رو8: 37 ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا

 

وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا.“(رو8: 37)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا ” (رو37:8).

الأمر الأكثر دهشة إذا ، هو أننا لم ننتصر فحسب، بل أننا انتصرنا أيضا مع وجود مكائد أو دسائس ضدنا. وليس فقط انتصرنا بل “ويعظم انتصارنا” أي بكل سهولة وبدون جهد ومتاعب، أو تحمل للصعاب، إذ هو يقوم بإعداد الإرادة، وهكذا في كل مكان نقيم نصبا تذكاريا للإنتصار ضد الأعداء. وهذا مبرر جدا، لأن الله ذاك الذي يدعمنا . إذا لا نتشكك في أن التعذيب الذي يقع علينا، يقودنا إلى الانتصار على أولئك الذين يعذبوننا، وأنه عندما تضطهد، فإننا نتغلب على مضطهدينا، وعندما نموت نحول الأحياء ونغيرهم . لأنه في حضور قوة الله ومحبته، لا شيء يمكن أن يعيق تحقيق الأمور العجيبة والمدهشة، ولا يوجد ما يعطل إشراق الانتصار كما سبق وأشرنا . لأننا لا ننتصر فقط، بل ننتصر بطريقة عجيبة، لكي يعلم الذين يفكرون بالشر، أن الحرب لم تكن ضد بشر بل كانت ضد تلك القوة التي لا تهزم.

لاحظ إذا أن اليهود كانوا في مواجهة اثنين من المنتصرين، وتحيروا وقالوا : ” ماذا نفعل بهذين الرجلين. الأمر الأكثر دهشة هو أنه على الرغم من أنهم كانوا يحتجزونهم، ويعتبرونهم مذنبين، وسجنوهم وضربوهم، تحيروا وصاروا مرتبكين، وانهزموا بهذه الأمور ذاتها، والتي توقعوا أنهم سينتصرون بها . فلا الطغاة، ولا جموع من البشر، ولا كتيبة شياطين، ولا الشيطان نفسه، استطاع أن يهزم هؤلاء القديسين، بل ومع كل هذه القوة المضادة، فقد هزموا الجميع، رغم كل ما ابتدعوا من وسائل، بل صارت كلها ضدهم. ولهذا قال: “يعظم انتصارنا”. لأن قانون هذا الانتصار كان جديدا في أن ينتصروا بالأمور المضادة، وألا يهزموا أبدا، بل كما لو كانوا هم المتحكمون في النهاية، وهكذا يسلكون في هذا الجهاد.

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

إذ انتقل الرسول بولس من الناموس الموسوي فاضح الخطيّة دون معالج لها (ص 7) إلى ناموس روح الحياة في المسيح يسوع كاشفًا عن عمل الروح القدس فينا خلال عمل المسيح الفدائي، إذ يرفعنا من اهتمام الجسد إلى اهتمام الروح، وعوض العبوديّة يهبنا رح البنوّة لله مقدسًا نفوسنا وأجسادنا، واهبًا إيّانا القيامة الداخليّة ورجاء قيامة الأجساد أيضًا، يسندنا في كل جهادنا حتى في الضعفات، محوّلاً كل الأمور لخيرنا ليحقّق غايته فينا، ألا وهو “مجدنا السماوي”… أمام هذا العمل الإلهي العجيب الذي جاء ثمرة مجيء المسيح وبذل حياته عنّا، لم يعرف الرسول إلا أن يردّ الحب بالحب إذ ينشد لحن محبته للسيد المسيح، قائلاً:

“من سيفصلنا عن محبّة المسيح؟

أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟

كما هو مكتوب: إننا من أجلك نمات كل النهار، قد حُسبنا مثل غنم للذبح.

ولكنّنا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.

فإني متيقّن أنه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات،

ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى،

تقدر أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربنا” [35-39].

سحبت هذه التسبحة قلب الكنيسة ليشتهي أبناؤها الألم كل يوم من أجل المحبوب، ليقدّموا حياتهم ذبيحة حب لذاك الذبيح الذي سبق فبادر بالحب مقدمًا حياته مبذولة عنّا.

لم تعد الآلام والضيقات تحطم النفس، بل علّة الدخول إلى موكب الغلبة والنصرة تحت قيادة المسيح يسوع المتألم والمصلوب.

v “من أجلك نمات كل النهار”… من الواضح أننا سنرحل ومعنا أكاليل كثيرة إذ نعيش أيامًا كثيرة، أو بالحرى ننال أكاليل أكثر من الأيام بكثير، إذ يمكن أن نموت في يوم واحد لا مرة ولا مرتين بل مرات كثيرة. لأنه من كان مستعدًا لهذا يبقى ينال مكافأة كاملة على الدوام.

v لقد أظهر (الرسول) أيضًا أن أجسادنا قد صارت ذبيحة، فيليق بنا ألا نرتبك ولا نضطرب عندما يأمر الله بتقديمها.

v لأنه بالحقيقة لأمر عجيب، ليس فقط أننا غالبون وإنما غالبون بذات الأمور التي وُضعت كمكائد لنا. نحن لسنا غالبين فحسب وإنما “أكثر من غالبين”، إذ نمارس الغلبة بسهولة بلا تعب ولا مشقة، لأن الله يصارع بجوارنا، فلا تشك، فإننا وإن ضُربنا نحسب أفضل من الضاربين، وإن طردنا نغلب الذين يضطهدوننا، وإن متنا يبقى الأحياء (الذين يقتلوننا) في صراع… أنهم لا يحاربون البشر بل يقاومون القدير الذي لا يُغلب!

القدّيس يوحنا الذهبي الفم

v العبارة “ذبحت ذبحها” (أم 9: 2) تعبر عن الشهداء في كل مدينة حيث يذبحون يوميًا من أجل الحق بواسطة غير المؤمنين، صارخين بصوت عالٍ: “إننا من أجلك نُمات كل النهار، قد حُسبنا مثل غنم للذبح”.

القدّيس هيبوليتس

v ليس شيء من هذه الأمور يقدر أن يفصل المؤمنين أو ينزع الملتصقين بجسده ودمه… الاضطهاد هو اختبار للقلب وفحص له. الله يسمح به لنا لكي نمحص ونتزكى، إذ يودّ أن يزكي شعبه على الدوام، لكن معونته لا تقصر عن مساعدة المؤمنين في كل وقت وسط التجارب.

الشهيد كبريانوس

v هنا تعبير “كل النهار” يعني كل الزمان الذي فيه تحتمل اضطهادات ونذبح فيه كغنم. هذا النهار لا يعني نهارًا يحتوي على اثنتي عشر ساعة إنما كل الزمان الذي فيه يتألم المؤمنون في المسيح يموتون لأجله.

القدّيس إبريناؤس

ربّما نتساءل: هل يمكن للملائكة أو القوات أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع؟

v لم يقل هذا كما لو كانت الملائكة تحاول هذا أو القوات الأخرى، حاشا! إنما أراد أن يظهر عظم الحب نحو المسيح. فإنه لا يحب المسيح من أجل الأشياء الخاصة بالمسيح (ولو كانت السمائيين)، وإنما من أجل المسيح يحب الأشياء التي له. فيتطلّع إليه وحده، ويخاف أمرًا واحدًا هو السقوط عن محبته للمسيح. هذا الأمر في ذاته أكثر رعبًا من جهنم، أمّا التمتّع بالحب فيشتاق إليه أكثر من الملكوت.

القدّيس يوحنا الذهبي الفم

هذا وقد لاحظ القدّيس أمبروسيوس في هذا الحديث الرسولي، أن الرسول لا يميّز بين محبتنا للآب ومحبتنا للمسيح [35، 39]، علامة وحدة اللاهوت، مقدّمين كل شيء فداء حبنا لله.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (37): “ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.”

يعظم انتصارنا = في ترجمة أخرى “أعظم من منتصرين”. هذه طريقة غريبة للانتصار تشبه انتصار المسيح، الذي انتصر على الرياسات بالصليب. طريقة العالم في الانتصار هي الانتصار بالنار والسيف، أمّا طريق المسيحي في الانتصار هي عن طريق احتماله النار والسيف بإيمان وصبر، بل بهذا يصبح أعظم من منتصر، فكل ما يكسبه منتصر في معركة عالمية يخسر أمامه شيء، أمّا نحن فماذا نخسر؟! بعض الآلام.. ولكن هذه الآلام هي النار التي تنقي الذهب. حتى خسارة الجسد فهي ليست خسارة فهو تراب وأرضي. فالخسائر قليلة جدًا والمكاسب ثقل مجد أبدي ومجد وكرامة وسلام هنا على الأرض. إن من يحاربنا يحارب الله نفسه.

تأمل في الحسد:- هل نخاف من الحسد؟ حسد الناس لا يضر لأنني محفوظ في يد الله. (يو17: 11، 12). فمن يحفظه الآب والابن هل يقدر أحد أن يؤذيه. ولكننا نصلي في صلاة الشكر.. “كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان” فكل نعمة نحصل عليها تزيد حقده ضدنا، ويدبر المؤامرات ضدنا، والله يسمح بهذا ولكن نخرج من هذه المؤامرات بمكاسب عظيمة. وما يشرح هذه الفكرة ما حدث مع الملك يهوشافط راجع القصة في (2أي20) فهو لقداسته أهاج الشياطين، التي بدورها أهاجت أعداؤه ضده، لكن ماذا كانت نتيجة المؤامرة ؟! غنيمة عادوا بها وظلوا ينقلونها عدة أيام هذا معنى أعظم من منتصرين. ولكن نحن بتواضع نقول لله “لا تدخلنا في تجربة”، أمّا لو سمح الله بتجربة فسنعود أعظم من منتصرين وهكذا تواضع الأنبا أنطونيوس أمام الشياطين.

 

  •  

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى