رو 5:5 …لأن محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا…
“وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.“(رو5:5)
+++
تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم
” لأن الضيق ينشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى” (رو5: 4-5).
فالضيقات إذا لا تستطيع أن تمحي هذا الرجاء بل على العكس فإنها تزيده. لأنه من المؤكد أن الضيق له ثمر عظيم، حتى قبل الحصول على خيرات الدهر الآتي، هذا الثمر هو الصبر الذي يجعل من يتذوقه إنسانا كاملاً، بل ويساهم أيضا في التطلع نحو خيرات الدهر الآتي، طالما أنه يجعل الرجاء يزدهر داخلنا. لأنه لا يوجد شيئا يجعلنا نترجى خيرات الدهر الآتي أكثر من الضمير الصالح.
3 . ولا يوجد أحد ممن عاشوا في حياة مستقيمة يمكن أن يشك في خيرات الدهر الآتي، تماما كما أن هؤلاء الذين أهملوا وتهاونوا كثيرا في حياتهم، إذ قد صاروا مأسورين من جهة ضميرهم الشرير، فإنهم لا يريدون أن تكون هناك دينونة ولا مجازاة . إذا ماذا يحدث؟ هل ما ننتظره من خيرات يتحقق بالرجاء؟ من المؤكد أنه يتحقق بالرجاء، لكن ليس في الرجاء الإنساني، لأنه رجاء كاذب، وكثيرا ما تخيب آمال من وضع رجائه ي إنسان، فقد يحدث أن يفارق الحياة ذاك الذي كان ينتظر منه تحقيق هذا الرجاء، أو قد يغير رأيه وهو لا يزال على قيد الحياة . إلا أن الخيرات التي تنتظرنا ليست هكذا، إذ الرجاء فيها مؤكد وثابت. لأن ذاك الذي وعد هو حي على الدوام، أما من جهتنا نحن الذين سنتمتع بهذه الخيرات، حتى وإن متنا، إلا أننا سنقوم مرة أخرى. وبشكل عام لا يوجد شيء يمكن أن يخزينا ، كما لو أننا قد تباهينا بلا داع في أمور لا طائل من ورائها. إذن بعدما أزال الرسول بولس كل شك فيما يتعلق بالخيرات الإلهية كما أوضح في كلامه السابق، فإنه لم يكتف بالحديث عن خيرات الحياة الحاضرة، بل أخذ يتكلم مرة أخرى عن خيرات الدهر الآتي، لأنه يعرف أن الضعفاء في الإيمان يطلبون أمور الحياة الحاضرة، لكنهم لا يكتفوا بها. ولذلك يؤكد على تحقيق خيرات الدهر الآتي من خلال الخيرات التي أعطيت ي هذه الحياة بالفعل . ولكي لا يقول أحد ، ماذا لو أن الله لم يرد أن يمنحنا هذه الخيرات؟ لأنه من حيث يستطيع وإنه باق، وأنه حي (إلى الأبد)، فهذا نعرفه جميعا، لكن ما الذي يجعلنا متيقنين من أنه يريد أن يهبنا هذه الخيرات؟ نستطيع أن نتيقن من هذا الأمر، من خلال الخيرات التي أستعلنت لنا بالفعل . وأين أستعلنت؟ أستعلنت في المحبة التي أظهرها لنا. وهل ما يقوله يفعله؟ بالطبع لأن هذا ظاهر من خلال وعده بعطية الروح القدس. ولهذا فبعدما قال: ” والرجاء لا يخزى” أضاف الدليل على ذلك بقوله: “لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا”. ولم يقل أعطيت، لكن ” انسكبت في قلوبنا “، لكي يظهر فيض هذه المحبة. لأن تلك العطية العظمى التي وهبها ليست هي السماء والأرض والبحر، بل هي أكثر غنى من كل هذه الأمور، إذ جعل من البشر ملائكة، وأولادا لله، وإخوة للمسيح. وما هي هذه العطية؟ هي عطية الروح القدس. لأنه إن كان لا يشاء أن يهبنا تيجانا منيرة بعد كل الأتعاب، لما كان قد أعطانا خيرات وفيرة قبل هذه الأتعاب. والآن هو يظهر دفء محبته في الحياة الحاضرة، لأنه لم يكرمنا رويدا رويدا ، وقليلاً قليلاً، لكنه سكب كل الخيرات التي صارت لنا قبل أن نجتاز الجهاد الروحي.
وبناء على ذلك حتى وإن كنت غير مستحق، لا تيأس، لأن لديك مدافعا عظيما، والذي هو محبة الديان. ولهذا بعدما قال: “الرجاء لا يخزى”، نسب كل شيء لمحبة الله، وليس لإمكانيات خاصة بنا.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
يقول الرسول: “والرجاء لا يخزى لأن محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” [5]. سرّ القوّة في الضيق، وانفتاح الرجاء في قلوبنا عطيّة الروح القدس الساكن فينا، إذ يهبنا محبّة الله غير المتغيّرة بفيض، قائلاً: “انسكبت” وكأنها تُعطى بلا حساب كمن تنسكب من السماء لتملأ القلب.
v لم يقل الرسول “قد أعطيت” بل قال: “انسكبت في قلوبنا” ليظهر فيضها.
هذه العطيّة هي العظمى، فإنه لم يهبنا السماء ولا الأرض ولا البحر، إنما ما هو أثمن من هذه كله، جعلنا نحن البشر ملائكة، نعم بل أبناء الله وإخوة المسيح. لكن ما هي هذه العطية؟ الروح القدس!
لو لم يكن يريد أن يقدّم لنا أكاليل عظيمة على جهادنا لما وهبنا مثل هذه العطايا القادرة أن تسندنا في جهادنا. هنا يُعلن دفء محبته التي يكرمنا بها لا تدريجيًا ولا شيئًا فشيئًا، وإنما يسكبها بفيض بكونها ينبوع بركاته، وذلك قبل صراعنا.
هكذا وإن كنت لست مستحقًا بالمرة، لكنه لم يزدرِ بكَ، بل وهبكَ حب ديّانك كمعين قدير يسندك، لهذا يقول الرسول: “والرجاء لا يخزي”، ناسبًا كل شيء لمحبّة الله وليس لأعمالنا الذاتية الصالحة.
بعدما أشار إلى عطيّة الروح القدس عاد ليتحدّث ثانية عن الصليب.
القدّيس يوحنا الذهبي الفم
v كأنه يقول أن محبّة الله قد انسكب في قلوبنا بالروح القدس الساكن فينا…
سامية هي فضيلة الحب المبجّلة، إذ يُعلن الرسول الطوباوي يوحنا أنها ليست فقط تُنسب لله بل هي الله: “الله محبّة، ومن يثبت في المحبّة يثبت في الله والله فيه“ (1يو 4: 16) .
الأب يوسف
v بهذا (القول الرسولي) نفهم أن الروح القدس ليس عملاً وإنما هو المدبر وينبوع الحب الإلهي الفائض.
القدّيس أمبروسيوس
v كما أن جسدك إن صار بلا روح، أي بدون نفسك يكون ميتًا، هكذا نفسك بدون الروح القدس، أي بدون المحبّة، تُحسب ميّتة.
v إن كان حب الله المنسكب في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا يجعل النفوس الكثيرة نفسًا واحدة، والقلوب الكثيرة قلبًا واحدًا، فكم بالأحرى يكون الآب والابن والروح القدس الله الواحد، النور الواحد، والبدء الواحد؟
v إذ نكون أعضاء تربطنا الوحدة معًا؛ ما الذي يقيم هذه الوحدة إلا الحب الذي يربطنا معا؟
v ليكن لك حب فيكون لك الكل؛ وبدونه كل ما يمكن أن يكون لك لا ينفعك شيئًا. إنما ما يجب أن تعرفه هو أن الحب الذي نتكلم عنه يُشير إلى الروح القدس. اسمع ما يقوله الرسول: “محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا“.
القدّيس أغسطينوس
v [عن عمل الروح القدس في قلوب الشهداء بسكب حب الله فيهم.]
لقد جعلهم شهداءه بالروح القدس الفعُال فيهم، إذ يجعلهم يحتملون أتعاب الاضطهادات من كل نوع، ويصيرون متلألئين بالنار الإلهية، فلا يفقدون دفء محبتهم للكرازة.
القدّيس أغسطينوس
v إنه يقول: “محبّة الله المنسكبة في قلوبكم”؛ ولكي لا يظن أحد أن محبّة الله هي من عندياته يضيف: “بالروح القدس المُعطى لنا”. لذلك لكي تحب الله دعْ الله يسكن فيك، فيكون “الحب” ذاته فيك، بمعنى أن محبته تحركك وتلهبك وتنيرك.
v لا تتقبل الملائكة ولا البشر الحكمة إلا بالشركة في هذه الحكمة التي نتّحد بها بالروح القدس الذي يسكب الحب في قلوبنا.
القدّيس أغسطينوس
v [الحب الإلهي المنسكب في قلوبنا بالروح القدس يهبنا لا قدرة على تحقيق الوصايا الناموسية فحسب وإنما لذّة في تحقيق الوصايا الإنجيليّة التي تبدو صعبة ومستحيلة:]
“لأن محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس” (رو 5: 5).
بهذا يُنزع عنّا كل اهتمام بأي أمر آخر، ولا يرغب (المؤمن) في صنع ما هو ممنوع منه، أو يهمل فيما قد أُمر به. لكن إذ يكمل كل هدفه وكل اشتياقه في الحب الإلهي على الدوام، لا يقع في التلذذ بالأمور التافهة، بل ولا يطلب حتى الأمور المسموح له بها.
فتحت الناموس يسمح بالزوجات الشرّعيات، وهذا فيه قمع للذّة والخلاعة مكتفيًا الإنسان بامرأة واحدة، لكنه لا يبطل بهذا وخزات الشهوة الجسدانيّة، ويصعب إطفاء النار المتقدة والتي تُمون بوقود دائم، حتى لا تخرج إلى الخارج… أمّا الذين تضرمهم نعمة المخلص بحب الطهارة المقدس، فإنهم يهلكون كل أشواك الشهوات الجسديّة بنار الحب الإلهي…
كذلك من يقنع عند حد دفع العشور والبكور… بالتأكيد يخطئ في طريقة التوزيع أو كميته… أمّا الذين لم يزدروا بنصيحة الرب بل تركوا كل ممتلكاتهم للفقراء، وحملوا صليبهم، وتبعوا مانح النعمة لا يكون للخطية سلطان عليهم، إذ لا يساورهم القلق من جهة طعامهم اليومي… فالشخص الذي يدفع العشور والبكور… يستحيل عليه أن يتخلص من سلطان الخطية، وأما الذي تبع نعمة المخلص، فإنه يتخلص من حب الامتلاك.
الأب ثيوناس
تفسير القمص أنطونيوس فكري
“وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضاً في الضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبراً. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا.”
بل نفتخر أيضاً في الضيقات= لاحظ أنه كان يتكلم علي المجد، لكن قبل أن نتصور أننا وصلنا المجد، نجده يذكرنا بأننا مازلنا علي أرض الشقاء (كانت خيمة الاجتماع وهي رمز للكنيسة علي الأرض، حوائطها وسقفها في منتهى الجمال، ولكن أرضيتها تراب. وهذا يعني أننا ونحن في الكنيسة الآن حينما نتأمل السماء نفرح بجمالها، ولكننا نعود نذكر أننا مازلنا علي الأرض بآلامها، ولكن التأمل في السماء يعطي فرحاً وتعزيات، أما السماء فيمثلها الهيكل وأرضياته من ذهب، فلا ألم في السماء). والمعني أنه لابد أن تكون هناك ألام ونحن علي الأرض. ولكن لماذا نفتخر في الآلام؟ هب أن الله أعطاني موهبة ما، وبها فرحت، فأنا لابد وسأشكر الله علي محبته. والضيقة والألم هما أيضاً علامات حب الله لي فمن يحبه الرب يؤدبه (عب6:12). وهذا التأديب هو لإعدادي للسماء، لذلك نفتخر بالضيقات فهي علامة حب ولنفهم أن الله صانع خيرات، لا يمكن أن يسمح إلا بما هو خير. إذاً فالضيق خير حتى لو لم نفهم الآن لكننا سنفهم فيما بعد (يو7:13) مثل إبن فاشل أتي له أبوه بعصا للتأديب ونجح وصار رجلاً لامعاً مثل هذا الرجل سيظل يفتخر بهذه العصا العمر كله، فهي السبب فيما هو فيه من مجد. وبنفس المفهوم فأيوب الآن في السماء يذكر آلامه بكل فخر، فهي السبب في دخوله للمجد. لذلك علينا بالإيمان الآن أن نفتخر ونشكر الله علي الضيقات فهي طريق المجد، هي تنشئ ثقل مجد أبدي (2كو17:4) عموماً:- الله لا يسمح بأي شئ في حياتي إلا لو كان لازماً لخلاص نفسي (1كو21:3،22). لذلك فنحن نشكره كصانع خيرات. والضيقات بهذا المفهوم هي خير نشكره عليه.
عالمين أن الضيق ينشئ صبراً= الصبر هنا ليس هو بالتمرين ولا شجاعة إنسانية ولا هو برود أعصاب أو إنتظار لعوض مادي. بل هو عطية إلهية. فالله لا ينزع الضيقات، بل يعطينا أن نرتفع فوقها، الله يُغيِّر الفكر والقلب فنتقبل الضيقات، إذ نراها لازمة للخلاص، بل هي طريق الشركة مع المسيح المتألم، أما أولاد العالم فكثرة الضيق تضيع صبرهم. ولكن متي تأتي عطية الصبر وسط الضيق؟
1. عليَّ أن أفكر هكذا: إذا كنت أنت يا رب قد إحتملت كل هذا لأجلي فلأحتمل معك يا رب لنكون شركاء ألم، وشركاء الألم هم شركاء مجد (رو17:8). فلنكن كأم يتألم إبنها وتقول “يا ليتني كنت أنا بدلك” لذلك علينا في ضيقاتنا أن نتأمل في ألام المسيح ونقول يا ليتني كنت أنا.. وبهذا نحتمل الألم. فكلما زاد الحب يزداد إشتهاء الألم مع المسيح. وهذا ما دفع الشهداء للألم، وبعد أن إنتهى عصر الإستشهاد بدأ عصر الرهبنة حباً في مشاركة المسيح الألم. ولاحظ أن الله مازال يتضايق ويتألم بسبب خطايا البشر.
2. إذا فهمنا أن الله يستخدم الألم كأداة تطهير وإعداد للسماء سنفهم أن الألم هبة من الله كما قال بولس الرسول (في29:1). فالألم هو أداة خير، ولخلاص النفس وشركة مع المسيح المتألم في الألم وفي المجد.
3. عليَّ ألاّ تخرج كلمة تذمر من فمي، بل شكر دائم، فالألم علامة محبة من الله (عب6:12). عليَّ أن أصمت وأحتمل الألم دون كلمة تذمر واحدة. ومن يفعل تنسكب العطية الإلهية وهي الصبر في داخله كنعمة إلهية بالإضافة لإصلاح الفساد الداخلي، الذي سمح الله بسببه بهذا الألم.
مثال:- مريض محتاج لعملية جراحية، يجب أولاً أن يخدروه حتى تنجح العملية، أمّا لو أجروا له العملية وهو مستيقظ فلسوف تفشل العملية. هذا المريض هو أنا، فالله يريد أن يشفيني من مرض روحي، وذلك يكون بالألم الذي يسمح به الله، فإن صمت بدون تذمر (يكون هذا مثل من خدروه) ينجح العلاج. والعكس. وليس فقط الإمتناع عن التذمر بل الشكر وسط الضيقة. وهذا هو الإيمان بأن الله لا يسمح إلاّ بالخير.
4. إذا فهمنا كل هذا فلُنسَلِّم حياتنا لله، أي لا نعترض علي ما يسمح به وهنا تأتي نعمة الصبر.
يوحنا شريككم في الضيقة وفي ملكوت المسيح وصبره (رؤ9:1 + 2كو3:1-8) وردت كلمة التعزية 10مرات، وكلمة الضيقة والألم 10مرات بمعني أن الله يعطي العزاء وسط الضيقة وبقدر الضيقة. وهذا معني الآية شماله تحت رأسي (الضيقة) ويمينه تعانقني (التعزيات) (نش6:2 + مثال الثلاث فتية في أتون النار (سفر دانيال) فالله طريقته هي أن لا يخرجني من الضيقة، بل يأتي ليحمل الصليب معي وتكون هذه هي التعزية. وبهذا يعني الصبر الثبات والإحتمال.
ومن يري أولاد الله في تعزياتهم وسط الضيقات قد يقول أنهم غير متألمين. هذا كمن يطلب من شخص أن يحمل شخصاً آخر في الماء حينئذ سيقول لا أستطيع لأنه لا يفهم قانون الطفو. أما لو حاول فسيحمله بسهولة لأن الماء يحمل معه. وهكذا فمن يري أولاد الله وسط ضيقاتهم لا يفهم كيف يحتملون الألم، من أين هذا الصبر؟
والإجابة أن المسيح يحمل معهم، أو بالأحرى هو يحملهم. إذاً هو قوة غير مرئية للآخرين لكن يشعر بها المؤمن الذي يتألم لكن بشكر. وإذا أتت التجربة قد يخاف الإنسان، أو قد نخاف الآن أن تأتي علينا تجربة. ولكن هذا الشعور طبيعي. كشعور العطش إذا نقص الماء في الجسم، ولكن شعور العطش يدفعني للبحث عن الماء، فأحيا. وشعور الخوف يدفعني للإلتجاء لله ليحميني فأجد التعزيات. ولكن بدون الإلتجاء لله لن تأتي التعزيات. راجع(2كو5:12-10). الله دائماً يخرج من الجافي (الألم) حلاوة (التعزيات والصبر)، بل وإصلاح طبيعتي كإعداد لي لدخولي السماء.
والصبر تزكية= التزكية هي نجاح المرء في امتحان وإجتيازه له بنجاح. وفي العالم من يجتاز إمتحاناً بنجاح يرتقي لدرجة أعلي، أي يزداد ويعلو في مستواه. وهكذا من يصبر علي الألم ينجح في إمتحانه، ويتخلص من شوائبه التي بسببها سمح الله بالتجربة، فالتزكية تعني التخلص من الشوائب، كتزكية الذهب بالنار. فمن يقابل الضيقات بثبات دون تذمر يعطيه الله الصبر والتعزيات، وإذا صبر علي آلامه يتزكي أي يتنقى ويرتفع بهذا مستواه الروحي. ويظل يرتفع بالضيقات حتى يشترك مع المسيح في مجده.
لذلك فأبناء الله يفهمون أن الخلاص من الضيقة ليس هو إنتهاء الضيقة بل إرتفاعهم فوقها، وبالتعزيات التي تملأهم يجتازون في الضيقة بكل ثقة أنها لخيرهم، ويرافقهم فيها تعزيات المسيح. بل أن من يتألمون بصبر ينالون أعظم الإختبارات هذه التي لا يختبرها الذين هم بلا تجربة. ولهذا دعيت الضيقات إمتحان، فهي كما يُمتَحن الذهب بالنار ليتنقي
والتزكية رجاء= مع الألم تزداد التعزيات ويزداد النقاء، ومن يتنقي يري الله (مت8:5) لذلك قال الأنبا بولا “من يهرب من الضيقة يهرب من الله“. وبزيادة التعزيات، ومع النقاوة نستطيع أن نري الله أي نشعر بمحبته وأبوته (وهذه لا يختبرها غير المتألم). وبهذا يزداد الرجاء. لذلك يطالبنا معلمنا يعقوب بالفرح في التجارب (يع2:1،12). والتزكية ليست أساس الرجاء، بل هي رفيق له. وكلما إزدادت التزكية، أي كلما تنقي الإنسان إنفتحت عيناه وإزداد رجاؤه. وكلما تنقي الإنسان تزداد عطايا الروح فالإيمان والمحبة والرجاء يزدادوا. وهذا الرجاء لا يخزي لأن محبة الله..= قد يسأل إنسان.. وكيف لنا أن نعرف أن الله مازال سخياً في عطاياه، أو ما الدليل أن الله سيدخلني السماء؟ نحن في داخلنا رجاء، فما الذي يؤكده؟ الإجابة هنا واضحة أن الرجاء لن يخزي إذا إمتلأ القلب محبة لله، بل أن الإنسان قد إكتشف محبة الله، “فنحن نحبه لأنه أحبنا أولاً” (1يو19:4). وهذا عمل الروح القدس، الذي يشهد للمسيح (يو14:16). ويعطيني أن أفهم مقدار حبه لي، ويعطيني أن امتلئ من حبه، فهو يسكب حبه سكيباً داخل القلب. فإذا وجدنا هذا الحب يملأ القلب فرجاؤنا لن يخزينا، لأنه من المؤكد أن لنا نصيب في السماء، فالمحبة لا تسقط أبداً (1كو8:13) وهذه المحبة تتحول إلي فرح يملأ القلب يطغي علي أي ألم، ويتحول الحب ليس فقط لله، بل لكل إنسان حتى أعداءنا، ويتحول لشهوة أن نقضي كل أيامنا وأوقاتنا مع الله، وفي طاعة وصاياه. والله يعطي هذه المحبة بفيض= إنسكبت= فهي محبة تلهب قلوبنا، محبة نارية لله. وهذه المحبة تعطي ثقة في وعوده، وهذا يزيد الرجاء. هذه المحبة هي التي دفعت الشهداء للإستشهاد حباً في المسيح. هذا الحب يعطينا لذة في تنفيذ الوصايا الصعبة وإحتمال الآلام، ولكن هذا هو معني قول السيد إحملوا نيري فهو خفيف، فالمسيح الذي نحبه يحمل كل الحمل عنا. هذه المحبة وهذا الرجاء عكس الإطمئنان الزائف الذي عند بعض الناس، الذين يقولون أننا سنخلص لأننا مسيحيين. فإنتمائي بالإسم للمسيح لا يكفي. والمحك…هل نحتمل الضيقة بصبر، هل القلب يستمر في محبته مع فقدان الخيرات المادية، هل نطيع الوصايا، هل لمحبتنا في المسيح نحن علي إستعداد لترك شرور وملذات العالم؟ مثل هؤلاء لا يتذوقون الحب الناري، بل هم من قال عنهم الكتاب أنهم مطمئنين علي غير سبب للاطمئنان (أش10:47،8 + دا 25:8). إذاً من لا يزال متمسكاً بشره، ليس له الحق في الإطمئنان.
لأن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا
1. الله محبة (1يو8:4) وهذه تعني أن المحبة هي جوهر الله وهو يشعها في كل مكان وفي كل إتجاه. ولكل الخليقة.
2. وقبل أن تكون هناك خليقة كان الآب يفيض هذا الحب للإبن لذلك نسمع في (أف6:1) أن الإبن هو “المحبوب“.
3. والروح القدس هو روح المحبة، يحمل الحب من الآب للإبن.
4. بالتجسد والفداء، إتحد المسيح بنا وصار الروح القدس الذي يحمل المحبة من الآب للإبن، يحمل هذه المحبة لمن إتحدوا بالإبن وصاروا أبناء.
5. حين إنسكبت محبة الله في قلوبنا بالروح القدس. صرنا نحب الله كما عبَّر بولس الرسول عن ذلك في (رو35:8-39).
6. وعلامة هذا الحب حفظ الوصية (يو15:14-21).
7. المحبة في القلب تحوله من قلب حجري إلي قلب لحمي (حز19:11).
8. وبذلك فبدلاً من أن تكتب الوصايا علي ألواح حجرية كما في العهد القديم صارت تكتب علي القلوب بالحب (أر31:31-33). لذلك فمن يحب الله يحفظ وصاياه. وهذه تشبه زوجة تحب زوجها، هذه لا تحتاج لمن يقول لها وصية لا تزني (غل23:5) فهي لمحبتها لزوجها، لا يمكن أن تفكر في خيانة زوجها.
ونلاحظ عمل الثالوث معنا فالآب يعطينا الحب الأبوي “أبانا الذي في السموات” والإبن هو عريس نفوسنا وهو كأخ بكر وسط إخوته. إذاً الآب والإبن يعطياننا كل أنواع الحب التي تحتاجها النفس. أما الروح القدس فيعطينا أن نحب الله بشدة. وبهذا تكون أسوياء. فعلم النفس يقول أن الشخص لا يكون سوياً إلاّ بأن يُحِّب ويُحَّب. وهكذا نفهم كيف يحيا الراهب في وحدته.
- تفسير رسالة رومية 5 – القديس يوحنا ذهبي الفم
- تفسير رسالة رومية 5 – القمص تادرس يعقوب ملطي
- تفسير رسالة رومية 5 – القمص متى المسكين
- تفسير رسالة رومية 5 – القمص أنطونيوس فكري
- تفسير رسالة رومية 5 – الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف
- تفسير رسالة رومية 5 – د/ موريس تاوضروس
- تفسير رسالة رومية 5 – كنيسة مارمرقس مصر الجديدة