تفسير إنجيل متى ١٨ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الثامن عشر
(مت 1:18-5):-
في تلك الساعة تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين فمن هو اعظم في ملكوت السماوات. فدعا يسوع إليه ولدا وأقامه في وسطهم. وقال الحق أقول لكم أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات. فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السماوات. ومن قبل ولدا واحدا مثل هذا باسمي فقد قبلني.
(مر 33:9-37):-
وجاء إلى كفرناحوم وإذ كان في البيت سألهم بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق. فسكتوا لأنهم تحاجوا في الطريق بعضهم مع بعض في من هو اعظم. فجلس ونادى الاثني عشر وقال لهم إذا أراد أحد أن يكون أولا فيكون أخر الكل وخادما للكل.فاخذ ولدا
وأقامه في وسطهم ثم احتضنه وقال لهم. من قبل واحدا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني.
(لو 46:9-48):-
وداخلهم فكر من عسى أن يكون اعظم فيهم. فعلم يسوع فكر قلبهم واخذ ولدا وأقامه عنده. وقال لهم من قبل هذا الولد باسمي يقبلني ومن قبلني يقبل الذي أرسلني لان الأصغر فيكم جميعا هو يكون عظيما.
فكر التلميذ المتأثر بالفكر اليهودى، أن المسيا حين يأتى، سيأتى لكى يملك على الأرض، جعلهم يشتهون أن يجلسوا واحداً عن يمينه وواحداً عن يساره (مت 21:20،22)..هذا الفكر إستمر حتى ليلة العشاء السرى (لو 24:22-27) ولكن المسيح كان يتكلم عن ملكوت السموات أمامهم دائماً، فإختلط عليهم الأمر، وظنوا أن ملكوت السموات هذا يمكن أن يكون على الأرض، وبنفس الفكر بدأوا يحلمون بمراكز أرضية حين يملك المسيح فى ملكوت السموات هذا، ودخلهم تساؤل عمن يكون الأعظم فى هذا الملكوت. وبمقارنة ما حدث فى إنجيلى متى ومرقس نجدهم وقد شغل هذا الموضوع ذهنهم تماماً يتحاورون فى الطريق عمن هو الأعظم فيهم، بالتالى سيكون هو مثلاً الوزير الأول فى ملك المسيح. ولما أتوا إلى البيت فى كفر ناحوم سألهم الذى لا يُخفى عليه شئ عمّا كانوا يتكلمون فيه، فسكتوا (مر 34:9) ثم تساءلوا علناً ولم يستطيعوا أن يستمروا ساكتين (مت 1:18)، فإذا دب فكر العظمة والكبرياء فى القلب فهو لا يهدأ. وحتى يكسر السيد كبريائهم أتى بولد ودعاهم أن يتشبهوا بالأولاد ومن يفعل فهو الأعظم.. قطعاً ليس فى السن بل :-
1. فى حياتهم المتواضعة الوديعة كالأطفال (1كو 20:14)
2. فى الثقة فى كلام أبيهم السماوى والإتكال عليه وطاعته.
3. البساطة وتقبل الحقائق الإيمانية والروحية، فالطفل يصدق ما يقال له.
4. الأطفال لا يشعرون أنهم أفضل من الأخرين فالغنى يلعب مع الفقير.
5. لاحظ أن الأطفال لا يشعرون بأنهم متواضعين، فمن يشعر أنه متواضع، أو أنه يتواضع حين يكلم إنساناً فقيراً فهو ليس متواضع.
6. التسامح المطلق فالطفل لا يحتفظ فى قلبه بأى ضغينة.
7. إذا أحزن إنسان طفلاً فهو لا ينتقم لنفسه بذراعيه بل يلجأ لوالديه.
8. الطفل بلا شهوات، بلا طلب للمجد الباطل، بلا حسد للآخرين.
9. إذا تشاجر الأطفال فهم سريعاً ما يتصالحون ويعودون للعب معاً.
10. ملكوت الله الذى يؤسسه المسيح لا وجود فيه لمن يبحث أن يكون الأقوى والأعظم بل من يدخله هو من يحس بضعفه وأنه لا شئ ولكن قوته وعظمته هى فى حماية الله له (2كو 9:12،10). وهذه طبيعة الأطفال.
11. بلغة التعليم المعاصر، فهذا الولد فى حضن المسيح هو وسيلة إيضاح.
12. الطفل يطلب ما يريده واثقاً فى أخذه من أبيه، وهو لا يفكر فى أن أبوه يعطيه لأنه يستحق، بل هو يطلب بدالة المحبة.
ولاحظ قول السيد المسيح من قبل ولداً واحداً مثل هذا بإسمى فقد قبلنى فالمسيح هنا وحَّد نفسه بالأطفال والبسطاء والضعفاء.. بإسمى = أى من أجل المسيح، فمن يقبل طفلاً يكون كمن قبل المسيح نفسه. والحقيقة فإن المسيح حين يقول إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فهو يقصد نفسه، أى إن لم ترجعوا وتستعيدوا صورتى التى حصلتم عليها فى المعمودية فلن تدخلوا ملكوت السموات. فنحن نولد بالمعمودية على صورة المسيح. نحن خلقنا أولاً على صورة الله (تك 26:1،27) وفقد الإنسان الصورة الإلهية باختياره لطريق العصيان والخطية. وأتى المسيح وفدانا وأعطانا سر المعمودية وفيها ندفن ونموت ونقوم مع المسيح وبصورة المسيح. ولكننا مع إحتكاكنا بالعالم نفقد هذه الصورة الإلهية ثانية، وكلام السيد المسيح هنا، أن هناك إمكانية لإستعادة هذه الصورة = إن لم ترجعوا = إذاً هناك إمكانية للرجوع ولكن كيف؟ هذا هو عمل النعمة، التى تعيدنا للصورة الإلهية، والنعمة تحتاج لجهاد، لذلك نسمع بولس الرسول يقول ” يا أولادى الذين أتمخض بهم (ألام الجهاد والخدمة) إلى أن يتصور المسيح فيكم(عمل النعمة) وعمل النعمة يعطينا أن نصير خليقة جديدة على صورة المسيح (غل19:4 + 2كو 17:5) لذلك نحن نخلص بالنعمة (أف 8:2) التى بها نعود للصورة الإلهية. والأولاد هم المولودين من الماء والروح وقد خرجوا بدون خطية، والمسيح هو الذى قال عن نفسه “من منكم يبكتنى على خطية“، لذلك كان هذا الولد فى حضن المسيح إشارة للمسيح نفسه. ونحن إن لم نحصل على صورة المسيح لن ندخل ملكوت السموات. هذه تشابه أن لكل بلد فى العالم عملة يتم التعامل بها داخل حدود هذا البلد، لكن إن حاولت التعامل بعملة عليها صورة ملك آخر لن يُسمح لك بأن تتعامل بها. فنحن نصبح عُملة قابلة للتداول فى السماء لو إنطبعت علينا صورة الملك السماوى. فإن كان المسيح قد تواضع وترك مجده السمائى لأجلنا، أفلا نتخلى نحن عن أفكار العظمة الأرضية مثل ما فعل هو ونتصاغر أمام الناس وأمام أنفسنا، إذا كان المسيح قد صار عبداً أفلا نقبل أن نتصاغر مثله أمام إخوتنا. خصوصاً أن النعمة تسندنا، وبالمسيح نستطيع كل شئ (يو 5:15 + فى 13:4) فهل نقبل؟ والسيد يشرح كيف تساندنا النعمة…. هذا يكون بالجهاد.. وكيف نجاهد ؟
إذا أراد أحد أن يكون أولاً فيكون أخر الكل وخادماً للكل (مر 35:9) من أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادماً (مر 43:10)
من أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً (مر 44:10) والسيد ضرب بنفسه المثال فقال عن نفسه أنه أتى ليَخدم لا ليُخدم (مر45:10).
وهو غسل أرجل تلاميذه وطلب أن نفعل ذلك (يو 12:13-17).
ومن يفعل تسانده النعمة ليرجع ويكون كالأولاد أى يستعيد صورة المسيح ولاحظ قول السيد من وضع نفسه مثل هذا الولد = كلمة وضع نفسه تعنى أنه لا يدعى الإتضاع طلباً لمديح الناس، فما أخطر أن تدعى النفس الإتضاع. بل هو عليه أن يفهم الحقيقة “اننا لا شئ.. تراب.. بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل. ولكن نحن بالمسيح، وليس من أنفسنا، قد أصبحنا أولاداً لله. فقيمتنا ترجع لا لأنفسنا بل للمسيح الذى فينا. ولاحظ أن عمل المسيح فى أن يأتى بطفل ويعمل ما عمله، بأن يحتضنه ويوحد نفسه به، ويقول ما قاله. هذا كان عجيباً فى أيامه، فقد إحتقر الرومان الطفولة، ولم يكن للطفل أى حق من الحقوق، ويستطيع الوالدان أن يفعلا بطفلهما ما يشاءا بلا رقيب، وتعرضت الطفولة فى اليونان لمتاعب كثيرة، فكانوا يتركون الأطفال فى العراء أياماً حتى يموت الضعيف ويبقى القوى. واليهود فى أى حصر أو تعداد ما كانوا يحصون النساء ولا الأطفال. ولكننا هنا نجد السيد يشير للطفل بأنه مثال يجب أن نتشبه به. الرومان واليونان كانوا يفتخرون بالقوة والعظمة لذلك إحتقروا الأطفال لضعفهم، أماّ المسيح فيطالبنا بالتشبه بهم فى ضعفهم وأن نعتبر أن قوتنا هو الله نفسه.. هذا هو ملكوت الله.
· نستطيع أن نقول أن هذا الإصحاح وما يقابله فى إنجيل القديس مرقس. يشتمل على قوانين الملكوت. أى كيف ندخل الملكوت.
القانون الأول:- نعود ونكون مثل الأطفال.
(مت 6:18،7 + مر 42:9)
(مت 6:18،7):-
ومن اعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر. ويل للعالم من العثرات فلا بد أن تاتي العثرات ولكن ويل لذلك الإنسان الذي به تأتى العثرة.
(مر 42:9):-
ومن اعثر أحد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر.
نفهم من هذا أن العالم مملوء عثرات والكنيسة ستواجه ضيقات، ألام جسدية وإضطهاد وإستشهاد وستواجه حروباً شيطانية وخداعات وتشكيك من هراطقة أو إثارة حب العالم وشهواته فى قلوب أولاد الله (1يو 19:5)، لكن الله يحفظ أولاده (يو 15:17). ولاحظ فالشيطان يعمل لحساب مملكته بأن يستخدم أولاده وأتباعه ليعثروا أولاد الله، إماّ بأن يوقعوا بهم فى شباك الخطية أو يضطهدونهم جسدياً. وهذا الأسلوب إستعمله إبليس مع يسوع نفسه فهو على الجبل حاول أن يعثر المسيح ويجعله يسجد لهُ ولما فشل دبر مؤامرة الصليب. ولكن الله فى مملكته يحفظ أولاده (يو 11:17،12) هؤلاء الذين دخلوا مملكته وذلك بتواضعهم وبساطتهم = الصغار المؤمنين. صغار تعنى ضعيف وبسيط ويمكن إسقاطه فى الخطية فربما يظن أحد أنه بسبب بساطة ووداعة أولاد الله، فهو يستطيع أن يفعل بهم ما أراد.. ولكن لا فمملكة الله لها ملك قوى يدافع عنهم (خر 14:14) ويا ويل من يقع فى يد الله الحى (عب 30:10،31). والوقوع فى يد الله ليس هيناً، بل خيرٌ لذلك الإنسان أن يُعلق فى عنقه حجر الرحى ويغرق فى لجة البحر. وكانت هذه عقوبة رومانية ويونانية. حجر الرحى = حجر ثقيل يستعمل فى طحن الحبوب.
ولاحظ أن الله قد يسمح ببعض الألام تقع على أولاده من الشرير إبليس أو من أولاده الأشرار (كما حدث مع أيوب ومع بولس) ولكن يكون هذا بسماح منه لإعدادهم للملكوت ولتأديبهم (عب 5:12-11).
وحجر الرحى هنا هو خطية هذا المعتدى على الكنيسة التى تجعله يغوص فى بحر الدينونة الرهيبة.
ولاحظ أن الشرير قد يحاول إثارة إضطهاد ضد الكنيسة أو ضد إنسان مؤمن، حتى يخيفه وينكر الإيمان فيهلك. من كل هذا نفهم أن
القانون الثانى:- الكنيسة موجودة فى عالم ملئ بالعثرات
لكن ملك الكنيسة ورئيسها يحميها وينتقم من أعدائها.
(مر 38:9-41 + لو 49:9،50)
(مر 38:9-41):-
فأجابه يوحنا قائلا يا معلم رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا فمنعناه لأنه ليس يتبعنا. فقال يسوع لا تمنعوه لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعا أن يقول علي شرا. لان من ليس علينا فهو معنا. لان من سقاكم كاس ماء باسمي لأنكم للمسيح فالحق أقول لكم انه لا يضيع اجره.
(لو 49:9،50):-
فأجاب يوحنا وقال يا معلم رأينا واحدا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه لأنه ليس يتبع معنا. فقال له يسوع لا تمنعوه لان من ليس علينا فهو معنا
يا معلم رأينا واحداً يخرج شياطين بإسمك = طالما يستخدم إسم المسيح فهو مؤمن وهو ليس يتبعنا= أى ليس من الإثنى عشر أو السبعين. ولنلاحظ أنه ما كان ممكناً لهذا الإنسان أن يخرج شياطين إن لم يكن مؤمناً بالمسيح. لكن يوحنا تعجب أنه ليس من تلاميذ المسيح إذ ظن يوحنا أن المعجزات هى للتلاميذ فقط. لكن هذا الإنسان كان يعمل لحساب المسيح بإيمان صادق وإن لم تكن له فرصة للتبعية الظاهرة ونفهم من درس المسيح أن الكنيسة كنيسة واحدة ولا معنى فيها للتعصب لشخص ما أو جماعة ما، وهذا قطعاً لا يعنى قبول تعاليم مخالفة لتعاليم وعقيدة الكنيسة. ولكن على الكنيسة أن تفهم أنها متسعة القلب للجميع، لها وحدة ومحبة تجمع الكل خلال إيمان مستقيم. أماّ من يعمل قوات وأيات من خارج إطار الإيمان المستقيم فهؤلاء ينطبق عليهم قول السيد إذهبوا عنى يا فاعلى الإثم (مت 22:7،23). من ليس علينا= الذى ليس مخالفاً لنا ولكنيستنا فى الإيمان = فهو معنا فى وحدة ومحبة
وهذه الأيات أوردها القديس مرقس مباشرة بعد مشاجرة التلاميذ فمن هو الأعظم فيهم. ومن هذا نفهم أن العثرة تأتى فى الكنيسة من مفهوم من هو الأعظم. فيوحنا إعتبر أن هذا الشخص طالماليس من مجموعتهم فهو أقل منهم وليس من حقه أن يحصل على نفس مواهبهم فى إخراج الشياطين. والسيد يعلمهم مفهوم آخر، يُفهم أن من ليس ضدنا ( ضدنا = يعلم تعاليم مخالفة للإيمان) وهو يحب المسيح ويستخدم إسمه فهو معنا، فالكل جسد واحد والكل فى مملكة المسيح لهم سلطان على إبليس. ومن هذا نفهم أن
القانون الثالث:- الكنيسة أو ملكوت الله هو ملكوت الوحدة والمحبة. كنيسة واحدة وحيدة مقدسة رسولية.
من سقاكم كأس ماء بإسمى.. لا يضيع أجره
كما يعاقب الله معثرى الكنيسة نجده هنا يكافئ من يقدم لها الخدمات، ولكن على أن يكون بإسم المسيح. فمن يقدم لخدام المسيح لأجل إسم المسيح فهذا ينال مكافأته من الله وبهذا نفهم أن
القانون الرابع:- الملك الذى يعاقب أعداء كنيسته هو يجازى من يخدمها.
(مت 8:18-10 + مر 43:9-48)
(مت 8:18-10)-
فان اعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها والقها عنك خير لك أن تدخل الحياة اعرج أو اقطع من أن تلقى في النار الأبدية ولك يدان أو رجلان. وأن اعثرتك عينك فاقلعها والقها عنك خير لك أن تدخل الحياة اعور من أن تلقى في جهنم النار ولك عينان. انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم أن ملائكتهم في السماوات كل حين ينظرون وجه أبى الذي في السماوات.
(مر 43:9-48):-
وأن اعثرتك يدك فاقطعها خير لك أن تدخل الحياة اقطع من أن تكون لك يدان وتمضي إلى جهنم إلى النار التي لا تطفا. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفا. وأن اعثرتك رجلك فاقطعها خير لك أن تدخل الحياة اعرج من أن تكون لك رجلان وتطرح في جهنم في النار التي لا تطفا. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفا. وأن اعثرتك عينك فاقلعها خير لك أن تدخل ملكوت الله اعور من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفا.
سبق السيد وتكلم عن العثرات الموجودة فى العالم، فماذا يصنع الإنسان المسيحى أمام هذه العثرات والشهوات المحاربة فى أعضائه ؟ قطعاً المسيح لا يقبل أن نقطع أيادينا وأرجلنا.. الخ. بل أن نحيا كأموات أمام الخطية. فإن كانت أعيننا تعثرنا فلنمنع أعيننا من أن تنظر، فهناك من يسير فى طريقه وعيناه للأرض ويمنع عن عينه كل الصور المعثرة.وقطعاً فى هذا تغصب، ولكن الملكوت يغصب (مت 12:11). ومن تعثره أماكن معينة فعليه أن لا يذهب فيكون كمن قطع رجله، وهناك من يعثره صديق معين أو جماعة معينة، فعليه أن يمتنع عنهم ويكون كمن قد مات.. وهكذا. وهذا ما يُسمى الجهاد، أن تغصب نفسك أن لا تفعل ما ترغب فيه إن كان فيه خطأ وتحيا كميت أمامه. وتغصب نفسك أن تفعل ما لا ترغب فيه إن كان صحيحاً كالمثابرة فى الصلاة والمواظبة على الذهاب مبكراً للكنيسة. والصيام بقدر الإمكان.. الخ. فهناك عثرات من الآخرين وعثرات من أنفسنا عندما ننخدع من شهواتنا وهذه يجب أن نقطعها مهما كانت عزيزة علينا، كما أن اليد والرجل والعين عزيزة علينا، أى نتخلص مما يسبب لنا العثرة [ اليد (نبتعد عن أى عمل ردئ) والرجل (نمتنع عن الذهاب للأماكن المعثرة)..] أقمع جسدى وأستعبده (1كو 27:9) ومن يجاهد ويغصب نفسه تملأه النعمة، فالنعمة لا تُعطى إلاّ لمن يستحقها والنعمة تعطينا أن نكون خليقة جديدة، الشهوات فيها ميتة، خليقة لا تفرح بالخطية ولا تسودها الخطية رو 14:6. ومن يصلب نفسه عن شهواته يقول مع بولس “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ غل 20:2 ويقول لى الحياة هى المسيح (فى 21:1) من هذا نفهم أن
القانون الخامس:- أولاد الملكوت يحيون كأموات عن العالم لكن أحياء بالمسيح الذى فيهم، المسيح سر حياتهم الجديدة.
أنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار.. ملائكتهم فى السموات.. ينظرون وجه أبى الصغار هم الأطفال الأبرياء، أو هم الذين بتواضعهم وقداستهم دخلوا من أبواب الملكوت وصاروا أو رجعوا وصاروا مثل الأطفال، هم المؤمنين بالمسيح والمتواضعين الذين يبدو أنهم ضعفاء لا حيلة لهم. وهنا المسيح يحذر العالم أن هناك ملاك حارس معين لمرافقة وحراسة كل منهم وهو غير مرئى، ولكنه قادر أن ينصف هؤلاء الضعفاء، وأن هؤلاء الملائكة ينظرون وجه الآب أى قادرين على حمل البركات منه لهؤلاء الصغار والآن نفهم أن
القانون السادس:- ملكوت السموات صار مفتوحاً للأرضيين المجاهدين كما للسمائيين (يو 51:1) والملائكة تحرس أولاد الله.
(مت 11:18-14 + لو 4:15-6) الخروف الضال
(مت 11:18-14):-
لان ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك. ماذا تظنون أن كان لإنسان مئة خروف وضل واحد منها أفلا يترك التسعة والتسعين على الجبال ويذهب يطلب الضال. وأن اتفق أن يجده فالحق أقول لكم انه يفرح به اكثر من التسعة والتسعين التي لم تضل. هكذا ليست مشيئة أمام أبيكم الذي في السماوات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار.
(لو 4:15-6):-
أي إنسان منكم له مئة خروف وأضاع واحدا منها ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده. وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحاً. ويأتي إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلاً لهم افرحوا معي لأني وجدت خروفي الضال.
هناك فروق بين المثل كما ورد فى إنجليى متى ولوقا، فبدل الجبال فى متى يأتى المثل فى لوقا فى البرية. وفى متى يقول وإن إتفق أن يجده يأتى المثل فى لوقا يذهب حتى يجده. والسبب أن متى يكتب لليهود ولوقا للأمم. فبوحى من الروح القدس تغيرت الألفاظ، فاليهود قبل المسيح كانوا على جبال الشريعة والناموس ومعرفة الله، أما الأمم فكانوا فى برية الوثنية، فى تيه مطلق، واليهود صعب ردهم للإيمان بالمسيح لكبريائهم لذلك قال وإن إتفق أما الأمم فسيدخلون الإيمان. من هو الخروف الضال؟ هى النفس المؤمنة التى ضلت لأنها ضعيفة. سقطت وتشعر بخطيتها يفرح به = إذ كان ميتاً فعاش الراعى = هو المسيح الذى تجسد ليفتش عن آدم وبنيه الذين ضلوا
من هم التسعة والتسعين؟ هم 1) الملائكة فى السماء الذين لن يضلوا.
2) القديسون فى المجد وهؤلاء لن يضلوا.
3) القديسون فى الأرض الذين لم يفقدوا نعمة المعمودية
وقد يكونوا 4) الأبرار فى أعين أنفسهم كالفريسيين الذين يشعرون بعدم الإحتياج
فى هذا المثل يكشف السيد عن نظرته للإنسان أنه ليس مجرد فرد فى عدد لا يحصى، إنما الله يهتم بكل فرد شخصياً وبإسمه، كل نفس لها قيمة عظيمة عند المسيح. ومن هنا نفهم أن
القانون السابع:- المسيح الملك يهتم بكل نفس فى ملكوته ولا يسمح بهلاكها. فهو يبحث عنها شخصياً.
(مر 49:9،50):-
لان كل واحد يملح بنار وكل ذبيحة تملح بملح. الملح جيد ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه ليكن لكم في أنفسكم ملح وسالموا بعضكم بعضا
لأن كل واحد= كل مؤمن إنتمى إلى ملكوت السموات. يُملح بنار= النار هى الروح القدس، روح الإحراق (أع 3:2،4 + إس 4:4). والملح يصون من الفساد والعفونة (كو 6:4). والروح القدس هو الذى يُعطى نعمة لكل مؤمن، تعطيه أن يصير خليقة جديدة. ولاحظ أن هذه الأيات جاءت فى إنجيل مرقس بعد حديث السيد المسيح عن أهمية قطع اليد والرجل وقلع العين التى تعثر، وكما قلنا فإن هذا إشارة للجهاد، وأمام الجهاد يملأنا الروح القدس نعمة تغير من طبيعتنا وتكتم وتميت الخطية التى فينا، أو الشهوة التى فينا (رو 3:8) (فقوله دان الخطية أى حكم عليها بالموت). فنار الروح القدس أحرقت الشهوة أو الخطية فينا، وصارت الخطية بلا سلطان علينا لأن النعمة تسود علينا (رو 14:6) وبهذا فنار الروح القدس تملح المؤمن أى تحفظه من الفساد.
وكل ذبيحة تملح بملح= هذا إشارة إلى (لا 13:2-15) لأن ذبائح العهد القديم تشير للمسيح الذى قَدَّمَ نفسه ذبيحة، وإضافة الملح إلى ذبائح العهد القديم يشير لأن المسيح هو بلا خطية وأنه حين يموت لن يطوله الفساد بل سيقوم ثانية (مز10:16) “لن تدع تقيك يرى فساداً” وكل مؤمن عليه أن يقدم جسده ذبيحة حية، كيف؟ بقطع يده ورجله وقلع عينه (بالمفهوم الروحى وليس الحرفى). ومن يعمل تحفظه النعمة = تملح بملح.
الملح جيد= سبق السيد وقال أنتم ملح الأرض (مت 13:5) ومن الذى يكون ملح الأرض إلاّ كل من إمتلأ نعمة. مثل هذا الملح يكون جيد.
ملح بلا ملوحة= أى ملح فاسد، أو هو لا يعُطى طعماً للطعام، فالمؤمنين المملوئين نعمة، بذوبانهم وسط العالم، يتقبل الله هذا العالم، قيل أن الله يفيض مياهاً فى نهر النيل بسبب وجود الأنبا بولا فى مصر. ليكن لكم فى أنفسكم ملح= أى لتمتلئوا نعمة لتكونوا ملحاً جيداً ويكون هذا بجهادكم وبأن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية. ولكن ما يبطل مفعول النعمة فينا، نزاعاتنا وصراعاتنا على الرئاسات والمجد الدنيوى، كما بدأ هذا الإصحاح بصراع التلاميذ عمن هو الأعظم. والسيد يعطى نصيحته بأن نحيا فى سلام، وطوبى لصانعى السلام ومن هذا نفهم أن
القانون الثامن:- النعمة تحفظ أولاد الملكوت من الفساد
وشرط بقاء النعمة 1) نكون ذبائح (نصلب شهواتنا) 2) نحيا فى سلام
(مت 15:18-20):-
وأن اخطا إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما أن سمع منك فقد ربحت أخاك. وأن لم يسمع فخذ معك أيضا واحدا أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة. وأن لم يسمع منهم فقل للكنيسة وأن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء. وأقول لكم أيضا أن اتفق اثنان منكم على الأرض في اي شيء يطلبانه فانه يكون لهما من قبل أبى الذي في السماوات. لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم.
سبق السيد وقال للمخطئ لا تقدم قربانك على المذبح قبل أن تصطلح مع أخيك (مت 23:5،24). وهذا الكلام موجه لمن لحقه الأذى، بأن يعاتب من أخطأ إليه، وهذا يخجل المخطئ، والسرية أدعى لعودة الصفاء، فالتشهير بمن أخطأ يزيده عناداً. هنا من لحقه الأذى بتصرفه هذا يربح نفساً للمسيح وهو فى هذا يمتثل بالمسيح، فنحن أخطأنا إليه لكن جاء وتجسد ليصالحنا. وإذا لم يسمع فلنذهب للكنيسة، وهنا السيد يعطى لكنيسته سلطان للحل والربط (آيه 18). وقبل الكنيسة فليأخذ معه شاهدين أو ثلاثة ربما يخجل هذا العنيد منهم، وهؤلاء الشهود سيكونون شهوداً عليه بعد ذلك. فإذا رفض تدخل الكنيسة تربطه الكنيسة أى تمنعه من شركتها ويمنع من الأسرار، فمن رفض أمومة الكنيسة فهو يرفض أبوة الله. أما سلطان الحل فهو قبول توبته وغفرانه لو رجع بالتوبة وهذا ما فعله بولس الرسول مع زانى كورنثوس
(1كو 4:5،5 ثم 2كو 6:2-8). وقطع هذا العنيد المصر على عناده يظهر فى قول المسيح= ليكن عندك كالوثنى والعشار طبعاً ليس العشار التائب ولكن العشار المعاند، والوثنى المصر على وثنيته إن إتفق إثنين.. يكون لهما= المسيح يفرح بروح المحبة التى تجمع بيننا فإذا كان هذا المعاند الذى يرفض الصلح مع أخيه الذى ذهب ليعاتبه يتعرض للقطع والحرمان من شركة الكنيسة، فإن المجتمعين فى محبة يصلون لأجل شئ معين، قطعاً سيستجيب الله لهم لو طلبوا أن يتغير قلب هذا المعاند. والروح القدس يملأهم كما ملأ من إجتمعوا للصلاة بنفس واحدة (أع 1:2،4 + أع 31:4،32) بل يأتى المسيح ويكون فى وسط هذه المجموعة التى تجتمع فى حب بإسمه = فهناك أكون فى وسطهم. وما أجمل هذه الآية فقداساتنا بوجود المسيح فى وسطنا تتحول إلى سماء وإجتماعاتنا تتحول إلى سماء، ففى أى قداس أو إجتماع يجتمع أكثر من إثنين أو ثلاثة بإسم المسيح. بل صلاتنا الشخصية فى مخادعنا إذ نصلى متشفعين بالقديسين والملائكة، حينئذ نجتمع أرضيين مع سمائيين، وبحسب وعد المسيح يكون فى وسطنا، فيتحول المخدع إلى سماء ومن هذا نفهم أن
القانون التاسع:- هو أن الكنيسة ملكوت السموات على الأرض هى إجتماع إخوة فى محبة والمسيح حاضر فى وسطها، بل أعطاها سلطاناً للحل والربط.
(مت 21:18-35):-
حينئذ تقدم إليه بطرس وقال يا رب كم مرة يخطئ إلى أخي وأنا اغفر له هل إلى سبع مرات. قال له يسوع لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات. لذلك يشبه ملكوت السماوات إنسانا ملكا أراد أن يحاسب عبيده. فلما أبتدأ في المحاسبة قدم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة. وإذ لم يكن له ما يوفي أمر سيده أن يباع هو
وامرأته وأولاده وكل ما له ويوفي الدين. فخر العبد وسجد له قائلا يا سيد تمهل علي فأوفيك الجميع. فتحنن سيد ذلك العبد وأطلقه وترك له الدين. ولما خرج ذلك العبد وجد واحدا من العبيد رفقائه كان مديونا له بمئة دينار فامسكه واخذ بعنقه قائلا اوفني ما لي عليك. فخر العبد رفيقه على قدميه وطلب إليه قائلا تمهل علي فاوفيك الجميع. فلم يرد بل مضى وألقاه في سجن حتى يوفي الدين.فلما رأى العبيد رفقاؤه ما كان حزنوا جدا
وأتوا وقصوا على سيدهم كل ما جرى. فدعاه حينئذ سيده وقال له أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إلى. إفما كان ينبغي انك أنت أيضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا. وغضب سيده وسلمه إلى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه. فهكذا أبى السماوي يفعل بكم أن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته.
يشبه ملكوت السموات= أى الكنيسة إنساناً ملكاً= هو المسيح الديان. يحاسب عبيده= ليس حساب يوم الدينونة، بل هو تعامل الله معنا الآن ونحن فى الجسد، فمن يغفر لأخيه هنا يغفر له المسيح يوم الدينونة ومن يغلق قلبه عن أخيه يغلق المسيح قلبه من ناحيته. أما يوم الدينونة فلا سماح فيه ولا مسامحة. فلننتهز الفرصة هنا ونغفر فيغفر لنا السيد خطايانا. ولاحظ أن هذا هو الشرط الذى وضعه السيد بعد أن علم تلاميذه الصلاة الربانية (مت 14:6،15). وكان هذا هو التعليق الوحيد على الصلاة الربانية. ولنلاحظ أن من يغفر لأخيه سيغفر له الله، وسيشعر بهذا الغفران فى محبة الآب الحانية فأبو الإبن الضال حين غفر لإبنه وسامحه وقَبِلَهُ، وقع على عنقه وَقَّبلَهُ. فمن يغفر سيشعر بهذه المحبة الأبوية.
عشرة ألاف وزنة= لو كانت وزنات ذهب تساوى أكثر من 60 مليون جنيه. ولاحظ أن خيمة الإجتماع إستخدم فيها 29 وزنة (خر24:38) والهيكل إستخدم فيه 3.000 وزنة ذهب فقط، 7000 وزنة فضة
(1أى 4:29-7). أماّ لو كانت العشرة ألاف وزنة من فضة فهى تساوى حوالى 2 مليون جنيه.أما المائة دينار فهى تساوى حوالى 3 جنيه وهذا يعنى أن خطايانا تجاه الله رهيبة وديوننا لله لا يمكن لنا أن نوفيها بل نعجز تماماً عن ذلك. لذلك جاء المسيح ليوفى وليغفر.
10.000 العشرة هى رمز للوصايا العشرة التى أخطأنا فيها، والألف هى رمز للسمائيات، فمن يلتزم بالوصايا يحيا فى السماويات. ويشير الرقم لمخالفة الوصايا العشر والعقوبة ضياع السماويات (1000)
أمر سيده أن يباع= وذلك حسب الشريعة (لا 39:25-43).
يا سيد تمهل علىّ فأوفيك= وكيف يوفى هذا العبد 60 مليون جنيه وهو مفلس، السيد يريد إظهار إستحالة أن نوفى، لذلك جاء هو ليوفى، ولكن لاحظ إستجابة السيد لصراخ وصلاة عبده، وأنه سامحه. والعبد كان يطلب أن يمهله سيده، لكن مهما أمهله كيف يمكن تدبير المبلغ ليسدد. ولكن إستجابة السيد كانت كريمة أكثر من التصور، فقد ترك له كل شئ. ولاحظ بعد ذلك أن إنغلاق قلب العبد من نحو العبد زميله أفقده غفران سيده. وماذا كان دين زميله 100 دينار (إشارة لقطيع الله) إن لم تتركوا من قلوبكم = فالغفران لا يكون بالفم فقط بل من القلب. 7 مرات=هو رقم الكمال 70 مرة سبع مرات= أى الغفران الكامل دائماً ومن هذا نعلم أن
القانون العاشر:- إستمرار المؤمن فى الملكوت وتمتعه به مربوط بغفرانه لإخوته من قلبه لكل أخطائهم.
إنجيل معلمنا متى : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 – 27 – 28
تفسير إنجيل معلمنا متى : مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 – 27 – 28