تفسير رسالة كورنثوس الأولى ١٦ للقس أنطونيوس فكري

شرح كورنثوس الأولى – الإصحاح السادس عشر

 

 نجد هنا وصايا خاصة كثيرة ليكون كلامه شاملاً ولا يفوته أن يذكر ويوصى الكل. 

الآيات 1-4

آية 1 :- وأما من جهة الجمع لاجل القديسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا انتم أيضا.

المسيحية صيرت الكنيسة جسداً واحداً، وتلاشت الفروق القومية، فعلى مؤمنى كورنثوس مساعدة فقراء أورشليم إذ هم جسد واحد. وكان سبب فقر مسيحيي أورشليم.

 1) مجاعة حدثت هناك وتنبأ عنها أغابوس النبي. 

 2) نهب اليهود لأموال المسيحيين (عب 34:10)

 3) المسيحية إنتشرت في أورشليم وسط الفقراء 

ولاحظ أن الرسول يسميهم قديسين فهم تقدسوا في المسيح يسوع، ويعطيهم الرسول قدوة، كنائس غلاطية.

 

آية 2 :- في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده خازنا ما تيسر حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ.

في كل أول أسبوع = أي يوم الأحد، يوم الصلاة (وهنا نرى أن الأحد صار بديلاً للسبت) وبهذا يرتبط العطاء بالعبادة. ويقول ذهبي الفم أنه كانت عادة في أيامه أن يضع كل واحد صندوق بجانب فراشه يضع فيه عطاياه بعد أن يصلى، ترديداً للشكر العملي لله على عطاياه. ثم يذهب يوم الأحد للكنيسة ليصلى ويقدم عطاياه التي جمعها طوال الأسبوع لا يكون جمع = لا يضيع الوقت في جمع أموال بل نعلم ونصلى ولا نحرج أحداً. 

ملحوظة :- لقد غيرت الكنيسة يوم السبت (يوم الراحة) ليصبح الأحد. فبالقيامة التي تمت يوم الأحد صارت لنا الراحة الحقيقية والحياة الجديدة. 

 

آية 3 :- ومتى حضرت فالذين تستحسنونهم أرسلهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم.

فالذين تستحسنونهم = أي تختارونهم كمندوبين، حتى لا يظن أحد أن بولس سيستفيد من هذه الأموال لنفسه. وهؤلاء يرسلهم بولس ومعهم رسائل. 

 

آية 4 :- وإن كان يستحق أن اذهب أنا أيضا فسيذهبون معي.

لكن إن كان ماتجمعونه كثيراً ويستحق فسأذهب مع عطاياكم لفقراء أورشليم ومعنا مندوبيكم الذين إخترتموهم. ومن (رو 25:15، 26) نعرف أن الرسول ذهب فعلاً مع العطية إلى أورشليم (أع 17:24). 

الآيات 5-9

آية 5 :- وسأجيء إليكم متى اجتزت بمكدونية لاني اجتاز بمكدونية.

هنا وعد الرسول بالزيارة لهم، وقد تمت الزيارة فعلاً والتي إستغرقت 3 شهور في الشتاء التالي. 

 

آية 6 :- وربما امكث عندكم أو أشتي أيضا لكي تشيعوني إلى حيثما اذهب.

أشتي = لأن السفر في الشتاء صعب وخطر بل متعذر، لذلك هو سينتظر عندهم حتى تتحسن الأحوال ثم يسافر. هو هنا يرد على إشاعة أنه لا يحبهم، ولا يريد زيارتهم، بل يكتفي بأن يرسل لهم تيموثاوس. لذلك يقول أود أن أمكث عندكم طويلاً.

 

آية 7 :- لاني لست أريد الآن أن أراكم في العبور لاني أرجو أن امكث عندكم زمانا إن أذن الرب.

هنا تأكيد على محبته لهم، حتى لا يحزنوا بسبب قسوة رسالته، أو يظنوا أن إرسال تيموثاوس (آيات 10، 11) لهم هو بديل عن زيارته هو لهم. وهو لم يشاء أن يزورهم مباشرة لأنه يريد أن يمضى معهم وقتاً كافياً. 

 

آية 8 :- ولكنني امكث في افسس إلى يوم الخمسين.

أفسس = حيث يكتب الرسالة. من هنا نستنتج أن الرسول كتب الرسالة من أفسس. إلى يوم الخمسين = نفهم من هذا أن الكنيسة من الأول إهتمت بيوم الخمسين وإعتبرته يوماً عظيماً.

 

آية 9 :- لأنه قد انفتح لي باب عظيم فعال ويوجد معاندون كثيرون.

نلاحظ النجاح الذي صادفه الرسول في خدمته، ولكن مع كل نجاح نجد مقاومة من إبليس، وفى أفسس حدث هياج لتابعي الإلهة أرطاميس إضطر بولس لمغادرة المدينة بسرعة ذاهباً لأورشليم ماراً بكورنثوس حيث قضى الشتاء. (فعلينا إن كان هناك مقاومة للخدمة أن لا نضطرب فهذا طبيعي) 

الآيات 10-18

آيات 10، 11:- ثم إن أتى تيموثاوس فانظروا أن يكون عندكم بلا خوف لانه يعمل عمل الرب كما أنا أيضا. فلا يحتقره أحد بل شيعوه بسلام ليأتي إلى لاني انتظره مع الاخوة.

فلا يحتقره أحد = كان تيموثاوس صغير السن رقيق المشاعر والرسول يوصيهم بأن لا يستخفوا به بسبب حداثة سنه، فهو يعمل عمل الرب مثل بولس. بلا خوف = أي تحذير من أن يثور ضده أحد المتهورين. لقد كانت مهمة هذا القائد الشاب وسط أناس متعجرفين يعتزون بمواهبهم، مهمة شاقة.

 

آية 12 :- وأما من جهة ابلوس الأخ فطلبت إليه كثيرا أن يأتي إليكم مع الاخوة ولم تكن له إرادة البتة أن يأتي الآن ولكنه سيأتي متى توفق الوقت.

ربما تساءلوا لماذا لم يبعث الرسول بأبلوس وأرسل لهم تيموثاوس وهنا يجيب على هذا السؤال بأن أبلوس لم يرد أن يأتى، مع أن بولس طلب منه ذلك. ونرى من هذه الآية 

1) أن بولس لم يمنع عنهم ابلوس، فنرى محبة بولس إذ لم يشعر بالغيرة نحو ابلوس وهو يعلم أن له حزب قوى في كورنثوس 

2) أبلوس يهرب من المجد الذاتي وتعلقهم المريض به ليجعل أنظارهم تتجه للرب فقط ولمنع زيادة الإنشقاق والتحزب

3) لكنه سيأتي = إن تحسنت حالهم وإنتهي شقاقهم، فعلامة أنهم صاروا للمسيح أن تكف الشقاقات.

 

آية 13 :- اسهروا اثبتوا في الإيمان كونوا رجالا تقووا.

هنا نجد وصايا ونصائح قائد لجنوده فهم في حالة حرب دائمة ضد عدو الخير إسهروا = هو تعبير عسكري يستخدم لحراس المعسكر المراقبين لتحركات الأعداء. والأعداء هم الشياطين الذين يتسللون ويخدعون الكنيسة بأعمالهم، فيسببوا إنشقاقات، ويفسدوا الإيمان بتعاليم كاذبة كإنكار القيامة. والسهر يكون بالصلاة، فمن هو على صلة بالله تخاف منه الشياطين فالصلاة هي علاقة مع الله. والسهر يكون أيضاً بتنفيذ وصايا المسيح والتمسك بالإيمان الصحيح.

إثبتوا في الإيمان = ولا تنخدعوا بالبدع الغريبة التي سبق وإنخدعتم بها كما تشككتم مثلاً في حقيقة القيامة. إذاً لا تقبلوا ما هو ضد الإيمان الذي سلمتكم إياه. ولكن الإنشقاق يدخل عادة مع تضخم الذات والكبرياء.

كونوا رجالاً = الصفات التي تنسب للرجولة هي القدرة والثبات أمام الإضطهادات والثبات على الإيمان، فلا يكونوا أطفالاً مذبذبين في عقيدتهم يهتزوا أمام رياح التعاليم الكاذبة. وأن لا يضعفوا أمام المخاطر وأن يتسموا بالشجاعة ولا يرهبوا شيئاً، ويتمسكوا بالحق ويعملوا عملهم بجدية ونشاط 

تقووا = لا تضعفوا بل إستندوا على النعمة الإلهية في حروبكم ضد إبليس.

 

آية 14 :- لتصر كل أموركم في محبة.

عدم المحبة هو سبب الإنشقاق والإنقسام في الكنيسة، بل هو سبب كل ضعف. إذاً المحبة يجب أن تسود في المعاملات والمشاعر والأفكار والسلوكيات أي في كل دقائق حياتنا اليومية، وتكون المحبة هي الدافع لكل عمل وتصرف وأساس علاقتنا مع الآخرين. ولو وجدت المحبة بينهم لما إنتفخوا بمواهبهم على بعضهم البعض، ولما ذهبوا للمحاكم الوثنية، ولما تجرأ أحد على الزنا 

 

آيات 15، 16 :- واطلب إليكم أيها الاخوة انتم تعرفون بيت استفاناس انهم باكورة اخائية وقد رتبوا أنفسهم لخدمة القديسين. كي تخضعوا انتم أيضا لمثل هؤلاء وكل من يعمل معهم ويتعب.

يشير الرسول للعائلات التي كرست نفسها للخدمة، وهو هنا يشير لعائلة إستفاناس كباكورة إخائية (تضم كورنثوس وأثينا). ومن سفر الأعمال نعرف أن ديونيسيوس الأريوباغى ودامرس هما أول من آمن في أثينا. لكن لعل بيت إستفاناس هم أول عائلة كرست نفسها لخدمة الرب مظهرة الإيمان الصحيح. وقارن مع (عب 7:13). خدمة القديسين = عطايا الفقراء المادية 

 تخضعوا = تلتزموا بالخدمة معهم ومساعدتهم فيما يطلبونه منكم للخدمة.

 

آيات 17، 18 : – ثم أنى افرح بمجيء استفاناس وفرتوناتوس واخائيكوس لان نقصانكم هؤلاء قد جبروه. إذ أراحوا روحي وروحكم فاعرفوا مثل هؤلاء.

إستفاناس = هو باكورة إخائية، ومن أفضل العينات فلا تسيئوا معاملته  فإعرفوا = أي لينالوا محبتكم وإحترامكم لئلا يسئ الكورنثيون معاملتهم إذ تصوروا أنهم شوهوا صورتهم لدى بولس، والرسول أرسل معهم رسالة طلب أن يقرأوها ففيها الردود على أسئلتهم. أراحوا روحي = هم قدموا تقريراً كاملاً عن حال الكنيسة. وكان حضورهم فيه تعزية لبولس فهم يمثلون الكنيسة كلها التي هي بعيدة عنه، خصوصاً بما حملوه من أخبار طيبة. فكأنه رأى الكنيسة كلها في أشخاصهم. وروحكم 

= هو يتوقع أنه بواسطة الرسالة التي سيرسلها معهم سيشعرون بالراحة النفسية والرضى، إذا نفذوا تعاليمه التي أتت في الرسالة. 

الآيات 19-24

آيات 19 21 :- تسلم عليكم كنائس آسيا يسلم عليكم في الرب كثيرا اكيلا وبريسكلا مع الكنيسة التي في بيتهما. يسلم عليكم الاخوة أجمعون سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة. السلام بيدي أنا بولس.

كنائس آسيا = مقاطعة آسيا (في آسيا الصغرى) وعاصمتها أفسس. ومن هناك كتب الرسالة. يسلم . سلموا . بقبلة مقدسة = هي رمز للمحبة المسيحية (1 بط 14:5). والمسيحيين مرتبطين بروح واحدة، رابطة واحدة روحية، في جسد المسيح ودمه الأقدسين. والقبلة المقدسة أي التي بلا غش ولا غدر ولا خيانة، أي ليس مثل قبلة يهوذا، بل في طهارة تليق بأولاد الله، لهذا نبدأ القداس بصلاة الصلح وفى نهايتها يقول الكاهنإجعلنا مستحقين أن نقبل بعضنا بعضاً بقبلة مقدسة يسلم عليكم في الرب = بولس لا يفهم أي علاقة بين المسيحيين إلاّ إذا كانت في المسيح، أي الكل ثابت في المسيح. فمثل هذا يكون سلامه وقبلته في محبة وبلا غش. أكيلا وبريسكلا = هما من كورنثوس، وذهبا مع بولس إلى أفسس حيث صار بيتهما كنيسة يجتمع فيها المؤمنون، ونراهما يرافقان بولس كثيراً، فهما مثله صانعي خيام. ونراهما في روما (رو 3:16). ثم في أفسس (2 تى 19:4). السلام بيدي أنا بولس = كانت هذه عادة الرسول أن يكتب السلام في نهاية رسائله بيده (2 تس 17:3). فبسبب مرض عينيه كان يملى رسائله على أحد ليكتبها. ولكن يكتب كلمات السلام بيده كعلامة (وبحروف كبيرة لضعف نظره غل 11:6). لأنه إنتشرت رسائل مزورة نسبت إليه فأثارت بلبلة (2 تس 2:2).

 

آية 22 :- إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن اناثيما ماران اثا.

أناثيما = محروم. إذاً علامة المسيحي هو أنه يحب المسيح = فالمحبة هي نتيجة الإمتلاء من الروح القدس. ومن لا يحب المسيح هو خالي من الروح القدس، والروح القدس هو الذي يشكلنا لنصير خليقة جديدة، وهذه هي التي تدخل السماء. بل محبة المسيح هي الأساس في أن نقيم علاقات محبة مع الآخرين، فمحبتنا للآخر هي صدى ونتيجة لمحبتنا للمسيح.

ماران آثا = أي الرب آتٍ وهى كلمة السر بين المسيحيين، ليتذكروا أن مجيء الرب قريب، فشعار المسيحي هو ترقب مجيء المسيح بإشتياق. فنحذر السقوط في ما قد يسقطنا تحت الدينونة. ويبدو أن هذه العبارةماران آثاكانت معروفة ومتداولة مثل كلمة آمين. ولأنها أتت هنا وراء لعن بولس لمن لا يحب المسيح (أناثيما) فنفهم أن الرب حين يأتى سيطرد كل من لا يحبه. 

 

آية 23:- نعمة الرب يسوع المسيح معكم.

نعمة = هي الحافظة لنا حتى نحب المسيح فلا نصير محرومين، فهنا الرسول لا يود أن ينهى رسالته باللعن بل بكلمة النعمة.

 

آية 24 : – محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع آمين

هو يبدأ الرسالة بقولـه بولس المدعو رسولاً وينهيها بمحبته لهم في المسيح ليكون الرب يسوع هو محور وهدف وأساس دعوته وخدمته وكرازته وبذلـه ومحبته للرعية (فلا محبة حقيقية سوى في المسيح) وليرى الناس في محبة الرسول صورة لمحبة المسيح. وهذا حتى لا يفهموا أن لهجته الشديدة في بعض أجزاء الرسالة كانت عن كراهية، بل كانت عن حب صادق لهم وخوف وحرص على خلاصهم

فاصل

أقرأ أيضاً

فاصل

تفسير كورنثوس الأولى 15 تفسير رسالة كورنثوس الأولى تفسير العهد الجديد
فهرس
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى تفاسير العهد الجديد

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى