رو 1:12 …أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية

 

فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. (رو 1:12)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

فأطلب إليكم أيها الاخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ” (رو1:12)

1. بعدما تكلم كثيرا عن محبة الله نحـو البشر، وأظهـر عنايته التي لا يعبر عنها ، وصلاحه غير الموصوف الذي لا يمكن فحصه، أخذ يستفيض في عـرض ذلـك الصـلاح، لكي يقنـع أولئـك الـذيـن نـالوا إحسـانات الله، بأن يظهروا سلوكا يليـق بهـذه العطيـة. وبـرغم أنـه رسـول عـظـيـم ولـه مكـانـة كبيرة، إلا أنه لا يتوانى عن أن يترجاهم. مع أن كل ما كان يرجوه منهم ، لا يتعلق بشيء سيحظى به هو شخصيا ، بل يرتبط بما يمكن أن يحصل عليه هؤلاء الأخوة. وما الذي يدهشك ويجعلك تتعجـب أنه لا يتوقف عن التوسل عندما يتحدث عن رأفات الله؟ حسنا لأنـه يقـول مـن هـنـا تـأتي الخيرات غير المحدودة لكـم، أي مـن رأفـات الله، فلتقـدروا هـذه الرأفات، ولتشعروا بالخجل كذلك، فإن هذه الرأفات تحمل معنى التضـرع الـذي يمنعكم عن إظهار أي شيء لا يليق بها.

هكذا يقول لهم أطلب إليكم برأفة الله التي بها خلصتم، لأنه أراد أن يؤنب الذين نالوا إحسانات كثيرة . فهو يقول لهم إني أطلب برأفة الله، رغبة منه أن يقدم لهم الله الرؤوف ذاته، أخبرنـي يـا بولس ماذا تطلب؟ يطلب ” أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ” ولأنه تكلم عن “ذبيحة”، ولكي لا يعتقد أحد أنه يأمر أن يقدموا أجسادهم ذبائح، أضـاف كلمـة “حيـة”. بعـد ذلـك يميـز هـذه الذبيحـة عـن الذبيحـة اليهودية، بقوله: “مقدسـة مرضية عند الله عبـادتكم العقلية “. خاصة وأن الذبيحة اليهودية جسدية وليست مرضية تماما. لأن النبي يقـول: ” مـن طـلـب هـذا مـن أيـديكم”. وفي مواضع أخـرى كثيرة جدا يتضح أن الله كـان يرفض هذه الذبائح، لكنه لم يرفض هذه الذبيحة العقلية، وحتى إن كانت الذبيحة اليهودية ما زالت تقدم، فإنه طلب هذه الذبيحة العقلية. ولهذا قال: “ذابح الحمـد يمـجـدنـي”. وأيضا “أسبح اسم الله بتسبيح وأعظمه بحمد. فيستطاب عنـد الـرب أكثـر مـن ثـور بـقـر ذي قـرون وأظـلاف “. وفي موضع آخر من الكتاب نراه يرفض هذه الذبيحة الحيوانية، قائلا: “هل أكل لحم الثيران وأشرب دم التيوس. إذبح لله حمدا وأوف العلى نذورك “. هكذا فإن الرسول بولس هنا يأمر أن يقدموا أجسادهم ذبيحة حية. وكيف يمكن أن يصير الجسد ذبيحة؟

يحدث ذلـك عنـدمـا لا تـرى العين أي شيء خبيـث ، فتكـون قـد صـارت ذبيحة، وألا يتفوه اللسان بأي شيء مقزز، فيكون قد صار تقدمه، وألا تمتد الأيدي إلى أي شيء مخالف، فتكون قد صارت ذبيحة مكتملة.

أو من الأفضل أن نقول إن هذا لا يكفي، بل من الضروري بالنسبة لنا فعل الخير أيضا، حتى أن اليد تقدم عمل الرحمة، والفـم يبـارك مـن يسيئون إلينا، والأذن تنشغل دوما بسماع كلام الله. لأن الذبيحة لا يكون فيها شيئا دنسا، الذبيحة هي باكورة للأعمال الأخرى الصالحة. إذا فلتقدم نحن أيضا لله، باكورات الأيدي والأرجل والفم، وكل أعضاء جسدنا الأخرى. هـذه الذبيحة هي ذبيحة مرضية، بينما ذبيحة اليهود كانت دنسة. لأن ذبائحهم ” كخبـز الحـزن كـل مـن أكـل يتنجس”””. لكـن ذبيحتنـا ليسـت هـكـذا. فالذبيحة الحيوانية المقدمة تُعرض ميتة، بينمـا هـذه الذبيحة (التي يتحدث عنها ق. بولس) تُقدم حية. إذا حين لميت أعضاءنا ، سنستطيع عندئذ أن نحيا. لأن ناموس هذه الذبيحة هو ناموس جديد ، ولهذا فإن طريقة النار هي عجيبة. لأنه لا تحتاج إلى خشـب ومـواد أخرى لإشعالها ، بل أن نارنـا هـذه تشتعل مـن ذاتها، ولا تحرق الذبيحة، بل تحييها بالأكثر. هذه الذبيحة هي التي طلبها الرب منذ البداية. ولهذا قال النبي : “ذبائح الله هـي روح منكسرة “. وهـذه الذبيحة قد قدمها الثلاثة فتية، قائلين: “ليس لنا في هذا الزمان رئيس ولا نبي ولا قائد ولا محرقة ولا ذبيحـة ولا تقدمـة ولا بخـور ولا موضـع لتقريـب البواكير أمامك .. ولكن لانسحاق نفوسنا وتواضع أرواحنا اقبلنا”

۲ ـ لكن، لاحظ كيـف أن القديس بولس يستخدم كل كلمـة بدقة شديدة. لأنه لم يقل اجعلوا أجسادكم ذبيحة، بل قال “قدموا”، كأنه يقول، ينبغي ألا يكون لكـم بعـد شيئا مشتركا مـع هـذه الأجساد ، بـل قـدموها لآخر. كذلك أيضا الذين يقدمون خيول الحرب، لا يكون لهم فيما بعد أي علاقة معها. وأنت أيضا قد قدمت أعضاءك في الحرب ضد الشيطان، وفي هذه المعركة المخيفة لا تستدعي هذه الأعضاء لخدمتك الذاتية. وهـو يظهر، بالإضافة إلى ذلك، إنه يجب أن نجعلها (أي أعضاؤنا) مدربة أو مجربة، طالما أننا ننوي تقديمها. لأننا لا تقدمها إلى واحد من البشر الأرضيين، بل لله ذاته ، ملك الجميع، لا لكي تحارب فقط، بل لكي يجعلها الملك ذاته عرشا يجلس عليـه، لأنه لا يرفض أن يجلس أو يحـل في أعضائنا ، بل بالحري يريد ذلك بشدة، فالذي لا يفضله الملك الأرضـي الـذي هـو إنسان مثلنا ، يفضله ملك الملائكة.

وعندما يكونوا مستعدين أن يقدموا أنفسهم ذبيحة، فيجب أن يتحرروا مـن كـل ضعف، فـإن كـان لـديهم أي ضعف ، فلن يستطيعوا أن يقدموا أنفسهم ذبيحـة. فـلا العين يمكن أن تقـدم نفسها ذبيحة، عندما تنظر إلى أشياء خبيثة، ولا اليد حين تسرق وتكون جشعة، ولا الأرجل عندما تسير بإعوجاج وتتجه نحو اللهو، ولا البطن عندما تصير عبدة للمتعة وتشعل شهوات اللذات، ولا القلب عندما يكون فيه غضبا وعشقا للزنا، ولا اللسان عندما يتكلم بكلام بذئ. ولهذا ينبغي أن نفحص جسدنا من كل جوانبه، حتى لا تكون به عيوبا.

إذن طالمـا أن أولئـك الـذين قدموا الذبائح القديمـة، كانوا يلتزمـون بالناموس ويفحصـون كـل شـيء، ولم يكـن يسمح لهـم بـأن يقدموا ذبيحـة مقطوعـة الأذن، أو مقطوعـة الـذيل، ولا حيوانـات مريضـة بـالجرب، ولا حيوانات بها جروح‘‘، فبالأولى جدا نحن الذين لم تقدم خرافا غير عاقلة ، بل قدمنا أنفسنا، أن تظهر حرصا أكبر على أن نكون أنقياء من كل جهة ، لكي نستطيع بحسـب الـرسـول بـولس أن نقـول “أنا الآن أسكب سكيبا ووقـت إنحلالـي قـد حـضـر ” 4. بالحقيقة لقـد كـان أكثـر نقـاء مـن كـل ذبيحة، ولهذا دعى نفسه سكيبا أو مسكوبا، هذا سيحدث لنـا حين ثميـت إنساننا العتيق، وأعضاءنا التي على الأرض، وحين يصلب العالم لنا.

هكذا لن نحتاج بعد إلى سكين، ومذبح، ونار. أو من الأفضل أن نقـول إننا سنحتاج لكل هذه، لكن ليست المصنوعة باليد، بل إن كل هذه ستأتي إلينا من السماء، النار والسكين ستُعطى لنا من السماء، والمذبح بالنسبة لنا هو السماء الواسعة. وإن كان إيليا قدم ذبيحة مادية، ونزلـت نـار مـن السماء وأكلت كل شيء، الماء والخشب والحجارة، فبالأكثر جدا سيحدث هذا معك . وإن كنت تشعر بشيء من التراخي، ومنشغل بهموم الحياة، ومع ذلك تقدم ذبيحة بإرادة مستقيمة، فبعدما تنزل نـار الـروح، ستأكل هذا الشيء ، وكـل التقدمـة سـوف تقـدم في النهاية. لكـن مـا هـي العبادة العقلية؟ هـي الخدمة الروحية، هي الحياة التي تتفق مع تعاليم المسيح، تماما مثل الخادم والكاهن في بيت الرب، أيا كان هو، حين يكون في وقت تقديم الذبيحة ، يصير أكثـر وقـارا وورعا، هكـذا نحـن أيضـا ينبغي أن نسـلك كـل أيـام حياتنا، كما لو كنا تقدم عبادة، وأن نكون كهنة. وهـذا سيحدث، إن كنت تقدم لـه كـل يـوم ذبائح، وتصير كاهنًا لجسدك، ونفسك. أي حين تقدم تعقلا، ورحمة، ورأفة، وتسامحاً.

إذن عندما تفعل كل هذا ، فأنت تقدم العبادة العقلية، أي العبادة التي ليس فيها شيئا جسديا، أو شيئا دهنيا ، أو شيئا ماديا.

3 ـ إذن بعدما رفع المستمع عاليا بهذه الأوصاف، برهن على أن كل واحد يعتبر كاهنًا لنفسه، من خلال سلوكه في الحياة، والطريقة التي يمكن بها تحقيق كل هذا. فما هي هذه الطريقة؟ 

فاصل

تفسير القمص متى المسكين

1:12 «فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله (بمراحم الله) أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية».

هذه الآية تجمع كل العناصر التي تخص العبادة المسيحية ، في مقابل العبادة اليهودية التي استلمها الشعب من فم موسى بعد أن نزل من على الجبل في سيناء .

أول كل شيء لينتبه القارىء إلى معنى العبادة هنا. فتقديم أجسادنا ذبائح حية مقدسة مرضية، هي العبادة الناطقة : حيث المعنى الكلي للآية : أطلب إليكم بمقتضى قوة مراحم الله التي أكملت لكم بالفداء والخلاص، ونعمة الله التي تلتموها كشعب جديد الله قد اختاركم وقدسكم وفـداكـم و بـرركم، أن تقدموا الله عبادة روحية ليس من حيوانات ميتة خرساء، ولكن بأجسادكم الحية بالله التي تقدست بروحه القدوس، فصارت ، وهي بلا لوم قدامه في المحبة، بمثابة عبادة ناطقة .

فالآن إن كان يتحتم أن تكون الذبائح التي تقدم في القديم بحسب الناموس طاهرة و بلا لوم ، فهذا مطلب لا يخص الله لا في القليل ولا في الكثير بأي حال من الأحوال وإلا لكانت قد دامت ، هذه الذبائح، ولكن هذا كان مطلباً أساسياً بالنسبة لنفس الإنسان لكي يختبىء وراءها بسبب عدم طهارته وعدم خلوه من اللوم ، سواء كان يقدمها ذبيحة عن خطاياه أو استرضاء لوجه الله لكي يقف أمامه. أما الآن وبعد أن سقط كل لوم عن الإنسان واستعاد قداسته بالمسيح، فقد انتهى عصر ذبائح الحـيـوانات بالضرورة، وصار الإنسان نفسه هو الذبيحة المقدمة إلى الله، وقداسة سيرته وطهارة حياته هما اللتان تقدمانه إلى الله ليقف أمامه بلا لوم في المحبة ليعبده بشجاعة .

وهكذا يلزم أن أن العبادة بمقتضى الناموس القديم وبتقديم ذبائح حيوانية ، كانت عبادة تليق بإنسان واقع تحت عبودية الخطية، وهو نفسه خالي من أي الأسباب التي تقدمه إلى الله. لذلك تحتّمت الذبائح لتحمل عنه خطيته، وتحتم عليه أن لا يتراءى أمام الله فارغاً فلابد أن يقدم شيئاً يغطي به فراغه: «… ولا يظهروا أمامي فارغين » ( خر23: 15). أما الآن : «فإن به لنا كلينا قـدومـاً في روح واحـد إلى الآب» (أف2: 18)، «لأنـكـم قـد اشـتـريـتـم بـثمن ، فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله . » ( 1کو6: 20)

«فأطلب إليكم أيها الإخوة بمراحم الله»:

هنا ق. بولس لا يـأمـر ولا يـتـوسّل ، كذلك لا يوجه كلامه للفرد، بل التوجيه هنا للجماعة المسيحية ككل ـ ومن داخلها كل فرد ـ كشعب الله الجديد الذي نال كل المواهب العالية من يسبق الاخـتـيـار والتعيين للحياة الأبدية ورفع الدينونة بالفداء والخلاص والنعمة التي ختمها بقوله: « فإن الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة» (رو6: 14). إذاً فحق للقديس بولس أن «يطلب » باسم الله ، لا كأنه يتوسّل، لأن طلبه مؤسّس على إمكانيات حاضرة عندهم، فهم قد غلبوا العالم والخطية وقبلوا من الله نعمة، فهو على حق كل الحق والشجاعة والجرأة أن يطلب منهم وهو واثق أن طلبه هو بعينه طلب الله، وأن المسيح نفسه پسند طلبه . فطلبه أصبح ضرورة، وضرورة حتمية، لأنه يطلب الثمر لما زرعه المسيح فيهم ، لأن طاعة الإنسان وعـبـادتـه ما هي إلا رد فعل بالشكر والتسبيح للخلاص الذي أكمله الله بالمسيح . فإن كان ق . بولس يطلب هذا من الجماعة المسيحية فهو يعبر عن رجاء الله فينا .

وليت ذهن القارىء ينتبه هنا، «فالعمل» الذي سيطلبه منهم ق. بولس هو ثمرة لعمل المسبح وليس جهداً للإنسان يستند على الإرادة أو العزيمة أو البر الذاتي، وهذا قد انتهى منه ق . بولس في شرحه اللاهوتي .

« بمراحم الله » : 

وتأتي بالعبرية rahamim وباللاتينية misericordiam ، فهي ليست «رأفة الله» كما سبق وشرحنا . والـقـديـس بـولـس يستخدمها كأساس كامل شامل للمنهج الأخلاقي والعبادي الذي سيضع خـطـوطه للمجتمع المسيحي. والقديس بولس يقصد بها أن المجتمع المسيحي لن يقدم على عبادة الله بقلب صادق ويخضع لوصاياه ويسلك باللياقة وبالخوف اللائق والغيرة المخلصة، إلا إذا علموا أنهم مديونون لمراحم الله . وفي نفس الوقت يقنعنا أن أعمال الله معنا تكشف عن محبة عظيمة كافية لتقنعنا أن تكون عبادتنا بمنتهى مسرتنا وإرادتنا .

«أن تقدموا أجسادكم » :

هنا «التقديم» ينحصر في معنى تقديم الذبيحة، ولكن ليس على المستوى المادي بل تقديم معنوي روحي كتقديم التسبيح أو تقديم الصلوات . أما تقديم « الأجساد » فهنا البديل الأساسي والخطير في الفرق بين العبادة اليهودية والعبادة المسيحية من جهة تقديم الذبائح كعبادة. وأول من أشار إلى هذا الفارق الهـائـل بـل وأسسه بنفسه، هو الرب في قوله بالنبوة : « لذلك عند دخوله إلى الـعـالـم يقول ذبيحة وقرباناً لم تُرد ولكن هيأت لي جسداً » (عب10: 5). بمعنى أن أول جسد (إنساني) صار ذبيحة لدى الله عوض كل ذبائح العهد القديم هو جسد المسيح .

وقد سبق وأن «قدم المسيح » في الهيكل أمام الله ـ كونه بكراً وقدوسا ـ كذبيحة حية : «صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب » ( لو2: 22). والقديس بولس استخدم هذه الكلمة «يقدم الله» في وضع آخر هام حينما قالها عن الكنيسة أن المسيح هو الذي يقدمها . ولكن الترجمة العربية غيرت المعنى الصحيح بقولها : «يخضرها » والصحيح « يقدمها » : « … لكي يقدسها، مطهراً إياها بغسل الماء ( المعمودية ) بالكلمة لكي ” يحضرها ” يقدمها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن (علامات الهرم) أو شيء من مثل ذلك ، بل تكون مقدسة وبلا عيب» (أف5: 26 و27). هنا ” التقديم ” يأخذ معناه اللاهوتي العالي، فالرب «يقدم» الكنيسة لنفسه، ونحن نعلم تماماً أن الكنيسة بمثابة عروس للمسيح ، فالتقديم هنا يشمل معنی الرفع والتقريب والتكريم معاً حيث يصبح «الجسد » كذبيحة تحت أمر الله !! فالكنيسة مقدمة في ذبيحة المسيح أي جسده ، أمام الله .

ق. بولس هنا يستعير هذا المعنى تماماً حينما يضع أساس الذبيحة في العبادة المسيحية أنها تقوم بتقديم «جسد» الإنسان الله ذبيحة عوض جسد حيوان أخرس ميت مذبوح . كيف يكون ذلك ؟

لقد شرحها ق. بولس سابقاً في معرض شرحه اللاهوتي عندما قال : « ولا تقدموا أعضاء كم آلات إثم للخطية بل قدموا  ذواتكم الله كأحياء من الأموات . » (رو6 : 13)

هنا وضح كيف نقدم أجسادنا ذبيحة الله : فأولا القديس بولس يركز على الأعضاء كالات وثانياً تقديم الذات أي الأنا ، التي يتعالى بها الإنسان ويتعظم ، وهكذا يسهل علينا أن نفهم كيف نقدم أجسادنا لله .

فأولا : بحفظ كل أعضاء الجسد في حدود العفة ضد كل شهوات العالم ، ثم تدريب هذه الأعضاء كيف تخدم القداسة والبر والطهارة بخدمة الله وكلمة الإنجيل و بذل المحبة .

وثانياً: حفظ الذات ، وهي أخطر من يمثل « الجسد» بالظهور والتعالي والكبرياء والتحدي والاعـتـداد بالذات والعناد والمقاومة والتشبث بالرأي والخصام والتحزب . فإذا تخلصت الذات من كل هذا بنعمة الله ومراحمه القوية ـ المستعدة للمؤازرة عند أول سعي بالنية الخالصة ـ حينئذ يبدأ الإنسان يخدم الله بهذه الذات التي بعد أن كانت عاتية ، تكون قد فقدت ملكيتها لذاتها : «لكن ما كان لي ربحاً فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة» (في 7:3). وهكذا ينحني تحت إرادة الله بـالـتـواضـع وتـقـديـم الآخرين وتكريم كل الناس وأخذ المكان الأخير والبذل الصادق والحب الصادق واستعداد العطاء الدائم، وفي كلمة واحدة يكون الإنسان قد ذبح ذاته الله بسكين المحبة . بهذا يتراءى الإنسان « بالجسد» أمام الله وقد صار بنعمته ذبيحة وهيكلا الله !! والجسد آلة تسبيح !!

وبمعنى آخر إن كنا قد عرفنا أن الله اشترانا بدم ابنه يسوع المسيح ، فنحن نبيع أنفسنا له بإرادتنا، في خدمة حب وبذل وشهادة .

« ذبيحة حية » :

ذبائح العهد القديم تقدم ميتة، أي تذبح ذبح الموت ، أما الحياة هنا فهي تعود على الجسد في حالة الذبيحة، فالجسد الإنساني بطبيعته ميت بسبب الخطية ولكن حينما يقدم إلى الله بخدمة التسبيح والشكر في شخص المسيح، يصبح في حالة الذبيحة الحية لأنه يكون شريك ذبيحة المسيح وفيها، حيث المسيح قائم من الأموات ونحن فيه أيضاً. بمعنى أن الجسد يكون قد مات مع المسيح وقام ، لـيـس جـسـد الخـطـيـة بعد ولكن جسد الإنسان الجديد الذي ذبح مع المسيح وقام، فهو حي بالمسيح وحياته فيه دائمة لا يسود عليها الموت . وبمعنى آخر غاية في الوضوح والاختصار: كما أن المسيح الآن هو حي في كل حين، «ذبيحة حية»، خروف قائم كأنه مذبوح ؛ فنحن إذ نقدم أنفسنا الله ونحن متحدون بالمسيح ، تعتبر ذبائح حية : « من أجلك ثمات كل النهار، قد حبيبنا مثل غنم للذبح » (رو8: 36)، أي مائتون في العالم وللعالم وأحياء الله بالمسيح .

واضح أن ق. بولس في قوله هذا، يتكيء بكل ثقله على ما سبق وشرحه من جهة موتنا مع المسيح وقيامتنا مع المسيح : « قدموا ذواتكم الله كأحياء من الأموات …» (رو13:6)

كذلك واضح أن ق. بولس يستعير من الصورة القديمة في عبادة العهد القديم كلمة ” ذبائح “ ، ولـكـن يـضـيـف عليها ما لم يكن في عبادة العهد القديم ولا في ذبائحه التي كانت تذبح لتموت ، ولـكـن هنا ذبائح حية تعيش كل يوم لتقدم كل يوم بل على الدوام. فكما أن ذبيحة المسيح بعد ما قام لا يسود عليها الموت بعد (رو6 :9)، بل هو حي أمام الله كل حين يشفع في المذنبين ( عب 25:7)، هكذا تماماً نحن ، كما قال ووعد: «إني أنا ح  فأنتم ستحيون . » (يو14: 19)

ولـكـن لـيـتـنا ننتبه لأن وراء كلام ق . بولس نداء حلواً يلذذ النفس، فنحن مدعوون أن نعتبر أنفسنا ذبائح الله حية على الدوام، أمواتاً للعالم وأحياء للمسيح . والذبيحة يا صديقي ليس لها سلطان على نفسها ولا على جسدها، فهي تقدست للرب ، وللرب تحيا وتعيش : « وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام» (٢ كو5: 15). فنداء ق. بولس هذا : « قدموا أجسادكم ذبيحة حية » ليس فقط هو كل العبادة الحقة والصادقة ، بل هو أيضاً كل اللاهوت معاشاً .

هي بعد معنی وعلى القارىء أن يتذكر كيف أنه في العبادة القديمة ، كانت عملية تقديم الذبائح الحيوانية بأنواعها وأشكالها طول النهار معتبرة لدى اليهود أنها العبادة الحقيقية الدائمة ليهوه العظيم ، حيث رائحة اللحم والشحم والدم على المذبح طول النهار كانت في نظرهم هي مسرة الله ، ورائحة الدهن الـكـريهـة المحروق على النار التي تزكم الأنوف هي الرائحة الطيبة التي يستنشقها الله فيرضى . واضح جدأ الآن أن استعلن لنا الله . الذبيحة والدم، سواء في المسيح أو لنا ، كيف تغير مفهوم العبادة الحقيقية وتغير شكلها وموضوعها ورائحتها ودوامها ! ومعنی رضی ومـسـرة قـلبه بالحق، حيث يظهر مدى عجز التشبيه في الرمز القديم ومدى قصور عقل الإنسان اليهود في فهم ما يسر الله !!

وهنا يتضح بجلاء قوة التعبير المسيحي الذي عبر به ق. بولس بعد ذلك عن ذبيحة أجسادنا وعـبـادتـنـا بأنها «عقلية » = أي على مستوى العقل الروحي العالي والنطق الحكيم الإلهي .

«مقدسة »: 

التقديس معروف ، فهو الإفراز من العالم والتخصص الله والحفظ بلا دنس لكي تكون الذبيحة بلا لوم أي مقدسة لله. ويلاحظ القارىء من روح العهد القديم أنه لو لم يكن الإنسان في حالة خطية ما قدم عن نفسه حيواناً يسفك دمه . . .. فالحيوان نفس بهيمية تذبح عوضاً عن نفس إنسان، ودمـهـا يعمل حتى إلى تطهير الجسد فقط حينما يرش عليه، لذلك لزم أن تكون الذبيحة بلا لوم ولا عيب ، طاهرة، لكي تعبر عن حملها ملامة الإنسان وعيبه ، فيتخلص الإنسان (صورياً) من ملامته وعيبه وتموت هي بعيب الإنسان، وهيهات…

وهـكـذا كـان مـن أهـم الشروط التي تحتمت على حالة الذبيحة الحيوانية في العهد القديم أن تكون طاهرة بلا لوم، ولكن ما كان هذا التحتيم ضرورياً على الإطلاق بالنسبة للحيوان، فما قيمة أن يـكـون الخروف أعـور أو أعرج بعد أن يذبح ؟؟ ولكن الأمر كله كان رمزياً منصباً على ذبيحة

المسيح بالأساس، تحددها النبوة عمليا بأقصى تدقيق، ثم ترتد علينا حتماً حينما نطالب بالتالي بسبب اتحادنا بالمسيح وحياتنا معه أن نكون مثله ذبائح مقدسة بلا لوم أمام الله ، وذلك مسجل لنا تسجيلاً من قبل تأسيس العالم : «كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين، وبلا لوم، قدامه في المحبة !!» (أف4:1)

ويلاحظ القارىء أن ق. بولس حينما يطلب أن تكون أجسادنا ذبيحة مقدسة، فهو لا يغالي في مطلبه ولا يتشدد علينا ظلماً بل هو يطلب ذلك لأنه يرانا كذلك بالحق وبالفعل، فهو في الحقيقة يطلب منا ذلك لا لنعمله أو نجاهد فيه بل لأنه قائم متمم فينا بتقديس الكلمة وتقديس المعمودية وتقديس الدم وتقديس الروح القدس، وكأن ق. بولس ينبهنا فقط أن نكتشف ما فينا ونكون على مستوى ما صنعه المسيح فينا، فنحن الذبيحة المقدسة، ونحن هيكل الله، ونحن كهنة الله العلي : « وأما أنـتـم فـجـنـس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب اقتناء ، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب ( = العبادة ). » (1بط2: 9)

ولكن يلاحظ أيضاً أن ق. بولس لا يكلم الفرد المسيحي بل يكلم الكل، يكلم الكنيسة شعب الله المقدس والمختار ليتعرف على أصول عبادته الجديدة ومقدار سموها ، والكنيسة تلقن مؤمنيها .

«مرضية عند الله »: 

واضح أن الله في الحقيقة لم يكن له أي رضا بذبائح الحيوانات التي كانت تذبح: «لأنك لا نشر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا ترضى . ذبائح الله هي روح منكسرة » (مز51: 16و17). وداود الـنـبـي يلفت نظرنا منذ ذلك الزمان أن « الذبيحة الله هي روح منكسرة»، هي الإنسان في أصدق مواقف اتضاعه . وكذلك النبوة تحكي عن قيمة الذبائح – الله بالنسبة لذبيحة الجسد المقدس: «لذلك عند دخوله إلى الـعـالـم يقول ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لي جسداً . » ( عب10: 5)

وكلمة «مرضية » هنا تأتي كنهاية ونتيجة لكونها «مقدسة». فالذي تخصص الله بالكمال ، أي تكرس وصار الله ، فهو بالضرورة مرضي عنده ، من أجل ذلك نسمع بوضوح أن الله لا يرضى بذبائح الغنم والبقر ولا بقربان أيا كان ، بالرغم من أنها تسمى ذبائح مقدسة وتقدم في القدس وتدخل رائحة سرور الله، كل هذا على مستوى التقديس أي التخصص المادي وليس الأخلاقي أو الروحي، فهي قدس للرب أي خاصة بالخدمة داخل الهيكل، ولكن التقديس في العهد الجديد بالنسبة للذبيحة، وهي بالدرجة الأولى ذبيحة المسيح، فهي مقدسة على أساس ملء اللاهوت جسدياً، أما ذبائح المؤمنين فهي أولاً تتقدس أخلاقياً أي بالحفظ بلا دنس من العالم، كما تتقدس بالروح القدس ، أي تتأهل للاتحاد بالمسيح ، فتصير فيه ذبيحة مقدسة قولاً وعملاً . أي أن الـتـقـديـس الحقيقي هو أخلاقي ثم روحي للجسد والروح : «إن بين الزوجة والعذراء فرقاً : غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسداً وروحاً» (1كو7: 34). هنا التقديس تخصصي خالص حيث العبادة تكون هي كل الحياة، وهذا لا يستهان به أبدأ .

ولـكـن لـيـس كأن المتزوجين قد عدموا الذبيحة والتقديس ، فتقديسهم قائم في زواجهم الطاهر وفي بذل المحبة وإنكار الذات ، وذبيحتهم في العطاء بسرور و بلا كيل : « قد امتلأت إذ قبلت من أبفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة مرضية عند الله . » ( في 4 :18)

والآن عـلـيـنـا أن ننتبه أن ق. بولس طلبه على الجماعة المسيحية كوصية عامة أن «قـدمـوا أجـسـاد كـم ( بالجمع) ذبيحة حية مقدسة مرضية» تركها لتحديد كل مؤمن كيف وبأية وسيلة يقدم جسده « ذبيحة حية مقدسة مرضية » ، ومن هنا نشأ في الكنيسة أنواع ذبائح وأنواع تقديس ولكنها كلها معاً جسد واحد ذبيحة واحدة مقدسة : «يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يقدمها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب» (أف5: 26و27). وكل واحد فيها هو عضو ذبيحة مقدسة أو ذبيحة مقدسة في الكنيسة : «لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه . » (أف5: 30)

هل نستطيع أن نقبل هذا لنعيشه في ملء نعمة المسيح وتقديس نعمته وفرح روحه لنتقوى من ضعف ، بل تتقوى في الضعف ؟ المطلوب أن نعيش حياتنا وكأننا ذبائح مقبولة أمام الله مقدمة له : «لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح » ( 2کو11: 2). إنها سر زيجة النفس بالعريس السمائي !! … يا للعبادة المسيحية وما فيها من أسرار!! متى يحين أوان الزفاف ؟؟

« عبادتكم العقلية » :

العبادة العقلية عندنا بمفهومنا الآن غير مقبولة، فالعقل بمفهومنا الآن لا يحترف الروحيات بل له فقط حرفة الماديات المنظورة والمحسوسة والأمور التي تقع تحت القياس. لذلك حتى وإن كانت كلمة «عقلية» مشتقة من 86yos أي «الكلمة» أو العقل أو ما يدركه العقل أو يستبطنه العقل، إلا أن المقصود هنا هو عكس العبادة الأولى في العهد القديم التي كانت تتم بتقديم ذبائح صامتة بهيمية .

ويعطينا العلامة فيلو اليهودي الفيلسوف تصويراً قريباً من بزوغ العهد الجديد في ذهنه بقوله : ثمين في عين الله لا كثرة الحـيـوانـات المذبوحة وإنما الـروح الـنـاطـقـة الـطـاهـرة التي في نفس الذي يقدم الذبائح ].

وقوله أيضاً :

[ إن مسرة الله تكون في المذابح الملتف حولها خوارس المسبحين بالحق حتى ولو كانت بدون نار عليها، لأنه لا يسر بنيران المذبح التي تغذيها أجساد الحيوانات المذبوحة التي يقدمها الناس في حين أن ذبائح قلوبهم لا يدري أحد لمن هي ؟ ] .

ولنا في الأنبياء تحذيرات كثيرة للغاية في عدم نفع الذبائح إن لم يكن مقدموها على . الأمانة الله ! ( إش1: 10)، (هو6: 6)، (عا5: 21).

إذا فالأصح أن نقول : ” عبادتكم الناطقة” ، والكلمة تحتمل هذا المعنى تماماً. حيث العبادة العقلية هي في حقيقتها عبادة روحية شاكرة مسبحة بفضل ما حبانا الله كبشر من أعـمـال الـفـداء والخلاص والمصالحة. وهذا مطابق لما قاله الرب : « الله روح والذين يسجدون (يعبدون ) له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا » (يو24:4). فالعبادة العقلية أو الروحية أو الناطقة هي عبادة مذركة الله الذي تعبده. هذه مسرة الله العظمى أن الذي يعبده يعرفه ، وأن الذي يخدمه يتبعه من كل القلب الواعي المدرك لمسرة مشيئته . والمسيح قدم لنا أساس العبادة المقبولة الله عـنـدمـا أعلمنا بكل ما عند الآب فصرنا له أحباء ومحبوبين . فالعبادة المسيحية عبادة أحـبـاء ومحبوبين يدركون من يعبدون وليست خدمة عبيد. ويستحيل أن يقدم أحد جسده للمسيح ذبيحة حية مقدسة وتكون مقبولة إلا إذا كانت نار حب الله قد اشتعلت فيه ! 

لهذا ومـن أجـل هـذا ألقى المسيح ناره في قلوبنا لنصير ذبائح حقيقية مشتعلة حباً. و بطرس الـرسـول أعطانا صورة عن مفهوم كلمة «عقلي » بوصفه التعاليم البسيطة التي في الإنجيل «باللبن العقلي» (1بط2: 2)، ويقصد التعليم الذي يدركه ويتغذى به العقل .

والعبادة العقلية ضد العبادة التي بتقديم ذبائح حيوانية بلا عقل ، و بطرس الرسول يوضح هذه العبادة العقلية بقوله : « كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح . » (1بط 2: 5)

والذي يسند كلمة «ناطقة» هنا هو ما سبق وقدمه ق. بولس من أعمال الله الخلاصية التي تستوجب أن ننطق بفضلها ، ونسبح بشكرها . هنا العبادة تكون مطابقة لمشيئة الله بل لمسرة مشيئة الله وتـكـون رائحة سرور ورضي : « لكنني وإن كنت أنسكب أيضاً على ذبيحة إيمانكم وخدمته أسر وأفرح معكم أجمعين . وبهذا عينه كونوا أنتم مسرورين أيضاً وافرحوا معي » ( في2: 17و18). هنا ق. بولس يـسـتـخـدم لغة ذبائحية خالصة . فالسكب هو سكب الخمر المقدم إلى الله على الذبيحة: « وسـكـيـب الخمر ربع الهين للخروف الواحد» (خر29: 40). وق. بولس يعتبر خدمته الخاصة الله التي تدخل ضمن عبادته الحية الشخصية هي بمثابة سكب حياته على ذبائح إيمان المؤمنين ، حيث إيمان المؤمنين يعتبره ق. بولس هنا « ذبيحة » يقدمها بعد أن يستوفي كل شروطها من التقديس، وذلك بتعليمه وخدمته وحينئذ يسر الله ، ويسرق. بولس، بل ويطلب من المؤمنين أن يسروا أيضاً في عبادتهم لأنها أصبحت ذبيحة سرور للرب .

كذلك يستخدم اللغة الذبائحية هكذا : « قبلتُ من أبفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة (ذكية) ذبيحة مقبولة مرضية عند الله » ( في18:4). وهنا نلاحظ أن ق. بولس يـتـصـور دائماً أن أعمال الخير من . عطاء وبذل وشركة في أعواز الآخرين هي ذبائح الله، ويضيف إليها اصطلاح العهد القديم أنها رائحة سرور ورائحة طيبة . لذلك نفهم من قوله : «لأننا رائحة المسيح الذكية الله في الذين يخلصون . … » (2كو2: 15) أنه يقصد أن حياتنا في العبادة والخدمة والـبـذل والحب تحتسب ذبيحة محرقة تنسكب حياتنا فوقها كخمر مسكوب ، كرائحة ذكية الله من داخـل ذبيحة المسيح: «لأننا رائحة المسيح الذكية لله » . وهذا السلوك الأخلاقي هو بحد ذاته ينشىء عند المخلصين حياة مجددة للحياة : « رائحة حياة لحياة . » (2کو2: 16)

و بالنهاية نرى أن ق. بولس في هذه الآية ( ١٢ : ١ ) يرسي قواعد العبادة المسيحية على مستوى أخلاقي وسلوكي، مستخلصة كثمرة لما قدمه الله لنا من بره الخاص بالفداء بالمسيح ، معطياً شكل ومـضـمـون الحياة المسيحية للجماعة ككنيسة مشغولة على مدى كل يوم والحياة كلها بتقديم مؤمنيها أمام الله كذبائح مقدسة وحية ومقبولة، كرائحة ذكية الله ، بأعمال البر والمحبة والخدمة مع التسبيح والـشـكـر. وهـكـذا يـصـور ق. بولس الكنيسة كخيمة اجتماع مع الرب ، وعوض تقديم ذبائح الحـيـوانـات المتعددة التي يلازمها مئات وآلاف الترتيبات الطقسية المادية الميتة في ذاتها ، يؤسس للكنيسة عبادة ناطقة روحية وليست جسدية، مقدسة أخلاقياً وليس شكلياً ومادياً، تكون الذبائح فيها هي المؤمنين بحياتهم وتقواهم وقداستهم المستمدة من قداسة المسيح وبره، والخدمات شكر وتسبيح .

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

يفتتح الرسول بولس هذا الفصل العملي لا بتقديم وصايا تفصيليّة محدّدة، وإنما بتقديم الحياة كلها ذبيحة حب الله، معلنًا لنا عن غاية الوصيّة: ردّ الحب بالحب، وتسليم الحياة بكاملها للَّه، في أعماقها ومن جذورها، إذ يقول: “فأطلب إليكم أيها الاخوة برأفة الله أن تقدّموا أجسادكم ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله عبادتكم العقليّة” [1].

إن كان كلمة الله المتجسّد قد قدّم لنا حُبّه عمليًا بتقديم جسده ذبيحة حب على الصليب، هكذا يليق بنا خلال اتحادنا معه أن نحمل ذات فكره، فنقدّم حبّنا للَّه عمليًا، بتقديم أجسادنا ذبيحة حب للَّه، لا بذبح الجسد بطريقة مادية، وإنما بقبول “الإماتة” من أجل الله، وكما يقول الرسول: من أجلك نمات كل النهار، قد حُسبنا مثل غنم للذبح (رو 8: 36).

يلاحظ في هذه العبارة الرسولية الآتي:

أولاً: يبدأ حديثه بحرف العطف “ف” كمقدّمة للالتماس الذي يرجوه، معلنًا أن ما يوصي به هنا هو امتداد لحديثه السابق، فلا انفصال بين حديثه الإيماني وحديثه السلوكي، إن صح هذان التعبيران، فلا سلوك حيّ خارج الإيمان، ولا حياة للإيمان الصادق بدون سلوك عملي. 

ثانيًا: يسألهم أن يتطلّعوا إلى “مراحم الله” أو رأفته غير المحدودة، حتى يقدّموا أجسادهم ذبيحة. ولئلاّ يظنّوا أنه يسألهم ذبيحة ماديّة قال: “ذبيحة حيّة”.

يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم:

[إذ قال “ذبيحة“، فلكي يمنع كل أحد عن التفكير بأنه يطالبهم بقتل أنفسهم، أضاف: “حيّة“. ولكي يميّزها عن الذبيحة اليهوديّة، قال: “مقدّسة، مقبولة لدى الله، عبادتكم العقليّة”، لأن ذبيحتهم كانت ماديّة وليست مقبولة تمامًا. يقول الله: من طلب هذا من أيديكم؟” (إش 1: 12). وبعبارات متنوعة استبعدها تمامًا وبوضوح، إذ يقول: “ذابح الحمد يمجدني (مز 50: 23)، أسبح اسم الله بتسبيح، وأعظمه بحمدٍ، فيُستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف” (مز 69: 30-31). وفي موضع آخر يزدري بها، قائلاً: “هل آكل لحم الثيران؟ أو أشرب دم التيوس”؟ (مز 50: 14). هكذا يأمرنا بولس أيضًا أن نقدم أجسادنا “ذبيحة حيّة“.

ربّما يُقال: كيف يصير الجسد ذبيحة؟

دعْ العين لا تنظر الشرّ، فتصير ذبيحة!

لا ينطق لسانك بدنس، فيصير ذبيحة!

لا تمارس يدك عملاً محرّمًا، فتصير مُحرقة كاملة!

لكن هذا لا يكفي، إنما يجب ممارسة الأعمال الصالحة، فتقدّم اليدّ الصدقات، ويبارك الفم من يقاومه، وليجد السمع لذته في فصول الكتاب المقدس. لأن الذبيحة لا تسمح بأمر دنس بل هي بكر الأعمال.

إذن لنقدّم للَّه الباكورة بأيدينا وأرجلنا وفمنا وكل أعضائنا! فمثل هذه الذبيحة مرضيّة، أمّا ذبائح اليهود فكانت غير طاهرة لذا قيل: “إنها لهم كخبز الحزن” (هو 9: 4). لا تكن ذبائحنا هكذا!…

شريعة هذه الذبيحة جديدة ونارها من نوع عجيب. نارها لا تحتاج إلى خشب يوضع تحتها، بل نارها حيّة فيها، لا تحرق الذبيحة بل بالأحرى تحييها. هذه هي الذبيحة التي كان الله يطلبها منذ القديم. لذلك يقول النبي: ذبيحة الله روح منسحق (مز 51: 17)؛ كما قال الثلاثة فتية عندما قدموها: “في ذلك الوقت لا يوجد رئيس ولا نبي ولا قائد ولا مُحرقة أو موضع لنقدّم فيه ذبيحة أمامك فنجد رحمة، لكنّنا نقدم قلبًا منسحقًا وروحًا متواضعًا فاقبلنا إليك”…

بهذا لا نحتاج إلى سكين أو مذبح أو نار، بالحري نحتاج إلى هذه كلها، لكنها ليست مصنوعة بالأيدي، إنما تأتينا من فوق. نحتاج إلى نار علويّة، وسكّين؛ هكذا مذبحنا هو اتساع السماء!

إن كان إيليا إذ قدّم ذبيحة منظورة نزلت نار من فوق التهمت كل الماء والخشب والحجارة، فكم بالأكثر يُحدّث هذا بالنسبة لك!]

يحدّثنا القدّيس جيروم عن هذه الذبيحة التي نقدّمها للَّه، قائلاً: [احضر تقدماتك؛ أي نوع من التقدمات؟ تقدمات نفسك! فالبتولية هي ذبيحة مُحرقة للمسيح، وكل طهارة سواء في الحياة البتولية أو الترمّل أو العفّة (الزوجيّة) هي تقدمة ذبيحة للمسيح.]

ثالثًا: لماذا يقول: “قدّموا أجسادكم”؟ ولم يقل “حياتكم”؟ بلا شك أراد الرسول أن يقدّم المؤمن كل حياته ذبيحة حب لله، لكنه ركّز هنا على الجسد، لأنه الأداة التي تعبّر عمليًا عمّا في القلب والفكر دون انفصال عن النفس. هذا من جانب ومن جانب آخر أراد أن ينزع الأفكار الدخيلة من جهة احتقار الجسد واعتباره عنصر ظلمة. الله يقبل الجسد ذبيحة حيّة، إذ يراه مقدسًا له. الجسد الذي يُقدّم ذبيحة حيّة مقبولة لدى الله، بلا شك يستحق بالنعمة أن يشارك النفس في المكافأة الأبدية، فيقوم معها ليحيا أبديًا في السماء.

رابعًا: إن كان الجسد يُقدّم ذبيحة حيّة، إنما خلال “العبادة العقليّة“، أي العبادة التي تقوم على فكر روحي أصيل. وهي عبادة عقليّة، إذ يتفهّم المؤمن بالروح أسرارًا إلهيّة.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (1): “فاطلب إليكم أيها الاخوة برافة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية.”

فأطلبحرف الفاء يشير أن الحديث القادم إمتداد لما سبق وأن ما سيطلبه الآن في الآيات والإصحاحات القادمة مبني علي ما شرحه فيما سبقفالرسول سبق وشرح جوانب إيمانية تمس الخلاص وأظهر أن النعمة بالإيمان هي قوة إلهية تكسر حدة الخطيةونري فيما يلي أننا علينا أن نجاهد، فليس معني النعمة أن يتكاسل المؤمن، وإلا فقد عمل النعمةلذلك يقول الرسول إمتلأوا بالروح (بالجهادويقول لا تطفئوا الروح (بالإستهتار والخطية). وقطعا فإطفاء الروح هو فقدان لعمل النعمة أما الجهاد فيعطينا إمتلاء بنعمة فوق نعمة (يو16:1) وهذا ما عناه الرسول بقوله إضرم موهبة الله التي فيك 2تي: 6:1 . 

ولو كانت الأعمال لا لزوم لها وهكذا الجهاد، وأن النعمة تعمل كل شيء، فما معني أن يطلب الرسول من المؤمنين أن يقوموا بتنفيذ هذه الوصايا، مثل تقديم أجسادنا ذبيحة حية (هذه الآيةفلا إنفصال بين الإيمان والسلوكيات (الأعمالفمثلاً من يؤمن بأن النعمة تعمل كل شئ فهو سيتكاسل ولن يعمل، ومن يؤمن بأن الخلاص تم في لحظة وأن إسمه كتب في سفر الحياة وأنه لن يهلك مهما حدث فهذا سيدفعه لأن يخطئ طالما ضمن الخلاص، إذاً العقيدة تؤثر تأثيراً واضحاً علي الأعمال والسلوكيات، فلا سلوك عملي دون إيمان، ولا إيمان حي دون أعمال (رسالة يعقوبفالسلوكيات تتشكل بحسب العقيدة التي شرحها الرسول فى11 إصحاحمثال آخرمن يؤمن بالشفاعة تكون له صداقة مع السمائيين وعشرة حلوة معهم وله إنتماء للسماء التي صارت مفتوحةهنا كعادة بولس الرسول يخصص الجزء الأخير فى رسالته للوصايا العملية كثمرة لحياة الإيمان وثمرة لسكني الروح القدس فى المؤمنينولكن الروح القدس لا يعطي لمن لا يجاهد.

برأفة الله قد تعنى “من أجل رأفات الله أتوسل إليكم أن تعملوا كذا وكذا ولكنها هي تعنى أنه إن كنت أطلب إليكم أن تقدموا أجسادكم ذبائح حية وفى هذا بعض الآلام، فقبل أن أطلب هذا أطمئنكم أن الله سيتعامل مع أجسادكم المقدمة برفق وسيعطيكم تعزيات لذيذة تتناسب مع ذبائحكم المقدمةوتعنى أيضاً أنه في مقابل رحمة الله ورأفته علينا أن نعمل كذا وكذا

قدموا أجسادكم ذبيحة حيةالكاهن هو الذي يقدم ذبائح، ومن هنا نفهم قول الكتاب جعلنا ملوكا وكهنة (رؤ6:1 +1بط 9:2). فهناك كهنوت خاص، وهذا هو سر الكهنوت، خادم أسرار الكنيسة وهناك كهنوت عام لكل المؤمنين فيه يقدم الكل ذبائح :-

1.  تسبيح (عب15:13).

2.  خدمة فقراء (عب16:13).

3.  إنسحاق وتواضع (مز17:51).

4.  صلوات ورفع أيادي (مز2:141).

5.  تقديم الأجساد ذبيحة حية (هذه الآية). 

أجسادكم ذبيحة حية =شرح الرسول فيما سبق ما أعطاه الله لنا من نعمة فماذا نقدم له فى المقابل؟ أجسادنا ذبيحة حيةفالعبادة اليهودية كانت تقدم فيها ذبائح حيوانية (تذبح فعلاأما العبادة المسيحية فتقدم فيها أجسادنا ذبائح حية، أي لا داعي لأن نموت فعلاً بل أن نميت الإنسان العتيق وذلك بصلب شهواتنا (غل24:5) وكذلك بالأصوام والمطانيات والصلوات الطويلةوأن نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية فنكف عن أستخدام أعضائنا كآلات إثم تتلذذ بشهوات هذا العالم، وحينما نمنع عن الإنسان العتيق الشهوات الحسية فإنه يموت بعمل الروح (رو13:8) أمثلة لعدم إستخدام أعضائنا كآلات إثم: 

1. ضع عينيك فى التراب. 

2. إقفل أذنيك عن سماع الخطأ وحتى ما هو شبه خطأ.

3. إمسك لسانك عن التكلم بالشر. 

4. إمتنع عما كنت تتلذذ به من خطايا العالم. 

5. إجهد نفسك فى عمل الخير وقد يكون جسدك متعباهذا يساوي تقديم الجسد كذبيحة حيةولاحظ أن الأجساد هى الأداة التى تعبر عما فى القلب والفكر.

مقدسةالتقديس هو الإفراز عن العالم والتخصيص لله بلا دنس

مرضية عند اللهالذبائح الدموية لم تكن مرضية عند الله بقدر الذبائح الحية كالإنسحاق، وهذا فهمه الآباء، وداود عَبَّر عن هذا (مز16:51،17) “الله لا يسر بالمحرقات، فالذبيحة لله روح منسحق“. والله لا يسر بتقديم تيوس كذبائح، بل يسر بشفتين تسبحانه بالرغم من آلام الجسد (هو2:14). وذبيحتنا تكون مرضية عند الله  عندما نقدمها بالحب في مقابل محبته.

عبادتكم العقلية راجع تفسير (رو9:1). تقديم أجسادنا ذبائح حية هي عبادة يجب أن نقدمها ككهنة باقتناع عقلي وهذا ما يفعله الروح الذي يقنع المؤمن بهذاوالعبادة العقلية هي تفهم لأسرار محبة الله، فيشتعل القلب حباً لله ويشتهي تقديم جسده ذبيحة حب لله الذي أحبه كل هذا الحب. 

العبادة العقلية هي إقناع الروح القدس للمؤمن بما يفعله (أر7:20).

أما العبادة العمياء المنبعثة عن جهل فلا تليق  إلاّ بالأصنام، أما الله فيقول هلم نتحاجج (أش18:1)، فالله لا يفرض علينا شئ غير معقول أو غير مقبولالعبادة العقلية هي إقتناع بأن نسلِّم أعضائنا كآلات بر لله بدلاً من أن تكون آلات إثم، فالإقتناع مهم قبل أن نقدم أجسادنا ذبائح حية “أقنعتنى يا رب فإقتنعت” (أر7:20) هي عبادة يشترك فيها كل قوي الإنسان، النفس والعقل والجسد والروحولاحظ أن الله يقنع آدم بأن يكون له معيناً نظيره قبل أن يخلق له حواء، وذلك بأن جعله يلاحظ أن كل الخليقة تتكون من ذكر وأنثى، فيكون هذا مطلباً له أولاً ثم يحققه له الله بعد ذلك (تك18:2-21). ولاحظ عمل الروح القدس في الأطفال الذين تجدهم يفرحون بالله ويحبونه دون أن يفهموا شئ، ولكن الروح أعطاهم هذا الإقناع وهذا الحبوالعكس في العبادة الوثنية التي كلها غموض وكلمات مبهمة، أمّا الكهنوت المسيحي فكل كلمة تقال منشورة فى الخولاجي، والكل يفهمها ويدركها والكل مقتنع بها، حتى ما يصعب علي أن يُدرَك بالعقل، فالروح القدس يعطي لنا أن نقبله ونقتنع به.

فاصل

تفسير المتنيح الأنبا اثناسيوس مطران بني سويف

أطلب اليكم ايهـا الأخوة برأفة الله 

ما أحلى التعليم بتواضع ، النابع من الله والمنسوب له

في بداية الرسالة قال لهم أنه مزمع أنه يذهب إليـهـم ليـمنحهم هبة روحية لثباتهم ، وفسرها بانهم يتعزون سوياً. وفي رسالته إلى أهل كورنثوس « انا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة »(1کو2: 3) وايضـا « اطلب إليكم بوداعـة المسـيح وحلمـه انا نفسى بولس الذي في الحضرة ذليل بينكم واما في الغيبة فمتجاسر علیکم » (2کو10: 1).

فاصل

تفسير د/ موريس تاوضروس

فأطلب اليكم أيها الأخوة برأفـة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية

يجب علينا أن نسلك بما يليق بهذه العطايا التي أخذناها من الله ، أي أننا في مقابل رأفة الله ورحمته ، يجب أن نقدم أجسادنا كذبائح حية مـقـدسة ونستخدم أعضاءنا ونكرسها للأعمال الصالحة لا لأعمال الخطية .ان الذبيحة المقدسة الحية التي نطالب بتقديمها ، هي ذبيحة العبادة التي تتم وتقدم بواسطة قوانا العقلية التي اكتسبت استناره الروح القدس.

ومن الملاحظ هـنـا أن الـعـبـادة التي يجب أن نقـدمـهـا لله ، يجب أن نقـدمـهـا بكل كـيـاننا ، بأجسادنا ونفوسنا وأرواحنا ،أي أنها ليست عبادة الجسد فقط بل العبادة الروحية العقلية التي يظهر أثرها علي الجسد ، ويشترك فيها الجسد بتقديم أعضائه لتكون آلات للبر لا للاثم ، فكل الكيان الانساني يجب أن يشترك في عبادة الله عبادة روحية عقلية جسدية ، يقول الرسول بطرس التقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح ، (1بط 2: 5 ) ويقول داود النبي “أذبح لله حمدا”، ( مز50: 14 وانظر رو 6: 13، 16، 19) .

– لاحظ عبارة برأفة الله، تشير الي الرأفة كصفة من صفات الله في معاملته للبشر ، فهو قد عاملنا بكل رأفة ورحمة. يقول الرسول بولس في رسالته الثانية الي كورنثوس – مبارك الله أبو ربنايسوع المسيح أبو ألرأفة واله كل تعزية الذي يعزينا في كل ضيقاتنا ، (2کو1: 3، 4)

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى