تفسير سفر إشعياء ٦٥ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الخامس والستون

الإصحاحين (65، 66) يوجهوننا نحو السموات الجديدة والأرض الجديدة الذين سيقودنا إليهما الإيمان بالمسيح. والله يعلن دعوته لكل البشر للتمتع بالحياة الجديدة التي تبدأ هنا على الأرض. و نرى أيضاً الفصل والتميز بين ما هو صالح وما هو شرير. فالمسيح جاء لأجل هذا. وفى هذا الإصحاح نجد توقع قبول الأمم للنداء الإنجيلي.

آيات 1-7

آية (1)  أصغيت إلى الذين لم يسالوا وجدت من الذين لم يطلبوني قلت هاأنذا هاأنذا لأمة لم تسم باسمي.

ورفض اليهود لعنادهم وعدم إيمانهم آيات (2- 7) ثم خلاص البقية منهم بجلبهم للإيمان بالمسيح آيات

 (8- 10) ثم أحكام الله ستتعقب اليهود المرفوضين،  آيات (11- 16) ثم البركات المحفوظة للكنيسة المسيحية التي ستكون فرحها ومجدها آيات (17-25)

 

آيات (1، 2)  أصغيت إلى الذين لم يسالوا وجدت من الذين لم يطلبوني قلت هاأنذا هاأنذا لأمة لم تسم باسمي.بسطت يدي طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره.

هذه الآيات فسرها بولس الرسول برفض اليهود وقبول الأمم (رو 1 : 20، 21) ولقد علق بولس الرسول أن إشعياء كان جريئاً حين واجه اليهود بهذا، أنهم سوف يُرفضون وأكمل أن هذا تتميماً لنبوة موسى “أغيظكم بأمة غبية (تث 32 :21) الذين لم يسألوا = هم الأمم وهم أيضاً. الذين لم يطلبوه فهم لم يعرفوه لكي يطلبوه أو يسألوه ولكنه هو عرفهم بنفسه وقال لهم هاأنذا. أما اليهود الذين بسطت لهم يدي = وذلك بفيض نعمه عليهم وبقيادته لهم بأنبيائه. وبمعجزاته، ثم جاء لهم وأرسل لهم تلاميذه. فهو بسط يديه لهم ليحتضنهم ويقبلهم ويعطيهم علامات محبته بل في صليبه ظل باسطاً لهم يديه بالحب ليحتضن الكل. و كان هذاطول النهار = أي طول عمر الكنيسة فالله سيقبل إليه كل من يرجع إليه ولكنهم شعب متمرد يسيرون وراء أفكارهم = أي شهواتهم الأرضية وخطاياهم.

 

آية (3) شعب يغيظني بوجهي دائما يذبح في الجنات و يبخر على الأجر.

يغيظني بوجهي = أي بوقاحة وبلا حياء وهم بدأو في هذا من أول أيام النبي في عبادة الأصنام ثم في تحديهم للمسيح وصلبه ثم في إصرارهم إلى هذا اليوم في رفضه يبخر على الأجر = قارن هذا بما أعطاه لهم الله أن البخور يكون أمام المذبح الذهبي. والآجر هو ما يغطى به سطح المنازل فهم وضعوا أصنامهم ومذابحها فوق بيوتهم (2 مل 23، 12).

 

آية (4)  يجلس في القبور و يبيت في المدافن يأكل لحم الخنزير و في أنيته مرق لحوم نجسة.

يجلس في القبور = لسؤال أرواح الموتى. وهم لم يسألوا الرب. و يبيت في المدافن فهم ظنوا أن أرواح الموتى تظهر لهم في الليل أو بواسطة أحلام. ويأكل لحم الخنزير = فالخنزير نجس بحكم الشريعة ولكنها طبيعة العصيان والتمرد التي أصبحت فيهم.

 

آية (5)  يقول قف عندك لا تدن مني لأني أقدس منك هؤلاء دخان في انفي نار متقدة كل النهار.

بالرغم من خطاياهم فهم في كبرياء يقولون للآخرين قف عندك لا تدن منى حتى لا تنجسني فأنا أقدس منك. وهؤلاء المتكبرون يثيرون ضيق الله كدخان في أنفه. وكانت هذه خطية الكتبة والفريسيين أيام المسيح.

 

آية (6) ها قد كتب أمامي لا اسكت بل أجازي أجازي في حضنهم. آثامكم و آثام أبائكم معا قال الرب الذين بخروا على الجبال و عيروني على الآكام فأكيل عملهم الأول في حضنهم.

ها قد كتب أمامي = لنعرف أن الله لا ينسى. أجازى في حضنهم = فالخطية تحرق يد الخاطئ ومن يحتضن الخطية تحرقه.

فاصل

آيات (8، 10)

هكذا قال الرب كما إن السلاف يوجد في العنقود فيقول قائل لا تهلكه لان فيه بركة هكذا اعمل لأجل عبيدي حتى لا اهلك الكل. بل اخرج من يعقوب نسلا و من يهوذا وارثا لجبالي فيرثها مختارى و تسكن عبيدي هناك. فيكون شارون مرعى غنم و وادي عخور مربض بقر لشعبي الذين طلبوني.

وهذا شرحه بولس الرسول في رو (11 : 1-5) وهو مبدأ قبول البقية. فالله لم يرفضهم نهائياً. و شبههم الله هنا بكرمة تبدو أنها جفت وتستحق أن تقلع، ولكن عين الكرام الخبير تكشف أن بعض الأغصان مازال فيها عصارتها وتبشر بمحصول فيبقى عليها. ولقد رفض اليهود المسيح، ولكن قلة منهم قبلوه، هم البقية وستكون في نهآية الأيام، بقية تؤمن. وما هي مواصفات هذه البقية = هم عبيدي  = هم يعبدون الله وليس شهواتهم الأرضية. و شعبي الذين يطلبوني = فهم أصبحوا يطلبون الله ومن يطلب الله لابد ويستجيب له الله وهؤلاء ستكون لهم إقامة سعيدة فهم سيرثون في جبال الله وأين ؟ من وادي شارون على الحد الغربي وإلى وادي عخور على الحد الشرقي للأرض. هي الأرض المقدسة، أرض ميراث الرب كلها، والآن الأرض كلها للرب.

فاصل

آيات (11، 16)

آية (11)  آما انتم الذين تركوا الرب و نسوا جبل قدسي و رتبوا للسعد الأكبر مائدة و ملأوا للسعد الأصغر خمرا ممزوجة.

أما أنتم = هذا الكلام موجه لليهود ويوجهه إشعياء لقومه ومن سيأتي بعدهم الذين سيعبدون النجوم = السعد الأكبر والأصغر. وهى عبادة فيها سكر وعربدة وحتى يومنا هذا فهناك من يؤمن بالأبراج وحظك اليوم ويتفاءلون ويتشاءمون.

 

آية (12) فاني أعينكم للسيف و تجثون كلكم للذبح لأني دعوت فلم تجيبوا تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عيني و اخترتم ما لم اسر به.

فإني أعينكم = والمعنى المقصود في الترجمة الأصلية أنني أُعَيِن العدو الذي سيهلك بالسيف، فالسيف ليس عشوائياً يقتل، بل هو في يد الله. و السيف تركه الله عليهم لأنه تكلم= بواسطة أو في إبنه الكلمة فلم يجيبوا بل عملوا الشر = صلبوه.

 

آيات (13، 14) لذلك هكذا قال السيد الرب هوذا عبيدي يأكلون و انتم تجوعون هوذا عبيدي يشربون و انتم تعطشون هوذا عبيدي يفرحون و انتم تخزون. هوذا عبيدي يترنمون من طيبة القلب و انتم تصرخون من كآبة القلب و من انكسار الروح تولولون.

مقارنة بين حال عبيد الرب ورافضى الرب. فعبيد الرب مكتفين قانعين حتى في الطعام والشراب وأفراح السماء لهم أفراح أبدية، وأما هؤلاء الذين وضعوا أمالهم في الأرض فهم في عطش وحزن وجوع، يجرون ويلهثون وراء هذه الأرض الفانية. أما عبيد الرب فهم يشتركون فرحين في مائدة الرب الدسمة فيفرحون ويشبعون ويسبحون.

 

أيام (15، 16) و تخلفون اسمكم لعنة لمختاري فيميتك السيد الرب و يسمي عبيده اسما آخر.فالذي يتبرك في الأرض يتبرك باله الحق و الذي يحلف في الأرض يحلف باله الحق لان الضيقات الأولى قد نسيت و لأنها استترت عن عيني.

هناك فرق أيضاً بين عبيد الرب والخطاة من ناحية الذكرى والسمعة فإسم من عبد الأوثان ثم صلبوا المسيح سيترك لعنة. وسوف يُهمل ويكون استخدامه بائساً وسيئاً . فكان هناك مثل أوروبي “يجعلك الله بائساً كاليهود ” ويكون كل هذا كإنذار ليتساءلوا لماذا نحن كذلك، ويكون هناك خوف من أن تنزل اللعنات على الناس مثلما تنزل على اليهود، فالله تركهم للعنة = ويميتك السيد الرب. أما عبيد الرب فذكراهم دائماً بالبركة، والله سيدعوهم باسم آخر، فإسم شعب الله اليوم مسيحيين وجسد المسيح. وتحت هذا الاسم سيكون لهم كل بركات ومميزات العهد الجديد. ولن يكون هذا الشعب واحد في الأرض بل لكل الأرض فالذي يتبرك في الأرض كلها يتبرك بإله الحق = والمسيح هو الحق، وهؤلاء سوف ينسبون كل نجاح لهم وكل تعزية لله وهؤلاء سينسون أيضاً كل آلام الماضي في أفراح الحاضر. والله هو الذي سيجعلهم ينسون مشاكل الماضي، بل الله يقول إنها استترت عن عينيه أي أزيلت. فهو في كل ضيقنا تضايق، وإذا كان مازال هناك مشاكل لكانت بقيت أمام عينيه، فهو يحس بالآلام التي نحسها ويرتاح حينما نرتاح، وهنا على الأرض يتحقق جزء من هذا وأما تحقيقه الكامل فهو في السماء.

فاصل

آيات (17، 25)

آية (17):-  لأني هاأنذا خالق سماوات جديدة و أرضا جديدة فلا تذكر الأولى و لا تخطر على بال.

هذه الآية وجدت تحقيقها جزئياً أولاً فى عودة اليهود من السبي لأرض جديدة بلا أوثان وسماء جديدة أي بعلاقة جديدة بينهم وبين الله. ثم ثانياً في الكنيسة فصارت الكنيسة هي الأرض الجديدة فأعضائها من المؤمنين في حب يتعاملون مع بعضهم، وهى السماء الجديد أي في علاقة حب بين هؤلاء المؤمنين وبين الله، بل هي علاقة بنوة نقول لله فيها ” يا أبانا الذي في السموات ” ولكن الآية ستتحقق كلياً في الحياة الأبدية فهي بحق الأرض الجديدة والسموات الجديدة (رؤ 21 : 1)

 

آية (18) بل افرحوا و ابتهجوا إلى الأبد فيما أنا خالق لأني هاأنذا خالق أورشليم بهجة و شعبها فرحا.

فرح القديسين بالرب فرح أبدى فكل ما سيخلقه الله جديداً سيكون مصدر فرح لقديسيه ومن تألم مع الكنيسة سيفرح (رو 8 : 17)

 

آية (19)  فابتهج بأورشليم و افرح بشعبي و لا يسمع بعد فيها صوت بكاء و لا صوت صراخ.

إذا طبقنا هذه الآية على الأرض فيكون المعنى أننا لن نحزن على الأرضيات الفانية ولكن تطبيقها الكامل سيكون في السماء.

 

آية (20)  لا يكون بعد هناك طفل أيام و لا شيخ لم يكمل أيامه لان الصبي يموت ابن مئة سنة و الخاطئ يلعن ابن مئة سنة.

لن يكون طفل أيام = بعد المسيح انتهى سلطان الموت فلم يعد يقال “قد أعدمت بقية سني” أو “من النوال يقطعني” (أش 38 : 10،12) وقائلها هو حزقيا الملك حينما أخبره النبي بموته فإعتبر ذلك بمثابة أنه يموت ناقص عمر بلغة هذه الأيام. فكلمة طفل أيام هي المضاد لكلمة يموت شبعان أيام التي قيلت كثيراً فيمن عمروا طويلاً. ولا يقال اليوم بعد المسيح أن فلان مات ناقص عمر لأنه:

1) العمر محدد من الله.

2) ليس موت لعبيدك يا رب بل هو إنتقال. فالذي مات ذهب إلى السماء ولا مقارنة بين السماء والأرض خاصة بعد أن قال بولس آيته الشهيرة “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً “

لأن الصبي يموت أبن مئة سنة والخاطئ يلعن أبن مئة سنه = الصبي هنا في مقابل الخاطئ وكلاهما يعيش 100 سنه ثم يموت. و لكن الصبي قيل عنه يموت، أي ينتقل من حياة على الأرض إلى حياة في السماء. وأما الخاطئ فقيل عنه يلعن فهو كان ميتاً بالخطية على الأرض وإنتقل إلى جهنم بعد موته وهى مكان لعنة.

من هو الصبي ؟ قال السيد المسيح “إن لم ترجعوا وتكونوا مثل هؤلاء الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات”. فمن تعلق بالمسيح وأنار المسيح حياته يستعيد بساطة الأطفال فيكون صالحاً لملكوت السموات ومن لم يتعلق بالمسيح فلن تشفى طبيعته (لاحظ أن المسيح هو طبيب أنفسنا) وسيظل كما هو بطبيعة العصيان والخطية وكلاهما يموت.. ولكن الصبي وهذا من تم شفاؤه يموت وتحمله الملائكة (لعازر) والخاطئ يموت وتحمله الشياطين لمكان اللعنة الأبدية (الغنى)

ولكن كلاهما عاش 100 سنه فما هي هذه ال 100 سنه. هي مدة حياتهما على الأرض و تمثل رمزياً ب 100 سنه فرقم 100 يشير للكمال فهم أتموا ما حدده لهم الله من عمر. وهو أيضاً يشير للمكافأة أو المجازاة عن الأعمال “كل من ترك أباً أو أماً….  يأخذ 100 ضعف ” فكل من الصبي والخاطئ أتم حياته وأخذ نصيبه على أعماله وأحدهم ذهب للسماء والآخر للجحيم ليلعن.

والبعض يفسر الآية على أن هناك أطفال يموتون في عمر صغير ولكن بعد أن قضوا حياة كلها قداسة وامتلأوا من كل حكمة فهؤلاء كأنهم عاشوا 100 سنة، أو كأنهم في حكمة الشيوخ. أما الخطاة الذين يعيشون في العالم ولا يشبعون منه فحتى لو عاشوا 100 سنةفهم لن يشبعوا ويموتون ويلعنون لخطاياهم. إذاً طول العمر ليس المقياس بل كيف نعيش عمرنا هذا هو المقياس.

 

آيات (21- 23)  و يبنون بيوتا و يسكنون فيها و يغرسون كروما و يأكلون أثمارها. لا يبنون و آخر يسكن و لا يغرسون و آخر يأكل لأنه كأيام شجرة أيام شعبي و يستعمل مختاري عمل أيديهم. لا يتعبون باطلا و لا يلدون للرعب لأنهم نسل مباركي الرب و ذريتهم معهم.

الله سيبارك عمل أياديهم، ويجنون ما يتمنونه، وبلغة ما كان يحدث قديماً فحين كانوا يخطئون كان الله يسلط عليهم أمة تؤدبهم، بأن تطردهم من بيوتهم وتسكن فيها وتأكل محاصيلهم (راجع سفر القضاة) ولكن الآن في عهد النعمة فلا سلطان لأحد علينا حتى ولا الشياطين.وكأيام شجرة أيام شعبي = مثل شجرة البلوط التي وإن قطعت أوراقها تعود وتستعيد شكلها ثانية، ونحن نستعيد شكلنا بالتوبة ونزدهر من جديد. وفى الترجمة السبعينية كأيام شجرة الحياة = وشجرة الحياة هي المسيح، أي سيكون المسيح لنا شجرة حياتنا “لي الحياة هي المسيح ” وفيه سنتمتع بكل التعزيات الروحية. ولا يلدون للرعب = الله سيجعل أولادهم مصدر تعزية لهم بأن يجعلهم يسيرون في طريق الحياة، طريق الحق وتكون أيامهم فرحة.

 

آية (24)  و يكون إني قبلما يدعون أنا أجيب و فيما هم يتكلمون بعد أنا اسمع.

هناك إتصال جيد بينهم وبين الله، والله يتوقع ما يصلون لأجله، كما قابل الأب الابن الضال في طريقه.

 

آية (25) الذئب و الحمل يرعيان معا و الأسد يأكل التبن كالبقر أما الحية فالتراب طعامها لا يؤذون و لا يهلكون في كل جبل قدسي قال الرب

ويكون هناك اتصال جيد بينهم وبين بعضهم فالله أرسلنا كحملان وسط ذئاب ولو آمن هؤلاء الذئاب لصار الكل حملان. وطبع البشر سيتغير، ومن منهم كالأسد يأكل الدماء سيصير كالبقر آكل تبن. أما الشيطان فمقيد بسلسلة والتراب طعامه. ومن عاش للأرضيات يصير تراباً أي طعاماً لإبليس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى