تفسير رسالة رومية اصحاح 10 للأنبا أثناسيوس مطران بني سويف

الاصحاح العاشر
دخول الأمم

‏هنا بداية تخالف في نغمتها بداية الاصحاح السابق ، فهناك حزن وهنا دعاء ورجاء ففي الآيات الأولى يقـول « أن لهم ( لليـهـود ) غـيـرة الله ولكن ليس حسب المعرفة . لأنهم إذا كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله . لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن” (10: 1-4). أي أن غاية الناموس هي الـوصـول لـبـر المسيح ، ولذلك فالذيـن اهتمـوا بأثبات برهم الذاتى أخطأوا الفهم ولم يصلوا إلى بر الله.

أن بر المسيح هو في عدم الخضوع للجسد أي للانسان العتيق فينا هو البر الذي بالفداء وحلول الروح القدس ، ولذا ثماره واضحة . كثيرون يظنون البر في أداء واجبات الصلاة فقط ، ومتى أدوها يشعرون أنهم أبرار . وكثيرون في غيرتهم لمعتقدهم يكرهون غيرهم ويضطهدونهم معتبرين أنهم يؤدون خـدمـة الله . وغيرهم يتعنف في الكلام والتصرف ، ويظنـون أنهم يعلنون الحق وينتـهـرون المخطئ ، وآخرون بسياسة وطول أناة ماكرة يدورون بالذي أمامهم حتى يضيق عليه الخناق ويسلم بما يريدون ويعتبرون أنفسهم أبرارا لأن الغير وافق أخيرا وعن اقتناع كما يدعون . ومن الغريب أن كلا من هؤلاء يلتقط آية أو مـوقـفـا من الكتاب ويخرجه عن موضعه ويستعمله لإثبات صحة عمله . فالذين يكتفون بالعبادة يقولون و لك ينبغى التسبيح يا الله في صهيـون ، ولك توفى النذور يا سامع الصلاة إليك يأتى كل بشر ، (مز 65: 1-2) . والذين يستعملون القـسـوة يقولون الرب أمسك بسوط من حبال ، والروح قتل حنانيا وسفيرة. والذين لا يكـفـون عن تأنيب غـيـرهـم يـقـولـون “أعكف على ذلك في وقت مناسب وبح، انتهـر، عظ ” (2تی4: 2) والذين يمكرون ويستعملون الدهاء يقولون قال الرسول بولس لأهل كورنثوس ” لكن اذ كنت محتالا أخذتكم بمكر” (2کو12: 16). والكتاب برئ من كل هذا التعلل ، لأن العبارات في مواضعها لها معان اخرى والرسول يصحح فكر اليهود بقوله لأن موسى يكتب في البر الذي بالناموس أن الإنسان الذي يفعلها سيحيا بهـا ( لا18: 5) أي يعتبر نفسه متمما للناموس . « وأما – والكلام مستمر عن موسى – البر الذي بالإيمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليحدر المسيح ، أو من يهبط إلى الهاوية أي ليصعد المسيح من الأموات لكن ماذا يقول الكلمة قريبة منك في فمك وفى قلبك ( تث30: 12- 14 ) أي كلمة الإيمان التي نكرز بها ، لأنك ان اعـتـرفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الاموات خلصت . لأن القلب يؤمن به للبر ( الصلاح الداخلي = الحياة الجديدة ) والفم يعترف به للخلاص ( رو10: 5 – 10 ) فالذين يكتفون ببرهم الذاتي يخسرون بر المسيح الذي يعطى الحياة الحقيقية والرسول هنا يشتهى أن يرى اليهود يؤمنون .

( رو10: 12-18) كلمـة يدعـو هنا المكررة مـرتـين مـعناها يؤمنون . ولذا يقول كيف يدعون بمن لم يؤمنوا به ، وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به ، وكيف يسمعون بلا كارز وكيف يكرزون إن لم يرسلوا . هنا تقدم في الشهادة للرب ، من الإيمان إلى الكرازة ، ووضع وحفز للنظام . والحقيقة إن الله يعمل دائماً من خلال البشر . ففي نشر الإيمان أي الكرازة يحتاج إلى كارزين ، وفي رعاية الشعب يحتاج إلى معلمين ورعاة ، وفي استغلال القوة التي وضعها في البذور أو الزراعة لابد من زارعين ، وهكذا وكلما اجتهد الإنسان ازداد عمل الله فيه . ( من له يعطى فيزداد ، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه ( مت25: 29) . فالجسم الذي يشتغل تنمو عضلاته ، والمال الذي يتجربه يزداد ، والنعمة التي نتأمل فيها ونزيدها بكلمة الله والحياة الأمينة تزداد « قال الكسلان الأسد في الشارع ، (أم26: 13) والرب لكي ينشر الإيمان أقـام رسلا ، وأهلهم ودربهم وأيدهم بالروح وأرسلهم.

والرب لكى يخلص الإنسان احتاج جسداً. والحقيقة أن الخدمة والنجاح لا يأتيان إلا بثلاثة أمور .. المعرفة والاندماج والمثابرة . والمقصـود والنجاح بالاندماج هنا اندماج الإنسان في ظروف العمل الذي يعمله . فمن اراد أن ينمى مجتمعاً أو يرفع بشأن فرد لا بد أن يندمج في ظروفهم فيحبهم ، ويعرف امكانياتهم الكامنة ، ويتعامل معهم كرفيق ويرتفع معهم إلى استعماله القدرات وتكوين الخبرة واحترام الذات والاحساس بالنجاح فعل كل المصلحين الاجتماعيين الحقيقيين والكارزين الناجحين . وهكذا فعل الرب مع البـشـرية وهذا هو التجسد الالهى ومعنى اعتناق المشكلة للوصول لحلها « وكيف يسمعون بلا كارز وكيف يكرزون إن لم يرسلوا ، فكثير من الذين توصلوا لعلاج أمراض ، بدأوا بمعايشة المرضى ناسين كل خطورة وبعضهم أصابته تلك الامراض . والمخترعون كمخترعى الطائرة مثلا ضحوا بحياتهم في التجارب التي قاموا بها واصيب ومات بعضهم حتى تم الاختراع وعمت فائدته للبشرية . وهكذا الرسل الذين جابوا المسكونة ولازال الإيمان يطلب آخرين على شاكلتهم ليعرف البعيدون والمتباعدون بكل وسيلة طريق الخـلاص . وحينئـذ مـا أجـمـل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات . (1ش52: 7)

رو10: 19-21 الذين آمنوا من مختلف الشـعـوب تميزوا على اليهود الذين كان المسيح حسب الجسد . وكأن الله يغيرهم لكى ينتبهوا لهذا الإيمان ويقبلوه ولذا يقول « أغيركم بما ليس أمه ( شعبى ) . بأمة غبية ( حسب رأى اليهود ) اغيظكم . مثلما يحزن الرب على أولاده إن لم يطيعوه ويتمتعوا ببركات الخلاص ، ويقول « تشبهون أولادا جالسين في السوق، لاصحابهم قائلين زمرنا لكم فلم ترقصـوا . نحنا لكم فلم تبكوا».

“الحكمة تبررت من بنيها” مت11: 17 والذين يثبتون في النعمة يزدادون ويتقدمون في القداسة لان من له يعطى فيزداد.

تفسير رومية – 9 رسالة رومية – 10 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية – 11
 الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف
تفاسير رومية – 10 تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى