يو٢: ١٩ أجاب يسوع وقال لهم: انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه
“12وَبَعْدَ هذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّامًا لَيْسَتْ كَثِيرَةً 13وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 14وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا. 15فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. 16وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ:«ارْفَعُوا هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!». 17فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي». 18فَأَجَابَ الْيَهُودُ وَقَالوُا لَهُ:«أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟» 19أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». 20فَقَالَ الْيَهُودُ:«فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» 21وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. 22فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هذَا، فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكَلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ.“ (يو2: 12-22)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“أجاب يسوع وقال لهم:
انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه”. (19)
الآية التي قدمها السيد المسيح هي حضوره الإلهي القادر أن يكسر متاريس الهاوية، ويحطم سلطان آخر عدو وهو الموت، ليهب مؤمنيه قوة القيامة. قدم لهم آخر آية يصنعها يسوع المسيحنفسه قبل صعوده إلى السماء وهي قيامته. يجب أن يموت، لكن لا يستطيع الفساد أن يحل به (مز ١٦: ١٠).
طلب منهم أن ينقضوا هيكل جسده حيث يرفعوه على الصليب، أما هم فظنوا أنه يتحدث عن الهيكل الحجري.
v حسنًا دُعي حرًا ذاك الذي له سلطان أن يقيم نفسه… وحسنًا دُعي حرًا ذاك الذي نزل لكي يخلص الآخرين.
تفسير الأب متى المسكين
19:2- أَجَابَ يَسُوعُ: «انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ».
هوذا الرجل الغصن أسمه (يُدعى ناصرياً) ومن مكانه ينبت ويبنى هيكل الرب وهو يحمل الجلال (زك12:6-13)
«انقضوا هذا الهيكل»: كلمة «ينقض» تجيء في اليونانية بمعنى «يفك» أو «يحل» وتصلح للهدم أو القتل. المسيح يتكلم عن هيكل جسده، وقد ثبت أن هيكل جسده هو الكنيسة وهي نحن أعضاؤه، والكنيسة, الشعب الجديد, هي التي أخذت موضع الهيكل, الشعب اليهودي الرافض للمسيح, وورثت كل معانيه الروحية وأهمها وأعظمها وأخطرها وجود الله وحلوله فيها.
المسيح هنا يقول لهم مسبقاً ما هم مزمعون أن يعملوه بالفعل، فهو تحصيل حاصل، اقتلوا أو إذا قتلتم جسدي سيان، ففي ثلاثة أيام سأقيمه من الموت ليصير هو هيكل الله الذي يجمع أبناء الله من العالم كله، هذه هي معجزتي. المسيح لم يتكلم قط عن هيكلهم بل عن هيكله، الذي سيحل محل هيكلهم الذي سيزول (سينقض) عندما يقتلونه (ينقضونه).
ولسان حال المسيح يقول: لحظة أن تقتلوني ستقتلون أنفسكم وتهدمون هيكلكم، أما أنا فسأقوم وأقيم بجسدي هيكلي جديداً، وأما أنتم وهيكلكم فستزالون.
المسيح هنا يعطيهم آية بالفعل وهي «في ثلاثة أيام أقيمه» التي وضحها بصيغة أخرى في إنجيل آخر هكذا: «جيل شرير فاسق يلتمس آية فلا يعطى له آية إلا آية يونان النبي.» (مت4:16), فكما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا سيكون المسيح في باطن الأرض ويقوم بعدها. فما ستهدمونه صأصنع فيه آيتي وأقيمه في ثلاثة أيام، ولكنكم بذلك ستهدمون أنفسكم وهيكلكم ولن تقوموا.
ولم تمر على رؤساء الكهنة والفريسيين هذه الكلمات دون أن يعوا حقيقتها، فهم في النهاية تذكروا كلامه ووضعوا النقط على الحروف، فأدركوا فعلاً أنه قد يقوم في اليوم الثالث: «وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلا ثة أيام أقوم. فأمر بضبط القبر… »» (مت62:27-64)
أمر مستحيل أن يقول المسيح إنه يهدم هيكل أورشليم ليبني غيره في ثلاثة أيام كما قدم اليهود اتهامهم في محاكمة يسوع أمام بيلاطس كعلة من علل طلب صلبه. فهو القائل للسامرية: «أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب.» (يو20:4-21)
فالمسيح ها لا يتحدى اليهود المفتخرين بهيكلهم بل ينذرهم بالخراب الذي سيحيق بهيكلهم بسبب أنهم: أولاً لم يقبلوا عمله كمن يطالب بتطهير الهيكل «بيت أبي» فيتعرفوا عليه، وثانياً بالنتيجة الحتمية في استمرارهم لرفضه وإنكارهم وعدم إيمانهم به الذي سينتهي بخراب هيكلهم: «كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا, هوذا بيتكم يترك لكم خراباً.» (مت37:23-38 وانظر مت2:24).
ويلزمنا توضيح الأمر لاهوتياً، فالهيكل القديم كانت قوته وقداسته وأهميته في حضور الله فيه. والآن وقد تجسد الكلمة وظهر الله في الجسد وحل فيه ملء اللاهوت صار جسد المسيح هو الهيكل بالدرجة الأولى أي الهيكل الحقيقي, ولم يعد للهيكل القديم وجود إلا بصفته الظل الوشيك الإختفاء.
فبتجسد الكلمة, أي بميلاد المسيح، بدأ العد التنازلي لانتهاء عصر الهياكل المبنية باليد، أي هياكل الظل، لأن الهيكل القديم كما أراه الله لموسى كان شبه السمويات وظلها، والآن قد جاء رب السموات ونورها. وبدخول المسيح داخل الهيكل, لتطهيره, كانت الفرصة الوحيدة لليهود, لو كانوا قد قبلوه لأعطى للهيكل القديم معناه الجديد وتقديسه الحقيقي الكامل, أن الله حل في هيكله, فلا بأس أن يبقى, طالما الله فيه ولكن لما رفضوه أصبح تطهيره فاقد القيمة، وخروج المسيح منه إيذاناً بعدم نفعه, والحكم بقتل المسيح كان بمثابة الحكم بهدم الهيكل، لأن الهيكل القديم بميلاد المسيح أصبح يستمد معناه ووجوده من الهيكل الجديد أي جسد المسيح لأن الله حال فيه. لهذا قال المسيح في موضع أخر عن نفسه. «ولكن أقول لكم إن ههنا أعظم من الهيكل.» (مت6:12)
وإذا حللنا نفسية رؤساء اليهود هنا على العموم في طلبهم أية من المسيح حتى يؤمنوا برسالته وسلطانه أنه من الله, لوجدنا أن هذه هي في الحقيقة حال كل نفس لا تريد أن تجازف بمركزها وسلطانها وراحتها؛ فهي تطلب أية ومزيدأ من الأية لتتخطى خوفها وعجزها وقصورها عن المجازفة؛ ولكن الإيمان مجازفة بالدرجة الاولى. لذلك فالإيمان صعب جداُ على الرؤساء والعظماء وذوي العيش الرغد الهانىء.
أما لنا نحن فهذا أيضأ حادث, فالمسيح لا يعطي آية ولا علامة ولا كلمة واحدة لكي تبدأ عملاً إيمانياً, لأن هذا سيحرمك من مجازفة الإيمان التي هي عضده وقوت. أو كيف ولماذا يعطي الله الاكاليل لأصحاب الإيمان.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
(آية19): إنقضوا.. أُقيمهُ= هما كلمتان تصلحان أن يقالا عن المباني المبنية بالحجارة وعن الإنسان. (2كو1:5+ رو25:4). فإنقضوا تعني في اليونانية هدم، قتل/ حل/ فك. وأقيم يمكن أن تقال عن قيامة الجسد وعن قيام أو إقامة مبنى والمسيح هنا يخبرهم عما سيفعلونه به كنبوءة. وأنه سيقوم بعد أن يقتلوه. ولكن كلام المسيح ينطوي على تهديد لهم. فساعة أن يقتلوه سيحكمون علي هيكلهم وأمتهم بالخراب، أما هو فسيقوم وهذا ما حدث. ثلاثة أيام= مثل يونان النبي (مت4:16). وهم فهموا كلام المسيح هنا أنه سيقوم بعد أن يقتلوه بثلاثة أيام (مت62:27-64). ولاحظ أن المسيح قال أقيمه وليس أبنيه. هم طلبوا دليل على أنه المسيا الذي أتى ليطهر هيكل أبيه، فقال لهم هنا الدليل أنكم ستصلبونني وتقتلونني وسأقوم بعد 3 أيام لأنني إبن الله الحي الذي لا أموت. أقيمه= سلطانه أن يقيم نفسه فهو إبن الله. وقوله أنقضوا.. أقيمه فيه إشارة لأن الجسد الذي يقوم له علاقة بالجسد الذي نقضوه أي حلوا أجزاءه، فهو سيعيد تجميعه.
تأمل: هو طلبوا آية أمّا نحن فلا نطلب معجزات، بل بالإيمان نثق أن الله موجود ويعمل.