِ النِّعْمَةِ. 6 فَإِنْ كَانَ بِالنِّعْمَةِ فَلَيْسَ بَعْدُ بِالأَعْمَالِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَتِ النِّعْمَةُ بَعْدُ نِعْمَةً. وَإِنْ كَانَ بِالأَعْمَالِ فَلَيْسَ بَعْدُ نِعْمَةً، وَإِلاَّ فَالْعَمَلُ لاَ يَكُونُ بَعْدُ عَمَلًا. 7 فَمَاذَا؟ مَا يَطْلُبُهُ إِسْرَائِيلُ، ذَلِكَ لَمْ يَنَلْهُ، وَلَكِنِ الْمُخْتَارُونَ نَالُوهُ. وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَتَقَسَّوْا، 8 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَعْطَاهُمُ اللهُ رُوحَ سُبَاتٍ، وَعُيُونًا حَتَّى لاَ يُبْصِرُوا، وَآذَانًا حَتَّى لاَ يَسْمَعُوا، إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.» 9 وَدَاوُدُ يَقُولُ: «لِتَصِرْ مَائِدَتُهُمْ فَخًّا وَقَنَصًا وَعَثْرَةً وَمُجَازَاةً لَهُمْ. 10 لِتُظْلِمْ أَعْيُنُهُمْ كَى لاَ يُبْصِرُوا، وَلْتَحْنِ ظُهُورَهُمْ فِي كُلِّ حِينٍ.»

 

ع1: إن كان الله قد وصف إسرائيل بالشعب المعاند في الأصحاح السابق، فهذا لا يعني إطلاقًا أنه أغلق باب الخلاص أمام من يريد أن يؤمن به منهم، بدليل أن القديس بولس نفسه الإسرائيلى ومن سبط بنيامين قَبِلَهُ الله عندما تجاوب مع محبة المسيح له، وأدخله إلى حظيرة الإيمان، ليس فقط كمؤمن بل ككارز عظيم.

 

ع2-4: الله الذي اختار إسرائيل كشعبه، لا يمكن أن يرفضه حتى بعدما صلبوه ورفضوه. وإن كان قد رفضهم كدولة سياسيًا حين قال “هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا” (مت23: 38)، إعلانا عن نهاية الديانة اليهودية، إلا أنه سيظل دائمًا وإلى الأبد فاتحًا ذراعيه لكل من يؤمن به من شعب إسرائيل. لأنه في كل جيل توجد قله إسرائيلية تؤمن به، بدليل أن إيليا النبي عندما اشتكى شعب إسرائيل لله قائلًا عنهم أنهم قتلوا الأنبياء وهدموا المذابح (أي استبدلوا عبادة الله بعبادة الأوثان)، وطلبوا قتل إيليا نفسه، أجاب الله أنه يوجد 7000 رجل لم يسجدوا للبعل (1 مل 19: 18). ورقم سبعة يشير للكمال ورقم 1000 للحياة السماوية، أي أن 7000 يحيوا بكمال الحياة السماوية، طالبين لا الأرضيات بل السماويات.

 

ع5: كذلك أيضًا في زمان بولس، بل وفي كل الأزمنة، يوجد قلة إسرائيلية مختارة تدخل إلى الإيمان بالمسيح. وكيف يكون ذلك؟ باختيار النعمة، أي ينظر الله إلى القلوب فيرى من هو مستعد لقبوله ويرسل له نعمة الروح القدس لتؤازره وتنير قلبه وتقويه ليدخل الإيمان المسيحي ويعتمد، فيثبت فيه الروح القدس إلى الأبد.

 

ع6: ليس بعد بالأعمال: أي أعمال الناموس.

ليست النعمة بعد نعمة: لا فائدة للنعمة في الخلاص.

إن كان بالأعمال فليس بعد نعمة: إن كان الخلاص بأعمال الناموس، فلا يكون بنعمة المسيح وتكفينا أعمال الناموس للخلاص.

العمل لا يكون بعد عملا: أعمال الناموس لا تكون بعد عملا مخلصا للإنسان، بل هي تمهيد في رفض الخطية حتى نؤمن بالمسيح وننال الخلاص بنعمته.

يعود القديس بولس ليؤكد أن اختيارهم ليس بناء على أعمال ناموسهم. لأنه لو كانت أعمالهم سبب خلاصهم لكانوا في غير حاجة إلى نعمة الله. ومن ذا الذي يستطيع أن يخلص بدون نعمة الله؟

 

ع7: لم ينل إسرائيل الخلاص لأنه طلبه، وكأنه حق مطلق له يستحقه لأنه عمل بالناموس. فالمختارون من الإسرائيليين قد نالوا الخلاص باتضاعهم واتكالهم على نعمة المسيح، وأما الباقون المتكبرون من قساه القلوب الذين رفضوا المسيح المهان المصلوب، فلم ينالوا الخلاص.

 

ع8: عندما وجدهم الله قساة، تركهم في قساوتهم وحجب عنهم نعمته لانهم رافضون لها، وعندما ينظر الإنسان إليهم يجدهم وكأنهم في نوم عميق لا يسمعون ولا يرون. فهوذا العالم من حولهم يؤمن بالمسيح وينال الخلاص في كل الأجيال. وبالرغم من أنهم رأوا المسيح وسمعوا تعاليمه إلا أنهم أغلقوا قلوبهم وعيونهم وآذانهم عنه. وهذه الآية نبوة عنهم من كل من موسى النبي (تث29: 4)، إشعياء النبي (إش29: 10-12).

 

ع9: هذه الآية هي أيضًا نبوة من داود النبي عنهم. والمائدة ترمز إلى الناموس الذي اعتمد اليهود عليه وشبعوا به فقط ورفضوا المسيح، وهذا الناموس هو نفسه سيدينهم، أي يكون فخًا ومهلكًا لهم في يوم الدينونة. وبذلك يكون القديس بولس قد أشهد عليهم أنبياء اليهود، موسى وإشعياء وداود، في رفضهم الإيمان بالمسيح.

 

ع10: تلك الآية من (مز 69: 22،23)، لا تعني أن بولس الرسول يَدْعِى عليهم بالعمى وانحناء الظهر، ولكنه يريد أن يقول من يريد العمى وانحناء الظهر، أي العجز عن العمل الروحي بالرغم من مناداة الله له، فليكن له ما يريد، فلن تعود نعمة الله تلح عليه بل سيتخلى الله عنه لأنه إذ يتعب يرجع إلى الله ويتوب.

ولا حظ أيها الحبيب أن مائدة العهد القديم دسمة جدًا، لأنها تحوى رموزًا كثيرة عن عمل المسيح الكفارى، ولكن اليهود للأسف أخذوا كلام الناموس حرفيا، ولم يفهموا أنه يرمز ويمهد للمسيح.

† كن مستعدًا في كل حين للتعلم ممن حولك، ولا تدع الكبرياء يمنعك من التلمذة وفهم رسائل الله لك على فم المحيطين بك. فالاتضاع هو طريق المعرفة والحكمة وكل صلاح.

(2) دعوة الله لليهود للإيمان بالمسيح (ع11-32):

11 فَأَقُولُ: أَلَعَلَّهُمْ عَثَرُوا لِكَيْ يَسْقُطُوا؟ حَاشَا! بَلْ بِزَلَّتِهِمْ، صَارَ الْخَلاَصُ لِلأُمَـمِ لإِغَارَتِهِمْ. 12 فَإِنْ كَانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنًى لِلْعَالَمِ، وَنُقْصَانُهُمْ غِنًى لِلأُمَمِ، فَكَمْ بِالْحَرِىِّ مِلْؤُهُمْ؟ 13 فَإِنِّى أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ: بِمَا أَنِّى أَنَا رَسُولٌ لِلأُمَمِ أُمَجِّدُ خِدْمَتِى، 14 لَعَلِّى أُغِيرُ أَنْسِبَائِى وَأُخَلِّصُ أُنَاسًا مِنْهُمْ. 15 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَفْضُهُمْ هُوَ مُصَالَحَةَ الْعَالَمِ، فَمَاذَا يَكُونُ اقْتِبَالُهُمْ إِلاَّ حَيَاةً مِنَ الأَمْوَاتِ؟ 16 وَإِنْ كَانَتِ الْبَاكُورَةُ مُقَدَّسَةً، فَكَذَلِكَ الْعَجِينُ! وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مُقَدَّسًا، فَكَذَلِكَ الأَغْصَانُ! 17 فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا، فَصِرْتَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا، 18 فَلاَ تَفْتَخِرْ عَلَى الأَغْصَانِ. وَإِنِ افْتَخَرْتَ، فَأَنْتَ لَسْتَ تَحْمِلُ الأَصْلَ، بَلِ الأَصْلُ إِيَّاكَ يَحْمِلُ! 19 فَسَتَقُولُ: «قُطِعَتِ الأَغْصَانُ لأُطَعَّمَ أَنَا.» 20 حَسَنًا! مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ، بَلْ خَفْ! 21 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الأَغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ، فَلَعَلَّهُ لاَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ أَيْضًا! 22 فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا، وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ. 23 وَهُمْ إِنْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَدَمِ الإِيمَانِ، سَيُطَعَّمُونَ، لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُطَعِّمَهُمْ أَيْضًا. 24 لأَنَّهُ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ قُطِعْتَ مِنَ الزَّيْتُونَةِ الْبَرِّيَّةِ حَسَبَ الطَّبِيعَةِ، وَطُعِّمْتَ بِخِلاَفِ الطَّبِيعَةِ فِي زَيْتُونَةٍ جَيِّدَةٍ، فَكَمْ بِالْحَرِىِّ يُطَعَّمُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ هُمْ، حَسَبَ الطَّبِيعَةِ، فِي زَيْتُونَتِهِمِ الْخَاصَّةِ؟

25 فَإِنِّى لَسْتُ أُرِيدُ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنْ تَجْهَلُوا هَذَا السِّرَّ، لِئَلاَّ تَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ حُكَمَاءَ، أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ، إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ، 26 وَهَكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «سَيَخْرُجُ مِنْ صِهْيَوْنَ الْمُنْقِذُ وَيَرُدُّ الْفُجُورَ عَنْ يَعْقُوبَ. 27 وَهَذَا هُوَ الْعَهْدُ مِنْ قِبَلِى لَهُمْ مَتَى نَزَعْتُ خَطَايَاهُمْ.» 28 مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ، هُمْ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُمْ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الاِخْتِيَارِ، فَهُمْ أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ، 29 لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ. 30 فَإِنَّهُ كَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمْ مَرَّةً لاَ تُطِيعُونَ اللهَ، وَلَكِنِ الآنَ رُحِمْتُمْ بِعِصْيَانِ هَؤُلاَءِ، 31 هَكَذَا هَؤُلاَءِ أَيْضًا الآنَ، لَمْ يُطِيعُوا لِكَيْ يُرْحَمُوا هُمْ أَيْضًا بِرَحْمَتِكُمْ. 32 لأَنَّ اللهَ أَغْلَقَ عَلَى الْجَمِيعِ مَعًا فِي الْعِصْيَانِ، لِكَيْ يَرْحَمَ الْجَمِيعَ.

 

ع11: عثروا: لم يؤمنوا ويصدقوا ويقبلوا المسيح المخلص.

يسقطوا: رفضهم الله إلى النهاية.

لإغارتهم: أي يتحمسوا ويقبلوا على الإيمان بالمسيح.

يسأل القديس بولس سؤال استنكاريا وهو، هل عدم تصديق اليهود أن يسوع هو المسيا المنتظر ورفضهم له، أن هذا معناه أنهم سقطوا إلى المنتهى؟

بالقطع لا، لأن عثرتهم هي فترة مؤقته، حتى أنهم عندما ابتعدوا عن الإيمان، اتجه الله لإنقاذ الأمم. ولعل أحد فوائد ذلك هو بث روح الغيره في قلوب اليهود.

 

ع12: زلتهم: سقوط مؤقت برفضهم الإيمان بالمسيح وصلبه.

نقصانهم: خلوهم من الإيمان بالمسيح.

يعود القديس بولس لرفع روح اليهود المعنوية، فيوضح حالتهم بأنها “زلة”، كما أوضح أن الله حول زلتهم للخير بأن فتح ذراعيه للأمم.

أما البهجة العظمى فستكون بملؤهم أي رجوع غالبيتهم للإيمان بالمسيح حيث ستكون بركه للعالم كله، إذ سينتهى العالم المادي ونبدأ بالتمتع بملكوت السموات وذلك في نهاية الأيام.

 

ع13: هنا يطمئن الأمم أنه لم ينشغل عنهم بخدمة اليهود، مؤكدًا أنه أساسًا رسول للأمم، ويجب أن تتمجد هذه الخدمة وتثمر أكثر وأكثر.

 

ع14: يتحدث بولس بهذا الأسلوب، لعل ذلك يؤدى إلى غيرة اليهود من المجد الذي ناله الأمم فيؤمنون.

 

ع15: عندما رفض اليهود السيد المسيح دخل الشق الوثني إلى الإيمان. إذًا فعندما يعود الشق اليهودي إلى الإيمان بالمسيح، سيصبح العالم بشقيه اليهودي والأممى في الإيمان، أي أن العالم كله سيكون قائمًا من موت الخطية والجحود، متمتعًا بالقيامة الروحية وفي حالة صلح مع الله.

والخلاصة أن اليهود سيرجعون للإيمان قبل نهاية العالم والله ينتظر عودتهم.

 

ع16: الآن ما هي قيمة اليهود في نظر الله؟ هنا يشبه القديس بولس الآباء (إبراهيم وإسحق ويعقوب) بالباكورة (وهى تقدمة أول الحصاد لله فيتبارك بذلك محصول القمح كله الذي يستخدم في العجين)، ويشبه شعب اليهود بالعجين نفسه المقدس. ثم عاد ليشبه الآباء بالأصل (جذر وساق شجرة جيدة) وشعب اليهود بالأغصان الجيدة لتلك الشجرة.

 

ع17: ولكن خرجت من تلك الشجرة بعض الأغصان الجافة، أي اليهود الرافضين للإيمان، فقطعهم الله منها وطرحهم. وأنت أيها الإنسان الأممى تشبه زيتونة برية (لا تحمل ثمرًا) فتراءف الله عليك برحمته، ووجد فيك استعدادًا لتتشارك مع شجرة الزيتون الدسمة، فطعَّمك فيها واصبحت منتسبًا إليها متغذيًا منها.

 

ع18: بالقطع لا يمكن لك أن تفتخر على الأغصان المقطوعة، أي اليهود المرفوضين لعدم إيمانهم، ظانًا أنك أفضل، حتى وإن أثمرت ثمارًا روحية جميلة، فالمجد والفخر والفضل يعود إلى الأصل، أي آباء الشعب اليهودي وأنبيائه، الذي يحملك ويغذيك ولولاه لسقطت أنت.

 

ع19-20: إن قلت في قلبك أنا الغصن الثابت أحسن من الأغصان الأصلية التي قطعت، لأن الله رفضها ووضعنى بدلًا منها؛ فلتعرف إذًا السبب الحقيقي لسقوطها، وهو عدم الإيمان، والسبب الحقيقي لثباتك وهو إيمانك. وهذا يجعلك ليس متكبرًا مفتخرًا، بل خائفًا من السقوط.

† إن مخافة الله هي طريق خلاصك، واتضاعك يسندك. فافحص نفسك بالتوبة عالمًا أنك أقل من جميع الكائنات، ولكن الله هو الذي يمجدك بمحبته وعطاياه. وعلى قدر ما تخاف الله، ترفض الخطية فيتنقى قلبك وتتعلق بمحبته فتحيا بكل قلبك له.

 

ع21: لأن قانون الله هو أن غير المؤمن يقطع، فإن كان هذا القانون سارى بلا محاباة على الأغصان الطبيعية، أي اليهود، الذين رفضوا المسيح، فما بالك بالأغصان المطعمة الغير أصلية، أي الأمم، إن لم يثبتوا في الإيمان. مما لا شك أنها إن رفضت الإيمان هلكت.

 

ع22: إن الله لطيف على الثابتين في الإيمان، ولكنه صارم ويقطع رافضى الإيمان والذين لم يثبتوا فيه واستهانوا بلطفه.

 

ع23: أما الأغصان الطبيعية المقطوعة، أي اليهود الرافضين، فسوف يثبتهم الله مرة أخرى إن تركوا حالة عدم الإيمان التي هم فيها، لأن الله قادر على جذبهم للإيمان.

 

ع24: يعلن بولس أن إيمان وعودة اليهود الرافضين ليس مستحيلًا، لأنه إن كنت أنت أيها الأممى زيتونة برية مختلفة عن الزيتونة الأصلية، استطاع الله أن يطعمك فيها، فكم بالأسهل يستطيع الله أن يطعم الأغصان التي لها نفس طبيعة الزيتونة الأصلية، أي اليهود عندما يتوبون.

ومن أجل ذلك أحبت الكنيسة كتاب العهد القديم وقرأته بل وأخذت منه فصولًا في قراءاتها الكنسية، لأنه أصل الزيتونة، وتتطلع إلى اليهود ليعودوا إلى الزيتونة ويرجعوا إلى الإيمان، إذ أنهم بعيدًا عن الإيمان كغصن جاف ميت مصيره النار، فالسيد المسيح قال لكل إنسان في (يو15: 6) “إن كان أحد لا يثبت في يطرح خارجًا كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق”.

 

ع25: هنا يلخص القديس بولس الحقيقة التي لا يجب أن ينساها كل أممى، وهي أن إسرائيل قد تقسى جزئيًا، أي أن بعض اليهود رفضوا الإيمان حتى تتاح فرصة للأمم للدخول إليه. ولا يظن الأممى أن القصة انتهت عند هذا الحد لئلا يكون جاهلًا لحكمة الله الذي سيقبل اليهود في الإيمان قبل نهاية الايام. وهذه نبوة واضحة عن إيمان اليهود في نهاية الأيام.

وقد سمى القديس بولس هذا الحدث بالسر، لأنه من الصعب على العقل البشرى إدراك أن اليهود الصالبين للمسيح، سيعودوا للإيمان به بعد كل هذه السنين الطويلة من النكران.

 

ع26: كيف سيخلص إسرائيل؟ بالمنقذ يسوع المسيح، الذي يعمل في القلوب فيغيرها متى أبدت استعدادها لذلك، فيردهم عن شرورهم. وما هو أعظم الفجور؟ أليس هو نكران المسيح؟!.

 

ع27: الخلاصة، أن الله يعد برجوع إسرائيل للإيمان في نهاية الأيام، حينما يتركون خطاياهم أي قساوة قلوبهم ورفضهم للمسيح وكل شهواتهم الشريرة.

 

ع28: يعتبر اليهود الآن هم أعداء الإنجيل والبشارة به، إلى أن تصل البشارة إلى العالم كله. فالأميريكتان مثلًا لم تصلهما البشارة إلا في القرن السادس عشر، وأفريقيا في القرن العشرين، وإلى أن يصل الإيمان إلى كل الأمم أي ملؤ الأمم (ع25) سيظل اليهود أعداء للإنجيل. ثم يعود اليهود إلى الإيمان لأنهم في الأصل شعب الله المختار، وأحباء الله أولاد آبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب.

 

ع29: هؤلاء الآباء الذين وعدهم الله بأن نسلهم سيظل شعبه ولا يمكن أن يرجع الله في وعوده وهباته.

وقد فهم اليهود هذه الآيات من رسالة القديس بولس خطأ، وظنوا أنه يتنبأ لهم عن إقامة دولة مغتصبة لحقوق الآخرين من أجل إعادة مجدها السابق وإحياء دينها بذبائحه وهيكله. وبالطبع لم يقصد القديس بولس هذا الكلام، لأن المسيحية لا تربط المؤمنين بميراث أرضى بل بملكوت سماوي لا يفنى.

 

ع30-31: وأنتم يا أمم قد دعاكم الله منذ بدء البشرية، ولكنكم رفضتم دعوة الله بينما قبلها إبراهيم وشعبه. ولكن الآن بعد توبتكم، صرتم من المستحقين الرحمة، في حين عصى اليهود ولكن عندما يتوب اليهود ويعودون إلى الله في نهاية الأيام، سيُرحمون بنفس نوع الرحمة التي رُحمتم بها.

† لعل هذه الآيات درس لكل إنسان، أن لا يحتقر أحدًا مهما كانت خطيته. فمن يدرى فربما ذاك الخاطئ اليوم هو قديس عظيم غدًا.

 

ع32: لأن الله أغلق على الأمم أولًا باب الرحمة بسبب عصيانهم من قبل للمسيح، ثم أغلق على اليهود باب الرحمة بسبب عصيانهم بعد تجسد المسيح. ثم ها الأمم فتح لهم باب الرحمة بعد قبولهم المسيح منذ القرن الأول، وسيفتح باب الرحمة لليهود قبل مجيء المسيح الثاني. إذًا فالجميع، أمم ويهود، متساوون من حيث أنهم رُفضوا مرة ورُحموا مرة. وبهذا ستحل رحمة المسيح على الجميع، وإن كانت في أوقات مختلفة.

(3) سمو حكمة الله (ع33-36):

33 يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِـهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاِسْتِقْصَاءِ! 34«لأَنْ، مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ، أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ 35 أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟» 36 لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ، آمِينَ.

 

ع33: حقًا يا لهذه التركيبة العجيبة والحكمة الفائقة الإدراك التي لله! فهو يوجه كل الأحداث لكي تحقق أهدافها النبيلة في النهاية. ويا لسابق علمه العظيم!.

ومن ذا الذي يستطيع أن يدَّعى المعرفة فيقول أنا أستطيع أن أفحص أحكام الله، وكأنه أعظم من الله، أو من يقدر أن يحقق ويفحص طرق الله وأساليبه؟ وكأن خطط الله تنقصها الدقة أو الحكمة.

 

ع34: من يستطيع أن يقول أنا أعرف كيف يفكر الله أو أنا مستشار الله؟!

 

ع35: من أعطى الله شيئًا من عنده كإنسان، فاستحق مكافأة على عطائه لله؟ بمعنى ماذا وهب إسرائيل لله حتى يتجاسر فيطالب بحقه كما لو كان الله مديونا له؟

 

ع36: لأن منه (الله خلق كل شيء) وبه (كل شيء كائن وحى ومحفوظ وباقٍ بقدرته وحكمته) وله (كل الأشياء مديونة له وتعمل لمجده). الخلاصة أن الله مستحق كل المجد.

† أخيرًا أيها الحبيب قد تحدث أشياء في حياتك تبدو صعبة الفهم ولا يدركها العقل البشرى الآن، ولكن حكمة الله العظيمة التي تحفظك وترعاك سَتُعَلن لك يومًا، وعندئذ ستدرك كم أحبك الله، وأن كل خططه وتدبيراته آلت عليك بالخير في النهاية لأنه هو وحده صانع الخيرات الرحوم الرؤوف. فاقبل كل ما يمر بك وأشكر الله عليه واثقًا من محبته وأبوته لك.

فاصل

فاصل

 تفسير رومية 10 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد

 تفسير رومية 12

 

كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة
تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى