تفسير يشوع بن سيراخ ٣٢ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثاني والثلاثون
الآيات (1-17): “1 إذا جعلوك رئيسا فلا تتكبر بل كن بينهم كواحد منهم. 2 اهتم بهم ثم اجلس وبعد قضائك ما عليك اتكئ. 3 لكي تفرح بهم وتأخذ الإكليل زينة وتكرم بهداياهم. 4 تكلم يا شيخ فانك أهل ذلك. 5 لكن عن دقة علم ولا تمنع الغناء. 6 لا تطلق كلامك عند السماع ولا تأت بالحكمة في غير وقتها. 7الحان المغنين في مجلس الخمر كفص من ياقوت في حلي من ذهب. 8 أنغام المغنين على خمر لذيذة كفص من زمرد في مصوغ من ذهب. 9اسمع وأنت ساكت فباحتشامك تنال الحظوة. 10 تكلم يا شاب لكن نادرا متى دعتك الحاجة. 11 أن سئلت مرتين فجاوب بالإيجاز. 12 معبرا عن الكثير بالقليل وكن كمن يعلم ويصمت. 13 في جماعة العظماء لا تساو نفسك بهم وبين الشيوخ لا تكن كثير الهذر. 14قدام الرعد ينطلق البرق وقدام المحتشم تسبق الحظوة. 15 إذا آن الوقت فقم لا تتأخر أسرع إلى بيتك لا تتهاون هناك تنزه.16 واصنع ما بدا لك ولا تخطا بكلام الكبرياء. 17وعلى هذه كلها بارك صانعك الذي يسكرك من طيباته.”
كانوا يقيمون ولائم في اليهودية يتخللها إحتفالات موسيقية، ويختارون رئيساً للحفل وظيفته تنظيم الحفل وراحة الضيوف ومنع مشاغبات الشباب. ونصيحة الحكيم هنا أن يتعامل الرئيس مع الناس بحكمة حتى لا يٌفسد الحفل الذي أقاموه ليفرحوا. وما يُفسد الحفل كبرياء هذا الرئيس (1) إذا تصرف كرئيس وليس كمن يخدم ليكون سبب سرور للناس. بل على الرئيس ألا يجلس ويرتاح ليأكل قبل أن يهتم بكل فرد (2). وكانوا في المقابل يُلبسون الرئيس إكليلاً من زهور ويعطونه هدايا، وهنا يقول له الحكيم فلتكن أهلاً لهذا كله (3). هذا الرئيس هو من قال عنه يوحنا في عرس قانا الجليل “رئيس المتكأ” (يو8:2). ويوصي الرئيس في هذا الإحتفال بأن يتكلم بحكمة ويوجه فلا تحدث مشاكل، فهذا عمله، هم إختاروه لهذا (4)، لكن على أن لا يتسلط ويفرض فكره على الناس فيمنع الغناء مثلاً، وكان هذا من المعتاد أن تكون في الولائم فقرة فنية. ولا تتكلم في كل وقت فيمل الناس (6) وكان من هؤلاء الرؤساء وحتى الآن من لا يعطي فرصة للآخرين للكلام، بل يقاطع من يتكلم. ويطلب من الشباب إحترام الكبار في مجلس الكبار، فإذا سئل الشباب عليهم أن يجيبوا بالإيجاز وليس كمن يعلم، فالكبار موجودين، وهذا لا يصح أن يظن الشاب أنه يعلم الكبار (9-13). وفي (7،8) يقول للرئيس أن لا يمنع الغناء فهذا يدخل السرور في الحاضرين. المعنى لا تقف عائقاً في طريق سرور الجالسين الحاضرين لكونهم إختاروك رئيساً. أما إحتفالاتنا المسيحية فصار لها في عرس قانا الجليل مثالاً، أي علينا أن ندعو يسوع وأمه وتلاميذه، وإذا حضر يسوع فلنمجده بتسابيحنا وإذا حضرت أمه والقديسين لصارت شركة تسبيح مشتركة بين السمائيين والأرضيين لرب المجد الموجود وسط الجميع. وبينما أن أفراح العالم وغنائه وخمره يعطي فرحاً غاشاً، فهذا الفرح السمائي يعطي فرحاً حقيقياً لا يعرفه إلاّ كل من تذوقه “ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب” (مز8:34). وهناك قانون أن البرق يسبق الرعد وأيضاً هناك قانون أن قدام المحتشم (الشاب الذي يحترم وجود الشيوخ) تسبق الحظوة بمعنى أن الكل يقدرون ويعجبون بهذا الشاب. ثم دعوة للشيخ الرئيسي أن لا يطيل السهر، بل يذهب إلى بيته، فلا يخجل صاحب الحفل، بل هي دعوة أيضاً لكل المدعوين أن ينصرفوا مبكراً، فيعطوا فرصة لصاحب الحفل أن يستريح. هناك تَنَزَّه= إصنع ما بدا لك في منزلك فأنت حر في منزلك ولا تثقل على صاحب الحفل. ولا تقول كلام كبرياء وتخطأ في وجود أحد. وبارك صانعك على كل ما أعطاه لك. الذي يسكرك من طيباته= هنا يسكرك بمعنى يفرحك، فكل عطايا الله مفرحة، والمعنى إرضى بما أعطاه الله لك في بيتك ولا تستمر في الحفل كثيراً.
الآيات (18-28): “18 من اتقى الرب يقبل تأديبه والمبتكرون إليه يجدون مرضاته. 19 من ابتغى الشريعة يمتلئ منها والمراءي يعثر فيها. 20 الذين يتقون الرب يجدون العدل ويوقدون من الأحكام مصباحا لهم. 21 الإنسان الخاطئ يجانب التوبيخ ويجد حججا توافق مبتغاه. 22صاحب المشورة لا يهمل التأمل أما المتكبر ممن ليس كذلك فلا يأخذه الخوف. 23ولا بعدما عمل بهواه عن غير مشورة. 24 لا تعمل شيئا عن غير مشورة فلا تندم على عملك. 25 لا تسر في طريق الهلكة فلا تعثر بالحجارة لا ترم نفسك في طريق لم تختبره فلا تجعل لنفسك معثرة. 26 احترز حتى من بنيك وتحفظ من أهل بيتك. 27 في جميع أعمالك اقتد بضميرك فان ذلك هو حفظ الوصايا. 28 الذي يقتدي بالشريعة يرعى الوصايا والذي يتكل على الرب لا يخسر.”
الإبن يقبل تأديب أبيه لأنه يثق في محبة أبيه له (عب5:12-11)= من إتقي الرب يقبل تأديبه. والمبتكرون إليه يجدون مرضاته= من يبكر ويسعي في طلب الرب يجده “الذين يبكرون إليّ يجدونني” (أم17:8). فلنطلب الله في بداية كل عمل ليبارك فيه. من إبتغى الشريعة= “أمعن النظر فيها “في ترجمة أخرى والمعنى يتأمل فيها بإهتمام يمتلئ منها أي يصبح لا يرتاح ولا يتلذذ سوى بكلمات الله في كتابه وشريعته. أمّا المرائي= هذا يّدعى أمام الناس أنه يهوى شريعة الله وفي داخله يهوى ملذات العالم. هذا يعثر في الشريعة لأنها تمنعه عن أهوائه. الذين يتقون الرب يجدون العدل= يهتدون إليه. من يحب الله سيعرف الحق ويهتدي إليه ويفرح به. ويوقدون من الأحكام مصباحاً لهم= هناك من يعترض على أحكام الله لأنه جاهل، عينه مقفولة بسبب الخطية أما من يتقي الرب فعينه مفتوحة، يرى حكمة أحكام الرب فيسبحه عليها، بل تكون نوراً له. يرى عقوبة المخطئ فيبتعد عن الخطية، ويرى كيف أن الله يكمل أحباءه بالألم فيسبح الله على التجربة. أما الإنسان الخاطئ يجانب التوبيخ= أي يرفض تأديب الله وتوبيخه، هو يحب نفسه أكثر من المسيح. ويجد حججاً توافق مبتغاه= يلتمس لنفسه الأعذار ويدافع عن مسلكه الشرير، والشيطان يساعده على ذلك، بأن يقدم له حججاً تبدو منطقية. صاحب المشورة= أي الإنسان الحكيم الذي يسمع لصوت الله ويشاور الكبار ويسمع النصحية لا يهمل التأمل في الكتاب المقدس، فهو تعلم وإختبر كيف يستمع لصوت الله ويكون هذا تعزية له وثباتاً له. أما المتكبر.. فلا يأخذه الخوف من الله ولا يبالي بل يستمر في خطاياه رافضاً طريق التقوى. ولا يخاف حتى بعد أن أخطأ وعَمِل بهواه عن غير مشورة= فهناك من أطفأ الروح (1تس19:5) فصار يشرب الإثم كالماء (أي7:34). لذلك ينصح الحكيم أن نشاور الحكماء والأباء قبل أن نسير في طريق ما. لا تسر في طريق الهلكة= فلماذا الإندفاع، إذا كان هناك طريق من المعروف أن نهايته سيئة فلماذا تسلك فيه، مثل طريق مرافقة الأشرار. فلا تعثر بالحجارة= الخطايا التي في الطريق إحترز حتى من بنيك= فالأبناء الشباب فيهم روح الإندفاع والتهور، فلا تندفع وراء أفكارهم بل عليك بإرشادهم بحكمتك ومنعهم من التهور. إقتدِ بضميرك= هناك صوت في الداخل يعترض على الخطأ ويصرخ حينما يخطئ الإنسان، فيجعل الإنسان في عدم راحة وسلام. لكن هذا لمن يعيش مع الله ولم يطفئ صوت الروح القدس بإصراره على الخطأ. وملخص (24) من يقتدي بالشريعة لا يخسر.