تفسير سفر صموئيل الأول ٢ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح الثاني
نشأة صموئيل
إذ قدمت حنة ابنها صموئيل عارية للرب جميع أيام حياته تطلعت إليه وهو في مسكن الرب فرأت فيه رمزًا للمسيا المنتظر الذي يفتح المقادس الإلهية أمام المؤمنين، عندئذ انطلق لسانها يسبح الله لا على عطيته لها – أي إنجابها صموئيل، وإنما بالأكثر عطيته لكل شعبه بتقديم العمل الخلاصي خلال المسيا.
بينما كسر الكاهنان ابنا عالي الشريعة والناموس وأفسدا شعب الله والمقدسات إذا بصموئيل النبي ابن حنة – امراة إيمان وصلاة وتسبيح – ينشأ في حياة مقدسة في الرب. بمعنى آخر بينما نشأ ابنا كاهن في جو ديني لكنهما لم يتمتعا بالحياة الداخلية القدسية، إذ بصموئيل يتلامس مع أعماق روحانية أسرته ليحمل ثمرًا مباركًا.
تسبحة حنة الخلاصية [1-10].
حقق الرب طلبة حنة فقامت تشكره وتسبحه؛ كثيرون يلجأون إلى الرب وقت الضيق لكنهم ينسونه عند الفرج، أما حنة فإنها لم تنسه بل ولم تشكره فقط على عطية صموئيل إنما بالأكثر دخلت إلى أعماق جديدة إذ رأت فيه رمزًا لعمل الله الخلاصي. فجاءت تسبحتها تُقارب تسبحة القديسة العذراء مريم (لو 1: 46-55)؛ حنة تسبح من أجل الرمز والقديسة مريم من أجل المسيا نفسه.
يمكننا أن نقول إن انفتاح لسان حنة الداخلي وبصيرتها الروحية وتجاوبها العميق مع عمل الله حمل انعكاسًا على ابنها صموئيل الذي سمع صوت الرب الهادئ في الهيكل دون أن يسمعه عالي رئيس الكهنة. لقد أرضعت ابنها حياة “التجاوب مع عمل الله ومع دعوته وكلماته”… الأمر الذي حُرم منه كثير من أبنائنا بسبب انغلاق قلب الوالدين وعمى بصرتهم الداخلية وثقل لسانهم في الحديث مع الله والتسبيح له.
نعود إلى تسبحة حنة أو قل مزمورها الذي يحسب مزمورًا ملوكيًا[28] إن قورن مع (مز 2: 1؛ 4: 10)، مشيرًا إلى الملك الممسوح. ويلاحظ في هذا المزمور:
أ. بدأت حنة تسبحتها بإعلان فرحها لا لمجرد نوالها “صموئيل” كعطية إنما اتمتعها بواهب العطية نفسه، إذ تقول: “فرح قلبي بالرب” [1]. لقد امتلأت أعماقها الداخلية بالله نفسه مصدر الفرح، وكما يقول الرسول بولس: “وأما ثمر الروح فهو محبةٌ وفرحٌ… ” (غلا 5: 22).
هذا الفرح الداخلي يهب للنفس قوة فلا تخور تحت أي ظرف، إذ يقول: “أرتفع قرني بالرب” [1]. استخدام القرن (قرن الثور) ككناية عن “القوة” تعبير شائع في الأدب العبري[29].
نالت “قوة” لا لإغاظة أعدائها أو مقاومتهم بل لكي يتسع فمها لتكرز لهم ببهجة الخلاص، إذ تقول: “اتسع فمي على أعدائي، لأني قد ابتهجت بخلاصك” [1]. فإنه ليس شيء يقدر أن يُحطم عداوة الأعداء مثل البهجة بخلاص الرب، الذي يجتذب الأعداء للتمتع ببشارة الإنجيل المفرحة.
ب. “ليس قدوس مثل الرب، لأنه ليس غيرك، وليس صخرة مثل إلهنا” [2].
إن كان الله وحده هو القدوس (رؤ 15: 4)، فقد جاء كلمة الله المتجسد القدوس (لو 1: 49) ليضمنا إليه فنحمل الحياة القدسية فينا. هذا هو سر خلاصنا، ليس فقط غفر الرب خطايانا، وإنما حملنا فيه لنشاركه حياته القدسية، وتتحق فينا وصيته: “تكونون قديسين لأني أنا قدوس” (لا 11: 44-45).
إنه الصخرة التي قدمت ماء لشعب إسرائيل في وسط القفر ليشربوا ويرتوا (خر 17: 6، عد 20: 11)، إذ يقول الرسول بولس: “لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح” (1 كو 10: 4).
ج. إذ اختبرت حنة نعمة الله الفائقة أدركت أن موازين الله ومقاييسه تختلف عن موازين البشر ومقاييسهم، فقد كانت ضرتها أمًا لأولاد كثيرين بينما كانت هي عاقرًا في مذلة وعار؛ نالت الأخيرة عطية “صموئيل” فصارت كمن ولدت سبهة أولاد [5] بينما صارت ضرتها – كثيرة البنين – كمن هي في ذبول! لهذا أعلنت:
“قسى الجبابرة انحطمت، والضعفاء تمنطقوا بالبأس.
الشباعي آجروا أنفسهم بالخبز والجياع كفوا.
حتى إن العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت.
الرب يميت ويحيي، يهبط إلى الهاوية ويصعد،
الرب يفقر ويغني، يضع ويرفع.
يقيم المسكين من التراب، يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسي المجد” [4-8].
هكذا انكسرت فننة المتشامخة فتحطمت قسيها، صارت كمن يؤجِّر نفسه ليجد خبزًا يأكله، ذبلت بالرغم من إنجابها للبنين، فقدت الحياة وصارت كمن هبط إلى الهاوية؛ افتقرت وانحطت إلى التراب. وعلى العكس بروح الاتضاع تقبلت حنة من يد الله قوة فتمنطقت بالبأس وشبعت بعد الجوع، وانجبت الكثيرين بعد العقر، تمتعت بالحياة بعد أن كانت كميتة، رفعها الله وأغناها ووهبها كرامة لتجلس مع الشرفاء وتنعم بالمجد.
يمكننا أيضًا أن نقول إن فننة تمثل جماعة اليهود الذين عاشوا زمانًا في الإيمان تحت الناموس فصاروا كجبابرة بأس، شبعي، مثمرين، أغنياء، أصحاب كرامة الخ… ولكنهم جحدوا الإيمان فانهاروا وافتقروا روحيًا وذبلت حياتهم وفقدوا كرامتهم، بينما حنة تمثل الأمم الذين عاشوا ضعفاء وجياع عاقرين بل وأمواتًا، لكنهم إذ آمنوا بالرب المخلص تغير حالهم تمامًا.
د. حتى إن العاقر ولدت سبعة وكثيرة البنين ذبلت” [5]. لم تكن حنة قد ولدت سبعة أبناء بل واحدًا فقط وهو صموئيل، بعد ذلك أنجبت ثلاثة بنين وبنتين [21]، فماذا عنت بالسبعة؟ ربما لأنها رأت في صموئيل – كرمز للسيد المسيح – أنه يُحسب كإنسان كامل يُقدر بسبعة بنين، لأن رقم 7 يعني الكمال. ولعلها قصدت أنها وهي رمز لكنيسة العهد الجديد التي جاء أعضاؤها من الأمم قد ولدت للرب كثيرين[30] خلال مياه المعمودية بينما ضرتها فننة التي رمزت لكنيسة العهد القديم قد أنجلت قبلاً أولادًا لله ذبلت بسبب جحدها للإيمان بالمسيا.
v إذ وُلد صموئيل كان رمزًا للمسيح… السبعة أبناء هم الكنائس السبع، لذا كتب بولس أيضًا لسبع كنائس، وعرض سفر الرؤيا للكنائس السبع لكي يحفظ رقم 7… مثل السبعة ملائكة الواقفين أمام وجه الله والداخلين والخارجين أمامه كقول روفائيل الملاك في سفر طوبيا، والمنارة ذات السبعة سراج في خيمة الاجتماع، والسبعة أعين الله التي تحفظ العالم، والحجر ذي السبعة أعين كما يقول زكريا، والسبع أرواح، والسبع منارات في سفر الرؤيا، والسبعة أعمدة التي بنت عليها الحكمة بيتها كما في سليمان.
القديس كبريانوس [31]
هـ. لأن للرب أعمدة الأرض وقد وضع عليها المسكونة” [8]. حديث مجازي يكشف عن رعاية الله لنا، فمن أجلنا أسس الأرض كمُلك له وأقامنا عليها. إنه ضابط الكل، لا يفلت من رعايته شيء يمس حياتنا. يهتم حتى بخطوات أقدامنا، مبطلاً فخاخ الأشرار التي ينصبونها لنا وسط الظلام: “أرجل أتقيائه يحرس والأشرار في الظلام يصمتون” [9]. وكما يقول المرتل: “لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك في كل طرقك” (مز 91: 11)، “لا يدع رجلك تزلّ. لا ينعس حافظك” (مز 121: 3).
مادمنا أتقياء الله تُحرس أرجلنا ولا نفقد سلامنا، يقول القديس جيروم: [مادمنا في حالة نعمة تكون نفسنا في سلام، لكن ما أن نبدأ نلهو مع الخطية حتى تسقط نفسنا في ارتباك لتصير كقارب تخطبه الأمواج[32]].
يقول القديس أغسطينوس: [إن أردت أن تسمع كيف تثبت قدميك على الدرجات بأكثر أمانٍ، فلا تتعب أثناء الصعود ولا تتعثر أو تسقط، صَلِّ بهذه الكلمات: “لا يدع رجلك تزل” (مز 121: 3)… لا شيء يجعل الرِّجل تزل إلا الكبرياء. المحبة تحرك الرِّجل للسير والتقدم والصعود، أما الكبرياء فتدفع الرِّجل إلى السقوط[33]].
“لأنه ليس بالقوة يغلب إنسان. مخاصمو الرب ينكسرون. من السماء يرعد عليهم. الرب يُدين أقاصي الأرض ويعطي عزًا لملكه ويرفع قرن مسيحه” [9].
v ينبغي علينا أن نعرف أننا لا نستطيع أن نُجاهد بدون معونة الله، ولا يصير لجهادنا أي نفع للحصول على عطية النقاوة العظمى ما لم توهب لنا بواسطة المعونة والرحمة الإلهية، لأن “الفرس معد ليوم الحرب، أما النصرة فمن الرب” (أم 21: 31)، “لأنه ليس بالقوة يلب الإنسان”.
الأب بفوتيوس [34]
ابن ألقانة وابنا عالي [11-17].
أ. ما أبعد الفارق بين ابن ألقانة وحنة، ابن الصلاة والإيمان، وابني عالي الكاهن. الأول تربى في خوف الله، فكان سبب بركة لنفسه وعائلته وشعبه بل ولنا نحن إذ صار قدوة عبر الأجيال. وأما ابنا عالي الكاهن فقد استغلا مركز أبيهما لصالحهما الذاتي. تركا الرعية بين الذئاب، بل صارا ذئبين يصنعان الشر ويعثران الشعب معهما، وقد تهاون والدهما في تأديبهما. وحين أراد توبيخهما تكلم في رخاوة، فجلبا على نفسيهما وعلى والدهما وعائلتهما والشعب عارًا، وصار عبرة لكل من يتهاون في تربية أولاده.
يُلقب الكتاب المقدس ابني عالي “بني بليعال” وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [دُعِيَ ذات الشخصين “بني عالي” و”بني بليعال”… عندما دُعيا “بني عالي” أعلنت علاقة القرابة الطبيعية لعالي، وإذ دُعيا “بني بليعال” أُعلن الشر الذي اختاراه، إذ لم يعودا يتمثلان بأبيهما في حياتهما بل ركزا غرضهما في أن يخطئا[35]].
ج. قيل عن ابني عالي أنهما لم يعرفا الرب [12]. أنهما ككاهنين عرفا الكثير عن الرب خلال التعليم والمعرفة النظرية، لكنهما لم يعرفاه في حياتهما العملية وسلوكهما. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[36]: [إن الكتاب المقدس يحدثنا عن أنواع كثيرة من المعرفة، من ذلك قول الرسول بولس: “يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه” (تي 1: 16)].
د. إذ فسد قلبا ابني عالي استهانا بالطقس [13-16]، كما استخفا بالحياة الطاهرة والقداسة فأفسدا نساء شعب الله [22]، وأهانا الله نفسه. فمن جهة الطقس كان من حق الكاهن أن يأكل الصدر والساق اليمنى بعد حرق الشحم للرب (لا 3: 3-5)، ويقوم بتوزيع الباقي على أسرة مقدم الذبيحة (لا 7: 29-34)، لكن ابني عالي تصرفا حسب هواهما فأفسدا المقدسات [17].
عندما يدب الفساد في أعماق الإنسان يستهين بكل شيء: بالطقس كما بالطهارة وبحقوق الغير حتى بالنسبة لله نفسه الخ…
مباركة الرب لألقانة وحنة [18-21].
بدأ صموئيل خدمته أمام الرب وهو صبي متمنطقًا بأفود من الكتان [18]، يلبسها كمعطف يُشد من الوسط بمنطقة. هذا ويرى القديس جيروم أن الأفود التي كانت تقدمها حنة لابنها هي لباس اللاويين لا الكهنة. هذه الأفود تختلف عن تلك صنعها جدعون (قض 8: 28) وميخا (قض 17: 5).
يؤكد الكتاب المقدس أن صموئيل بدأ خدمته وهو صبي، بدأها في جو كهنوتي فاسد للغاية، لا يمكن إصلاحه أو مقاومته… لكن الله الذي يخلص بالقليل كما بالكثير استخدم هذا الصبي للإصلاح.
كانت أمه تحضر له جبة صغيرة كل سنة، وهي لباس الملوك والأنبياء والشرفاء. كانت لباسًا داخليًا مصنوعًا من الصوف منسوجًا بدون خياطة يتدلى عن الرجلين (1 أي 15: 27؛ 1 صم 15: 27؛ أي 2: 2). هذه الجبة السنوية تمثل تجديدًا مستمرًا للعلاقات الأسرية المملؤة حبًا، فقد قدمت حنة ابنها للرب، هذه التقدمة لا تخلق جفافًا بينهما بل على العكس تؤكد حبًا في الرب. بتقدمتها للجبة تجدد نذرها للرب وتؤكد صلواتها عن ابنها وتُذَكِّر الابن برسالته كمكرس ونذير للرب. ربما لقاؤها السنوي حفظ ابنها صموئيل من الانحراف والعثرة بسبب ابني عالي الكاهن.
تهاون عالي الكاهن مع ابنيه [22-36].
أ. كان توبيخ عالي الكاهن لبنيه برخاوة في غير حزم. لقد عرف أنهم يفسدون النساء المجتمعات في باب خيمة الاجتماع، فصار مقدس الله مكان نجاسة وفساد، وتحوّل ميناء السلام إلى هلاك للنساء المتجندات لخدمة الخيمة. كل ما فعله عالي أنه كشف لهم عن خطورة تصرفاتهم دون القيام بأي تأديب ضدهم. لقد أعلن لهم: “تجعلون شعب الرب يتعدون. إذا أخطأ إنسان إلى إنسان يدينه الله فإن أخطأ إنسان إلى الرب فمن يصلي من أجله؟!” [24-25].
استخدم نوفتيان Novatian العبارة الأخيرة للغلق على باب التوبة في وجه الساقطين. وقد ردّ عليه القديس أمبروسيوس قائلاً: [لم يُكتب: “لا يُصلي أحد لأجله” بل كُتب “فمن يُصلي من أجله؟” بمعنى أن السؤال هو: من يقدر أن يصلي عن هذه الحالة؟! (مستصعبًا الصلاة من أجله) دون أن يمنع الصلاة عنه[37]].
ب. وسط الفساد وُجد رجل لله (نبي) أُرسل إلى عالي الكاهن قبل أن يجري عليه القصاص [27]، يذكّره بالشرف الذي وهب الله عائلته منذ أيام هرون (خر 4: 14-16)، إذ منحها الصعود على مذبح الله لتقديم صعائد، وايقاد بخور له ولبس أفود (ملابس كهنوتية أو أدوات تُستخدم لإعلان الله عن إرادته لكهنته)، كما وهبهم نصيبًا كبيرًا من التقدمات (لا 10: 12-15). بهذا لا يوجد عذر لعالي الكاهن في تهاونه في تأديب ابنيه المستخفين بالمقدسات الإلهية. كان هذا الإنذار فرصة جديدة أُعطيت لعالي الكاهن من قبل الله ليضع الأمور في نصابها، لكنه خلال ضعف شخصيته لم يكرم الله بردع ابنيه وتأديبهما، بل احتقره بتكريمه لابنيه الشريرين أو بتهاونه في تأديبهما حسب الشريعة (تث 13: 6-9) التي تأمر ألا تشفق عين الإنسان ولا ترق للقريب ولا تتستر عليه على حساب المقدسات الإلهية.
ج. يقول الرب: “حاشا لي. فإني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون” [30].
كيف نكرم الرب؟ يُجيب القديس كبريانوس: [إننا نكرمه بقبولنا النبوة لله والامتثال به كأولاد له (مت 5: 43-45). إنه مصدر فرح ومجد للبشر أن يكون لهم أبناء يتشبهون بهم… كم بالأكثر يكون سرور الله عندما يُولد إنسان روحيُّ في أعماله وتسابيحه ويعلن السمو الإلهي في حياته؟![38]]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لنكرمه بالإيمان كما بالعمال، فننال أيضًا المكافأة بتمجيده. “فإني أمجد (أكرم) الذين يمجدونني”. حقًا فإنه إن لم توجد مكافأة فإن مجرد تمجيدنا الله هو تمجيد لنا… لأنه أي مجد لنا أن يتمجد الله بنا؟![39]]. كما يقول: [في تكريمنا لله نكرم أنفسنا. من يفتح عينيه لينظر نور الشمس يتقبل البهجة فيه… من يكرمون الله إنما يفعلون هذا لخلاصهم ولعظم نفعهم؛ كيف؟ لأن من يتبع الفضيلة يمجد الله… لنمجد الله ولنحمله في أجسادنا وأرواحنا (1 كو 6: 20)[40]].
د. يقارن القديس يوحنا الذهبي الفم بين عالي رئيس الكهنة الذي نال كرامات عظيمة فسقط تحت الدينونة القاسية بسبب تهاونه وبين صموئيل النبي الذي رفضه الشعب (8: 7) فكرمّه الله نفسه، فيقول عن الرعاة: [الإهانة مكسب لهم والكرامة ثقل عليهم[41]].
هـ. أعلن رجل الله لعالي رئيس الكهنة تأديبات الرب له ولنسله.
- I. انتقال الكهنوت من نسله [30]، إذ عزل أبياثار في أيام سليمان وتعين صادوق من نسل أليعازار وتسلمه نسله حتى أيام السيد المسيح.
- II. فقدان القوة من بيته إذ يموت نسله شبابًا [31].
III. يرى ضيق المسكن [32]. حيث يأخذ الفلسطينيون التابوت (4: 11).
- IV. يشتهي نسله الموت ولا يجدونه: “ورجل لك لا أقطعه من أمام مذبحي يكون لإكلال عينيك وتذويب نفسك” [33].
قدم له علامة مُرّة للتأديب الإلهي وهي موت ابنيه في يوم واحد (2: 33؛ 4: 11). لكن الرب لم يختم الحديث بهذا إنما فتح كعادته باب الرجاء ألا وهو مجيء الكاهن الحقيقي، المسيا المخلص، إذ يرى القديس هيبوليتس في قول الله على لسان رَجُله: “وأُقيم لنفسي كاهنًا أمينًا يعمل (كل شيء) حسب ما بقلبي ونفسي وأبني له بيتًا أمينا فيسير أمام مسيحيي (مسحائي) كل الأيام، ويكون أن كل من يبقى في بيتك يأتي ليسجد له لأجل قطعة فضة ورغيف خبز، ويقول ضمني إلى إحدى وظائف الكهنوت لآكل كسرة خبز” [35-36]. نبوة عن مجيء السيد المسيح رئيس كهنة العهد الجديد. يقول: [كان كل الملوك والكهنة يدعون مسحاء، إذ مسحوا بالدهن المقدس الذي أعده موسى قديمًا. هؤلاء حملوا اسم الرب في أشخاصهم، مظهرين مقدمًا الرمز، ومقدمين صورة حتى يأتي الملك الكامل والكاهن الذي من السماء، الذي وحده يعمل إرادة الآب[42]].