نحن والروح القدس

يوم انسكاب الروح القدس على البشرية ، يوم خالد لا تغرب شمسه لحظة . وهو ككل الأعياد والمواسم الكنسية ليس تمثيلية وليس تذكارة ؛ ولكن توقيع روحي على الزمن . فالزمن يستجيب وينفعل ويتغير ويحيا ، مثل العظام الميتة التي تحيا . فالروح مُحيي ، وبمجرد ما يلتحم بالزمن يُحوله إلى لا زمن وإلى خلود.

لذلك فحلول الروح القدس في هذا اليوم وهب للكنيسة هذا السر الفائق ، سر الالتحام ، الذي فيه تلتحم الكنيسة بالأبدية ، ويلتحم المنظور بغير المنظور ، والزمني بالأبدي.

منذ اليوم تتنفس الكنيسة الروح القدس وتتنفس القداسة، لذلك نسميها كنيسة مقدسة ، و قداستها دائمة طالما يسكن الروح فيها.

في الحقيقة لو أن الإنسان يحيا بالروح القدس ؛ فستصير كل أعماله ، حتى المادية منها ، أعمالاً مقدسة . لقد غير حلول الروح القدس مضمون عمل الإنسان وعرقه. كان العمل في القديم صورة بالكربون للعنة الأولى : « بعرق جبينك تأكل خبزك » ، فكان كل عمل يعمله الإنسان على الأرض هو صورة مصغرة أو مختومة بختم قديم جداً مكتوب عليه : ” هذا عرق اللعنة ” . ولكن بحلول الروح القدس تغير الحال تماماً، ليس فقط على المستوى الروحي ؛ ولكن أيضا على مستوى العمل المادي اليومي .

للأسف لقد غابت الكنيسة اليوم عن العالم ، لقد كان من المفروض أنا تعمل تحلي للعالم ، وللأرض ، ليس فقط في تغيير الناس للإيمان ؛ وإنما أيضا في تغيير مفهومة للعمل والجهد وعرق الجبين ، تغيير من كونه امتدادا للعنة الأولى إلى مصدر للبرکات ، قال عنها النبي ويكتب على القدور وأجراس الخيل قدس للرب». فأواني الطبيخ صارت مقدسة ، والخيول التي كانت مكروهة عند بني إسرائيل في القدم صار مكتوب عليها أنها مخصصة للرب . بمعنى أن الحياة كلها صارت مُتجلية ، كيف ؟ بالروح القدس .

أولاد الله لم يأخذوا للآن عافيتهم بالروح القدس ، فالمطلوب منا ليس فقط أن نعمل العمل الروحي ؛ ولكن أن نُطور العالم كله ، نبث الروح القدس في كل مكان ، لنُغير وجه الأرض.

الكنيسة اليوم محتاجة إليك ، محتاجة إلى صلاتك . إن أنت لم تُصل خسرت أنت ، وخسرت الكنيسة. عليك أن تحس بما يريده الله منك البصنعه من أجل الآخرين بواسطتك . فإذا أنت تكاسلت و تهاونت تكون النتيجة أن عمل الله يتعطل ، وتحمل أنت الجُرم . الله يريدك أن تصلي لكي يعمل بالروح القدس في قلوب الآخرين لأجل أمور يحتاجوها.

اسمع الآية : « صلوا بعضكم لأجل بعض واطلبوا بعضكم لأجل بعض لكي تُشفوا » . الروح القدس ينبه اليوم قلوبنا ، يكلمنا في الإنحيل ، يُسمعنا صوته بكل طريقه ، يقول لنا صلوا من أجل الآخرين ، اطلبوا من أجل شفائهم ، ليس هو شفاء جسدي ، ولكن من مرض اسمه : الانصداد عن الحياة الأبدية .

للأسف أنت تقول : ” أنا قد استغنيت ، وليست لي حاجة لشيء ” ، ولكن الروح يقول لك : ” أنت شقي وفقير وعريان ، تعال خذ مني الروح القدس للصلاة ” . اعلم أن الرب يريد أن يعطيك ، ولكن عليك أنت أن تطلب . الرب يديه مملوءة عطايا ومواهب ، ولكنه لن يعطيها إن لم تخطفها منه ، يريدك أن تغتصبها من يده . وأعظم هدية تأخذها من الروح القدس هي الصلاة.

الروح القدس هو كملكوت الله غصب والغاصبون يختطفونه . فإن هو به قلبك لفكرة معينة فلا تتوانى وستجد منه معونة ، وسيعطيك القوة على التنفيذ ، وستفعل أمورا لأول مرة تصنعها في حياتك.‏

 وسيعطيك الروح القدس فهماً للإنجيل ، آية وراء آية ، وأصحاح وراء أصحاح، بعد أن كنت من قبل لا تفهم شيئاً ؛ كما إنك ستجد آیات تجدها موجهة لك ، فيها كل حياتك ، وكأن الرب يخاطبك من خلالها مباشرة . وهناك أمور يشدد عليها الروح ، يحثك عليها ، يكررها عليك مرارة يريد أن يقول لك شيئا ، فلابد أن تتجاوب معه ، إياك أن تهرب وتترك الصلاة ، إياك أن تمل ، وتقول : زهقت ومليت . بل قف صل أيضا . 

كيف أسترضي وجه الروح القدس؟

الروح القدس هو إشبين النفس لأنك ولدت من حضنه في المعمودية.

هو الذي يُعرفك بالحد الذي نلته بدخولك في الزيجة السرية بينك وبين الرب.
ولكن كيف أمسك ، في خناق الروح القدس ؟ الأمر في منتهى البساطة : حصر القلب والعقل فيه . هذا هو العمل الوحيد الذي عليك أن تعمله ، أن تحصر عقلك في الروح القدس ، وتحصر قلبك في الروح القدس ، وتعيش معه اليوم كله ، وتناجيه وتُوقف حياتك وساعاتك وأوقاتك في الطلبة المستمرة لكي يحقق لك المسيح وعده بأن يعرفك بكل الحق ، فهو القادر لأن “يعلمكم كل شئ” . فإذا توسلت إليه بدموع وأنت في محنة ، مثلاً من أجل خطية مُتعبة فيك من جهة عداوة ، بغضة ، أفكار غير طاهرة … وتقول له : “أريني قوتك ، كيف يكون المسيح فيَّ وأنا أعيش کهائم آكل الخرنوب ؟ ! } عندئذ ستجده قريباً منك ويُعرفك قوتك ونُصرتك في المسيح ، وعندئذ تجد الفكر قد ذهب تماماً، والقوة الشيطانية المسيطرة على العقل ذابت ذوبان ، وإذا بالشخص الذي كنت أتألم بسببه قد صار کملاك أمامي.

وإذا ضغط عليك فكر نحس مثلاً، بالليل أو بالنهار ، قم منتفضاً ساجداً على الأرض ، وناد الرب ، هنا سيتحول الفكر إلى فكر مقدس وستحس بالرب يسوع كقوة فاعلة فيك للمجد.

الروح القدس يأخذ مما للمسيح ويعطينا :

عمل الروح القدس أنه يعرفنا بكل أعمال المسيح وبكل صفاته وعطاياه . أطلب أي شيء يعجبك ، أطلب من أجل شيء يتعبك ، تذكر الروح القدس واطلب منه ، تجده يُوجهك ويُعرفك بالذي عمله المسيح لك في هذا الأمر ، فتأخذ قوة ، وتأخذ صرة ، وتأخذ فرحاً وتعزية.

المسيح هو نُصرتك ، هو سلامك ، هو قوتك ، هو عزاؤك وفرحك ، هو ماؤك الحي ، هو حياتك الأبدية، هو وداعتك واتضاعك، هو مسكنتك .. هو كل شيء . فإذا انتابك روح كبرياء وعجرفة ، يأتيك المسیح کودیع و متضع ويذيبك ذوباناً، ولكن لابد من توسط الروح القدس . إنه يقرب لك المسيح ، فتراه على قدر ما يمكنك إدراكه قليلاً قليلاً.

فالروح القدس هو الواسطة الذي يقدر أن يصل ما بين المسيح وبينك . يقدر أن يُحضر لك المسیح المتضع فتتضع ، والمسيح النور فتنير ، والمسيح الحلو فتصير حلواً، والمسيح الطاهر فتصير طاهراً، ولا يصعب عليك شي إطلاقاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى