تفسير سفر إرميا ٣٢ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاحات (30، 31، 32، 33) هي إصحاحات تعزية.

 

أتى لأرمياء في سجنه، عمهَ ليبيع لهُ حقله وذلك بسبب الحصار، فعم أرمياء قطعًا محتاج للمال في هذه الضيقة، بالإضافة لحالة اليأس التي تسود الجميع بسبب الحصار البابلي، فتصوروا أن بابل ستأخذ الأرض ويستولوا على كل شيء. وأرمياء قام بالشراء فعلًا بموافقة الله وذلك إثباتًا لنبواته أن مدة الحصار محدودة وسيذهب البابليين تاركين الأرض لأصحابها. ولكن أرمياء لم يضع يدهُ على الأرض بسبب 1) سجنه 2) بسبب السبي البابلي. وكتب أرمياء نسختين من صك الشراء 1) مفتوحة يقرأها أي إنسان 2) مغلقة ومحفوظة في إناء خزفي لأنه يعلم أن السبي سيبقى لعشرات السنين. وهذه القصة مليئة بالرموز.

  1. أرمياء نفسه هو رمز للمسيح، وآلام أرمياء البريء البار رمز لألام المسيح.
  2. الحقل الذي قام أرمياء بشرائه، هو رمز للكنيسة التي اشتراها المسيح بدمه، وكان عند اليهود، شراء الحقل بهذا الأسلوب يسمى فداء.
  3. لم يضع المسيح يده بالكامل على كنيسته، بحسب قول بولس الرسول “على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعًا لهُ” (عب8:2). وأرمياء لم يضع يده على الحقل بسبب السبي وبسبب سجنه، ولن يفك السبي قبل 70 عامًا والمسيح لن يخضع الكل لهُ، ويضع يدهُ بالكامل على كنيسته إلا بعد انتهاء هذا العالم بصورته الحالية، فطالما نحن في الجسد لن نستطيع إرضاء الله بالكامل.
  4. أرمياء قام بالشراء وهو في السجن، والمسيح قام بالفداء وهو في الجسد.
  5. كان هناك نسختين لصك الشراء واحدة مقروءة والثانية مغلقة، وصك الفداء أي عمل المسيح واضح ومقروء للمؤمنين ومختوم غير مفهوم لغير المؤمنين أو أن المختوم رمز للعربون الذي نحصل عليه الآن من أفراح السماء، والمفتوح هو إشارة لأمجاد السماء التي سنحصل عليها حين نرى الله وجهًا لوجه.
  6. الإناء الخزفى إشارة لجسدنا الحالي (2 كو 7:4) نحصل فيه على سكنى عربون الروح “عربون الروح” (2كو22:1).
  7. في الإصحاح السابق سمعنا وعدا بأن الله سيعيد لنا الميراث السماوي، ونحن إلى الآن لم نرى هذا الميراث السماوي ولكننا نؤمن بوعود الله. وهكذا إرمياء قال للشعب أن مدة السبي محددة بـ 70 سنة يعودون بعدها لميراثهم الأرضي. وشراء إرمياء للأرض من عمه تحمل معنى الإيمان والثقة بالوعود التي أعطاها الله بالعودة من السبي بالرغم من الظروف السيئة المحيطة.

 

الآيات 1-15:- 1- الكلمة التي صارت إلى إرميا من قبل الرب في السنة العاشرة لصدقيا ملك يهوذا هي السنة الثامنة عشرة لنبوخذراصر. 2- وكان حينئذ جيش ملك بابل يحاصر أورشليم وكان إرميا النبي محبوسا في دار السجن الذي في بيت ملك يهوذا. 3- لأن صدقيا ملك يهوذا حبسه قائلًا لماذا تنبات قائلا هكذا قال الرب هانذا ادفع هذه المدينة ليد ملك بابل فيأخذها. 4- و صدقيا ملك يهوذا لا يفلت من يد الكلدانيين بل انما يدفع ليد ملك بابل و يكلمه فما لفم وعيناه تريان عينيه. 5- ويسير بصدقيا إلى بابل فيكون هناك حتى افتقده يقول الرب أن حاربتم الكلدانيين لا تنجحون. 6- فقال إرميا كلمة الرب صارت إلى قائلة. 7- هوذا حنمئيل بن شلوم عمكيأتي اليك قائلًا اشتر لنفسك حقلي الذي في عناثوث لأن لك حق الفكاك للشراء. 8- فجاء إلى حنمئيل ابن عمي حسب كلمة الرب إلى دار السجن وقال لي اشتر حقلي الذي في عناثوث الذي في ارض بنيامين لأن لك حق الارث ولك الفكاك اشتره لنفسك فعرفت أنها كلمة الرب. 9- فاشتريت من حنمئيل ابن عمي الحقل الذي في عناثوث ووزنت له الفضة سبعة عشر شاقلا من الفضة. 10- وكتبته في صك وختمت واشهدت شهودا و وزنت الفضة بموازين. 11- واخذت صك الشراء المختوم حسب الوصية والفريضة و المفتوح. 12- وسلمت صك الشراء لباروخ بن نيريا بن محسيا أمام حنمئيل ابن عمي وامام الشهود الذين امضوا صك الشراء أمام كل اليهود الجالسين في دار السجن. 13- واوصيت باروخ امامهم قائلا. 14- هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل خذ هذين الصكين صك الشراء هذا المختوم والصك المفتوح هذا و اجعلهما في اناء من خزف لكي يبقيا اياما كثيرة. 15- لأنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل سيشترون بعد بيوتا وحقولا وكروما في هذه الأرض.

نجد هنا أن الملك سجن أرمياء بسبب نبواته ضدَّه وضد أورشليم. وهذه الأحداث جَرَت في السنة العاشرة لصدقيا. وبدأ الحصار في السنة التاسعة لهُ وسقطت المدينة في السنة الحادية عشرة. وكان المفروض أن يُقَدم الملك توبة بدلًا من أن يسجن صوت الحق وطبعًا التهمة الموجهة للنبى أنه يضعف معنويات الشعب. ولكن يبدو أن أرمياء كان لهُ شيء من الحرية أثناء فترة حبسه (كما حدث مع بولس الرسول في رومية أع30:28) فأمكن لأصحابه وأقرباؤه أن يزوروه واستطاع هو القيام بأعمال البيع والشراء. وغالبًا فالملك قد حما النبي بسجنه هذا حتى لا يقتله رجال الملك (التفصيلات أصحاح37) (1-5). أما الآيات (6-15) فنجد فيها قصه أخرى عن شرائه أرض بمشورة الله ليثبت أنه في وقت محدد ستنتهي هذه الآلام. وغالبًا فقريب إرميا هذا كان يحتاج لهذا المبلغ من المال فقام ببيع أرضه لمن لهُ حق الشراء. فغالبًا كان هو الولى الأقرب الذي له حق الفكاك وحق الإرث. وكان للأقرباء دون غيرهم هذا الحق، حق شراء الأرض وكان عليهم أيضًا حسب العرف والرأي العام واجب الشراء إذا كان القريب صاحب الأرض في ضيقة مالية. ولكن هل يبدو منطقيًا أن يشترى أحد في هذه الظروف والكل ذاهب إلى السبي وأورشليم محاصرة والعدو سيستولى على كل شيء فتكون كل الأراضى عديمة القيمة. ولكن هنا إعلان عن ثقة إرمياء في وعود الله بالعودة من السبي وليعلن هذا لكل الشعب. ونسمع هنا عن صكين أحدهما مختوم والآخر مفتوح = المختوم هو بعد أن يتم لفه وغلقه بختم، والمفتوح مفتوحًا لكل من يريد أن يقرأ (هو أصل وصورة والأصل مختوم) ووضعهمافي إناء خزف = لأنه يريد حفظهما 70 سنة حتى العودة من السبي. ووضع الصك في إناء خزف كي يبقى طويلًا. كانت عادة مألوفة بدليل ما وُجد في مغارات بقرب بحر لوط لنسخ من أسفار العهد القديم ظلت مختزنة في بطن الأرض أكثر من ألفى سنة.

 

الآيات 16-25:- 16- ثم صليت إلى الرب بعد تسليم صك الشراء لباروخ بن نيريا قائلا. 17- اه أيها السيد الرب ها أنك قد صنعت السماوات والأرض بقوتك العظيمة وبذراعك الممدودة لا يعسر عليك شيء. 18- صانع الاحسان لالوف و مجازي ذنب الاباء في حضن بنيهم بعدهم الاله العظيم الجبار رب الجنود اسمه. 19- عظيم في المشورة وقادر في العمل الذي عيناك مفتوحتان على كل طرق بني ادم لتعطي كل واحد حسب طرقه وحسب ثمر أعماله. 20- الذي جعلت آيات و عجائب في ارض مصر إلى هذا اليوم وفي إسرائيل وفي الناس وجعلت لنفسك اسما كهذا اليوم. 21- واخرجت شعبك إسرائيل من ارض مصر بآيات وعجائب وبيد شديدة وذراع ممدودة ومخافة عظيمة. 22- واعطيتهم هذه الأرض التي حلفت لابائهم أن تعطيهم اياها ارضا تفيض لبنا وعسلا. 23- فاتوا وامتلكوها ولم يسمعوا لصوتك ولا ساروا في شريعتك كل ما اوصيتهم أن يعملوه لم يعملوه فاوقعت بهم كل هذه الشر. 24- ها المتارس قد اتوا إلى المدينة لياخذوها وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين الذين يحاربونها بسبب السيف والجوع والوبا و ما تكلمت به فقد حدث وها أنت ناظر. 25- وقد قلت أنت لي أيها السيد الرب اشتر لنفسك الحقل بفضة واشهد شهودا وقد دفعت المدينة ليد الكلدانيين.

يبدو أن إرمياء فهم خطأ من طلب الله شراء الأرض أن الله مزمِع أن يصنع أعجوبة ويُهلك جيش بابل قريبًا. فيقول لا يَعْسُر عليك أمر. وكان منطقه أنت قُلْتَ لي إشتر لنفسك الحقل (25) فما معنى أن أشترى الحقل إذا كانت المدينة ستسقط في يد الكلدانيين. وهنا واضح شك أرمياء في خراب المدينة، أو رجاؤه في أن الله سيخلصها وهذه هي شهوة قلبه. ولذلك ذهبت أحلامه لعقد مقارنة مع خروج الآباء من مصر. وربما تصَوَّر في (23،18) أن الله جازاهم على أعمالهم ولكنه اكتفى بهذا.

 

الآيات 26-44:- 26- ثم صارت كلمة الرب إلى إرميا قائلة. 27- هانذا الرب إله كل ذي جسد هل يعسر علي امر ما. 28- لذلك هكذا قال الرب هانذا ادفع هذه المدينة ليد الكلدانيين وليد نبوخذراصر ملك بابل فيأخذها. 29- فياتي الكلدانيون الذين يحاربون هذه المدينة فيشعلون هذه المدينة بالنار و يحرقونها والبيوت التي بخروا على سطوحها للبعل وسكبوا سكائب لالهة أخرى ليغيظوني. 30- لأن بني إسرائيل وبني يهوذا انما صنعوا الشر في عيني منذ صباهم لأن بني إسرائيل انما اغاظوني بعمل ايديهم يقول الرب. 31- لأن هذه المدينة قد صارت لي لغضبي ولغيظي من اليوم الذي فيه بنوها إلى هذا اليوم لانزعها من أمام وجهي. 32- من أجل كل شر بني إسرائيل وبني يهوذا الذي عملوه ليغيظوني به هم وملوكهم رؤساؤهم وكهنتهم وانبياؤهم ورجال يهوذا و سكان أورشليم. 33- وقد حولوا لي القفا لا الوجه وقد علمتهم مبكرا ومعلما و لكنهم لم يسمعوا ليقبلوا ادبا. 34- بل وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه. 35- وبنوا المرتفعات للبعل التي في وادي ابن هنوم ليجيزوا بنيهم وبناتهم في النار لمولك الأمر الذي لم اوصهم به ولا صعد على قلبي ليعملوا هذا الرجس ليجعلوا يهوذا يخطئ. 36- والان لذلو هكذا قال الرب إله إسرائيل عن هذه المدينة التي تقولون أنها قد دفعت ليد ملك بابل بالسيف و الجوع والوبا. 37- هانذا اجمعهم من كل الاراضي التي طردتهم اليها بغضبي و غيظي وبسخط عظيم واردهم إلى هذا الموضع واسكنهم امنين. 38- ويكونون لي شعبا وأنا أكون لهم الها. 39- واعطيهم قلبا واحدًا وطريقا واحدًا ليخافوني كل الأيام لخيرهم وخير أولادهم بعدهم. 40- واقطع لهم عهدا ابديا أني لا ارجع عنهم لاحسن اليهم واجعل مخافتي في قلوبهم فلا يحيدون عني. 41- وافرح بهم لاحسن اليهم واغرسهم في هذه الأرض بالامانة بكل قلبي وبكل نفسي. 42- لأنه هكذا قال الرب كما جلبت على هذا الشعب كل هذا الشر العظيم هكذا اجلب انا عليهم كل الخير الذي تكلمت به اليهم. 43- فتشترى الحقول في هذه الأرض التي تقولون أنها خربة بلا إنسان وبلا حيوان وقد دفعت ليد الكلدانيين. 44- يشترون الحقول بفضة ويكتبون ذلك في صكوك ويختمون ويشهدون شهودا في ارض بنيامين وحوالي أورشليم وفي مدن يهوذا ومدن الجبل ومدن السهل ومدن الجنوب لأني ارد سبيهم يقول الرب.

ولكن الله يرد عليه بأن المدينة ستسقط أولًا لشرورها. أي أن السبب في سقوطها خطاياهم مثل تبخيرهم للبعل على السطوح أي بلا خجل وليس في الخفاء. وأداروا لله ظهورهم دليل على منتهى الاستهانة بالله. ولكن الله سوف يعيدهم ثانية بعد مدة من الزمن. وسيضع الله خوفه في قلوبهم. ولنلاحظ أن الخادم يضع في عقولنا أفكارًا جيدة لكن الله وحده هو الذي يضع في القلب. وبل يعطيهم الله قلبًا واحدًا. وهذا القلب الواحد لا يمكن أن يكون إلا في طاعة الله وأن يبحث الإنسان عن مجد الله ناظرين لله وحده. والقلب الواحد معناه أن الكل سيكونون واحدًا في المسيح (يهود وأمم). وفي (44،43) الله يقنع أرمياء أن شراؤه للأرض التي لم يراها من قريبه والتي سيأخذها ملك بابل. لا بُد أن يثق في أنها ستكون لهُ بالإيمان. وهذا ما يجب علينا أن نثق فيه. أن لنا كنعان سماوية حتى لو لم نراها الآن وعلينا أن نجاهد قانونيًا حتى لا يمحى اسمنا من سفر الحياةالأبدية فنخسر كنعان السماوية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى