إضطهاد ديسيوس

 

آن اشد الاضطهادات التي وقعت على المسيحيين المصريين تلك التي أصابتهم من ديسيوس قيصر الذي جلس على كرسي السلطنة الرومانية سنة 249 م فكان اضطهاده بالغا منتهى القسوة والشدة حتى زل كثيرون من المسيحيين اثناء الاضطهاد وذبحوا للاوثان اجابة لطلب معذبيهم ، ويكفينا في وصف تلك الفظائع ما سطره البابا ديونيسيوس الاول البطريرك الاسكندري و بعث به الي فابيان اسقف انطاكية وفيه وصف الاضطهاد المذكورة وهو:
« ان الاضطهاد الذي اصابنا لم يحدث بناء على أمر من الحكومة بل ان ناره كانت مخبوئة تحت رماده مدة سنة كاملة والتظت عندما اثارتها يد التعصب . وتفصيل ذلك ان شاعراً يدعي النبوة وفد على الاسكندرية ، واذ جال فيها يهيج سخط الوثنيين ضدنا ويحرضهم على
الدفاع عن خرافاتهم وأباطيلهم التافهة فتم لهم ذلك وأثار ثائرة الوثنيين نحونا، وساعدهم على عملهم ما أباحته لهم الحكومة من اجراء أي شر وضرر يرغبونها لنا، كما أنهم ظنوا أن منتهى التقوى والقداسة
تنحصر في عبادة أوثانهم وشياطينهم وهذه العبادة تتم بذبحنا وتقديم اجسادنا قربانا لاصنامهم.
وكان اول شر ارتكبوه أن أمسكوا رجلاً هرماً يُدعي  مترا وطلبوا منه أن يجدف ويهزي بكلام بذئ ، فرفض الرجل طلبهم بتاتاً، وحينئذ انقضوا عليه كالوحوش وأخذوا يضربونه بالعصي وينخزون وجهه وعينيه بمناخص وهو ثابت القلب ساكن الجأش ، فلما يئيسوا منه أخرجوه خارج المدينة ورجموه بالحجارة حتى مات، ثم اتفقوا جمعياً وساروا مندفعين إلى منازل المسيحين فكانوا يدخلونها بقوة غير مراعين حرمة الجيرة ولا شروط المروءة ويخرجون السكان منها ثم يتلفون كل ما وصلت إليهم أيديهم الاثيمة، فيأخذون الأشياء الثمينة القيمة، أما الاثاث والامتعة البيتية فيجعلونها طعاماً للنار اذ يحرقونها على قارعة الطريق حتى اذا رآهم أحد وهم يركضون ويسلبون ويحرقون ظنهم جيشاً ظفر بمدينة ففعل بها في الغالب المنتصر.

و أما المسيحيون فلم يبدوا أدني مقاومة بل وقفوا يراقبون خراب بيوتهم وهم سكوت صامتون. فكانوا مثل اخوتهم الذين اشار اليهم بولس الرسول في انهم كانوا ينظرون سلب أموالهم بفرح ، ولست أعرف سوى رجل واحد فقط من الذين وقعوا في أيديهم انكر ايمانه ولكن بعد عناء شديد وعذاب، قاس . واعرف أيضاً أنهم ألقوا القبض على عذراء عفيفة فاضلية اسمها ( أبولونيا ) وكانت قد هرمت وشابت ناصيتها وأخذوا يضربونها على فكها حتي حطموا أسنانها تحطيماً. ثم أشعلوا ناراً خارج المدينة وهددوها بالحرق حية إن لم تنطق بكلمات التجديف والسخر التي كانوا يلقنونها اياها، فأصابتها في أول الأمر قشعريره شديدة من شدة الآلام ولكنها عادت فتجلدت وثبتت ، فلما رأي معذبوها عدم فائدة العذاب طرحوها في النار حتى صارت رماداً.

يتضح من خطاب البابا ديونيسيوس هذا ان سبب الاضطهاد هو غيرة الوثنيين من نمو الديانة المسيحية ، فقام المقدمون منهم ودعوا الى احياء الدين القديم واجهدوا النفس و بالغوا في الدأب واستمالوا الكثيرين من اهالي البلاد الى ترك الديانة المسيحية والرجوع للوثنية، فاستفحل
الأمر واستحكم الخلاف بين المسيحيين والوثنيين وقامت قائمة الفتنة فخرج الوثنيين على المسيحيين ونهبوا بيوتهم وكثر السلب بمدينة الاسكندرينة وكان نظامها قد اختل قبل عهد ديسيوس قيصر .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى