كنز الروح في إناء النفس الخزفي
العظة الخمسون للقديس أنبا مقار
[الله هو الذي يصنع العجائب بواسطة قديسيه]
[أ] الله يعمل بواسطة قديسيه
1- تُری من الذي أغلق أبواب السماوات؟ إيليا أم الله الذي كان فيه الذي أمر المطر؟ إني إخال أن ذاك المتسلط على الماء هو نفسه جلس في داخل عقل إيليا، وبواسطة لسانه منعت کلمه الله المطر أن ينزل على الأرض ، ثم تكلم مرة أخرى فانفتحت أبواب السماوات وانهل المطر[1]. بالمثل أيضاً موسی قد طرح عصاه فصارت حية ، ثم تكلم مرة أخرى فعادت عصا[2] ، وأخذ رماداً من الأتون وذرَّاه فصار دمامل[3] ، وأمر أيضا فصار البعوض والضفادع[4] ؛ ألعل طبيعة البشر لها القدرة أن تصنع هذه الأمور ؟ لقد تكلم إلى البحر فانشق[5]، وإلى النهر فتحول إلى دم[6] . فواضح أن قوۀ سماوية كانت تسكن في عقل موسی وتعمل هذه الآيات بواسطته .
2 – وداود كيف استطاع دون سلاح أن يجابه مثل هذا العملاق في الحرب؟ فإنه لما رمي الحجر تجاه الفلسطيني ، كانت يد الله تُصوب الحجر بواسطة يد داود، وهذه القوة الإلهية ذاتها هي التي قتلت الفلسطيني جالبة النصرة[7] ، لان داود ما كان ليستطيع هذا لضعف جسده . ويشوع بن نون عندما مضى إلى أريحا حاصرها سبعة أيام وهو لا يقوى بطبيعته الخاصة أن يصنع شيئاً، لكن لما أمر الله سقطت الأسوار من ذاتها[8]. وحين دخل أرض الموعد قال له الرب : “امض إلى الحرب” ، فأجابه يشوع : “حي هو الرب إني لن أمضي بدونك” . ومن هو الذي أمر الشمس أن تقف ساعتين أُخريين والحرب دائرة الرَّحی[9] هل طبيعته وحدها أم قوة ملازمة له ؟ وموسى حينما واجه عماليق، كان إذا بسط يديه إلى السماء نحو الله يطأ عماليق ، أما إذا خفض يديه فكان عماليق يغلب[10] .
[ب] انسكاب الروح ہغنی بمجيء المسيح
٣- لكن حين تسمع أنت بهذه الأمور التي حدثت ، فلا يذهبن عقلك بعيداً، لأن تلك كانت رمزاً وظلاً للأمور الحقيقية . فلتطبق إذا هذه الأمور على ذاتك ، فحين تبسط يدي عقلك وأفكارك نحو السماء مبتغياً الالتصاق بالرب ، يصير الشيطان تحت أفكارك. وكما أنه في أريحا قد سقطت الأسوار بقوة الله ، كذلك الآن أيضا أسوار الشر التي تعترض سبيل عقلك ، ومدن الشيطان وأعداؤك ، جميعها تُباد تماماً بقوة الله. وهكذا كانت قوه الله في عهد الظل حاضرة مع الأبرار بلا انقطاع وصانعة عجائب ظاهرة ، أما في داخلهم فكانت النعمة الإلهية تسكن فيهم . بالمثل أيضاً كان الروح القدس يعمل ويخدم في الأنبياء، في نفوسهم ، لكي يتنبأوا ويتكلموا حين كانت الحاجة تقتضي التكلم إلى العالم بأمور عظيمة، إذ لم يكونوا يتكلمون في كل حين بل متى شاء الروح القدس غير أن القوة كانت دائماً حاضرة معهم .
4 – فإن كان في عهد الظل قد انسكب الروح القدس بهذا المقدار ، فكم بالحري في العهد الجديد، عهد الصليب ومجيء المسيح ، حيث تحقق انسكاب الروح القدس والسكر به ، لأنه يقول : « سأسكب من روجي على كل جسد » ( یوء ۳ : ۱ س ؛ أع ۲ : ۱۷ ) . وهذا هو ما قاله الرب نفسه : « سأكون معكم إلى انقضاء الدهر » ( مت 28: 20 النص ) ، « لأن كل من يطلب يجد »[11] ، فإنه يقول : « إن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة ، فكم بالحري أبوكم السماوي يُعطي الروح القدس للذي يسألونه » ( لو ۱۳:۱۱ – حسب النص ) – يعطيه بقوة وبيقين شدید بحسب قول الرسول[12]. فمثل هذه الأمور إنما توجد لنا بقياسٍ وبتعبٍ ونَصَبٍ كثير وصبر ومحبة من نحوه، بعدما تكون حواس التنفس قد تدربت – كما قيل – بالخير وبالشر[13] ، أي بمكايد الشر وفخاخه ومختلف هجماته وأشراكه ، وبالمثل كذلك بالمواهب المتنوعة والمعونات المختلفة التي لفعل الروح القدس وقوته. لأن الذي يعرف فخ الشر الذي يُنجس الإنسان الباطن بواسطة الأهواء ، ولا يعرف في ذاته جِدَّ المعرفة معونة روح الحق القدوس التي تُقوي ضعفه وتجد نفسه في بهجة قلب، مثل هذا يسلك بلا تمييز ، غير عالم بعد بتنوع تدبير نعمة الله وسلامه . لكن أيضاً الذي يتلقى المعونة من الرب ويوجد في غبطة روحية ومواهب سماوية ، إن هو ظن أنه لم يعد يؤذى بعد من الخطيئة ، فإنه ينخدع من حيث لا يدري ، إذ لا يُميز دهاء الشر ولا يفهم نمو الطفولة قليلاً قليلاً وكمالها في المسيح بمؤازرة الروح القدس الإلهي. فإنه في الوقت الذي فيه ينمو الإيمان ويأخذ في الترقي ، يتداعى كل حصن للأفكار الشريرة شيئاً فشيئاً حتى ينهدم تماماً[14].
فينبغي إذا لكل واحد منا أن يفتیش ، هل وجد الكنز في إناء الخزف هذا ؟[15] ، هل لبس أرجوان الروح القدس ، هل رأى الملك ونعم بالراحة مقترباً منه غاية الاقتراب ، أم إنه لا يزال يتمشى في الديار الخارجية البعيدة . فإن للنفس أعضاء كثيرة وغوراً عميقاً، وعندما دخلت الخطيئة أمسكت بأعضائها جميعاً وبمراعي قلبها . فحين يطلب الإنسان ، تأتي النعمه إليه وتمسك ربما بعضوين للنفس ، فالذي لا خبرة له حين ينال عزاء من النعمة يتوهم أن النعمة لما أتته أمسگت بجميع أعضاء النفس وأن الخطيئة قد اقتُلعت من أصولها ، في حين أن الجزء الأكبر لا يزال ممسوكا من الخطيئة بينما جزء واحد فقط هو الذي تحت سلطان النعمة ، وهكذا فإنه يُسرق دون أن يدري.
مع أنه لا يزال لدينا الكثير والكثير عن هذه الأمور لنكتبه إلى نيتكم المخلصة ، إلا أننا أعطيناكم بهذا القليل فرصه كما لرجال فهماء ، لكي إذا ما عملتم وفحصتم قوة الكلام صرتم أوفر فهماً في الرب وزدتم في بساطة قلوبكم بنعمته وبقوة الحق ؛ حتى إذا ما تمسكتم بكل حرص بخلاصكم، وأنقذتم من كل عبث وغش للمقاوم ، تؤهلوا لأن توجدوا بلا عثرة ولا لوم في يوم قضاء ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى الدهور ، آمين .
- انظر : 1مل 1:17، 41 – 45 .
- انظر : خر 4 : 3 ، 4 .
- انظر : خر 9: 9.
- انظر : خر 8: 17 ،6
- انظر : خر 21:14
- انظر : خر 7 : 20
- انظر : 1صم 49:17.
- انظر : یش 6 : 1-20 ۔
- انظر : یش 12:10
- انظر : خر 11:17
- انظر : مت 7 : 8 ؛ لو 10:11 .
- انظر : 1تس 5 :1 .
- انظر : عب 5: 14 .
- انظر : 2 کو 4:10
- انظر : 2 کو 7:4 .
- من كتاب العظات الخمسون للقديس أنبا مقار
- لقراءة العظات كاملة في مقالات منفصلة إضغط هنا – العظات الخمسون للقديس أنبا مقار