يسوع هو الطريق للحياة الحقيقة

 

الحياة المقصودة هنا هي الحياة الأبدية ، فالحياة الجسدية لا يُعترف بما كحياة لأنها مغلوبة للموت ، وهي لذلك لا تحسب عند الله أكثر من أنها حياة في الموت ، أو كتصريح المسيح في قصة الابن الضال : « لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش ، وكان ضالاً فوُجد » ، وكتصريح بولس الرسول عن المرأة المتنعمة : « فقد ماتت وهي حية » . أما الحياة الحقيقية فهي حياة في الله أو حياة كل من يعيش لله حسب الروح ، فهو يستمد حياته من الله.

نحن لم نكن نعرف شيئاً عن الحياة الأبدية ولا كنا نظن أن الله سيهبها لنا، ولكن التي فجرت الحياة الأبدية في عالم الإنسان هي القيامة التي ظفر بها المسيح بغلبته على الموت كما عبر عنها ق . يوحنا : « فإن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا».

وحينما يقول المسيح « أنا هو القيامة والحياة » ، فهو كأنما يقول : أنا مخلصكم من الموت و الفساد ، أنا هو حياتكم ومجدکم ، أنا الواهب لكم حب الله وفرح الرجاء وسر الخلود.

والقديس بولس الرسول يرى أن الحياة الأبدية التي دعينا إليها هي هدف جهادنا وسعينا ، والمطلوب من الإنسان أن يمسك بها : « جاهد الجهاد الحسن وأمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضاً» (1تي 6 : 12). فالحياة الأبدية هدف حي واقعي نمسك به هنا وهناك. [1] 

 هذه الحياة هي الغاية التي من أجلها جاء المسيح : « جئت لتكون لهم حياة » . وهي النهاية التي من أجلها يعيش كل إنسان ويؤمن : « وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع المسيح ابن الله ، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه».

أمام قبر لعازر وعندما كان يتخاطب مع مرثا کشف المسيح عن إمكانياته بخصوص إقامة الميت وإعطائه الحياة ، قال : « أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد». فالذي يؤمن بالمسيح يدخل هذه الحياة الأبدية الآن مباشرة بدون موت ولا دفن ، بحيث لا تتوقف هذه الحياة الأبدية بعد ذلك إطلاقاً لا بموت ولا بأي شيء آخر.

الذي يؤمن بالمسيح لا يعود ينتظر القيامة في اليوم الأخير حتى يرى الحياة الأبدية، لأن المسيح ظهر أنه هو القيامة نفسها الآن وفي هذه الساعة ، فنحن الآن لا يعطلنا موت عن قبول الحياة الأبدية ، لأن المسيح الذي نؤمن به هو حياتنا كلنا . كذلك لا يعطلنا الآن انتظار القيامة العتيدة لأن المسيح الآن هو قيامتنا كلنا . يا لهذا العزاء العظيم !!

المسيح يرفعنا منذ الآن إلى حالة حياة حقيقية لا يؤثر فيها الموت الجسدي ولا يوقفها قبر ولا يقلل من قوتها اضمحلال الجسد وفناؤه ، لأنها قيامة حقيقية بالروح والحق ، قيامة إلهية في الله ، كل من يدخلها يبقى حي إلى الأبد ، حياً في المسيح ، لا يفقد من كيانه إلا ما فسد منه . لذلك يتحتم أن يفقد الجسد فساده حتى يسترده جديداً في عدم فساد .

المسيح لا يلغي الدينونة أو القيامة في اليوم الأخير، ولا ينفي أن الحياة الأبدية ستُستعلن جهاراً في القيامة بظهوره ؛ ولكنه يزيد على ذلك كله أن القيامة والعتق من الدينونة الآتية والحياة الأبدية كلها دخلت إلى العالم بدخوله واستعلنت وظهرت لكل من آمن ويؤمن بموته وقيامته حيا من الأموات : “الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة » .

إذن لا خوف من الموت بعد الآن ، ولا تشاؤم من عجز الإنسان ، ولا رعبة من دينونة قادمة ، فقد طُعَّمنا في جسد ابن الله فسرت فينا الحياة الأبدية وعبرنا خطورة الموت و اللعنة و الفساد ، وتجاوزنا حكم الدينونة بالضرورة ، لأن الذي يدين أصبح هو نفسه محامينا بل مُبرئنا ، بل قد صرنا متحدين بقاضينا؟

كل من يتحد بالمسيح الآن فإنه يوهب الحياة الأبدية في الحال بحيث أن القيامة في اليوم الأخير تأتي مضافة أو مُترتبة على شرط حصولنا على الحياة الأبدية منذ الآن . هذه الحياة الأبدية التي تمنح لنا لا يمكن الحصول عليها إلا بالمسيح ولا توجد وسيلة لدخولها فينا ودخولنا فيها إلا بالاتحاد بجسد المسيح ودمه : « من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير » ،” فقال لهم يسوع : الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم »[2]

الحياة الأبدية ليست مجرد وعد ننتظره بعين الإيمان ، بل هي روح حي ، إنما روحه أسكنه داخل قلوبنا يعمل لحسابه. وقد ينشط الروح حتى يغطي كل منافذ وحركات الجسد ، فلا يشتاق الجسد إلا إليه . فالحياة الأبدية عند الذين عرفوها وعاشوها حياة تصغر دونها الحياة الحاضرة ، يرتقي فيها المجدون من مجد إلى مجد ، وتتغير أشكالهم الروحية عن صدق وتحقيق لكي تُعد لتكون على صورة خالقها بكل الحق : “أيها الأحباء ، الآن نحن أولاد الله ، ولم يظهر بعد ماذا سنكون . ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله ، لأننا سنراه كما هو».

فحالنا الآن كحال جماعة أو فرقة تمثيل تتدرب باهتمام بالغ علی الأدوار التي أعطي لكل واحد أن يمثلها ، فنجد الواحد فيها يظل ليل نهار يحفظ ويسمع دوره ، ويقف أمام المرآة ويلقي دوره فلا يعجبه الأمر ، فيعود ويُحسن من أدائه وكلماته وحركاته. حقاً يا إخوة ، ستباغتنا لحظة سيُرفع فيها الستار ؛ فإذ نحن فوق ، نأخذ مواقعنا عن حقيقة وليس عن تمثیل ۔ هنا نلبس الأقنعة ، رضينا أم لم نرض . فيا نعيم من لبس قناع الضعف والفقر والمسكنة ؛ وأتقن دوره بصدق القلب حباً في الذي افتقر وهو غني ، ولبس الضعف وهو رب القوة ، وتمسكن وهو ابن الله. لأن هناك سترفع الأقنعة وتوهب أكاليل المجد . انظروا ، فالحياة الأبدية فينا وتبدأ من هنا بكل معطياتها ولكن تحت أقنعة ، فلا يرى منها إلا شقاء هذا الزمان[3] 

فاصل

  1. من كتاب ألقاب المسيح : أنا هو القيامة و الحياة ص 277
  2.  كتاب الإيمان بالمسيح ص 159
  3. من كتاب ألقاب المسيح : أنا هو الطريق و الحق و الحياة ص 210 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى