التفسير القديم للكتاب المقدس- لوقا أصحاح 4
1:4 -13 تجربة يسوع في البرية
ورجع يسوع من الأردن، وهو ممتلي من الروح القدس، فاقتاده الروح في البرية أربعين يوما، وإبليس يجربه، ولم يأكل شيئا في تلك الأيام. فلما انقضت جاع. فقال له إبليس: «إن كنت ابن الله، فمُر هذا الحجر أن يصير خبزاً». فأجابه يسوع: «مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله». وأصعده إبليس إلى جبل مرتفع، وأراه في لحظة من الزمن جميع ممالك المعمور، وقال له: «أُوليك هذا السلطان كله ومجد هذه الممالك، لأنه سلم إلى وأنا أوليه من أشاء. فإن سجدت لي، يعود إليك ذلك كله». «فأجابه يسوع: «مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد». وأخذه إلى أورشليم، وأقامه على شرفة الهيكل وقال له: «إن كنت ابن الله، فألق بنفسك من ههنا إلى الأسفل، لأنه مكتوب: يوصي ملائكته بك ليحفظوك»، ومكتوب أيضا: «على أيديهم يحملونك لئلاً تصدم بحجر رجلك». فأجابه يسوع: «لقد قيل: لا تجرب الرب إلهك». فلما أنهى إبليس جميع ما عنده من تجربة، انصرف عنه إلى حين.
نظرة عامة:
ينتظر إبليس يسوع حتى يبلغ الثلاثين ليجربه، لأن يسوع يعلن أنه مسيا في اعتماده (أفرام). تتناول المقدمة يسوع وتحركاته، فكان الروح يقوده في البرية ليصوم (كيرلس الإسكندري). طرد آدم خارج الفردوس إلى البرية، أما المسيح آدم الجديد فيذهب إلى البرية بالأصالة عنا، لينطلق من برية التجارب إلى العودة بنا إلى الفردوس (أمبروسيوس).
تحاول الـتجربة الأولى أن تغري يسوع بخطيئة الشراهة التي صبت اللعنة على آدم الأول (أوريجنس). سقط آدم بتناول طعام لـم يـكـن مـأذونـا لـه في أن يـأكـلـه يسوع ينتصر بعدم تناوله طعاما يغريه إبليس بأكله في لحظة جوع بعد صيامه أربعين يوما (كيرلس الإسكندري). يسوع ابن الله المتجسد، كلمة الله، هو خبز الحياة النازل من السماء ليشبعهم ويهزم بـه إبليس (أمبروسيوس).
في الـتـجـربـة الثانية، يري إبليس يسوع ممالكه، أي سيادته على العالم. ممالكة لم تـكـن كـمـمـالـك رومـا أو بـلاد فارس (أوريجنس). لقد سيطر إبليس على العالم بالحيلة، لكن الآن أتى المسيح وأعاد العالم إلى سلطته بآلامه الطوعية وبموته (كيرلس الإسكندري). في التجربة الأخيرة يغير إبليس أسلوبه، أما يسوع فيبقى على ما هو عليه (أفرام). أغري آدم بالأكل، وحواء استجرت إلى أن تعبد إلها آخر غير الرب (أمبروسيوس). يحدث المزمور كل إنسان صالح أعطي القدرة في المسيح على أن يدوس الحيات والعقارب كما وعد الرب السبعين (أوريجنس). مع أن الهيكل سيدمر، فإن شرفتـه أي يسوع سيدوم إلى الأبد (برودنتيوس). إن يسوع سيجبه إبليس ببشارته، وإبليس سيزار كالأسد عند الصلب (أوغسطين). إن تجربة إبليس لـيـسـوع تـرمـر إلـى آلام يسوع وانتصاره على الصليب.
4: 1- 2 كان يقوده الروح في البرية أربعين يوماً
لماذا ينتظر إبليس يسوع حتى يبلغ الثلاثين ليجربه.
أفرام: لماذا لم يجربه إبليس قبل بلوغه الثلاثين؟ لأن علامة لاهوته الثابتة لم تكن قد أعطيت من السماء بعد، ظهر وضيعا كالآخرين، ولم يكن مـوضـع تـكـريـم شـعـبـه. أحـجـم إبليس عن تجربته حتى بدء هذه الحادثة. لما «ها هو حمل الله»، «هـا هـو الذي يحمل خطايا العالم»، دهش. مع ذلك انتظر حتى اعتماده ليرى هل كان سيعتمد كما لو أنه بحاجة إلى الاعتماد.
ثم رأى ألق النور على الماء، وسمع الصوت الذي جاء من السماء، وعرف أن الذي يتم كل حاجة قد نزل في الماء، وأنه لم يأت إلى الاعتماد كما لو أنه بحاجة إليه، فكر إبليس مليا وقال في نفسه «إذا لم أجربه يبقى أمره مخفيا عني». لكن لا يليق بالمحسن أن يقاوم إرادة من جاء ليجربه. ولعدم معرفته بكيفية تجربته، لم يقترب إبليس منه. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان 4. 4-5)
كان يقوده الروح في البرية ليصوم.
كيرلس الإسكندري: يـقـول: «كـان يـقـوده الروح في البريـة أربعين يـومـا، وإبليس يجربه». ما معنى «يقوده»؟ يعني أنه كان يقوده إلى حيث استقر به المقام…
إذا، سكن في البرية في الروح، أي روحيا. صام، ولم يشبع ضرورات الجسد، أظن أن بعضهم قد يتساءل معترضا: «ما الضرر من أن يقيم في المدن؟ ما الفائدة من أن يختار سكناه في البرية؟ ما كان يعوره شيء. لماذا صـام؟ لماذا كـان ينبغي أن يتعب سمع ويشقى؟ إنه لا يعرف رغبة فاسدة. أما نحن فنمارس الـصـيـام لـنمـيـت فـيـنـا اللذة، ونـحـارب شريعة الخطيئة الطاغية على أجسادنا، ونقضي على الأهواء التي تؤدي بنا إلى الشبق. لكن لم احتاج المسيح إلى الصيام؟ يـمـيـت الآب الخطيئـة الـتـي فـي الجسد بجسده. ويكبح تحركات الجسد فينا. لقد أبطل الخطيئة في الكائنات البائسة، أي فينا. فإلى أي نوع من الصيام يحتاج؟ هو مقدس، طاهر بطبيعته، كلي النّقاوة، وبلا عيب، ولا يختبر أي تغيير. (تفسير القديس لوقا 12)
يخرج آدم من الفردوس إلى البرية، والمسـيـح مـن الـبـريـة إلى الفردوس.
أمبروسيوس: في الكتاب أن آدم الأول طرد من الفردوس وألقي في البرية، وأن آدم الثاني عاد من البرية إلى الفردوس. آدم أتى بالموت بعد أكله من الشجرة. والمسيح أتى بالحياة بعد تسميره على شجرة. آدم لما تعرى روحيا اتّخذ من ورق التين مآزر له. والمسيح لما تعرى دنيويا لم يرغب في زخرف الجسد. عاش آدم في البرية، واختار المسيح العيش في البرية ليجد الضالين. ولما أبطل خطيئتهم دعاهم إلى الفردوس. كان ممتلئا من الروح القدس الذي قاده إلى البرية لـيـجـبـه إبليس. فلو لم يقاتله لما انتصر عليه من أجلي. ( عرض القديس لوقا 4. 7-14)
4-3:4 الـتجـربة الأولى – من حجارة إلى خبز
تجـربـة الـشـراهـة الأولى أسرت آدم الأول.
أوريجنس: يقول مرقس ولوقا: «إن إبليس جرب يسوع أربعين يوما». واضح أن إبليس كان يجربه في أثناء تلك الأيام، عن بعد، بالنُعاس، والتهاون، والجبن، وبغيرها من الخطايا. فلما عرف أن المسيح جاع دنا منه وفاجأه علانية. أنظر إلى ما فعله. كان قد سمع من يوحنّا ومن الصوت الذي أتى من على أن «هذا الرجل هو ابن الله». لم يعرف أن «ابن الله» صار بشرا، لأن الله أخفى عنه تجسده الفائق الوصف. ظن أن الله رضي عن المسيح لفضائله، حسده على هـذه الـكـرامـة كما حسد آدم القديم. كـان يتلهف لإلقائه في هوة، تماما كما ألقى آدم الأول. يقترب من يسوع ويشرع في تجربته الأولى، وهي تجربة الشراهة التي أسر بها آدم الأول. ولعدم وجود طعام في البرية… أمره بأن يصنع من الحجر الذي ذكره خبرا. أنظر إلى خداع إبليس وشره العظيم – حاول أن يبعد المسيح عن معرفة خطته. لم يقل «صير الحجر خبرا»، بل افتتح كلامه بقوله «إن كنت ابن الله». فعل هذا مظهرا أنه بإتمام هذا العمل يبرهن المسيح أنه ابن الله. كان يظن أن المسيح سينزعج إذا لم يقل إنه «ابن الله». ظن أن المسيح لن يدرك الخدعة فيصير الحجر خبرا، لأنه رجل ذو قدرة من لدن الله. وعندما يرى الخبز وهو جائع سيذعن لمعدته. لكن إبليس لم يفلت من تيقظ من «يمسك الحكماء بدهائهم». أجاب المسيح: «يقول الكتاب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان». أدرك أحابيل إبليس. فلم يجر الآية التي طلبها إبليس. إنه كان يجري الآيات ليساعد الذين يرونها. (مواعظ على لوقا، مقطع 96)
لم يقل يسوع «أقدر» ولم يقل «لا أقدر».
كيرلس الإسكندري: قال إبليس: «إن كنت ابن الله فمر هـذا الحجر أن يصير خبرا». يدنو إبليس من يسوع كرجل عادي، وكأحد القديسين: انتابته الشكوك في كونه المسيح. كم تمنى أن يعرف ذلك؟ أدرك أن تغيير طبيعة أي مخلوق هو رهن بالقدرة الإلهية. فالله هو الذي يصنع ويغير ويبدل. قال إبليس: «إن فعل ذلك فإنه سيفسد قدرتي. لكن إذا رفض القيام بهذا التغيير، أعامله كبشر. لن أدع الخوف يستبد بي. هكذا سأنقذ نفسي من الخطر». أما المسيح المدرك خطة ذلك التنين فلم يأمر الحجارة بأن تنقلب خبرا، ولم يقل إنه عاجز عن الأمر أو رافض له. لقد أبعد الرب إبليس كما يبعد كل مزعج متطفل وقال «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، يعني: إذا أعطى الله الإنسان القدرة، يبقى على قيد الحياة بلا طعام، ويـحـيـا كـمـوسـى وإيـلـيـا الـلـذيـن استطاعا أن لا يأكلا طعاما مدة أربعين يوما. إذا كان باستطاعة المرء أن يحيا بلا خبر، فلماذا أجعل الحجر خبرا؟ لا يقـول «إني عاجز»، خشية أن ينكر إبليس قدرته. ولم يقل «إني قادر» خشية أن يغرب إبليس عنه بعد أن يكتشف أنه هو الله القادر على كل شيء. أرجوك أن تنظر كيف تنبذ طبيعة الإنسان في المسيح خـطـايـا شـراهـة آدم. بالأكـل هـزمـنـا فـي آدم، وبالامتناع عن الأكل انتصرنا في المسيح. (تفسير القديس لوقا 12)
يهزم يسوع إبليس بالخبز السماوي – كلمة الله.
أمبروسيوس: أنظر إلى أسلحة المسيح التي ينتصر بها من أجلك لا من أجـل نـفـسـه فـمـن أعـلـن أن الحجر يتحول بعزته إلى خبز يعلمك أن لا تفعل شيئا لمصلحة إبليس، أو لكشف الفضيلة، في الوقت نفسه، تعلم من التجربة ذاتها دهاء إبـلـيـس الـبـارع…. أمـا الـرب… فقد أجاب: «مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله».
أوترى أي نوع من الأسلحة يستخدم ليدافع عـن الإنسان، وهـو مـحـمـي ضـد إغراءات الشهية، وضد اعتداء الشر الروحي… لا شك في أن الإلهي يفوق البشري، كما يفوق الروحاني المادي. لذلك من رغب في الحياة الحقيقية انتظر ذلك الخبز الذي بمادته غير الملموسة يشدد قلب الإنسان. وفي قوله «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، يظهر أن نـاسـوتـه مجرب، بحكم قبـولـه لجسدنا، لا لاهـوتـه (عـرض الـقـديس لوقا 4. 18-20)
8-5:4 التجربة الثانية – ممالك الأرض
ما بينه إبليس ليسوع هو أنه كان يحكم العالم.
أوريجنس: لا نظنن أن إبليس أراه مملكة الفرس ومملكة الهنود، بل «أراه ممالك الـعـالـم»، أي مملكته، وكيف يتصرف بها. (مواعظ على لوقا 30: 1-2 )
الممالك التي سيطر عليها إبليس بالحيلة، يعيدها يسوع الآن.
كيرلس الإسكندري هل ظننت أنه سيعبدك ذاك الذي ترتعد منه الأشياء كلها، فيما تسبح مجده الساروفيم وكل القوات الملائكية؟ مكتوب: «للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد».ذكر هذه الآية لتدمي قلبه. إبليس، قبل مجيئه، خدع كل ما تحت السماء، وكان معبودا في كل مكان. لكن شريعة الله أبعدته عن سيادة اغتصبها بالحيلة، وأمرت الناس أن يـعـبـدوا مـن هـو بـطـبـيـعـتـه إلـه حق، وأن يخدموه وحده. (تفسير القديس لوقا 12. 5)
4: 9- 12 التجربة الثالثة – شرفة الهيكل
يستعمل إبليس الـكـتـاب المقدس استعمالاً انتقائيا لمصلحته.
أفرام: أوقفه على شرفة الهيكل. أراد إقناعه بأن من هو إنسان يمكنه أن يصير إلها بوقوفه على شرفة الهيكل، تماما كما أقنع آدم بأنه يمكنه أن يـصـبـح إلـهـا بـأكـلـه مـن تـلك الشجرة. أخـذه إلى الجبل، وكأنه بحاجة لذلك. قال: «أعطيك هذه الممالك إذا سجدت لي». غير إبليس نمط أحابيله، ولم يغير الكائن الحقيقي، في البدء خلق الله إبليس، ولما انتهى كان إبليس بحاجة إليه، وكثيرا مـا سـجـد لـه. لكن غطرسته في عـبـادتـه أعـمـت بـصـره عـن كـل مـا نـالـه فعوقب إن إبليس لم يعترف بمن عرفه بـالـود، خـاطـبـه الـرب بـاسـمـه فـقـال: يا شيطان. لكن الشيطان لم يعرف كيف ينبغي أن يخاطب ربنا. لذلك قال له: «ألق بنفسك من ههنا إلى الأسفل، لأنه مكتوب: «على أيديهم يحملونك لئلا تـصـدم بـحـجـر رجلك» [مزمور 91 (90):12]. أيها المجرب، إذا تم ما أنبأ به المزمـور: «مـكـتـوب بـريـش جـنـاحـيـه يظللك»، ، فلا يمكن للطير أن يسقط، لأن الـهـواء تحت جنـاحـيـه هـو بمثابة الأرض. «مكتوب أيضا تطأ الصل والأفعى وتدوس الشبل والتنين؟» درس إبليس الآيات المناسبة له، وضرب صـفـحـا عـمـا يـنـافي مصلحته أهل النحلة ينسجون على منواله. يجتزئون من الكتاب آيات تلائم تعليمهم المغلوط، ويهملـون مـا يفضح أخـطـاءهم، وهكذا يثبتون أنهم تلاميذ معلمهم. (تفسير الإنجيل الرباعي لتاتيان c8-a8.4)
يغرى آدم بـالـطعام، وتغرى حواء بعبادة إله آخر.
أمبروسيوس: أترى كيف أن الضلال القديم أزيل عند موطئ قدمي المسيح، وأشراك العدو أبطلت: المعدة أولاً، ثم الزني، ثم الطمع. آدم أغرى بالطعام فخالف متعمدا وصية عدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وطـمـع، وقد أعـمـتـه أهواؤه، في أن يكون مثل الله. لكن الرب محا دين الخطيئة القديمة، فنتعلم ونحن نقطع ربط الأسر أن نتغلب على خطايانا بمساعدة الكتب المقدسة.
يهز إبليس العالم كله بخداع ماكر ليفسد إنسانا، ويقاتل بإغراءات هذا الدهر. يجب أن تحترس من تملقه… لو كانت حواء راغبة في أن تعبد الرب وحده، لما سعت إلى ما يسيء إليها. لذلك أعطي علاجا يثلم حربة الطموح، فنسجد للرب وحده. فالطمع يـتـزايـل عـنـد الإخلاص والورع (عـرض القديس لوقا 4. 33-34)
لم يحتج يسوع لمساعدة الملائكة.
أوريجنس: لننظر إلى ما يقوله إبليس للرب مستشهدا بالكتب المقدسة: «مكتوب: «علی أيديهم يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك». أنظر ما أدهـاه حتى في ما ينتقي من آيات! إنه يتعمد التقليل من مجد المخلص، كما لو أن المخلص بحاجة إلى مساعدة الملائكة، أو كما لو أن رجله ستصطدم بحجر ما لم تحمله على أيديها. يقتبس إبليس آيته من الكتاب المقدس ويطبقها على المسيح، مع أنها لم تكتب عن المسيح بل عن القديسين. بكل حرية وبثقة كلية أنا أناقض إبليس. فهذه الآية لا تنطبق على شخص المسيح، لأن المسيح لا يحتاج إلى مساعدة الملائكة. هو أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أعظم من أسمائهم، «فلمن من الملائكة قال الله يوما أنت ابني. وأنا اليوم ولدتك ».( مواعظ على لوقا 31. 4-5)
شرفة الهيكل هي المسيح.
برودنتيوس: ما زالت الشرفة قائمة بعد دمار الهيكل، لأن الـزاويـة المبنية من ذلك الحجر الذي رفضه البناؤون ستبقى إلى أبد الآبدين. الآن هي رأس الـهـيـكـل، وتجمع الحجارة الجديدة بعضها إلى بعض. (مشاهد من التاريخ المقدس 31)
13:4 فارقه إلى حين
فارقه ليعود كأس زائر عند صلبه. أوغسطين: بعد أن جرب إبليس الرب ثلاث مرات، مغريا إياه بـالـلـة والـفـضـول والكبرياء، ما كان تعقيب الإنجيلي؟ بعد أن أنـهـى إبليس كل إغراءاته، بـقـي عـلـيـه أن يتفنن في نوع جديد منها: المعاملة الخشنة والوحشية والشنيعة والشرسة. نعم، هناك نوع آخر من التجربة. عرف الإنجيلي هذا، عـرف مـا قـام بـه إبليس وما تبقى لديه، فقال: «لما أنهى إبليس جميع ما عنده من تجربة، انصرف عنه إلى أن يحين الوقت». فارقه كثعبان خبيث ليعود بشكل أسد هائج فمن يطأ الصل والأفعى ويدوس الشبل والتنين سينتصر عليه، سيعود إبليس وسيدخل في يهوذا ليخون سيده. سيأتي بـالـيـهـود مـتـوقـديـن مـن الغضب. ومعهم سيصرخ: «اصـلـبـه، اصلبه!» المسيح منتصر هناك، فلماذا نذهل؟ فهو الله العظيم القدير. (موعظة 284. 5 في عيد ميلاد الشهيدين ماريانوس ويعقوب)
14:4 – 15 يسوع يشرع في التبشير
وعاد يسوع إلى الجليل بقوة الروح، فانتشر خبره في الناحية كلها. وكان يعلم في مجامعهم فيمجدونه جميعا.
نظرة عامة:
يدون لوقا أن يسوع «عاد إلى الجليل بقوة الروح» مشيرا إلى أن قوة الروح تجلت في تـعـلـيـم يسوع في المجامع (أوريجـنس). هناك إيقاع أسبوعي في تعليمه، إنه ينطلق من مائدة في السبت إلى أخرى، ومن مجمع إلى آخر، ومن خدمة إلى أخرى (أفرام). وقد أعجب الناس بتعليمه وانـتـشـر خـبـره فـي الجـلـيـل كلـه. وقد أتت شهرته أيضا من المعجزات التي أجراهـا بصفته ابن الله (كيرلس الإسكندري).
تعلن قوة الروح في تعليم يسوع في المجامع.
أوريجنس: أولا، «رجع يسوع من الأردن وهو ممتلي من الروح القدس، بعد أن قادة الروح في البرية أربعين يوما». لما جرب إبليس يسوع، ذكرت لفظة «الروح» مرتين بلا نعت… أنظر ما كتب عن الروح بعناية ودقة، بعد أن جبه يسوع إبليس وتغلب عليه في التجارب الثلاث التي يذكرها الكتاب المقدس. تقول الآية: «عاد يسوع بقوة الروح». أضيفت لفظة «القوة» هنا لأن يسوع داس التنين وقهر المجرب بعد صراع مرير، «عاد يسوع إلى الجليل بقوة الروح، فانتشر خبره في الناحية كلها. وكـان يـعـلـم فـي مـجـامـعـهـم فـيـمـجـدونـه جميعا». (مواعظ على لوقا 32. 1-2)
كان تعليمه في المجامع نموذجا لبشارته.
أفرام: «أتى الناصرة حيث نشأ، ودخل المجمع يوم السبت على عادته». ما هي عادة من قد أتى الآن؟ أتى الناصرة، وبدأ يعلم في المجامع لا خارجها. بما أنّ المسألة متعلقة بـخـدمـة الهيكل، فقد أخذ يحدثهم عن إلههم. فلم يعلن لهم ذلك خارج المجمع. (تفسير الإنجيل الرباعي لـتـاتيـان11. 23)
انتشار خبره يأتي من معجزاته كابن لله.
كيرلس الإسكندري: إن يسوع، بعد أن هزم إبليس وكلل طبيعة البشر في ذاته بالجوائز، عاد إلى الجلـيـل بـقـوة الـروح، مستعملاً قدرته وسلطته. أجرى معجزات إلهية كثيرة، فاستولت الدهشة على الناس. لم يجر المعجزات الإلهية، لأنه نال نعمة الروح المعـطـاة مـن الخارج، كمـا تـنـالـهـا جماعة القديسين، بل لأنه بطبيعته ابن الله… قال للاب: «كل ما هو لي هو لك، وكل ما هو لك هو لي، وأنا أتمجد بهم». يتمجد بقوة الروح، وكأنها قوته وقدرته. فالروح مساو له في الجوهر. (تفسير القديس لوقا 12. 14)
16:4 – 30 بشارة يسوع في الناصرة
وأتى الناصرة حيث نشأ، ودخل المجمع يوم السبت على عادته، وقام ليقرأ. فدفع إليه سفر النبي إشعيا، ففتح السفر فوجد المكان المكتوب فيه : «روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين وأرسلني لأشفي منكسري القلوب وأنادي للأسرى بالحرية وللعميان بعودة البصر إليهم وأفرج عن المظلومين وأعلن سنة رضا عند الرب». ثم طوى السفر فأعاده إلى الخادم وجلس. وكانت عيون أهل المجمع كلهم شاخصة إليه. فأخذ يقول لهم: «اليوم تمت هذه الآية بمسمع منكم». فشهدوا له كلهم، وتعجبوا من كلام النعمة الذي يخرج من فمه وقالوا: «أما هذا ابن يوسف؟» ” فقال لهم: «ستقولون لي هذا المثل: يا طبيب اشف نفسك. فاعمل ههنا في وطنك كل ما سمعنا أنه جرى في كفرناحوم». وأضاف: «الحق أقول لكم: ما من نبي يقبل في وطنه». وبحق أقول لكم: «كان في إسرائيل كثير من الأرامل في أيام إيليا، حين احتبست السماء ثلاث سنوات وستة أشهر، فأصابت الأرض كلها مجاعة شديدة، ولم يُرسل إيليا إلى واحدة منهن، وإنما أرسل إلى أرملة في صرفت صيدا. وكان في إسرائيل كثير من البراص في زمن النبي اليشع، فلم يبرأ واحد منهم، وإنما برئ نعمان السوري. فثار ثائر جميع الذين في المجمع عند سماعهم هذا الكلام. فقاموا وأخرجوه إلى خارج المدينة وساقوه إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه ليلقوه عنه، ولكنه مر من بينهم ومضى.
نظرة عامة:
أتى يسوع هيكل النّاصرة ليقرأ الفصل 61 من إشعيا؛ هذا عمل العناية الإلهية ليتم إعلان عصر الخلاص المسياني الذي يبدأ به الآن (أوريجنس). هذا النص وهـذا الحدث يـعـلـنـان أن يسـوع هـو إله وإنسان (كيرلس الإسكندري). لقد مسح الروح يسوع في أثناء اعتماده من أجلنا لنتحد به بتناولنا من جسده، والروح فيه (كيرلس الإسكندري).
انطباق الفصل 61 من إشعيا على يسوع يعلن جوهر بشارته للفقراء وحاضر الآن في العالم ليعتق الأسرى (إفسافيوس). فهذا الفصل نبوة للخلاص المسياني الانقضائي الذي ينبلج الآن في العالم ببشارة يسوع في سنة رضا الرب (أوريجنس).
بعد الانتهاء من قراءة فصل إشعيا كانت عيون الملتئمين في المجمع شاخصة إلى يسوع الكلمة الذي صار جسدا (أوريجنس). بلفظة «اليوم» يعلن يسوع في الناصرة أن سنة رضـا الـرب حـاضـرة الآن فـيـه وفي بشارته (كيرلس الإسكندري). اهتاج بعض الناس غضبا من رسالة يسوع (كيرلس الإسكندري)، فرفضوه حسدا (أمبروسيوس). تعلن موعظة يسوع الأولى في لوقا الإنباء بالمسيح وبتعليمه ومعجزاته، وتعلن رفض بعض الناس له (كيرلس الإسكندري). يتم أهل الناصرة نبوته برفضهم له (كيرلس الإسكندري). يـفـلـت مـن أيـديـهـم الـقـاتلـة بمعجزة، لأن ساعته لم تكن قد أتت بعد (أمبروسيوس).
16:4- 21 يقرأ يسوع الكتاب ويعلن إتمامه
كان اخـتيار إشعيا عـمـل الـعـنـايـة الإلهية.
أوريجـنـس: لـم يـكـن فـتـح يسوع للسفر وقراءته للتلاوة المتعلقة به أمرا عارضا. إنه عمل العناية الإلهية. (مواعظ على لوقا 32. 4)
بقراءة إشعيا يظهر يسوع أنه إله وإنسان معا.
كيرلس الإسكندري: لقد حان الآن وقت أن يعلن يسوع عن هويته لليهود. فسر تجسده يتوهج من الآن وصاعدا على الذين لم يعرفوه. الآن مسحه الآب ليخلص الـعـالـم، فيأمر بحكمة أن ينتشر خبره انتشارا واسعا. هذا الفضل يمنح لأهـل الناصرة أولا، لأنه، بشريا، شب بينهم. لما دخل الهيكل أخذ الكتاب وفـتـحـة واختار فصلاً من الأنبياء يكشف سره. بهذه الكلمات يخبرنا بوضوح على لسان النبي أنه صار بشرا وجاء ليخلص العالم، نحن نبشر بأن الابن مسح لأنه شابهنا بالجسد، واتخذ طبيعتنا. ولكونه إلها وإنسانا، أعطى الخليقة الروح بطبيعته الإلهية، هذه الروح التي تسلمها من الله الآب بطبيعته البشرية. هو يقدس الخلـق كـلـه بـإشراقه من الآب القدوس وبهبة من الروح، فينزل روحه على الـقـوات الشـمـاويـة وعلى الذين يعترفون بظهوره. (تفسير القديس لوقا 12. 2)
مسح الروح يسوع لأجلنا لا لأجله.
كيرلس الإسكندري: بهذه الكلمات يعلن يسوع بوضوح أنه أفرغ ذاته واتضع متخذا اسم المسيح وحقيقته من أجلنا. يقول «إنّ الروح الذي كان ومـا يـزال فـي بـالجوهر نفسه وباللاهوت نزل عليَّ من الخارج. ففي الأردن حل علي بشكل حمامة، لا لأنه لم يكن في، لكن ليمسحني». لماذا اختار أن يمسح؟ لأن تلك الإدانة القديمة أعدمتنا الروح، قال: «لا تدوم روحي في الإنسان إلى الأبد، فهو بشر».( تفسير القديس لوقا 12)
تبشير الفقراء.
إفسافيوس: إن مخلصنا بعد أن تلا هذه النبوة في المجمع على مسامع جموع اليهود، طوى السفر وقال: «اليوم تمت هذه الآية بمسمع منكم». بدأ تعليمه من تلك النقطة. فبدأ يبشر الفقراء بالإنجيـل مـطـوبـا إيـاهـم أولا: «طوبی للـمـسـاكـيـن بـالـروح لأن لـهـم مـلـكـوت السّماوات». ثم أعلن الغفران للذين كانت الأرواح الشريرة قد كبلتهم كعبيد لها منذ زمـن طـويـل. لقد دعا الجميع إلى التحرر والـتـخـلـص مـن ربط الخـطـيـئـة لمـا قـال: «تعالوا إلي يا جميع المتعبين والرازحين تحت أثقالكم وأنا أريحكم».
للعميان أعاد البصر، فأعطى قوة النظر للمكفوفين. وقاد إلى الحق الذين كانوا من قـبـل عـمـيـان الـعـقـول، بإظـهـار نور الدين الحقيقي لهم. النبوة التي أمامنا تدل على أن المسيح هو مصدر البشارة وينبوعها، وبأن تلاميذه سيأتون بعده مبشرين بما بشر به وناهجين النهج نفسه: «ما أجمل على الجبال أقدام المبشرين، المنادين على مسامعنا بالسّلام».
هنا يقول بشكل خاص إن أقدام المبشرين بالمسيح جميلة. وكيف لا تكون جميلة، فقد طوت في وقت قصير الأرض كلها، وملأت كل مكان بالتعليم المقدس حول مخلص العالم؟ برهان الأناجيل (88.1.3,a89-c.)
الحرية للأسرى في سـنـة الـرضـا.
أوريجنس: يجب أن نعتبر ما تكلم به الله على لسان النّبي، وما أعلنه من بعد في المجمع. يقول: «أرسلني لأبشر المساكين». «المساكين» هم الأمم… التي لا تملك شيئا البتة: لا إلها، لا شريعة، لا أنبياء، لا عدالة، ولا فضيلة من الفضائل. لماذا أرسله الله ليبشر الفقراء؟ «ليطلق الأسرى». كنّا أسرى، فقد قيدنا إبليس وأسرنا سنوات وسنوات. لذلك أتـى يـسـوع «ليعلن إطلاق الأسرى، ويـعـيـد الـبـصـر إلـى الـعـمـيـان». بكلمته وبتعليمه يعاد البصر إلى العميان. لذلك تفهم أن «مـنـاداتـه تـتـوجـه «للعميان» و«للأسرى» أيضا.
«أرسلني لأنادي للأسرى بالحرية..» فمن كان محطما ومسحوقا كذاك الذي شفاه يسوع وأرسله؟» «وأعلن سنة رضا الله…» أعلن كل هذا لتبلغ سنة قبول الرب لنا، عندما نستعيد بصرنا وتتساقط عنا سلاسلنا، ونشفي من جروحنا. (مواعظ على لوقا 32. 4-5)
لتكن عيون كل جماعة شاخصة إلى يسوع، كلمة الله.
أوريجنس: لما قرأ يسوع هذا الفصل «طوى السفر فأعاده إلى الخادم وجلس. وكانت عيون أهل المجمع كلهم شاخصة إليه». الآن إذا شئتم فعيونكم تستطيع أن تكون شاخصة إلى المخلص في هذا المجمع، هنا في هذا الاجتماع. عندما توجهون بصائركم إلى الحكمة والحق وإلى الثملي بابن الله الأوحد، فـإنـكـم تـرون يسوع. طوبى للجماعة التي يلمح الكتاب المقدس إلى أنـهـا كـانـت عـيـون أفرادها شاخصـة إلـيـه». كـم أتـمـنـى أن تـكـون بصائركم (بصائر الموعوظين والمؤمنين، والـنـسـاء، والرجال، والأطفال) – بصائر النفس لا أبـصـار الجسد – شاخصة إلى يسوع. عندما تنظرون إلـيـه ينعكس نور حدقته على وجوهكم فتتألقون وترددون: «لقد ارتسم نور وجهك علينا يا رب». لك المجد والقدرة إلى أبد الآبدين. آمين. (مواعظ على لوقا 32. 6)
اليوم تمت كلمة إشعيا في آذان أهل الناصرة.
كيرلس الإسكندري: هذه الكلمات قرئت بمسمـع مـن الجمـاعـة الـتـي كـانـت عيونها شاخصة إلى يسوع، وربما تساءلت كيف قدر على أن يقرأ من دون أن يعلمه أحد. كان اليهود يقولون إن الإنباء بالمسيح يتم إما في شخص بعض . عظماء ملوكهم، أو في نبي من الأنبياء القديسين. لم يفهموا فهما صحيحا ما كتب عنه، لذلك أخطأوا الهدف، فانحرفوا عن الصراط المستقيم. يحترز بعناية من الخطأ فيقول: «اليوم تمت هذه الآية بمسمع منكم» لئلا يسيئوا مرة ثانية فـهـم الـثـبـوة الحاضرة. انتصب خصوصا أمامهم وهو يتلو هذه الكلمات، فهو الشخص الذي تعنيه النّبوة. كان هو من بشر الوثنيين بملكوت السماء. كانوا بسطاء، لا شيء عندهم، لا إله، لا شريعة، لا أنبياء، وبشر بالإضافة كل الذين يفتقرون إلى الثروات الروحية. أعتق الأسرى، أسقط إبليس المستبد المرتد، وأشرق بثوره الإلهي الروحاني على الذين أظلمت قلوبهم. قال: «جئت نورا إلى العالم».(١٢) كان هو من فك سلاسل الخطيئة عن الذين حطمت السّلاسل قلوبهم. أوضح أن هناك حـيـاة آتية، وأن الأثمة سيدانون ويلـقـون عـقـابـهـم العادل. أخيرا، كان هو من بشر بسنة رضا الرب التي أعلن فيها عن المخلص. أميل إلى الظن أنه بقوله سنة الرضا عنى مجيئه الأول، وبـيـوم الإعادة عـنـى يـوم الـديـن. (تفسير القديس لوقا 12)
22:4 رفض الناس ليسوع
ترفض الناصرة ابن النجار.
كيرلس الإسكندري: لم يدركوا أن من مسحه الله وأرسله هو الصانع العجائب، لذلك رجعوا إلى عاداتهم، وقالوا عنه أقوالا تدل على حمق وجهل. دهشهم كلام النّعمة يتدفق من فمه. لكنّهم أرادوا أن يحقروه بأصله. قالوا: «أليس هذا هو ابن يوسف؟» لكن أيحط هذا من قدر الذي يجري المعجزات؟ وهل كونه ابـن يـوسـف كـمـا يـسـمـونـه يـجـرده من منزلته؟ ألا تراه يجري المعجزات؟ ألا ترى إبليس يسقط، وتقهر فلوله، وتنقه الجموع من أمراض وأوبئة؟ أنت تـمـدح النعمة الحاضرة في تعاليمه، فلم تحط من قدره كما يفعل اليهود لاعتقادك بأن يوسف هو أبوه؟ يا للشخف! حقا قيل عنهم «أنظروا! إنهم حمقى. شعب فقد الحس، لهم عيون ولا يبصرون، لهم أذان ولا يسمعون». (تفسير القديس لوقا 12)
4: 23- 27 حديث يسوع عن رفض شعبه له
الـنـاصـرة ترفض يسوع حسداً:
أمبروسيوس: يشرح المخلص بترو سبب عدم إجراء المعجزات في وطنه، لئلا يخفض جناح حبه لوطنه، ومن أحب كل شيء لا يسعه إلا أن يحب أبناء وطنه. أما الذين يحسدون وطـنـه فـيـحـرمـون أنفسهم من المحبة، إذ إن «المحبة لا تعرف الحسد ولا التفاخر» وطـنـه ليس في عوز إلـى البركات الإلهية. أليست ولادة المسيح هناك عظمى المعجزات؟ أوتـرى الأضرار التي يسببها الحسد. وطنه تأهل لأن يولد فيه ابن الله ويعمل فيه كمواطن، لكن الحسد أنطق أهل البيت بأنه ليس جديرا بهذا الشرف. (عرض القديس لوقا 4. 47)
في رفض يسوع تتم النبوة.
كيرلس الإسكندري: وبخهم لتساؤلهم الغبي: «أليس هذا هو ابن يوسف؟» يلتزم هدف تعليمه فيقول: «الحق أقول لكم: لا يقبل نبي في وطنه». وكما أشرت، فقد أثبت بعض اليهود أن النبوات المتعلقة بالمسيح تمت في الأنبياء القديسين، أو في بعض رجالهم المميزين. لمصلحتهم يبعدهم عن افتراض كهذا. قال إن إيليا أرسل إلى أرملة، وإن النبي أليشع السوري الأبرص. بهما يشير إلى كنيسة الوثنيين الذين كانوا سيقبلونه ويشفون من برصهم، بعد أن رفض إسرائيل أن يتوب. (تفسير القديس لوقا 12)
28:4- 29 رد فعل الناس الغاضب
غضب الناصرة يؤدي إلى محاولة قتل يسوع.
كيرلس الإسكندري: أخرجه أهـل الـنّـاصـرة إلى خارج مدينتهم، معلنين بعملهم هذا إدانتهم له. أكدوا مـا قـاله المخلص. أبعدوا أنفسهم عن المدينة العلوية برفضهم المسيح. ولئلا يدينهم على إثمهم بالكلام فقط، أجاز لازدرائهم أن ينتقل إلى الأفعال. كان عنفهم غير منطقي وحسدهم غير مبرر، جاؤوا به إلى حافة الجبل ليلقوا به منها إلى الـوهـدة. لكنّه مر من بينهم ومضى غير مكترث بمحاولتهم. لم يرفض أن يتألم – فهو جاء ليتألم – لكن سيتألم في الوقت الذي حدده. الآن، وفي أول وعظه، سيكون الوقت غير مناسب ليتألم قبل أن يعلن كلمة الحق. (تفسير القديس لوقا 12)
30:4 مر من بينهم ومضى
وقت آلام يسـوع لـم يـأت بـعـد.
أمبروسيوس: يـتـكـلـم يـسـوع على دنس اليهود، الذي أنبأ به الرب منذ عهد بعيد على لسان النبي، فكاتب المزامير توقع هذا في آية مزمورية معلنا أنه سيتألم عندما يـكـون فـي الجسد. يقول: «يجـازونني عن الخير شرا» لقد تم هذا في الإنجيل. لما وزع نعمه على الناس ألحقوا به الأذى. لا عجب إذا خسر الخلاص أولئك الذين أخرجوا المخلص خارج أمتهم.
في الوقت نفسه، عليك أن تدرك أنه لم يتألم بالجسد قسريًا، بل طوعيا، لم يسقه اليهود، بل قدم نفسه طوعا. يساق متى شاء. يلقى القبض عليه بدون إرادته. جاؤوا به إلى حافة الجبل ليلقوه منها. لكن عقول الرجال الهائجين تغيرت أو ارتبكت فجأة. مر من بينهم ومضى، لأن ساعة آلامه ما كانت قد أتت بعد. إنه يفضل شفاء اليهود، بدلاً من تدميرهم، لكي يكفوا، بسبب فشلهم الكبير، عن السعي إلى ما يعجزون عـن بـلـوغـه، (عـرض القديس لوقا 4. 55)
31:4- 44 يسوع يعلم الناس ويشفي المرضى في كفرناحوم
” ونزل إلى كفرناحوم، وهي مدينة في الجليل، فأخذ يعلمهم في السبت. فتعجبوا من تعليمه لأنه كان يتكلم بسلطان.وكان في المجمع رجل فيه روح شيطان نجس، فصاح بأعلى صوته : «آو! ما لنا ولك يا يسوع الناصري! أجئت لتهلكنا؟ أنا أعرف من أنت: أنت قدوس الله». فانتهره يسوع قال: «اخرس واخرج منه!» فصرعه الشيطان في وسط المجمع، وخرج منه، من غير أن يمسه بسوء. فاستولى الرعب عليهم جميعا، وقال بعضهم لبعض: «ما هذا الكلام؟ إنه يأمر الأرواح النجسة بسلطان وقوة فتخرج». فذاع صيته في كل مكان من تلك الناحية. ثم ترك المجمع ودخل بيت سمعان. وكانت حماة سمعان مصابة بحمى شديدة فتوسلوا إليه من أجلها، فانحنى عليها، وزجر الحمى ففارقتها، فنهضت من وقتها وأخذت تخدمهم.
وعند غروب الشمس، أخذ جميع الذين عندهم مرضى على اختلاف عليهم يأتونه فكان يضع يديه على كل واحد منهم فيشفيه. وكانت الشياطين أيضا تخرج أناس كثيرين وهي تصيح: «أنت ابن الله!» فكان ينتهرها ولا يدعها تتكلّم، لأنها بهم. عرفت أنه المسيح.
وخرج عند الصباح، وذهب إلى مكان مقفر، فسعت إليه الجموع تطلبه فأدركته، وحاولوا أن يتمسكوا به لئلا يرحل عنهم، فقال لهم: «يجب علي أن أبشر سائر المدن أيضا بملكوت الله، فإنني لهذا أرسلت». وكان يُبتشر في مجامع الجليل.
نظرة عامة:
يظهر يسوع بعد تبشيره في الناصرة، في مجمع كفرناحوم ليثبت ما علم به في الناصرة بمعجزات الشفاء التي تظهر أنـه هـو الـطـبـيـب المـاهـر لـخـلـيـقـته (كيرلس الإسـكـنـدري). يبدأ الخلق الجديد حيث ينتهي الخلق القديم – في يوم السبت (أمبروسيوس). يـظـهـر يسوع أنه حاضر ليـطـلـق الـرجـال والـنـسـاء مـن العبودية (أمبروسيوس). يشهد تعليمه، وطرده للشياطين، وشفاؤه المرضى، على ما لكلمته من سلطان، لاسيما عندما ينتهر الأرواح النجسة (كيرلس الإسكندري). ينتهر الشياطين التي تسميه «ابن الله»، الـتـي تـعـرفـه أنـه المـسـيـح، فـتـخـرج مـن الممسوسين (كيرلس الإسكندري). لكن علينا أن لا نستمع للشياطين البثة، حتى عندما تنطق بالحق (أثناسيوس). يشجع يسوع تلاميذه على توبيخ الخطأة، وعلى طـلب الـغـفـران لـهـم إذا تـابـوا فـيـسـوع هـو الطبيب الأمثل الذي جاء ليشفينا من حمى خطايانا (جيروم)، إن العلامات المسيانية لعصر الخلاص الجديد حاضرة في المسيح (أثناسيوس). ينبع شفاء الخلق من جسد يسوع المقدس (كيرلس الإسكندري). ليس ملكوت الله سوی ملكوت خالق كل شيء، يسوع المسيح نفسه، الذي جاء ليعيد خلقنا (ترتليان).
41-31:4 انتهار يسوع للشياطين وشفاؤه الأمراض
تشهد المعـجـزات على أن يسوع الـطـبـيـب يـشـفـي الخليقة.
كيرلس الإسكندري: إن الذين لا يهتدون بالكلمة إلى معرفة من هو بالطبيعة وبالحقيقة الله والرب قد تستقطبهم المعجزات إلى طاعة أحكامه. إنه يستجلبهم إلى السر الإلهي بما يقوم به من أعمال عظيمة. كان اليهود غير مـؤمـنين، وعلى الأخص مـنـهـم شـكـان كـفـرنـاحـوم، وكـانـوا يزدرون كلام الذين كـانـوا يـدعـونـهـم إلـى الخلاص. فـوبـخـهم المخلص وقال: «أترتفعين إلى السماء؟ لا، إلى الجحـيـم ستهبطين». رغم معرفته بأنهم متمردون وقساة القلوب، افتقدهم كما يفتقد الطبيب الماهر الذين يشكون من مرض خطير، ويسعى إلى إسعافهم. هو نفسه قال: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى».) علم في مجامعهم بحرية تامة، كما كان قد أنبأ على لسان إشعيا: «لا أتكلم في الخفية، ولا في موضع مظلم من الأرض».(تفسير القديس لوقا 12)
بدء خلق جديد.
أمبروسيوس: بدأ عمل الشفاء الإلهي في يوم السبت، ليظهر أن الخلـق الجديد يبتدئ حيث ينتهي الخلق القديم. أرانا أن ابن الله لم يكن تحت أحكام الشريعة، بـل فـوقـهـا، وأنها لا تنقض، بل تتمم. فالعالم لم يصنع بالشريعة، بل بالكلمة، كما نقرأ: «بكلمة الرب تأسست السّماوات». لذلك، لم تنقض الشريعة، لكنّها تمت، لتجديد الإنسان الضال. يقول الـرسـول: «اخـلـغـوا عنكم الإنسان القديم، والـبـسـوا الإنسان الجديد، المخلوق بحسب المسيح». على نحو ملائم بدأ عمله في السبت، ليظهر نفسه كخالق. (عرض القديس لوقا 4. 58-59)
يشـفـي يـسـوع الـرجـال والـنـسـاء.
أمبروسيوس: أحسن القديس لوقا بوضعه أمامنا الرجل المتحرر من الروح النجس، ومن ثم شفاء امرأة. فقد جاء الرب ليشفي الجنسين، أولا الرجل، لأنه خلق أولا. أما المرأة، التي خطئت لتقلب في عقلها، فيجب ألا تهمل. (عرض القديس لوقا 4. 57)
تظهر قوة كلمة يسوع في طرده للشياطين.
كيرلس الإسكندري: لما شاهد النّاس عظائمه أدهشتهم قدرة كلمته. فقد أجرى معجزاته من دون أن يرفع صلاة، ومـن دون أن يـطـلـب مـن أحـد الـعـون على إتمامها. بما أنه الكلمة الحي لله الآب، الذي فيه يوجد كل شيء، فقد سحق في شخصه إبليس، وسد أفواه الشياطين الأنسة. (تفسير القديس لوقا 12)
تعرف الشياطين القذرة أن يسوع هو المسيح.
كيرلس الإسكندري: يحظر يسوع على الشياطين الذميمة أن تعترف به. فلا يحق لها اغتصاب مجد المقام الرسولي، أو التلفظ بسر المسيح بألسنة قذرة. فلا صدق في أمـر تـقـولـه لا تثقوا بها. لا تستعينوا بالظلمة على الكشف عن الثور، هكذا يعلمنا تلميذ المسيح، بـقـولـه: «أي تحالف بين المسيح وإبليس؟ وأي شركة بين المؤمن وغير المؤمن؟»(تفسير الـقـديـس لـوقـا 12. 41)
لا نسمعن أبدا للشياطين.
أثناسيوس: إن الرب نفسه أسكت الشياطين ومنعها من الكلام حتى عندما كانت تنطق بالحق، فقد أخرسها عندما قالت: «أنت هو ابن الله». فعل هذا ليمنعها من زرع شرها وسط الحق. يريدنا أن نتجنب الإصغاء إليها ولو نطقت بالحق. (سيرة القديس أنطونيوس 26)
يسـوع هـو الـطـبـيب الأمثل.
جيروم: «كـانـت حـمـاة بـطـرس مـصـابـة بحمى شديدة». ليت المسيح يأتي بيتنا ويدخله، ويـشـفـي بـأمـره حمى خطايانا. كل منّا مريض بالحمى. فكلما اضطرم غيظي كنت مصابا بالحمى. هناك أنواع عديدة منها على قدر خطايانا ورذائلنا. فلنتوسل إلى الرسل ليشفعوا بنا عند يسوع، ليأتي إلينا ويلمس يدنا. وعندما يفعل ذلك تفارقنا الحمى. المسيح هو الطبيب، رئيس الأطباء جميعهم. موسى طبيب. وإشعيا طبيب. كل القديسين أطباء. لكنه هو الطبيب بامتياز. (موعظة 76، على مرقس 1)
تعترف الشياطين بأن ليسوع السيادة على الموت.
أثناسيوس: من لا يؤمن به غير الأتقياء، تراه الشياطين أنه هو الله. لذلك تسجد أمامه وتفر وهي : تقول ما كانت تقـولـه عـنـه وهـو مـا يـزال في الجسد. (في التجسد 32.5.)
يشفي جسد يسوع المقدس خليقته.
كيرلس الإسكندري: وضع يسوع يديه على المرضى واحـدا بـعـد الآخر، وأعـتـقـهـم مـن مرضهم. أظـهـر أن الجسد المقدس، الذي جعله جسده الخاص، تسلم قدرة إلهية، وامتلك حضورا فعالا للكلمة. ابتغى أن يعلمنا أن كلمة الله الابن الأوحد صار مثلنا، في حين أنه لم يفتأ عن أن يكون الله دخل يسوع بيت بطرس، حيث كانت المرأة طريحة الفراش، مصابة بحمى عنيفة. كإله كان يمكن أن يقول: «ليبتعد عنك المرض، قومي»؛ لكنه اختار أن يبين أن جسده يملك قدرة الشفاء، لأنه جسد الله، لذلك لمس يـدهـا قـال الإنجيلي «وللـحـال فـارقتها الحمى». فلتقبل إذا يسوع. عندما دخل فينا، قبلناه في العقل والقلب، لذلك ستفارقنا حمى اللذات الضارة. هو سيقيمنا ويشددنا في الأمور الروحية، لتخدمـه بـالقيام بما يرضيه. (تفسير القديس لوقا 12)
4: 42- 44 يسوع يعلن بشرى ملكوت الله
ذهب إلى مكان مقفر.
ترتليان: «ذهب إلى مكان مقفر…» كان ملائما لأن يظهر فيه الكلمة في الجسد، كما ظهر من قبل في السحابة… كان قد أنبئ به: «لتفرح البرية وليبتهج المكان المقفر» كـمـا قـال إشعيا. (خمسة كتب ضد مركيون 8.4)