فرح القيامة

 المسيح قام / حقاً قام .

هذه هي التحية التقليدية في الكنيسة التي تعبر عن القيامة.

وللأسف لا تأخذ هذه التحية مكانها الواجب ، سواء في الإيمان، أو في الإحساس والشعور، ولا في الاستجابة. أصبحت تحية تكاد تكون باردة : خريستوس آنستي ، أليثوس آنستي ، تقال ببساطة . ولكن لا ، لم تكن هذه التحية يوم أن قيلت كخبر بمثل هذا الفتور أو هذه البرودة ، فيوم أن سمع التلاميذ أن المسيح قام ؛ كان هذا الخبر حدثاً لا يمكن أن نصل الآن إلى عمقه.

تصور معي ، التلاميذ ، وقد استودعوا معلمهم القبر بعد الصليب والموت، بحزن ، مُنتهى الحزن . يأس ، مُنتهى اليأس . خوف، منتهی الخوف. حزن على آمال ضاعت ، ويكفي أن تقرءوا خبر القيامة في إنجيل لوقا ، فيما يختص بتلميذي عمواس. حتى أن السيد نفسه عندما قابلهما في الطريق قال لهما : « ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين ». لقد ملأت العبوسة قلب التلاميذ، وذهب كل واحد منهما إلى قريته. الحزن واليأس على آمال ضاعت ، والحسرة على الأشياء التي سبق وأن تركوها، كما قال القديس بطرس. أصبح المستقبل مظلم مخيف ، لأنه : « إن كانوا قد فعلوا هذا بالعود الرطب ؛ فكم يكون بالتلاميذ!»

كيف تقبل التلاميذ والأتباع. المسيح قام؟

لقد اهتزت قلوبهم اهتزازاً لا يمكن وصفه. فمهما حاولنا أن نضع أنفسنا مع التلاميذ أثناء تلقيهم خبر القيامة ، فلن نستطيع أن ندرك فرحة قلوبهم، شيء يفوق العقل، يفوق الشعور. فنحن نعلم الآن ، كحقيقة واقعة أن المسيح قام؛ ولكن الأمر لم يكن هكذا أمام التلاميذ وقتها.

يا للفرح الذي لا يمكن أن يتصوره عقل عندما يصلهم فجأة الخبر : المسيح قام : « ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب». يا للفرحة المكبوتة التي عبَّر عنها يوحنا الرزين في مسابقة جري مع بطرس ، لم يعمل حساباً للأصول أنه المتقدم في التلاميذ. عندما سمع الخبر نسي كل الأصول. الفرحة تُرجمت إلى سباق عدو بين التلاميذ؟

ولكن ، أنا أريد أن أنقل الإحساس بالفرح هنا لكم ، فرح تجاوز کل حدود العقل والتعقل، فرح مفرط ، والفرح المفرط هو الذي يوصف بالدهش ، والذي يُخرج العقل عن حدود رزانته.

فإذا قلنا لبعضنا البعض تحية القيامة : ” إخريستوس آنستي ، آليثوس آنستي ” ؛ فهل نشعر ولو بقليل من هذا الفرح؟

والآن كيف انتهى بنا خير : المسيح قام ، إلى تحية تخلو من كل فرحة؟! يا ليتنا نعود نأخذ القيامة من جديد كخبر ، والخبر واسطة إيمان . يا ليتنا عندما نسمع إخريستوس آنستي ولو ۱۰۰ مرة في النهار أن تهتز قلوبنا ولو إلى لحظة لتشعر بهذا الدهش ، وبها الفرح المفرط . لماذا؟ لأن الحزن قد تبدد نهائياً، لا من قلب التلاميذ فقط ، ولكن من على وجه الأرض.

أتمنى وأتوسل إلى الروح القدس أنه حينما نسمع خبر القيامة مقروءاً، أو مسموعاً أن تهتز قلوبكم مثل فرحة التلاميذ . يجب أن تفرحوا ، بل يتحتم أن تفرحوا ، ومن المستحيل ألا تفرحوا . الحزن مضى . في تسبحة القيامة ، في لحن تین ناف ، يقول الملاك للنسوة : لماذا تبكين ؟ قد انقضى زمان النوح . اخريستوس آنستي ، ترجمتها الأولى الفورية : لا حزن بعد اليوم . فإن رأيت نفسك حزينة ؛ فاعلم أنك أنت لست في القيامة.

 أنا أطالب بالفرح ، وفرح حقیقي على مثال فرح التلاميذ الذي أوصلهم إلى الدهش أي الفرح المفرط. كان التلاميذ يلفهم الحزن ، كان حزنهم يكسر القلب ، لا أمل ولا رجاء ، يأس من كل جانب : ماذا يقولون لأهلهم عن المعلم الذي تبعوه وأخيراً يُصلب ويموت ويُدفن ؟ ولكن ، فجأة إذ بالخبر يسري من تلميذ لآخر : اخريستوس آنستي ، المسيح قام . أحقا قام الذي مات ودُفن ؟! یا للمجد ، يا للرجاء ، يا للفرح . إذن قد تبدد اليأس وانتهى الحزن. إذن المسيح حي بعد ، یا لفرحتنا ويا لرجائنا الذي لا ينتهي، إذن لنا الملكوت،. إذن نحن تلاميذ مرة أخرى . لقد انقلب اليأس الذي لا يُطاق إلى رجاء لا يُحد لأن خبر القيامة صار يقيناً.

يا أحبائي ، أيمكن أن نستقبل خبر القيامة كما استقبله التلاميذ ، وليس كتحية باردة جافة ، وكأنه لا يوجد بها أي خبر؟ أتوسل إلى الله ، وأتوسل إليكم أنه حينما ترن كلمة : إخريستوس آنستي ، في آذانكم أن تذكروا فرحة التلاميذ الذين تحول يأسهم المطلق إلى رجاء لا ينتهي ، ثم أن ينتهي إليكم نفس هذا الفرح حياً فعالاً في قرنكم ال ۲۱.

السماء والأرض تزولان ؛ ولكن الرجاء في قيامة المسيح لا يزول . أتوسل إلى الله أن تمتلئ قلوبكم بشجاعة القيامة التي لا يطأها الخوف قط ، بل هي التي تطأ كل ضعف وخوف وموت. شجاعة بالإيمان تنفتح لها القبور كما سبق وانفتحت وقام منها موتاها.

يوحنا الحبيب عندما سمع خبر القيامة عرف أن الحب لا يموت ، لأن المعلم كان يتكلم عن الحب الذي فيه.

خبر القيامة يؤمَّن المحبة. المحبة إن دُفنت في القبر ؛ تقوم في اليوم الثالث. حينما قام الرب أمَّن كل فعل محبة. لذلك حب ولا تخف ، وأعط قلبك مع حبك ولا تخف، حتى ولو وُجد حُبك في وسط من لا يُقيَّم الحب، ومع أناس لا يدركون قيمة المحبة . لا تخف ؛ سيرتد الحب إليك مضاعفاً؛ لأن معلم الحب ومصدره الذي منه نستقي ونسقي كل محبة قام من القبر في اليوم الثالث، فأمَّن المحبة ضد الفساد وضد أي خسارة ، مهما كانت.

صلاة

یا ربنا يسوع المسيح، يا من فرحت البشرية كلها في تلاميذك،
یا من رفعت الغطاء عن القلب الحزين الباكي ؛ وأعطيتنا فرحاً لا يُنزع منا بقيامتك ؛
ها أنت ، یا ربي ، قد وطئت الموت بموتك وقيامتك ، وأعطيتنا حياة أبدية من بعد موتنا.

نشكرك، يا إلهنا ، لأنه من الآن لا يوجد يأس ، لأنك رفعت كل يأس ، وبددت كل خوف ، خوف من موت ومن كل ما يؤول إلى الموت.
کم نشكرك يا حبيبنا يسوع ، من أجل قیامتك التي بها أثبت أن المحبة لا تسقط أبداً.
أعطنا الشجاعة ، كل الشجاعة أن نحب ولا يكون لمحبتنا أبداً حدود أو تحفظ.
لتدُم يا رب ، قیامتك وفعل قيامتك في كنيستك وقلوب عبيدك من الآن وإلى الأبد . آمین .


عظة القيامة سنة 1974 للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى