تفسير صموئيل الثاني ٩ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح التاسع

داود ومفيبوشث

عادة إذ يستريح الإنسان ويستقر ينسى الماضي بآلامه ويتجاهل مشاعر الغير، أما داود النبي والملك صاحب القلب الكبير فنجاحه واستقراره دفعه بالأكثر إلى بحثه عن راحة الآخرين. لقد أراحه الله من جميع أعدائه، وبعد موت شاول ويوناثان بحوالي ١٥ سنة لم ينس عهده مع يوناثان (١ صم ٢٠: ١٤-١٧)، فبدأ يسأل إن كان قد بقى أحد من بيت شاول لكي يصنع معه إحسانًا من أجل يوناثان. سمع عن مفيبوشث بن يوناثان، الأعرج الرجلين، فاستدعاه ليرد له حقول جده شاول ويقيمه ضيفًا دائمًا يأكل معه على مائدته كأحد أفراد أسرته.

١. داود يستدعي مفيبوشث [١-٦].

٢. داود يرد له حقول شاول          [٧-١٣].

١. داود يستدعي مفيبوشث:

من العادات القديمة أن يقتل الملك الجديد كل نسل الملك السابق لئلا يقاوموه ويطلبوا المُلك لأنفسهم (٢ مل ١١: ١)، أما داود النبي فأدرك أنه لم يستلم المُلك من يد إنسان بل من الله، ولأنه لم يضع قلبه على المجد الزمني بل مجد الله لذا لم يخف على كرسيه ولا طلب قتل نسل شاول، إنما على العكس إذ استقر بدأ يبحث عمن بقى من نسل شاول ليصنع معه معروفًا [١].

استُدعى صيبا عبد شاول ووكيله قبل موته، فامتثل أمام داود الملك وأخبره بأنه يوجد بعد ابن ليوناثان أعرج الرجلين [٣]، وأنه في بيت رجل غني يدعى ماكير بن عمِّيئيل في لودبار بجلعاد شرق الأردن (“ماكير” معناه “مُبتاع”).

“صيبا” اسم آرامي يعني “غصنًا”[50]، كان خادمًا أو عبدًا للملك شاول. حُرر[51] ربما في وقت تغلب الفلسطينيين على شاول. وكان أبًا لعائلة كبيرة واقتني عبيدًا.

٢. داود يرد له حقول شاول:

كان داود النبي والملك نبيلاً للغاية في تعامله مع مفيبوشث، كريمًا في عطائه له:

أ. تحدث معه وهو صبي صغير السن وأعرج كإنسان معجب به، يُسر بالحديث معه، ذي كرامة… لقاء داود معه كان أثمن بكثير وأعظم من الحقول التي رُدت إليه، إذ أعطاه ما يريح نفسه الداخلية ويشبعها، الأمر الذي لا تقدر كل مقتنيات العالم أن تهبها للإنسان. هذا ما دفع القديس بولس أن يطالبنا بتقديم قلبنا (الحب) للمحتاجين قبل تقديم الأموال أو العطايا المادية. يقول الرسول: “وإن أطعمت كل أموالي وإن سلمت جسدي حتى أحترق وليس لي محبة فلا أنتفع شيئًا” (١ كو ١٣: ٣).

ب. يبدو أن مفيبوشث كان خائفًا أن يقتله الملك، لذا طمأنه داود قائلاً له: “لا تخف، فإني لأعملن معك معروفًا من أجل يوناثان أبيك” [٧]. ما زرعه يوناثان من حب خالص وأمانة في صداقته لداود يجنيه ابنه مفيبوشث بعد موت أبيه بسنوات.

ج. قدم داود حبًا عمليًا له: “أرد إليك كل حقول أبيك” [٧]، وطلب من صيبا (يبدو أنه رجل طماع وخبيث أراد فيما بعد عندما طُرد داود أن يغتصب هذه الممتلكات) أن يعمل هو وبنوه وعبيده في حقول شاول لحساب حفيده مفيبوشث.

د. أخيرًا حسبه كأهل بيته: “وأنت تأكل خبزًا على مائدتي دائمًا” [٧]… لم يحتمل مفيبوشث هذا الكرم الشديد والحب المتدفق والرقة غير المتوقعة حتى وهو أعرج” سجد وقال: من هو عبدك حتى تلتفت إلى كلب ميت مثلي؟![٨].

سبق أن سجد داود ليوناثان بكونه ولي العرش (١ صم ٢٠: ٤١)، وها هو ابن يوناثان يسجد لداود كملك.

داود في سخائه يرمز للسيد المسيح ، الذي يدعونا إليه لنلتقي معه كأحباء؛ ينزع عنا الخوف، ويرد إلينا ما فُقد منا (الطبيعة الصالحة التي خلقنا عليها) كما وهبنا أن نجلس على مائدته السماوية نتناول جسده ودمه المبذولين سر خلاص وتمتع بالحياة الأبدية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى